1- مفهوم الإنفاق
الإنفاق هو بذل المال ونحوه في كل ما أمر الله به في دينه من الإنفاق، سواء كان إنفاقًا في حج أو عمرة أو جهادًا ، أو كان إنفاقًا في صلة الرحم، أو في الصدقات، أو على العيال والأهل ، أوكفالة الأيتام، أوغير ذلك .
2- كلمة الإنفاق
في
القرآن الكريم
وردت كلمة الإنفاق وصيغها في القرآن القرآن الكريم ٧٣ مرة . والصيغ التي وردت هي:
– الفعل الماضي
ورد ١٨ مرة
قال الله تعالى:
﴿ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا ﴾
الكهف: ٤٢
– الفعل المضارع
ورد ٤١ مرة
قال الله تعالى:
﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾
البقرة: ٢٧٢
– فعل الأمر
ورد ٩ مرات
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ ﴾
البقرة: ٢٥٤
– المصدر
ورد مرة واحدة
قال الله تعالى:
﴿ قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ ﴾
الإسراء: ١٠٠
– اسم
ورد ٣ مرات
قال الله تعالى:
﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ ﴾
البقرة: ٢٧٠
– اسم فاعل
ورد مرة واحدة
قال الله تعالى:
﴿ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾
آل عمران: ١٧
وجاء الإنفاق في القرآن على أربعة أوجه:
1- الصدقة
قال الله تعالى:
﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
البقرة: ٣
يعني: يتصدقون
2- النفقة الواجبة
قال الله تعالى:
﴿ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾
الطلاق: ٦
يعني: على الزوجات.
3- الإعمار
قال الله تعالى:
﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا ﴾
الكهف: ٤٢
يعني: ما عمر فيها.
4- الرزق
قال الله تعالى:
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾
المائدة: ٦٤
يعني: يرزق
3- الألفاظ ذات الصلة
– الزكاة
هي الطهارة والبركة والمدح
قال الله تعالى:
﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ ﴾
النجم 32
فلا تزكُّوا أنفسكم فتمدحوها وتَصِفُوها بالتقوى، هو أعلم بمن اتقى عقابه فاجتنب معاصيه من عباده.
– التصدق
ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة.
قال الله تعالى:
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾
التوبة 103
– الإقراض
هو إعطاء غيرك من مالك ليكون في ذمتة ؛ ليرده لك بعد زمن متفق عليه .
قال الله تعالى:
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾
الحديد 11
– الإيتاء
إعطاء المال للغير على سبيل التمليك وحرية التصرف.
قال الله تعالى:
﴿ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا ﴾
البقرة 229
ولا يحل لكم- أيها الأزواج- أن تأخذوا شيئًا مما أعطيتموهن من المهر ونحوه،
– الإعطاء
هو مناولة الشيء للآخر على سبيل تصرف مأذون فيه من المناول.
قال الله تعالى:
﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا ﴾
التوبة 58
ومن المنافقين مَن يعيبك في قسمة الصدقات، فإن نالهم نصيب منها رضوا وسكتوا، والإعطاء لا يقتضي إخراج المعطى من ماله .
– البخل
هو إمساك المال وعدم صرفه في الوجوه المعتبرة حرصًا على بقائه وزيادته وخوفًا من نفاده.
قال الله تعالى:
﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾
آل عمران 180
4- الأساليب القرآنية
في
عرض الإنفاق
تنوعت أساليب القرآن في الحديث عن الإنفاق، وهذا ما سنتناوله بالبيان فيما يأتي:
أولًا – الأمر بالإنفاق
جاء الأمر بالإنفاق، وبذل المال في سبيل الله صريحًا في القرآن الكريم،
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ ﴾
البقرة: ٢٥٤
﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾
الحديد: ٧
﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾
المنافقون: ١٠
﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ ﴾
التغابن: ١٦
﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾
الطلاق: ٧
فهذه الأوامر المتكررة في الآيات السابقة بالإنفاق من الأموال جاءت بصيغة الأمر .
ثانيًا – الثناء على المنفقين
ومن أساليب القرآن الكريم في الحث على الإنفاق والترغيب في البذل والعطاء في سبيل الله أنه امتدح المنفقين ، وجعلهم من الأصناف الذين
– أعدت لهم الجنة
قال الله تعالى:
﴿ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾
آل عمران: ١٣٣-١٣٤
– جعلهم من المؤمنين الكاملون في الإيمان
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
الأنفال: ٢-٣
– جعلهم مهتدين مفلحين
قال الله تعالى:
﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ . وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ . أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
البقرة: ٣-٥
ثالثا – الوعد بالإخلاف على المنفقين
والأجر الكبير في الآخرة
أمر الله تعالى عباده بالإنفاق في أوجه الطاعات من المال الذي أعطاهم إياه، وجعله بين أيديهم على سبيل الأمانة، أو الإعارة، ووعدهم بالخلف، أي العوض المضاعف .
قال الله تعالى:
﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾
سبأ: ٣٩
أي: مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به الله، وأباحه لكم، فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب.
قال الله تعالى:
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾
البقرة: ٢٤٥
من ذا الذي ينفق في سبيل الله إنفاقًا حسنًا احتسابًا للأجر، فيضاعفه له أضعافا كثيرة لا تحصى من الثواب وحسن الجزاء؟
قال الله تعالى:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾
البقرة: ٢٦١
ومِن أعظم ما ينتفع به المؤمنون الإنفاقُ في سبيل الله. ومثل المؤمنين الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة زُرِعتْ في أرض طيبة، فإذا بها قد أخرجت ساقًا تشعب منها سبع شعب، لكل واحدة سنبلة، في كل سنبلة مائة حبة. والله يضاعف الأجر لمن يشاء،
رابعا – الوعيد الشديد
توعد الله تعالى كل من يكنز الذهب والفضة ولا ينفقها في سبيل الله بعذاب أليم،
قال الله تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾
التوبة: ٣٤
والذين يمسكون الأموال، ولا يؤدون زكاتها، ولا يُخْرجون منها الحقوق الواجبة، فبشِّرهم بعذاب موجع.
قال الله تعالى:
﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾
آل عمران: ١٨٠
ولا يظنن الذين يبخلون بما أنعم الله به عليهم تفضلا منه أن هذا البخل خير لهم، بل هو شرٌّ لهم؛ لأن هذا المال الذي جمعوه سيكون طوقًا من نار يوضع في أعناقهم يوم القيامة.
قال الله تعالى:
﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾
النساء: ٣٧
الذين يمتنعون عن الإنفاق والعطاء مما رزقهم الله، ويأمرون غيرهم بالبخل، ويجحدون نِعَمَ الله عليهم، ويخفون فضله وعطاءه. وأعددنا للجاحدين عذابًا مخزيًا.
قال الله تعالى:
﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾
الحديد: ٢٤
الذين يبخلون بمالهم، ولا ينفقونه في سبيل الله، ويأمرون الناس بالبخل بتحسينه لهم. ومن يتولَّ عن طاعة الله لا يضر إلا نفسه، ولن يضر الله شيئًا، فإن الله هو الغني عن خلقه، الحميد الذي له كل وصف حسن كامل، وفعل جميل يستحق أن يحمد عليه.
5- أنواع الإنفاق
في
القرآن الكريم
تعددت أنواع الإنفاق ومجالاته التي تحدث عنها القرآن، وهذا ما سنتحدث عنه فيما يأتي:
1- الصدقات
الصدقات هي ما يعطى من المال بقصد القربة إلى الله تعالى. والصدقة متفرعةً إلى عدة أشكال، منها ما يأتي :
أ – المال الذي يعطى للمحتاج تطوعاً
الصدقات هي مقدارٌ من المال الذي يُعطى للفقراء بلا مقابل؛ إكراماً لهم، وسدّاً لحاجاتهم، وذلك ابتغاء وجه الله تعالى ورضاه .
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾
التوبة: ٦٠
إنما تعطى الصدقات الواجبة للمحتاجين الذين لا يملكون شيئًا، وللمساكين الذين لا يملكون كفايتهم، وللسعاة الذين يجمعونها، وللذين تؤلِّفون قلوبهم بها ممن يُرْجَى إسلامه أو قوة إيمانه أو نفعه للمسلمين، أو تدفعون بها شرَّ أحد عن المسلمين، وتعطى في عتق رقاب الأرقاء والمكاتبين، وتعطى للغارمين لإصلاح ذات البين، ولمن أثقلَتْهم الديون في غير فساد ولا تبذير فأعسروا، وللغزاة في سبيل الله، وللمسافر الذي انقطعت به النفقة، هذه القسمة فريضة فرضها الله وقدَّرها. والله عليم بمصالح عباده، حكيم في تدبيره وشرعه.
ب – الصدقة على المدين المعسر
ومن أبواب صدقة التطوع الصدقة على المدين المعسر، وهو من ثبت إعساره وعدم قدرته على الوفاء .
قال الله تعالى:
﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
البقرة: ٢٨٠
وإن كان المدين غير قادر على السداد فأمهلوه إلى أن ييسِّر الله له رزقًا فيدفع إليكم مالكم، وإن تتركوا رأس المال كله أو بعضه وتضعوه عن المدين فهو أفضل لكم، إن كنتم تعلمون فَضْلَ ذلك، وأنَّه خير لكم في الدنيا والآخرة.
ت – القرض الحسن
ومن أبواب صدقة التطوع القرض الحسن، بأن يقرض المسلم أخاه المسلم إذا علم حاجته، والقرض يعد من أبواب الخير والمعروف الذي يساهم في تفريج الكربات، وتخفيف الهموم ، ويعد من أبواب صدقة التطوع؛ لأن المسلم استفاد من المال في تلك المدة التي اقترض فيها.
قال الله تعالى:
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾
البقرة: ٢٤٥
وقد ذكر الله هذه الآية في كتابه مرارًا مبينًا فضل القرض وثوابه، وأنه سبحانه متكفلٌ بالأجر العظيم، والثواب الكبير لمن أقرض الله قرضًا حسنًا، وإن كان معنى القرض هاهنا عموم الصدقة لوجه الله إلا أنه يدخل فيه: ما يعطيه الإنسان من ماله لغيره على أن يقوم برده إليه.
ج – إطعام الأيتام والمساكين
قال الله تعالى:
﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾
الإنسان: ٨ -9
ويُطْعِمون الطعام مع حبهم له وحاجتهم إليه، فقيرًا عاجزًا عن الكسب لا يملك من حطام الدنيا شيئًا، وطفلا مات أبوه ولا مال له، وأسيرًا أُسر في الحرب من المشركين وغيرهم، ويقولون في أنفسهم: إنما نحسن إليكم ابتغاء مرضاة الله، وطلب ثوابه، لا نبتغي عوضًا ولا نقصد حمدًا ولا ثناءً منكم. إنا نخاف من ربنا يومًا شديدًا تَعْبِس فيه الوجوه، وتتقطَّبُ الجباه مِن فظاعة أمره وشدة هوله.
٢ – الإنفاق في الجهاد
ومن النفقات الواجبة النفقة في الجهاد، حيث أمر الله بالإنفاق في الجهاد ، ووعد على ذلك الأجر العظيم .
قال الله تعالى:
﴿ وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
التوبة: ٤١
وأنفقوا أموالكم في سبيل الله، وقاتلوا بأيديكم لإعلاء كلمة الله، ذلك الخروج والبذل خير لكم في حالكم ومآلكم فافعلوا ذلك وانفروا واستجيبوا لله ورسوله.
٣- الإنفاق على الزوجة
النفقة على الزوجة بالمعروف واجبة بنص القرآن .
قال الله تعالى:
﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ﴾
البقرة: ٢٣٣
أي: وعلى والد الطفل نفقة الوالدات، وكسوتهن بالمعروف، أي: بما جرت به عادة أمثالهن في بلدهن من غير إسراف ولا إقتار، بحسب قدرته في يساره وتوسطه وإقتاره.
قال الله تعالى:
﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾
النساء: ٣٤
أي: قائمون على شؤنهن بسبب تفضيله الرجال على النساء بالحزم والعزم والقوة والفتوة وغيرها من الشمائل الشاملة، وبسبب إنفاقهم من أموالهم في نكاحهن كالمهر والنفقة، وهذا أدل على وجوب نفقات الزوجات على الأزواج.
٤- الإنفاق على الوالدين
ومن النفقات الواجبة نفقة الوالد (أب أو أم) الفقير الذي لا مال له ولا كسب على ولده الغني، ذكرًا كان أو أنثى، وتقدر النفقة بالكفاية وسد الحاجة، فإذا كانا غنيين أو لهما مال خاص انتفى سبب وجوب النفقة لهم.
قال الله تعالى:
﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾
البقرة: ٢١٥
يسألك أصحابك -أيها النبي- أي شيء ينفقون من أصناف أموالهم تقربًا إلى الله تعالى، وعلى مَن ينفقون؟ قل لهم: أنفقوا أيَّ خير يتيسر لكم من أصناف المال الحلال الطيب، واجعلوا نفقتكم للوالدين، والأقربين من أهلكم وذوي أرحامكم، واليتامى، والفقراء، والمسافر المحتاج الذي بَعُدَ عن أهله وماله. وما تفعلوا من خير فإن الله تعالى به عليم.
5- الإنفاق على الأقارب
قال الله تعالى:
﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ﴾
الإسراء: ٢٦
وأحسِنْ إلى كل مَن له صلة قرابة بك، وأعطه حقه من الإحسان والبر، وأعط المسكين المحتاج والمسافر المنقطع عن أهله وماله، ولا تنفق مالك في غير طاعة الله، أو على وجه الإسراف والتبذير.
7- آداب الإنفاق
في
القرآن الكريم
تحدث القرآن الكريم عن آداب الإنفاق، وسوف نتناول ذلك بالبيان فيما يأتي:
1- أن يكون الإنفاق مما يملكون لا
مما يملك غيرهم حتى وإن كان بسيطاً
قال الله تعالى:
( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ )
البقرة :3
2- أن يكون الإنفاق في سبيل الله
حث الإسلام على الإنفاق، وأن يكون في سبيل الله في كثير من الآيات ؛ لأن الإنفاق في سبيل الله هو نتيجة مباشرة للإيمان بالله، وعلامة على عمق اليقين به .
قال الله تعالى:
﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾
الأنفال 60
وما تبذلوا من مال وغيره في سبيل الله قليلا أو كثيرًا يخلفه الله عليكم في الدنيا، ويدخر لكم ثوابه إلى يوم القيامة، وأنتم لا تُنْقصون من أجر ذلك شيئًا.
قال الله تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾
التوبة: ٣٤
والذين يمسكون الأموال، ولا يؤدون زكاتها، ولا يُخْرجون منها الحقوق الواجبة، فبشِّرهم بعذاب موجع.
3- أن يكون الإنفاق عن رغبة
وطواعية لا عن إجبار وإكراه
قال الله تعالى:
( وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ )
التوبة 54
وسبب عدم قَبول نفقاتهم أنهم أضمروا الكفر بالله عز وجل وتكذيب رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يأتون الصلاة إلا وهم متثاقلون، ولا ينفقون الأموال إلا وهم كارهون، فهم لا يرجون ثواب هذه الفرائض، ولا يخشون على تركها عقابًا بسبب كفرهم.
4- ألا يتبع الإنفاق بالمن والأذى
ومن آداب الإنفاق في سبيل الله ألا يتبع المنفق نفقته بالمن والأذى .
قال الله تعالى:
﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
البقرة: ٢٦2
الذين يخرجون أموالهم في أنواع الخير، ثم لا يتبعون ما أنفقوا من الخيرات مَنّاً على مَن أعطَوه ولا أذى بقول أو فِعْلٍ يشعره بالتفضل عليه، لهم ثوابهم العظيم عند ربهم، ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه من أمر الآخرة، ولا هم يحزنون على شيء فاتهم في هذه الدنيا.
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾
البقرة: ٢٦٤
يأيها الذين آمنوا لا تُذْهِبُوا ثواب ما تتصدقون به بالمنِّ والأذى، فهذا شبيه بالذي يخرج ماله ليراه الناس، فيُثنوا عليه، وهو لا يؤمن بالله ولا يوقن باليوم الآخر، فمثل ذلك مثل حجر أملس عليه تراب هطل عليه مطر غزير فأزاح عنه التراب، فتركه أملس لا شيء عليه، فكذلك هؤلاء المراؤون تضمحلُّ أعمالهم عند الله، ولا يجدون شيئًا من الثواب على ما أنفقوه. والله لا يوفق الكافرين لإصابة الحق في نفقاتهم وغيرها.
قال الله تعالى:
﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴾
البقرة: ٢٦٣
كلام طيب وعفو عما بدر مِن السائل مِن إلحافٍ في السؤال، خير من صدقة يتبعها من المتصدق أذى وإساءة. والله غني عن صدقات العباد، حليم لا يعاجلهم بالعقوبة.
5- يكون الإنفاق مما تيسر،
فإن لم يجد فلا شيء عليه
قال الله تعالى:
( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )
التوبة 91
ليس على أهل الأعذار مِن الضعفاء والمرضى والفقراء الذين لا يملكون من المال ما يتجهزون به للخروج إثم في القعود إذا أخلصوا لله ورسوله، وعملوا بشرعه،
قال الله تعالى:
( وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ )
البقرة 219
ويسألونك عن القَدْر الذي ينفقونه من أموالهم تبرعًا وصدقة، قل لهم: أنفقوا القَدْر الذي يزيد على حاجتكم.
6- أفضل الإنفاق ما كان سراً
ذكر الله تعالى في القرآن الكريم إنفاق السر وإنفاق العلانية، وجعل كليهما سلوكًا عامًا للمؤمنين، ومدح كلا النوعين في سياق واحد
قال الله تعالى:
﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
البقرة: ٢٧٤
﴿ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ﴾
الرعد: ٢٢
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ﴾
فاطر: ٢٩
فهذه الآيات الكريمة تفيد أن الإنفاق في كلا الحالين في السر وفي العلانية مشروع ومحمود، وأن الصدقات في كل أحوالها خيرٌ محضٌ، ما دام المنفق قد خلص من الرياء، وجانب المن والأذى، وإذا كان ثمة تفاوت فهو في حال النفس، والاحتياط للرياء، وسد مداخله.
قال الله تعالى:
﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾
البقرة: ٢٧١
7- أن يكون المال المنفق
منه مما يحبه الإنسان
ومن آداب الإنفاق في سبيل الله أن يكون الإنفاق مما يحبه الإنسان ، و قد حث القرآن الكريم على ذالك.
قال الله تعالى:
﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾
آل عمران: ٩٢
لن تدركوا الجنة حتى تتصدقوا مما تحبون من أموالكم ، وأي شيء تتصدقوا به مهما كان قليلا أو كثيرًا فإن الله به عليم، وسيجازي كل منفق بحسب عمله.
8- الإنفاق من الطيب
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ﴾
البقرة: ٢٦٧
يا من آمنتم بي واتبعتم رسلي أنفقوا من الحلال الطيب الذي كسبتموه ومما أخرجنا لكم من الأرض، ولا تقصدوا الرديء منه لتعطوه الفقراء،
9- أن تطيب نفس المنفق بالنفقة
ومن آداب الإنفاق أن تطيب نفس المنفق بالنفقة
قال الله تعالى:
﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾
البقرة: ٢٦٥
ومثل الذين ينفقون أموالهم طلبًا لرضا الله واعتقادًا راسخًا بصدق وعده، كمثل بستان عظيم بأرض عالية طيبة هطلت عليه أمطار غزيرة، فتضاعفت ثمراته، وإن لم تسقط عليه الأمطار الغزيرة فيكفيه رذاذ المطر ليعطي الثمرة المضاعفة، وكذلك نفقات المخلصين تُقبل عند الله وتُضاعف، قلَّت أم كثُرت، فالله المُطَّلِع على السرائر، البصير بالظواهر والبواطن، يثيب كلا بحسب إخلاصه.
10- أن يكون الإنفاق وسطًا
، لا إسراف فيه ولا تقتير
ومن آداب الإنفاق التوسط فيه، وقد نهى الله تعالى عن الإسراف في الإنفاق .
قال الله تعالى:
﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾
الأعراف: ٣١
أي: كلوا من المآكل الطيبة، واشربوا المشارب الحلال، ولا تسرفوا، لا في زينتكم، ولا في مأكلكم، أو مشربكم؛ لأنه سبحانه يكره المسرفين.
و مدح الله تعالى التوسط في الإنفاق المباح
قال الله تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا ﴾
الفرقان: ٦٧
فمدح الله هنا الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا، وهذه هي الوسطية المرتبطة بالإنفاق الخاص والعام .
11- أن يكون الإنفاق في السرّاء
والضرّاء على حد سواء.
قال الله تعالى:
( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )
آل عمران 134
الذين ينفقون أموالهم في اليسر والعسر، والذين يمسكون ما في أنفسهم من الغيظ بالصبر، وإذا قَدَروا عَفَوا عمَّن ظلمهم. وهذا هو الإحسان الذي يحب الله أصحابه.
8- آثار الإنفاق
في
القرآن الكريم
للإنفاق آثار جليلة في الدنيا والآخرة، نتناولها فيما يأتي:
أولًا – في الدنيا
للإنفاق في سبيل الله فوائد عديدة، وآثار حميدة، يجنيها المتصدق إذا أحسن القصد، وأخلص العمل لوجه الله، ومن هذه الآثار الدنيوية
١ – تهذيب النفس
الصدقة وسيلة من وسائل تطهير النفس من الشح والبخل وحب المال ، وتهذيب الأخلاق، فهي تزيل الخطايا، وتغسل صحيفة صاحبها من الأدناس، وتطهرها من الذنوب.
قال الله تعالى:
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾
التوبة: ١٠٣
٢- حسن التكافل الاجتماعي
المقصود أن من آثار الإنفاق ما يحققه من التكافل بين أفراد المجتمع المسلم ؛ وذلك عن طريق ما شرعه الله من الإنفاق، ومد يد العون إلى الضعفاء والمعوزين؛ ليجد هؤلاء من يحنو عليهم، ومن ينتشلهم من براثن الفقر، وبذلك تتوازن القوى، ويلتحم الأفراد فيما بينهم في إطار من الود والرحمة ، يشد بعضهم بعضًا.
قال الله تعالى:
﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾
البقرة: ٢٧3
اجعلوا صدقاتكم لفقراء المسلمين الذين لا يستطيعون السعي طلبًا للرزق ، يظنهم مَن لا يعرفهم غير محتاجين إلى الصدقة؛ لتعففهم عن السؤال، تعرفهم بعلاماتهم وآثار الحاجة فيهم، لا يسألون الناس بالكُليَّة، وإن سألوا اضطرارًا لم يُلِحُّوا في السؤال. وما تنفقوا مِن مال في سبيل الله فلا يخفى على الله شيء منه، وسيجزي عليه أوفر الجزاء وأتمَّه يوم القيامة.
3- سعة الرزق
ومن آثار الإنفاق في سبيل الله أن الصدقة تجلب الرزق، وتحفظ المال من الآفات والهلكات والمفاسد، وتحل فيه البركة، وتكون سببًا في إخلاف الله على صاحبها بما هو أنفع له، وأكثر وأطيب
قال الله تعالى:
﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾
سبأ: ٣٩
ومهما أَعْطَيتم من شيء فيما أمركم به فهو يعوضه لكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالثواب، وهو -سبحانه- خير الرازقين، فاطلبوا الرزق منه وحده، واسعَوا في الأسباب التي أمركم بها.
قال الله تعالى:
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾
البقرة: ٢٤٥
من ذا الذي ينفق في سبيل الله إنفاقًا حسنًا احتسابًا للأجر، فيضاعفه له أضعافا كثيرة لا تحصى من الثواب وحسن الجزاء؟
2- في الأخرة
كما أن للإنفاق في سبيل الله آثار دنيوية، فله أيضًا آثار أخروية، ومن هذه الآثار:
1- الحصول على محبة الله
فمن فوائد الصدقة وآثارها الحميدة أنها طريق للظفر بمحبة الله ورحمته ورضاه .
قال الله تعالى:
﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾
البقرة: ١٩٥
واستمروا- أيها المؤمنون- في إنفاق الأموال لنصرة دين الله تعالى ، والجهاد في سبيله، ولا توقعوا أنفسكم في المهالك بترك الجهاد في سبيل الله، وعدم الإنفاق فيه ، وأحسنوا في الانفاق والطاعة، واجعلوا عملكم كله خالصًا لوجه الله تعالى ، إن الله يحب أهل الإخلاص والإحسان.
٢ – مغفرة الذنوب
وجعل الله الصدقة سببًا لغفران المعاصي، وإذهاب السيئات، والتجاوز عن الهفوات .
قال الله تعالى:
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾
التوبة: ١٠٣
خذ – أيها النبي- من أموال هؤلاء التائبين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا صدقة تطهرهم مِن الذنوب والأخلاق الرذيلة ، وتزكيهم أي: تنميهم وتزيد في أخلاقهم الحسنة وأعمالهم الصالحة، وتزيد في ثوابهم الدنيوي والأخروي .
3- دخول جنات النعيم
ومن فوائد الصدقة، وآثارها الحميدة أنها سبب في دخول الجنة
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾
الحديد: ١٨
إن المتصدتقين من أموالهم والمتصدقات، وأنفقوا في سبيل الله نفقات طيبة بها نفوسهم؛ ابتغاء وجه الله تعالى، يضاعف لهم ثواب ذلك، ولهم فوق ذلك ثواب جزيل، وهو الجنة.
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ﴾
التوبة: ١١١
ففي هذه الآية أخبر الله أنه اشترى من المؤمنين أنفسهم، والثمن الجنة، والمقابل بذل أنفسهم وأموالهم في سبيل الله.
9- الإنفاق المذموم
من الإنفاق المذموم ما ينفق من الأموال في الصد عن سبيل الله .
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ﴾
الأنفال: ٣٦
إن الذين جحدوا وحدانية الله ينفقون أموالهم فيعطونها أمثالهم من المشركين وأهل الضلال ، ليصدوا عن سبيل الله ويمنعوا المؤمنين عن الإيمان بالله ورسوله، فينفقون أموالهم في ذلك، ثم تكون عاقبة نفقتهم تلك ندامة وحسرة عليهم؛ لأن أموالهم تذهب، ولا يظفرون بما يأمُلون مِن إطفاء نور الله والصد عن سبيله .
أحدث التعليقات