1- مفهوم الاستعانة

الاستعانة هي طلبُ العون من الله في الوصول إلى المقصود ويكون على الأمور الدينية وعلى الأمور الدنيوية ؛ ويمكن الاستعانة بالمخلوق فيما يقدر عليه.

قَال الله تعالى:

﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾

البقرة: ٤٥

إستعينوا في كل أموركم بالصبر بجميع أنواعه، وكذلك الصلاة. وإنها لشاقة إلا على الخاشعين.

2- كلمة الاستعانة

        في

   القرآن الكريم

وردت كلمة الاستعانة  وصيغها في القرآن الكريم (١٠) مرات. والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

ورد  مرة واحدة

قَال الله تعالى:

﴿ إِنْ هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ﴾

الفرقان:٤

– الفعل المضارع

ورد  مرة واحدة

قَال الله تعالى:

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾

الفاتحة:٥

– فعل الأمر

ورد  ٦مرات

قَال الله تعالى:

﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾

البقرة:٤٥

– الاسم المفعول

ورد  مرتين

قَال الله تعالى:

﴿ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ﴾

يوسف:١٨

وجاءت الاستعانة في القرآن الكريم بمعني طلب العون .

3- الكلمات ذات الصلة

    بكلمة الاستعانة

– الدعاء

هو سؤال العبد ربه حاجته.

الصلة بين الاستعاذة والدعاء

أن الاستعانة أعم من الدعاء، فالدعاء صورة من صور الاستعانة، والاستعانة تكون بالدعاء وبغيره. فكل دعاء استعانة، وليس العكس.

– الاستعاذة

هي اللجوء والاعتصام، وطلب كف الشر.

الصلة بين الاستعانة والاستعاذة

الاستعانة أعم من الاستعاذة، فإنهما يجتمعان في طلب كف الشر، وبذلك فالاستعاذة صورة من صور الاستعانة، وتزيد الاستعانة بأنها تكون في تحصيل الخير. فكل استعاذة استعانة، وليس كل استعانة استعاذة.

-الاستغاثة

طلب الغوث والنصرة في الشدائد والأزمات.

الصلة بين الاستعاذة والاستغاثة

بينهما عموم وخصوص من وجه؛ فكل استغاثة استعانة، وليست كل استعانة استغاثة، فالاستغاثة خاصة بالشدائد والمكروبات، والاستعانة عامة فيها وفي غيرها.

– التوكل

صدق اعتماد القلب على الله في استجلاب المصالح ودفع المضار .

الصلة بين الاستعانة والتوكل

التوكل: هو تفويض الأمر، والاستعانة لا يلزم منها هذا التفويض، وبذلك تكون الاستعانة أعم من التوكل.

4- الله سبحانه وتعالى

    هو المستعان

إن المؤمن الذي يريد أن يرتقي في أشرف منازل الآخرة، لا يستطيع أن يرتقي إلا بعد عون الله وتوفيقه له؛ لذلك فالله هو المستعان على الحقيقة دون غيره من الخلق؛ لأن العبد عاجز عن الاستقلال بجلب مصالحه، ودفع مضاره، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله عز وجل.

قال الله تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾

فاطر: ١٥

فالله تعالى هو المستعان الذي بيده تحقيق النفع ودفع الضر، فلا يحصل لعبد نفع في أمر من أمور دينه ودنياه إلا بالله، فهو المستعان وحده على كل ذلك .

قال الله تعالى :

﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

الأنعام: ١٧

فالاستعانة بالله تعالى من أجل العبادات وأفضلها، والتي أمر الله بها عباده للحصول على عطائه وكرمه، لذلك كان من أعظم الكلمات التي أمرنا الله بها إذا وقفنا بين يديه في كل ركعة من ركعات صلاتنا أن نقول مخاطبين إياه تبارك وتعالى:

قال الله تعالى :

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾

الفاتحة: ٥

وهو سبحانه المستعان الذي لا يطلب العون من أحد، بل كل عبد يطلب منه العون على فعل الطاعات واجتناب المحرمات، وجلب المنافع، ودفع المضار. وهو سبحانه الغني المستعان، والخلق كلهم فقراء إليه، عبيد لديه.

5- إِستعانة الأنبياء والرسل

    بالله تعالى

وقد بين لنا ربنا في القرآن الكريم أن أنبياءه ورسله كانوا على يقين بأن الله هو المستعان لا غيره

– عن يعقوب عليه السلام

لما أتاه بنوه يخبرونه أن يوسف عليه السلام قد مات

قال الله تعالى :

﴿ وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ  وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ﴾

يوسف: ١٨

فأخبرهم أنه لا يستطيع ولا يطيق أن يتحمل وقع هذه الكلمات، أو يتحمل أثر هذه الكلمات، أو يتحمل فقدان هذا الوليد الحبيب إلى قلبه عليه السلام إلا بأن ينزل عليه العون والتأييد والتثبيت من الله تبارك وتعالى، فكان من يعقوب عليه السلام التسليم لأمر الله تعالى وتوكلٌ عليه.

– عن موسى عليه السلام

قال الله تعالى :

﴿ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾

الأعراف: ١٢٨

قال موسى لقومه – من بني إسرائيل -: استعينوا بالله على فرعون وقومه، واصبروا على ما نالكم من فرعون من المكاره في أنفسكم وأبنائكم. إن الأرض كلها لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة المحمودة لمن اتقى الله ففعل أوامره واجتنب نواهيه.

– عن نبيه صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى :

﴿ قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَٰنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ﴾

الأنبياء: ١١٢

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ربِّ افصل بيننا وبين قومنا المكذبين بالقضاء الحق. ونسأل ربنا الرحمن، ونستعين به على ما تَصِفونه – أيها الكفار – من الشرك والتكذيب والافتراء عليه، وما تتوعدونا به من الظهور والغلبة.

6  – اقتران الاستعانة بالعبادة

المتمعن في نصوص القرآن يلاحظ اقتران العبادة بالاستعانة

قَال الله تعالى:

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾

الفاتحة: ٥

فالعبادة غاية العباد التي خلقوا لها، والاستعانة وسيلة إليها، فجمع سبحانه بين أشرف غاية ووسيلتها.

وللإشارة إلى الصلة الوثيقة بينهم  فقد قرن الله تعالى بين الصبر والصلاة في موضوع الاستعانة في بعض الآيات.

قَال الله تعالى:

﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾

البقرة:٤٥

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾

البقرة: ١٥٣

والصبر والصلاة هما خير ما يتزود الإنسان به؛ لكى يجد من نفسه القدرة على الوفاء ببعض حق الله عليه.

7  – أنواع الاستعانة

        في

القرآن الكريم

تنقسم الاستعانة إلي أنواع ، هي

أولًا: الاستعانة المشروعة

من صور الاستعانة المشروعة ، ما يلى

1- الاستعانة بالله على الطاعة

إن من أعلى أبواب الاستعانة، الاستعانة بالله تعالى على طاعته، من أداء الواجبات والقيام بفروض الله تعالى ، فلا يستطيع أحد القيام بحق الله تعالى إلا بالاستعانة به على ذلك ، فلذلك أمر العبد أن يقول

قال الله تعالى :

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾

الفاتحة:  ٥

إنا نخصك وحدك بالعبادة، ونستعين بك وحدك في جميع أمورنا، فكل الطاعات التي يقوم بها المسلم هي محض الفضل الإلهي الذي من الله به عليه.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ  وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾

النور: ٢١

فكل صلاة نصليها هي بمدد منه، وكذلك كل ذكر نذكره، وكل صالح نقوله، وكل خير نفعله .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ﴾

الحجرات: ٧

فالعبد محتاج إلى الاستعانة بالله في فعل المأمورات، وترك المحظورات، والصبر على المقدورات كلها، في الدنيا وعند الموت وبعده، ولا يقدر على الإعانة على ذلك إلا الله عز وجل، فمن حقق الاستعانة عليه في ذلك كله أعانه.

وقد حقق الأنبياء والرسل درجة الاستعانة بالله في أمور دينهم على أفضل صورة وأحسن مثال

– عن إبراهيم عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾

إبراهيم: ٣٥

إنه يعلن أن الذي يعصم من عبادة الأوثان هو الله، فيلجأ إليه طالبًا منه المعونة على اجتنابها وعدم عبادتها.

– عن يوسف عليه السلام

فيوسف عليه السلام يستعين بربه على كيد النسوة

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ  وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾

يوسف: ٣٣

فقد استجار بربه واستعان به ليصرف عنه السوء.

2- الاستعانة بالله على الأمور الدنيوية

جميع العباد فقراء إلى الله الغني الحميد، فهو الذي بيده ملكوت كل شيء، وخزائن العالم بأسرها بيديه، والعبد لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا، ولو ترك لنفسه لحظة ضاع وهلك؛ ولهذا فالعبد في كل لحظة بحاجة إلى ربه ومولاه.

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾

يونس: ٢٢

﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴾

النحل: ٥٣

وتأسيسًا على ما سبق فالعباد في حاجة إلى عون ربهم على كل شؤون حياتهم الدنيوية، وقد أمر الله عباده بالتوجه إليه، والاستعانة به في أمورهم الحياتية، مبينًا أن ذلك بيده، وليس بيد غيره .

3- الاستعانة بالله على مواجهة الظالمين

من الأمور المسلمة أن النصر بيد الله.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾

آل عمران: ١٢٦

والإنسان المسلم في مواجهته مع الظالمين في حاجة إلى عون الله على هؤلاء الطغاة، بأن ينصره ويسدده ويثبته على عقيدته. وقد اشتمل القرآن على نماذج من الاستعانة بالله على مواجهة الظالمين، منها

ما أرشد إليه موسى عليه السلام قومه في مواجهتهم مع فرعون وقومه فلما قال الملأ من قوم فرعون

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾

الأعراف: ١٢٧

وأرشدهم موسى عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾

الأعراف: ١٢٨

– عن مؤمن آل فرعون

قال الله تعالى:

﴿ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾

غافر: ٤٤

فبعد أن نصحهم بطاعة الله، والإيمان به والدار الآخرة، وخوفهم وحذرهم، لم يطيعوه، فقال لهم:  فستذكرون أني نصحت لكم وذكرتكم، وسوف تندمون حيث لا ينفع الندم، وألجأ إلى الله، وأعتصم به، وأتوكل عليه. إن الله سبحانه وتعالى بصير بأحوال العباد، وما يستحقونه من جزاء، لا يخفى عليه شيء منها.

وكانت نتيجة استعانته بالله

قال الله تعالى:

﴿ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ﴾

غافر: ٤٥

أي: فكانت نتيجة إيمان هذا الرجل، وجهره بكلمة الحق، ونصحه لقومه، واستعانته بالله؛ أن وقاه الله تعالى ما أراده الظالمون به من أذى وعدوان ومن مكر سيئ، ونزل وأحاط بفرعون وقومه سوء العذاب؛ بأن أغرقهم الله تعالى في اليم، وجعلهم عبرة لمن يعتبر.

– عن النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته قريشًا

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ إِنَّمَا يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ . فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ . إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ . وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ. قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَٰنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ﴾

الأنبياء: ١٠٨- ١١١

قل: إن الذي أُوحي إليَّ وبُعِثت به: أن إلهكم الذي يستحق العبادة وحده هو الله، فأسلموا له، وانقادوا لعبادته. فإن أعرض هؤلاء عن الإسلام فقل لهم: أبلغكم جميعًا ما أوحاه الله تعالى إليَّ، فأنا وأنتم مستوون في العلم لمَّا أنذرتكم وحذرتكم، ولستُ أعلم – بعد ذلك – متى يحل بكم ما وُعِدْتُم به من العذاب؟ إن الله يعلم ما تجهرون به من أقوالكم، وما تكتمونه في سرائركم، وسيحاسبكم عليه. ولست أدري لعل تأخير العذاب الذي استعجلتموه استدراج لكم وابتلاء، وأن تتمتعوا في الدنيا إلى حين؛ لتزدادوا كفرًا، ثم يكون أعظم لعقوبتكم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ربِّ افصل بيننا وبين قومنا المكذبين بالقضاء الحق. ونسأل ربنا الرحمن، ونستعين به على ما تَصِفونه – أيها الكفار – من الشرك والتكذيب والافتراء عليه، وما تتوعدونا به من الظهور والغلبة.

4 –  الاستعانة بالأعمال الصالحة

من صور الاستعانة المشروعة، الاستعانة بالأعمال الصالحة التي شرعها الله، وإذا تأملنا القرآن وجدنا أن الله أمر عباده بالاستعانة ببعض الأعمال الصالحة، ومنها الصبر والصلاة .

قال الله تعالى:

﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾

البقرة: ٤٥

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾

البقرة: ١٥٣

فالصبر والصلاة هما الزاد الذي يمد المؤمن بالقوة التي تعينه على احتمال تكاليف العبادة، ومشقة الجهاد ومدافعة شهوات النفس وأهوائها. وهناك أمور يتأكد عندها أهمية الاستعانة بالصبر والصلاة، منها:

ثانيًا: الاستعانة الممنوعة

الاستعانة الممنوعة لها صور عديدة، وهي:

١-  الاستعانة بالأموات

والمعبودين من دون الله

الاستعانة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله ممنوعة، كإجابة الدعاء وكشف البلاء، والهداية، والإغناء، ونحو ذلك، فالله تعالى هو المتفرد بذلك، والقرآن من أوله إلى آخره مليءٌ بالنصوص الدالة على أن الله وحده هو الذي بيده الخفض والرفع، والضر والنفع، والعطاء والمنع، والإعزاز والإذلال، والهداية والإضلال.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

الأنعام: ١٧

وقد أمر الله عباده أن يدعوه وحده، ولم يجعل بينه وبينهم واسطةً في الدعاء

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾

غافر: ٦٠

وبين تعالى ضلال من دعا غيره

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ﴾

الأحقاف: ٥

وقد بين القرآن أن المعبودات من دون الله لا تملك أي وسيلة من وسائل الإدراك أو النفع أو دفع الضر عن نفسها، فضلًا عن عابديها، فكيف يعبدونها من دون الله تعالى؟!

قال الله تعالى:

﴿ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ ﴾

الزمر: ٤٣

وأكثر القرآن الكريم من وصف المعبودات بأنها لا تملك لعابديها دفع ضر أو جلب نفع، حتى أربت مواطن الحديث عن هذا الوصف على عشرة مواطن، وتنوعت فيها الأساليب،

– فمنها ما ورد بصيغة الخبر

قال الله تعالى:

﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾

يونس: ١٨

ومنها ما ورد بصيغة النفي

قال الله تعالى:

﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا ﴾

الفرقان: ٣

ومنها ما ورد بصيغة النهي

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾

يونس: ١٠٦

أما ما ورد بصيغة السؤال فكثير ، منها

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾

المائدة: ٧٦

ومن الصفات التي وصف بها القرآن المعبودات من دون الله: أنها لا تستطيع أن تخلق شيئًا، بل هي مخلوقة لله رب العالمين، ولا تملك مثقال ذرة من ذلك، فكيف تملكه لعابديها !

قال الله تعالى:

﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا ﴾

الفرقان: ٣

فمن استعان بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله، فقد ساواه بالله تعالى في التعظيم، وهذا شرك أكبر.

قال الله تعالى:

﴿ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ . تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾

الشعراء: ٩٧- ٩٨

٢ – الاستعانة بالمخلوق

في أمور غيبية

الغيب  هوما غاب عن الناس من الأمور المستقبلة والماضية وما لا يرونه. وقد اختص الله تعالى بعلمه.

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾

النمل: ٦٥

﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ﴾

الأنعام: ٥٩

فلا يعلم الغيب إلا الله سبحانه وحده، فلا يعلم الغيب ملك مقرب ولا نبي مرسل فضلًا عمن هو دونهما.

فمن ادعى علم الغيب بأي وسيلة من الوسائل غير من استثناه الله من رسله، فهو كاذب؛ سواء ادعى ذلك بواسطة قراءة الكف أو الفنجان، أو الكهانة، أو السحر، أو التنجيم، أو غير ذلك .

ثالثًا: الاستعانة المباحة

من الأسباب التي شرع الله الأخذ بها الاستعانة بالمخلوق الحاضر القادر على أمر يقدر عليه، وهذه على حسب المستعان عليه، فإن كانت على بر أو مباح فهي جائزة .

وهذه الاستعانة تكون في الأمور الدينية والدنيوية، فالاستعانة الدينية: كأن يستعين بمن تقدمه في طلب العلم أن يتعلم منه، أو يستعين بالقارئ المتقن أن يضبط له الحروف ويضبط له القراءات، أو يستعين بالمفتي أن يفتي له، أو يستعين بالحاج العالم في مناسك الحج أن يبين له مناسك الحج.

وأما الاستعانة في الأمور الدنيوية: كأن يقترض قرضًا، أو يأخذ مالًا، أو هبة من أخيه، فهذه الاستعانة تجوز، وليس فيها ثمة شيء ، والدليل على ذلك ما ذكره القرآن الكريم .

قال الله تعالى:

﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾

المائدة:٢

فهذه استعانة أباحها الله جل في علاه في كتابه ، ومما ذكره القرآن من أمثلة على الاستعانة في أمور البر بالحي القادر

-عن ما جاء في قول موسى عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي . هَارُونَ أَخِي . اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي . وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ﴾

طه: ٢٩- ٣١

قال موسى: اجعل لي معينا من أهلي، هارون أخي. قَوِّني به وشدَّ به ظهري، وأشركه معي في النبوة وتبليغ الرسالة .

وكذلك ما قصه القرآن عن ذي القرنين

قال الله تعالى:

﴿ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا . قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا . قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ﴾

الكهف: ٩٣- ٩٥

حتى إذا وصل إلى ما بين الجبلين الحاجزين لما وراءهما، وجد من دونهما قومًا، لا يكادون يعرفون كلام غيرهم. قالوا يا ذا القرنين: إنَّ يأجوج ومأجوج -وهما أمَّتان عظيمتان من بني آدم- مفسدون في الأرض بإهلاك الحرث والنسل، فهل نجعل لك أجرًا، ونجمع لك مالا على أن تجعل بيننا وبينهم حاجزًا يحول بيننا وبينهم؟ قال ذو القرنين: ما أعطانيه ربي من الملك والتمكين خير لي مِن مالكم، فأعينوني بقوة منكم أجعل بينكم وبينهم سدًا.

خلاصة القول: إن الاستعانة المباحة هي: استعانة بالآخرين فيما يقدرون عليه، ولابد من ثلاثة شروط فيمن يستعان بهم: أن يكون حيًا حاضرًا قادرًا، فلو تخلف واحد من الثلاثة فهي استعانة شركية محرمة.

 

Share This