1- مفهوم صفات الله تعالى
الصَّفة هي الاسم الدال على بعض أحوال الذات، مثل العلم والقدرة ونحوه. فإذا قيل: إن الله بكل شيء عليم، وهو رحمن رحيم، وعلى كل شيء قدير، فالمعاني القائمة بالرب تعالى التي دل عليها هذا الكلام، من العلم، والرحمة والقدرة، هي من صفات الله تعالى .
2- أقسام صفات الله تعالى
فقد تحدث القرآن الكريم عن صفات الله تعالى في كثير من آياته، وهي تنقسم إلى:
1- صفات الذات
الصفات الذاتية: كالعليم، والقدير، والسميع، والبصير .
2- صفات الفعل
الصفات الفعلية كالخالق، والرازق، والبارئ، والمصور، وغير ذلك من أفعال الرب تبارك وتعالي.
3- الصفات المقابلة أو السلبية
ما نفاها الله سبحانه عن نفسه في كتابه، وكلها صفات نقص في حقه كالنوم، والموت، والضلال، والنسيان، والعجز، والتعب، والظلم، وغير ذلك مما تحدث عنه القرآن.
قال الله تعالى:
﴿ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ﴾
البقرة 255
نفي النوم عن ذاته .
قال الله تعالى:
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ﴾
الفرقان:٥٨
فنفي الموت عنه يتضمن كمال حياته.
قال الله تعالى:
﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾
الكهف:٤٩
نفي الظلم عنه يتضمن كمال عدله.
قال الله تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ﴾
مريم 64
وما كان ربك ناسيًا لشيء من الأشياء.
قال الله تعالى:
﴿ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ﴾
طه 52
لا يضل ربي في أفعاله وأحكامه، ولا ينسى شيئًا ممَّا علمه منها.
قال الله تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ ﴾
فاطر:٤٤
فنفي العجز عنه يتضمن كمال علمه وقدرته
قال الله تعالى:
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ﴾
ق 38
وما أصابنا من ذلك الخلق تعب ولا نَصَب
أنّ صفات الله تعالى لامتناهية ، لأنّ كمالاته غير متناهية ، وكذلك أفعاله ومخلوقاته لامتناهية ولا محدودة أيضاً. ولا يماثله شيء من مخلوقاته، لا في ذاته ولا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله؛ لأن أسماءه كلَّها حسنى، وصفاتِه صفات كمال وعظمة .
قال الله تعالى:
( وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ )
النحل 60
( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )
الشورى 11
( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا )
مريم65
( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ )
الإخلاص4
( إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء )
الحج18
( سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ )
الزخرف 82
ولكن مع هذا فإنّ قسماً من هذه الصفات يُعدُّ أساساً لبقية الصفات ، والصفات الأخيرة تعتبر فروعاً ، وبالالتفات إلى هذه النقطة يمكن القول : بأنّ الصفات الخمس التالية تُعدُّ أصلاً لجميع الأسماء والصفات الإلهيّة المقدّسة ، وما سواها تعدّ فروعاً لها ، وهذه الصفات الخمس هي :
1- القدرة
الكون وما يحتويه من كائنات حية وغير حية أثر من آثار قدرة الله أبدعها من العدم، إنّها قدرة شاملة في نواحي هذا الكون لا يعجزها شيء البتة، هذا ما أعلنه القرآن .
قال الله تعالى:
﴿ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
المائدة 17
﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ﴾
الكهف 45
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴾
فاطر44
وما كان الله تعالى ليعجزه شيء ، يخلق سبحانه ما يشاء، ويفعل ما يريد.
إنّ المتأمل في خلق الله تعالى للكون يرى عظمة وقدرة الله عز وجل ومعجزاته ويتعجب لقدرته، ويزداد إيماناً وتقوى ، فكل شيء في الأرض والسماء مدبر بمشيئته عز وجل، فهوالذي ..
– خَلق السماوات و الأرض وما فيهما
قال الله تعالى:
( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ )
الإسراء 99
﴿ اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾
الطَّلاق: 12
( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
الملك 1
– خَلق الملائكة
قال الله تعالى:
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
فاطر 1
– خلْقُ الإنسان
وسيره في الحياة، بداية ونهاية، وضعفًا وقوة، لمن دلائل قدرة الخالق سبحانه وتعالى. جعل للجنين في بطن أمه أطوارًا ينمو فيها شيئًا شيئًا حتى يأذن بخروجه إلى الدنيا ضعيفًا، ثم يقوى، ثم يضعف حتى ينتهي، إنها لعبرة، وإنها لدليل قدرة؛ فتبارك الله أحسن الخالقين
قال الله تعالى:
﴿ اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ العَلِيمُ القَدِيرُ ﴾
الرُّوم: 54
﴿ أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ . فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ . إِلَىٰ قَدَرٍ مَعْلُومٍ . فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ ﴾
المرسلات 20- 23
﴿ وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا ﴾
والفرقان الآية 54
( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
الحج 6
– خلْقُ أنواع الدوابّ
قال الله تعالى:
﴿ وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ فَمِنْهُم مَّن يَّمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَّمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَّمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَّخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
النور: 45
– المطر ينزل من السماء، فيملأ الأرض حياةً
قال الله تعالى:
﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ . فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾
المؤمنون: 18- 19
﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي المَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
فصِّلت: 39
إنه تعالى بقدرته وحكمته جعل حياة الأرض ومن عليها بهذا الماء، إن ارتوت منه حيت، وإن فقدته ماتت .
– قدَّر فيها أرزاق أهلها من الغذاء
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ﴾
الإسراء 30
﴿ وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ﴾
فصلت 10
قسَّم فيها أقواتها للناس والبهائم في تمام أربعة أيام
قال الله تعالى:
﴿ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾
البقرة 212
والله يرزق مَن يشاء مِن خلقه بغير حساب
قال الله تعالى:
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ﴾
العنكبوت 60
وكم من دابة لا تدَّخر غذاءها لغد، كما يفعل ابن آدم، فالله سبحانه وتعالى يرزقها كما يرزقكم
وآثار القدرة الإلهية التي نشاهدها في هذا الكون تدل على طاقة لا تقف عند حد .
قال الله تعالى:
( وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ )
الأنعام 17-18
وقدرة الله تتغلغل في صميم حياة الإنسان، فلا داعي للالتجاء إلى غير الله للحصول على مرغوب واجتناب مكروه لأنّ ذلك لا يملكه غيره.
قال الله تعالى:
( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
آل عمران 26
وقدرة الله نافذة في إعزاز الأُمم وإذلالها .
2- العلم
إنّ الله عليم، لم يسبق معرفته جهل، ولا يعدو عليه نسيان، وعلمه محيط بالأمس واليوم والغد والظاهر والباطن، بالسماء والأرض، بالدنيا والآخرة.
قال الله تعالى:
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾
الطلاق 12
﴿ إِنَّمَا إِلَٰهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾
طه 98
﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾
الحديد 3
﴿ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
الإسراء 55
﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴾
النحل 19
﴿ إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾
فاطر 38
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾
الحجرات 18
وما هذا الكون وما فيه من والإتقان إلّا برهان على شمول علم الله وحكمته. فمن الحجج الرائعة في القرآن للدلالة على شمول علم الله هي: انّ الله خالق كلّ شيء والذي يخلق المخلوقات كلّها فبالأحرى أن يعلم أسرارها وخفاياها
– يعلم الله دقائق هذا الكون وخفاياه
قال الله تعالى:
( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ )
الأنعام 59
( وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ . أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )
الملك 13-14
( اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ . عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ . سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ )
الرّعد 9-10
إنّ الله يعلم ما تحمل كلّ أنثى من جنين ويعلم أ ذكر هو أو أنثى، وما تنقص الأرحام بالولادة، وما تزداد بالحمل وقتاً بعد آخر، وكلّ شيء عنده سبحانه بقدر وزمان معلوم. ويعلم الله أيضاً ما يغيب عن حِسّنا وما نشاهده، وهو سبحانه العظيم الشأن يعلم كلّ ما في الوجود. ويعلم فوق ذلك ما نسر وما نعلن من أفعال وأقوال، ويعلم ما هو مستخف في ظلمة الليل وظاهر في وضح النهار.
3- الحياة
الله مصدر الحياة وهو واهبها لكلّ حيّ .
قال الله تعالى:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾
الروم 40
﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ ﴾
ق 43
﴿ وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾
النحل 65
فيتحتم عقلاً أن يكون متصفاً بالحياة في أكمل صورها، وحياة الله خالدة لا يلحقها فناء
قال الله تعالى:
( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ )
البقرة 255
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ﴾
الفرقان 58
﴿ هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾
غافر65
وجاء في القرآن وصف ما يلحق الكائنات الحية التي تعيش على الأرض والصفة الثابتة لله تعالى .
قال الله تعالى:
( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ )
الرحمن 26-27
( وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )
القصص 88
وحياة الله لا تحتاج إلى طعام كالكائنات الحيّة.
قال الله تعالى:
( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )
الأنعام 144
ويصرّح القرآن بأنّ حياة الله منزهة عن الزوجة والولد .
قال الله تعالى:
( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ . ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ )
الأنعام 100-101
والمعنى: الله الذي أنشأ السماوات والأرض كيف يكون له ولد مع انّه لم تكن له زوجة، وقد خلق كلّ شيء وهو عالم بكلّ شيء، ذلكم الله ربكم، لا إله غيره خالق كلّ شيء مما كان ومما سيكون، فهو المستحق للعبادة فاعبدوه وحده.
قال الله تعالى:
( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ )
الحديد 3
وحياة الله تعالى سرمدية ، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء .
4- الوَحدانيةُ
يجبُ الاعتقادُ بأنَّ اللهَ واحدٌ لا شريكَ لهُ
قال الله تعالى:
﴿ فاعْلَمْ أنهُ لا إلهَ إلا اللهُ ﴾
محمد 19
فاللهُ واحدٌ في ذاتِهِ فلا نظيرَ لهُ وواحدٌ في صفاتِهِ وواحدٌ في فِعلهِ فنقولُ مثلاً: اللهُ خالقٌ ولا خالقَ إلا الله.
قال الله تعالى:
﴿ إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾
النساء: 171
﴿ لِمَنِ الـمُلْكُ الْيَوْمَ لله الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾
غافر: 16
وقد عرّض القرآن الكريم أدلة على وحدانية الله تعالى، ومنها
قال الله تعالى:
( لَو كانَ فيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّـهُ لَفَسَدَتا فَسُبحانَ اللَّـهِ رَبِّ العَرشِ عَمّا يَصِفونَ )
الأنبياء : 22
فلو افتُرِض وجود إلهين لهذا الكون، فأراد الإله الأول أن تطلع الشمس من المشرق، وأراد الإله الثاني أن تطلع الشمس من المغرب، فأيّ الإلهين يُمضي إرادته؟ فلو كان الأول فالثاني إذن ليس بإله؛ لأن قدرته ناقصة، والناقص لا يمكن أن يكون إلهاً، وإن تحقّقت إرادة الثاني فإن الأول ليس بإلهٍ كذلك .
قال الله تعالى:
( مَا اتَّخَذَ اللَّـهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّـهِ عَمَّا يَصِفُونَ )
المؤمنون : 91.
لم يجعل الله لنفسه ولدًا، ولم يكن معه من معبود آخر؛ لأنه لو كان ثمة أكثر مِن معبود لانفرد كل معبود بمخلوقاته، ولكان بينهم مغالبة كشأن ملوك الدنيا، فيختلُّ نظام الكون، تنزَّه الله سبحانه وتعالى وتقدَّس عن وصفهم له بأن له شريكًا أو ولدًا.
5- الإرادة
قال الله تعالى:
( إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ )
هود 107
( إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ )
المائدة1
إن الله يحكم ما يشاء وَفْق حكمته وعدله
إنما أمره سبحانه وتعالى إذا أراد شيئًا أن يقول له: ( كن ) فيكون .
قال الله تعالى:
( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )
يس82
الإرادة في كتاب الله نوعان:
1- إرادة دينية شرعية
الإرادة الدينية الشرعية تعني إرادة الله تعالى المتضمنة للمحبة والرضا، فهي تتعلق بكل ما يأمر الله تعالى به عباده ممَّا يحبُّه ويرضاه ، وهذه الإرادة تتناول جميع الطاعات حدثت أو لم تحدث.
قال الله تعالى:
( يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )
البقرة :185
( مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )
المائدة: 6
( يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )
النساء: 26
( وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا )
النساء: 27-28
( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )
الأحزاب:33
فهذا النوع من الإرادة لا تستلزم وقوع المراد، إلا إذا تعلق به النوع الثاني من الإرادة، وهذه الإرادة تدل دلالة واضحة على أنه لا يحب الذنوب والمعاصي والضلال والكفر، ولا يأمر بها ولا يرضاها، وإن كان شاءَها خلقاً وإيجاداً.
2- الإرادة الكونية القدرية
الإرادة الكونية القدرية تعني مشيئة الله تعالى الشاملة لجميع الحوادث؛ فهي تتعلق بكل ما يشاء الله تعالى فعله وإحداثه، سواء أحبَّه أو لم يرضه من الكفر والمعاصي .
قال الله تعالى:
( فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا ﴾
الأنعام:125
( وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ ﴾
هود:34
( وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ﴾
البقرة:253
﴿ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
المائدة: 41
والفرق بين الإرادتين أن الإرادة الكونية لا بد فيها من وقوع ما أراده الله تعالى، ولا يلزم أن يكون هذا الأمر الواقع محبوبًا عند الله تعالى، وأما الإرادة الشرعية، فلا بد أن يكون المراد فيها محبوبًا لله، ولكن لا يلزم وقوعه، فقد يقع المراد، وقد لا يقع.
وقد أعطى الله تعالى للإنسان إرادة. ولكن إرادته محدودة بما أعطاه الله تعالى من القدرة والإمكان. وعليه أن يستعمل تلك القدرة والإمكان للخير.
قال الله تعالى:
( مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا.وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا. كلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا )
الاسراء، 18-20
والخلاصة:أن صفات الله هي التي تقوم بذاته، فهي نعوت الكمال القائمة بالذات الإلهية كالعلم والحكمة والسمع والبصر والكلام… إلخ.
3- دلائل إثبات صفات الكمال لله تعالى
أولًا: الأدلة الفطرية
أما دلالة الفطرة على وجود الله الذي يدخل فيه الإيمان بأسمائه وصفاته فإن كل مخلوق قد فطر على الإيمان بخالقه من غير سابق تفكير أوتعليم، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه عنها .
قال الله تعالى:
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾
الروم: ٣٠
وهذه المعرفة هي التي أخبر الله تعالى بوجودها حتى في الكفار
قال الله تعالى:
﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
لقمان:٢٥
وهذا اعتراف منهم بأن الذي خلق ذلك هو الله وحده
قال الله تعالى:
﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾
العنكبوت:٦٥
فقد قادتهم فطرتهم في حالة الضرورة إلى دعوتهم الله تعالى دون سواه، وهذه هي المعرفة الغريزية.
ففي نفس كل مخلوق من العبر والحكمة والرحمة وغير ذلك ما يدل على خالقه وهو الله تبارك وتعالى وأنه واحد صمد، المتصف بصفات الكمال المطلق من الحكمة والرحمة والخبرة والعلم.. إلخ.
ثانيًا: الأدلة النقلية ( الكتاب ﴾
فقد دلت الأدلة القرآنية الكثيرة على إثبات صفات الله عز وجل، فالوحي: هو الطريق الوحيد المأمون العاقبة، الموصل للحقيقة، المعرف بالله عز وجل فيما يتعلق بوجوده وربوبيته وبألوهيته وبأسمائه وصفاته وأفعاله، إذ هو كلام الله عن نفسه ، فهو الأسلم والأحكم والأبين والأفضل.
وبغير طريق الوحي لا تكون معرفة الله صحيحة صافية تبعث الإيمان في القلب وتشيد أركانه لأن معرفة أسماء الله وصفاته من أعظم الغيبيات التي أمرنا بالإيمان بها ولا أحد أعلم بالله من الله .
ومن الأدلة الواردة في السور القرآنية:
قال الله تعالى:
﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . اللَّهُ الصَّمَدُ . لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾
الإخلاص 1- 4
﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
البقرة 106
﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
البقرة 107
﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾
الحج 70
﴿ فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾
مريم 65
﴿ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
البقرة 22
ثالثًا: الأدلة العقلية
الله سبحانه قد زود العباد بنوافذ المعرفة من الحواس المختلفة، لينظروا في آياته المبثوثة في كل جزء من صنعته التي هي أدلة متنوعة عليه ومناسبة لكل مستويات الإفهام والحفظ من الفهم والتعقل والإدراك وصاحب العقل الصحيح يفكر في الكون حوله فيعرف أن كل موجود لا بد له من خالق أوجده، وهذا الخالق لا بد أن يكون عظيمًا قويًا عالمًا حكيمًا، وينظر ويفكر في النفس البشرية وما أودع الله فيها من الأسرار وما حوته من بدائع الخلق في أجهزتها المختلفة فيستدل بها على الخالق الباريء المصور وعلى بعض صفاته سبحانه وتعالى.
قال الله تعالى:
﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾
يونس 101
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
العنكبوت 20
﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ . وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ . وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ . وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾
الغاشية 17- 20
فهذا هو مجال العقل في الدلالة على إثبات الصفات فهو يعمل تفكيره في المخلوقات وآثارها لكي يستدل على وجود خالقها الذي لاشك أنه متصف بكل صفات الكمال المطلق المنزه عن كل صفات النقص، وهذا هي المعرفة العامة الإجمالية.
4- طريقة القرآن في عرض صفات الله
القرآن الكريم من أوله لآخره إنما يدعو الناس إلى النظر في صفات الله وأسمائه وأفعاله وأنواع حمده والثناء عليه والإنباء عن عظمته وعزته وحكمته وأنواع صنعته والتقدم إلى عباده بأمره ونهيه.
ومن الأساليب البارزة عند تأمل طريقة القرآن في التعريف بالله وأسمائه وصفاته على سبيل الإجمال ما يلي:
١- الحديث عن الأسماء والصفات مباشرة
ومما تحدث عنه القرآن من أسماء الله وصفاته: اسم الله الدال على ألوهيته سبحانه وتعالى، والدال على جميع أسمائه وصفاته
قال الله تعالى:
﴿ وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ ﴾
البقرة:١٦٣
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴾
الرعد:٢
كما تحدث عن وحدانيتة وإلهيته، وتقريرها بنفيها عن غيره من المخلوقين
قال الله تعالى:
﴿ وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ ﴾
البقرة:١٦٣
﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾
الأعراف:٥٤
﴿ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ﴾
طه:٨
﴿ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾
البقرة:٢٥٥
٢- ذكر مفعولات الرب سبحانه وتعالى وآياته
وإذا تأملت ما دعا الله سبحانه وتعالى في كتابه عباده إلى التفكر فيه، أوقعك على العلم به سبحانه وتعالى وبوحدانيته وصفات كماله ونعوت جلاله، من عموم قدرته وعلمه وكمال حكمته ورحمته وإحسانه وبره ولطفه وعدله ورضاه وغضبه وثوابه وعقابه فبهذا تعرف إلى عباده وندبهم إلى التفكر في آياته .
قال الله تعالى:
﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا . وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا. وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا . وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا . وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا . وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا. وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا . وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا . وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا . لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا . وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ﴾
النبأ:٦-١٦
٣- التذكير بنعم الله عز وجل
معرفة النعمة سبيل معرفة المنعم والهبات دالة على الوهاب والعطايا دالة على المعطي سبحانه وتعالى، لذا فقد ذكر القرآن كثيرًا بنعم الله مجملة تارة، ومفصلة تارة .
قال الله تعالى:
﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
النحل:١٨
﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾
إبراهيم 34
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ ﴾
فاطر 3
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾
لقمان 31
أي: لا تضبطوا عددها ولا تبلغه طاقتكم، فضلًا أن تطيقوا القيام بحقها من أداء الشكر.
٤ – تعريف العباد بأنفسهم وأصل خلقتهم وضعفهم وفقرهم
فمن عرف نفسه عرف ربه.
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾
فاطر:١٥
يخاطب تعالى جميع الناس ويخبرهم بحالهم ووصفهم، وأنهم فقراء إلى الله من جميع الوجوه:
– فقراء في إيجادهم، فلولا إيجاده إياهم لم يوجدوا.
– فقراء في إعدادهم بالقوى والأعضاء والجوارح، التي لولا إعداده إياهم بها، لما استعدوا لأي عمل كان.
– فقراء في إمدادهم بالأقوات والأرزاق والنعم الظاهرة والباطنة، فلولا فضله وإحسانه وتيسيره الأمور، لما حصل لهم من الرزق والنعم شيء.
– فقراء في صرف النقم عنهم، ودفع المكاره، وإزالة الكروب والشدائد. فلولا دفعه عنهم، وتفريجه لكرباتهم، وإزالته لعسرهم، لاستمرت عليهم المكاره والشدائد.
– فقراء إليه في تربيتهم بأنواع التربية، وأجناس التدبير.
– فقراء إليه، في تألههم له، وحبهم له، وتعبدهم، وإخلاص العبادة له تعالى، فلو لم يوفقهم لذلك، لهلكوا، وفسدت أرواحهم، وقلوبهم وأحوالهم.
– فقراء إليه، في تعليمهم ما لا يعلمون، وعملهم بما يصلحهم، فلولا تعليمه، لم يتعلموا، ولولا توفيقه، لم يصلحوا.
٥ – مخاطبة عقول العباد
وذلك بالأدلة الواضحة التي تبين لهم صفات المعبود الحق.
قال الله تعالى:
﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ . أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ . أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ ﴾
الطور:٣٥-٣7
أخُلِق هؤلاء المشركون من غير خالق لهم وموجد، أم هم الخالقون لأنفسهم؟ وكلا الأمرين باطل ومستحيل. وبهذا يتعيَّن أن الله سبحانه هو الذي خلقهم، وهو وحده الذي لا تنبغي العبادة ولا تصلح إلا له. أم خَلَقوا السموات والأرض على هذا الصنع البديع؟ بل هم لا يوقنون بعذاب الله، فهم مشركون. أم عندهم خزائن ربك يتصرفون فيها، أم هم الجبارون المتسلطون على خلق الله بالقهر والغلبة؟ ليس الأمر كذلك، بل هم العاجزون الضعفاء.
٦- تصحيح التصورات الخاطئة
عن الله وأسمائه وصفاته
وفي هذا الصدد نذكر على سبيل المثال: الرد على اليهود الذين لم يقدروا الله حق قدره فقالوا فيما يحكيه عنهم القرآن .
قال الله تعالى:
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ﴾
المائدة:٦٤
وكان الرد على اليهود
قال الله تعالى:
﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾
المائدة:٦٤
5- الصفات المنفية عن الله تعالى
صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين:
1- صفات ثبوتية
ما أثبت الله تعالى لنفسه في كتابه ، وكلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، كالحياة، والعلم، والقدرة .
2- صفات سلبية
ما نفاها الله سبحانه عن نفسه في كتابه، وكلها صفات نقص في حقه، كالموت، والنوم، والجهل، والنسيان، والعجز، والتعب .
ومن الأمثلة على ذلك:
قال الله تعالى:
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ﴾
الفرقان:٥٨
فنفي الموت عنه يتضمن كمال حياته.
قال الله تعالى:
﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾
الكهف:٤٩
نفي الظلم عنه يتضمن كمال عدله.
قال الله تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴾
فاطر:٤٤
فنفي العجز عنه يتضمن كمال علمه وقدرته
أما الصفات السلبية فلم تذكر غالبًا إلا في الأحوال التالية:
1- بيان عموم كماله
قال الله تعالى:
﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾
الإخلاص:٣-٤
2- نفي ما ادعاه في حقه الكاذبون.
قال الله تعالى:
﴿ أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا . وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴾
مريم:٩١-٩٢
3- دفع توهم نقص من كماله فيما يتعلق بهذا الأمر المعين
قال الله تعالى:
﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾
الإسراء:١١١
قال الله تعالى:
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴾
الأنبياء:١٦
وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما عبثًا وباطلا ، و ما خلقناهما إلا بالحق أي الاستدلال على خالقهما، لعبادته وطاعته ولكن أكثرهم لا يعلمون حكمة خلقها، فيعرضون عنه.
6 – ثمرات الإيمان بصفات الله تعالى
العلم بأسماء اللّه تعالى وصفاته وأفعاله أشـرف العلـوم وأعـلاهـا وأنفعها ومنافـع ذلـك وثمراتـه كثيـرة وعظيمة وجليلة من أهمها :
1- عبادة الله جل جلاله على بصيرة
فلا يمكن أحدًا أن يعبد الله على الوجه الأكمل، حتى يكون على علم بأسماء الله وتعالى وصفاته، ليعبده على بصيرة .
قال الله تعالى:
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
الأعراف:180
، وهذا يشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة.
2- زيادة الإيمان وثباته
ينبغي أن يحرص المؤمن على بذل جهده في معرفته الله بأسمائه وصفاته وأفعاله ، فهذه هي المعرفة النافعة التي تزيد من إيمانه، وتقوي صلته بالله عز وجل.
قال الله تعالى:
( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )
الرعد 28
3- خشية الله عز وجل
قال الله تعالى:
﴿ إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
فاطر:28
إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به؛ لأنه كلما كانت المعرفة به أتمَّ، والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر .
4- محبة الله جل جلاله وتعظيمه
من عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله نزهه عن كل نقص، وازداد له محبةً وتعظيمًا . ولا يمكن للإنسان أن يُحبَّ الله غاية المحبة، ويُعظم الله غاية التعظيم إلا بمعرفة أسمائه وصفاته.
قال الله تعالى:
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾
البقرة: 165
7- ليس كمثل الله شيء
مخالفة الذات الإلهية لغيرها من المحدثات ظاهرة، والبداهة تقضي بأنّ مرتبة المخلوق دون مرتبة الخالق بكثير، وأنّ الخالق كذلك لا يشبه شيئاً من خلقه لا في ذاته ولا في صفاته، فإذا قيل: إنّ الله يسمع فليس ذاك بأذن كآذاننا، أو يرى فليس ذلك بعين كأعيننا، فهو سبحانه غير مخلوقاته، وشأن الألوهية أسمى ما تتصوره العقول القاصرة . وهذا ما نراه في هذه الآيات القرآنية التي وصفت الله بهذه الأوصاف:
قال الله تعالى:
( لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ )
الأنعام 103
( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )
الشورى 11
( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا )
طه 110
( سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ )
الزخرف 82
أحدث التعليقات