مفهوم الإعراض في القرآن الكريم
1- مفهوم الإعراض
هو الانصراف عن الشيء بالقلب
قال الله تعالى:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾
طه :١٢٤
2- كلمة الإعراض
في
القرآن الكريم
وردت كلمة (أعرض) وصيغها في القرآن الكريم 53 مرة. والصيغ التي وردت ، هي:
– الفعل الماضي
ورد ١٣ مرة
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا ﴾
الإسراء:٦٧
– الفعل المضارع
ورد ٦ مرا ت
قال الله تعالى:
﴿ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ﴾
القمر:٢
– فعل الأمر
ورد ١٣ مرة
قال الله تعالى:
﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ﴾
هود:٧٦
– اسم الفاعل
ورد١٩ مرة
قال الله تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ ﴾
الأحقاف:٣
– المصدر
ورد مرتين
قال الله تعالى:
﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾
النساء:١٢٨
وجاء الإعراض في القرآن الكريم بمعني يدور حول الانصراف عن الشيء.
3- الكلما ت ذات الصلة
بكلمة الإعراض
– الانصراف
يدل على رد الشيء، وعدم قبوله .
قال الله تعالى:
﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾
يوسف :34
– التولي
التولي هو الانصراف عن الشيء ويكون بالجسم، و يكون بالقلب
قال الله تعالى:
﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ . أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ ﴾
عبس : 1- 2
﴿ فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّىٰ عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾
النجم: 29
– الصد
الصد هو العدول عن الشيء عن إعراض وتكره
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ﴾
النساء :٦١
4 – المأمورون بالإعراض
في
القرآن الكريم
أمر الله تعالى بعض رسله وأهل الإيمان بالإعراض عن أهل الشرك والكفر والضلال، وكان هذا الأمر من الله تعالى لرسله عليهم السلام وعباده المؤمنين؛ لئلا يجرف المعرضون غيرهم إلى إعراضهم، فيصدوهم عن الحق، ويزينوا لهم الباطل .
أولًا- الرسل عليهم السلام
قد ورد في كتاب الله تعالى في بعض آيات الأمر من الله تعالى لبعض أنبيائه عليهم السلام بالإعراض وهو من المحمود، ومن هؤلاء الأنبياء:
١- إبراهيم عليه السلام
قال الله تعالى:
﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ﴾
هود :٧٦
في هذه الآية أمر الله تعالى نبيه إبراهيم عليه السلام بالأمر بالإعراض ، وذلك كان في موضع المجادلة مع الملائكة عليهم السلام في شأن قوم لوط عليه السلام، فأمر بالإعراض عن تلك المجادلة، فقال له الملائكة: دع عنك الجدال في أمرهم والخصومة فيه ، وكانت سبب مجادلة إبراهيم عليه السلام، إنما كانت في قوم لوطٍ؛ بسبب مقام لوطٍ فيما بينهم.
٢ – يوسف عليه السلام
فقد ورد في كتاب الله تعالى الأمر لنبي الله يوسف عليه السلام،
قال الله تعالى:
﴿ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ﴾
يوسف :٢٩
وكان الأمر بالإعراض ليوسف عليه السلام، كان عقب حادثة اتهامه بالفاحشة، ومع ذلم فقد أمر بالإعراض عن ذكر ما كان منها إليك فيما راودتك عليه؛ حيث قد ظهر صدقك ونزاهتك، فلا تذكره لأحدٍ؛ حرصًا على التستر عليها.
٣- نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم
وردت آيات في مواقف عدة من الله تعالى تأمر النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن الأتى
أ – المشركين
قال الله تعالى:
﴿ اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴾
الأنعام :١٠٦
﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴾
الحجر: ٩٤
أي: فاجهر بدعوة الحق التي أمرك الله بها، ولا تبال بالمشركين، ولا تلتفت إليهم؛ إذا لاموك على إظهار الدعوة .
قال الله تعالى:
﴿ فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّىٰ عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾
النجم :٢٩
أي: اترك مجادلتهم فقد بلغت وأتيت بما عليك، ولا تهتم بشأنهم؛ فإن من غفل عن الله وأعرض عن ذكره، وانهمك في الدنيا بحيث كانت منتهى همته ومبلغ علمه؛ فلا تغتم وتتحسر على كفرهم.
ب- الجاهلين
قال الله تعالى:
﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾
الأعراف :١٩٩
اقْبَلْ – أيها النبي أنت وأمتك- الفضل من أخلاق الناس وأعمالهم، ولا تطلب منهم ما يشق عليهم حتى لا ينفروا، وأْمر بكل قول حسن وفِعْلٍ جميل، وأعرض عن منازعة السفهاء ومساواة الجهلة الأغبياء.
ت – بعض أزواجه
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَٰذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ﴾
التحريم: ٣
وإذ أسرَّ النبي إلى زوجته حفصة – رضي الله عنها- حديثا، فلما أخبرت به عائشة رضي الله عنها، وأطلعه الله على إفشائها سرَّه، أعلم حفصة بعض ما أخبرت به، وأعرض عن إعلامها بعضه تكرما، فلما أخبرها بما أفشت من الحديث، قالت: مَن أخبرك بهذا؟ قال: أخبرني به الله العليم الخبير، الذي لا تخفى عليه خافية.
ث – الإعطاء القبيح
قال الله تعالى:
﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا ﴾
الإسراء:٢٨
وإن أعرضت عن إعطاء هؤلاء الذين أُمِرْت بإعطائهم؛ لعدم وجود ما تعطيهم منه طلبًا لرزق تنتظره من عند ربك، فقل لهم قولا ليِّنًا لطيفًا، كالدعاء لهم بالغنى وسعة الرزق، وعِدْهم بأن الله إذا أيسر من فضله رزقًا أنك تعطيهم منه.
وهذا تعليمٌ عظيمٌ من الله لنبيه لمكارم الأخلاق، وأنه إن لم يقدر على الإعطاء الجميل فليتجمل في عدم الإعطاء؛ لأن الرد الجميل خيرٌ من الإعطاء القبيح.
ثانيًا – المؤمنون
قد ذكر سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن المؤمنين وإعراضهم عن الأتى
أ – اللغو والباطل
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ﴾
القصص:٥٥
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾
المؤمنون :٣
أي: معرضون عن الباطل وما يكرهه الله من خلقه فهم معرضون عن كل باطل ولهو وما لا يحل من القول والفعل ..
ب – أهل الكفر والنفاق
قال الله تعالى:
﴿ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
التوبة :٩٥
سيحلف لكم المنافقون بالله – كاذبين معتذرين- إذا رجعتم إليهم من الغزو؛ لتتركوهم دون مساءلة، فاجتنبوهم وأعرضوا عنهم احتقارًا لهم، إنهم خبثاء البواطن، ومكانهم الذي يأوون إليه في الآخرة نار جهنم؛ جزاء بما كانوا يكسبون من الآثام والخطايا.
5- أنواع الأعرض
في
القرآن الكريم
تحدث القرآن الكريم عن نوعين من الأعرض ؛ هما
أولًا – المحمود
إن الأعرض المحمود هو ما أمر الله به عباده المؤمنين؛ من أعرض عن الأ تى
١ – عن اليهود
فكما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين بالأعرض عن اليهود؛ لأن اليهود كانت تسأل النبي صلى الله عليه وسلم من باب التعنت ولبس الحق بالباطل، فكان الله تعالى ينزل القرآن فيما كانوا يسألون عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى:
﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾
المائدة :٤٢
٢- عن المنافقين
قال الله تعالى:
﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ﴾
النساء :٦٣
﴿ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾
النساء:٨١
﴿ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
التوبة:٩٥
كانت هذه السياسة التي أمر بها القرآن في التعامل مع أهل النفاق هي ماتقتضيه الحكمة والسياسة الرفيعة والأسلوب الرفيع للنبي صلى الله عليه وسلم ويتخذها أصحابه من بعده.
٣- عن الجاهلين
فقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ب عن الجاهلين، وعدم التبالي بأفعالهم وهذا من باب حسن العشرة مع الناس.
قال الله تعالى:
﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾
الأعراف:١٩٩
٤ – عن اللغو
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ﴾
القصص:٥٥
أن اللغو الذي ذكره الله في هذا الموضع، هو: سقط القول والكلام العبث الذي لافائدة فيه، والقبيح من القول، فالفحش لغو، والسب لغو، والمراد من هذا في هذه الآية ما كان سبًا وأذى، فأدب أهل الإسلام عنه .
5 – عن إيذاء من تاب من الفاحشة
قال الله تعالى:
﴿ وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾
النساء:١٦
وقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بأن والستر وترك التعيير بما صنعت بعد الحد، الذي هو كفارةٌ لما صنعت لمن ارتكب جريمة الزنا.
ثانيًا – الإعراض المذموم
إن الإعراض المذموم هو الإعراض عن الأ تى
١- عن القرآن
فقال الله تعالى:
﴿ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا . مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا ﴾
طه: 99- ١٠٠
فمن أعرض عن هذا الذكر الذي هو القرآن العظيم، أي: صد وأدبر عنه، ولم يعمل بما فيه من الحلال، والحرام، والآداب، والمكارم، ولم يعتقد ما فيه من العقائد ويعتبر بما فيه من القصص، والأمثال، ونحو ذلك فإنه يحمل يوم القيامة وزرًا، والوزر هو: العقوبة الثقيلة الباهظة.
قال الله تعالى:
﴿ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا ﴾
الجن:١٧
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ﴾
طه:١٢٤
ومن يُعرض عن طاعة ربه واستماع القرآن وتدبره، والعمل به يدخله عذابًا شديدًا شاقًّا.
قال الله تعالى:
﴿ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ . أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ﴾
ص :٦٧-٦٨
فالنبأ العظيم هو القرآن، فإنه نبأ عظيم؛ لأنه كلام الله.
٢ – عن الآيات الكونية
فقد ذكر الله تعالى في مواضع عدة من كتابه المعرضين عن آيات الله الكونية، ولم يتدبروها ولم يتعظوا منها، ولم يتخذوها عبرة وعظة؛ ليؤمنوا بالله تعالى، بل أعرضوا عنها، وجحدوها.
قال الله تعالى:
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾
يوسف: ١٠٥
وكثير من الدلائل الدالة على وحدانية الله وقدرته منتشرة في السموات والأرض، كالشمس والقمر والجبال والأشجار، يشاهدونها وهم عنها معرضون، لا يفكرون فيها ولا يعتبرون.
قال الله تعالى:
﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ﴾
الأنبياء:٣٢
وجعلنا السماء سقفًا للأرض لا يرفعها عماد، وهي محفوظة لا تسقط، ولا تخترقها الشياطين، والكفار عن الاعتبار بآيات السماء (الشمس والقمر والنجوم)، غافلون لاهون عن التفكير فيها.
٣ – عن التوحيد
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا ﴾
الإسراء :٦٧
يخبر الله جل وعلا عن أهل الكفر والشرك، أنهم يلجؤون إليه سبحانه في الشدائد، ويوحدونه ويفردونه بالعبادة، ثم لما ينجيهم من الكرب والشدة، إذا هم يعرضون ويتركون ماكانوا عليه وقت الشدة من إفراده سبحانه بالعبادة، ثم يعودون لما كانوا عليه من الشرك والكفر.
٤- عن شكر الله
فيخبر الله تعالى في مواضع متعددة من كتابه عن من يعرض عن شكر نعمته سبحانه وتعالى، ويكفر بها بعدما أنعم الله عليه بها .
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا ﴾
الإسراء:٨٣
﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ ﴾
فصلت :٥١
٥- عن حكم الله ورسوله
فيخبر سبحانه وتعالى عن أحوال أهل النفاق وإعراضهم عن حكم الله تعالى
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾
النور:٤٨
وإذا دُعوا في خصوماتهم إلى ما في كتاب الله وإلى رسوله؛ ليَحكُم بينهم، إذا فريق منهم معرض لا يقبل حكم الله وحكم رسوله، مع أنه الحق الذي لا شك فيه.
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ﴾
النساء: ٦١
٦ – إعراض الزوج عن زوجته
فيخبر سبحانه عن نوع معين من المباح، وهو إعراض الزوج عن زوجته، في حالة كراهيتها أو دمامة أو كبر في السن؛ مما يرغب الزوج عن زوجته، فيبين الله تعالى ما هو الحل والمخرج من ذلك الأمر.
قال الله تعالى:
﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾
النساء:١٢٨
وإن علمت امرأة من زوجها ترفعًا عنها، وتعاليًا عليها أو انصرافًا عنها فلا إثم عليهما أن يتصالحا على ما تطيب به نفوسهما من القسمة أو النفقة، والصلح أولى وأفضل. وجبلت النفوس على الشح والبخل. وإن تحسنوا معاملة زوجاتكم وتخافوا الله فيهن، فإن الله كان بما تعملون من ذلك وغيره عالمًا لا يخفى عليه شيء، وسيجازيكم على ذلك.
6- عاقبة المعرضين
في
القرآن الكريم
ذكر الله تعالى في القرآن الكريم جزاء كل من أصحاب الإعراض المحمود والإعراض المذموم في الدنيا و في الآخرة .
أولًا – عاقبة الإعراض المحمود
١- الكفاية والطمأنينة
فقد أخبر الله تعالى أنه سبحانه وتعالى كفى رسوله شر المستهزئين وكيدهم.
قال الله تعالى:
﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ﴾
الحجر: ٩٤-٩٥
٢ – الأمن والحفظ والنصرة
قال الله تعالى:
﴿ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا ﴾
المائدة: ٤٢
أي: إن اخترت عن الحكم بينهم، فلا سبيل لهم عليك؛ لأن الله حافظك وناصرك عليهم .
٣ – الفلاح
فقد أخبر الله تعالى بأن من صفات المؤمنين المفلحين هو عن اللغو.
قال الله تعالى:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾
المؤمنون :١-٣
ثانيًا – عاقبة الإعراض المذموم
أ – في الدنيا
١ – سبب لنزول العذاب في الدنيا،
ورفع العافية، وإبدال النعم نقمًا
– عن قوم سبأ
قال الله تعالى:
﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴾
سبأ: ١٦
أخبر الله تعالى عن قوم سبأ وما هم فيه من نعيم الدنيا، ثم تحولت العافية عنهم، وأبدل حالهم من النعمة إلى النقمة بسبب إعراضهم
٢ – وقوع الطمس على القلب
قال الله تعالى:
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ﴾
الكهف :٥٧
فيطمس الله على قلوب المعرضين، فلا تعي الذكر، ولا تبصر الحق، ولا يسير أصحابها فيما ينفعهم، بل يرتكسون في الكفر، ويرتمسون في النفاق والاستكبار، ويجادلون بالباطل.
٣ – الصرف عن الحق إلى الباطل،
وعن الهدى إلى الضلال
المعرضون لا يستطيعون اتباع الحق؛ من الخذلان الذي حاق بهم؛ عقوبة لهم على إعراضهم .
قال الله تعالى:
﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ. وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ ﴾
فصلت: 3-٥
٤- العيش في ضيق وضنك
ومن العذاب العاجل ما يجدونه في صدورهم من الهموم والغموم ، بسبب الغفلة عن ذكر الله تعالى ، ومن ضنك يجعل عيشهم مرًا ولو كانوا في الظاهر منعمين .
قال الله تعالى:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾
طه :١٢٤
ب – في الآخرة
١- حمل الأوزار يوم القيامة
وأما عذاب الآخرة لأهل عن الله تعالى وعن شريعته فشديد أليم.
قال الله تعالى:
﴿ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا . مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا. خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا ﴾
طه:٩٩-١٠١
٢- الوعيد لهم من الله بالانتقام
قال الله تعالى:
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ﴾
السجدة:٢٢
وانتقامه سبحانه منهم يكون في الدنيا بما يصيبهم في أنفسهم وأهلهم وأموالهم، ويكون في الآخرة بالعذاب الشديد .
٣ – يحشرون عميًا يوم القيامة
قال الله تعالى:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ﴾
طه :١٢٤
فإنه لما أعرض عن الذكر الذي بعث الله به رسوله وعميت عنه بصيرته، أعمى الله به بصره يوم القيامة، وتركه في العذاب، كما ترك الذكر في الدنيا، فجازاه على عمى بصيرته عمى بصره في الآخرة، وعلى تركه ذكره، تركه في العذاب.
أحدث التعليقات