1- مفهوم الكتابة
أداة تستخدم لجعل الكلام قابل للقراءة ، و يمكن للرموز المكتوبة أن تمثل اللغة المنطوقة عن طريق إنشاء نسخة من الكلام والتي يمكن تخزينها للرجوع إليها مستقبلًا أو إرسالها لأماكن أخرى .
2- كلمة الكتابة
في
القرآن الكريم
أ- ورودها
وردت كلمة (كتب) وصيغها في القرآن الكريم (٣١٩) مرة. والصيغ التي وردت هي:
– الفعل الماضي
ورد 30 مرة
قال الله تعالى:
﴿ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾
البقرة:١٨٧
– الفعل المضارع
ورد ١٦ مرة
قال الله تعالى:
﴿ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ﴾
البقرة:٢٨٢
– فعل الأمر
ورد 5 مرات
قال الله تعالى:
﴿ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً ﴾
الأعراف:١٥٦
– اسم الفاعل
ورد 6 مرات
قال الله تعالى:
﴿ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ﴾
البقرة:٢٨٢
– المصدر
ورد 255 مرة
قال الله تعالى:
﴿ ذلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾
البقرة:٢
– الجمع
ورد 6 مرات
قال الله تعالى:
﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ﴾
الأنبياء:١٠٤
– اسم المفعول
ورد مرة وا حدة
قال الله تعالى:
﴿ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ﴾
الأعراف:١٥٧
وجاءت الكتابة في القرآن على أربعة أوجه :
1- الفرض
قال الله تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ ﴾
البقرة :١٧٨
أي: فُرِض.
2- القضاء
قال الله تعالى :
﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ﴾
المجادلة:٢١
أي : قضى الله.
3- الجعل
قال الله تعالى :
﴿ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ ﴾
المجادلة: 22
أي : جعل.
4- الأمر
قال الله تعالى :
﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾
المائدة:٢١
أي : أمركم بدخولها.
3– الكلمات ذات الصلة
بكلمة الكتابة
أ – القراءة
هي نطق ماهومكتوب باللسان
ب – السطر
الكتابة في أسطر على نحو ما يكتب الكاتبون
قال الله تعالى:
﴿ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴾
أي: وما يكتبون
﴿ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ ﴾
الطور:٢
ج – الخط
الخط هو تصوير اللفظ بحروف هجائية
قال الله تعالى:
﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ﴾
العنكبوت:٤٨
4- من إسند إليهم الكتابة
في
القرآن الكريم
فقد خصص القرآن الكريم الكتابة و أسندها إلي ..
أ- إسناد الكتابة لله تعالى
أسند الله تعالى في القرآن الكريم الكتابة لنفسه في عدة آيات، بصيغ مختلفة ( كتبنا، سنكتب، نكتب، كتب الله، كتبناها، كاتبون، إنا كنا نستنسخ، والله يكتب ما يبيتون، واكتب لنا، فاكتبنا ﴾ .
قال الله تعالى:
﴿ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ﴾
النساء:٨١
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾
التوبة 51
﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ﴾
المجادلة 21
الكتابة صفة من صفات الله الفعلية الثابتة بالكتاب ، وهي صفة تليق بجلاله وكماله سبحانه وتعالى، ومما يكتبه الله تعالى:
1- كتابة قضاء الله
قال الله تعالى:
﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
الأنعام:٥٤
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
التوبة:٥١
﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾
الحديد:٢٢
وأصل الكتابة هنا ما كتبه الله تعالى في اللوح المحفوظ ، وقضاه علينا من خير أو شر، أو خوف أو رجاء، أو شدة أو رخاء ، من قبل أن نخلق كل هذه الأشياء .
قال الله تعالى:
﴿ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾
الرعد:٣٩
يمحو ما يشاء من الذنوب بالتوبة، ويترك ما يشاء منها مع عدم التوبة.
فالمحو والإثبات على هذا يكون في الصحف التي بأيدي الملائكة، وأما اللوح المحفوظ فلا يقبل المحو .
2- كتابة القدر
قال الله تعالى:
﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾
الأنعام:٥٩
﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾
يونس:٦١
﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾
هود:٦
أنه تعالى إنما كتب أحوال هذا العالم في اللوح المحفوظ ، وأنه لا يغيب عنه مما في السموات والأرض شيء .
3- كتابة أقوال وأفعال العباد
ومما يكتبه الله تعالى ويحصيه أقوال العباد وأفعالهم .
قال الله تعالى:
﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾
آل عمران:١٨١
﴿ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾
النساء:٨١
﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾
يس :١٢
نكتب أعمالهم التي باشروها بأنفسهم، وآثارهم التي أثروها من بعدهم، فنجزيهم على ذلك أيضًا، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.
حتى لا يؤاخذهم سبحانه وتعالى يوم القيامة بما يقول هو إنهم فعلوه، ولكن بما كتب عليهم ليقرؤوه بأنفسهم؛ وليكون حجة عليهم .
قال الله تعالى:
﴿ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾
الإسراء:١٤
﴿ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَٰئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾
الإسراء:٧١
﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾
الكهف:٤٩
ب – إسناد الكتابة للملائكة
وفي آيات أخرى جعلها من فعل الملائكة
قال الله تعالى:
﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾
الزخرف:٨٠
﴿ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ﴾
يونس:٢١
﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَامًا كَاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾
الانفطار: ١١
﴿ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ . مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾
ق:١٧-١٨
فالحفظة أو الكتبة من الملائكة الكرام يكتبون جميع ما يفعله العباد ويدبرونه، أو يخططون له، ويحصونه عليهم، ثم يعرضونه على الله عالم الغيب والشهادة، فيجازي كلًا منهم على الجليل والحقير، وفي هذا دلالة على تمام الحفظ والعناية، وعدم خفاء أعمالهم على الله تعالى.
ج – إسناد الكتابة للبشر
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ﴾
البقرة:٢٨٢
د – عدم إسناد الكتابة لأحد
وفي آيات أخرى أطلق الكتابة ولم يسندها لأحد .
قال الله تعالى:
﴿ وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ﴾
الزخرف:١٩
﴿ قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ﴾
آل عمران:١٥٤
﴿ وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ ﴾
النساء: ٧٧
4- مقاصد الكتابة
أشاد القرآن بفضل الكتابة، وحث على تعلمها وتعليمها، وأشار إلى مقاصدها وفوائدها؛ وذلك لما لها من مرتبة رفيعة، ومنزلة شريفة، ومما جاء في القرآن الكريم من فوائد ومقاصد الكتابة ما يأتي:
أولًا: حفظ حقوق العباد من الضياع
من مقاصد الكتابة التي ذكرت في القرآن الكريم حفظ الحقوق من الضياع.
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ﴾
البقرة :٢٨٢
والحاصل أن الإسلام نظم شؤون المعاملات والعقود بين الناس على أساس من الحق والعدل والحكمة، وصان حقوق الناس وحفظ أموالهم، وندبهم إلى توثيق عقودهم ومعاملاتهم المؤجلة بالكتابة ، والشهادة والشهود، على سبيل الاحتياط للناس، وتجنبًا من احتمال إنكار أصل الحق، أو عدم الاعتراف به، بسبب قلة التدين، وضعف اليقين، وفساد الذمة، واستبداد الطمع والجشع .
ثانيًا: حفظ العلم وتدوينه
إن الله تعالى أخرج الإنسان من بطن أمه لا يعلم شيئًا
قال الله تعالى:
﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
النحل 78
وقد ذكر الله من نعمه على خلقه ، أنه جعل له السمع والبصر والفؤاد، ويسر له أسباب العلم.
قال الله تعالى:
﴿ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ . عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾
العلق:٤-٥
وعلمه الكتابة بالقلم ، ومن مقاصد الكتابة العظيمة كتابة العلم وتدوينه، فما دونت العلوم، ولا قيدت الحكم إلا بالكتابة .
أن العلم الذي يقدر الإنسان على استنباطه يكون قليلًا، أما إذا استنبط الإنسان علمًا وأودعه في الكتاب، وجاء الإنسان الثاني واستعان بذلك الكتاب، وضم إليه من عند نفسه أشياء أخرى، ثم لا يزالون يتعاقبون، ويضم كل متأخر مباحث كثيرة إلى علم المتقدمين، كثرت العلوم، وقويت الفضائل والمعارف، وانتهت المباحث العقلية، والمطالب الشرعية إلى أقصى الغايات، وأكمل النهايات، ومعلوم أن هذا الباب لا يتأتى إلا بواسطة الخط والكتابة؛ ولهذه الفضيلة الكاملة
ثالثًا: حفظ أعمال العباد لمحاسبتهم عليها
ومن مقاصد الكتابة حفظ أعمال العباد
قال الله تعالى :
﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾
الزخرف: ٨٠
﴿ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا. اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾
الإسراء:١٣-١٤
﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾
الكهف:٤٩
﴿ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ﴾
يونس:٢١
فثبت بهذا أن أفعال الناس وأقوالهم سواء كانوا مؤمنين أو كافرين مضبوطة مكتوبة للإلزام عليهم يوم القيامة، والحكمة فى كتابة الأعمال وحفظها على العالمين أن المكلف إذا علم أن أعماله تحفظ عليه، وتعرض على رؤوس الأشهاد كان ذلك أزجر له عن الفواحش والمنكرات، وأبعث له على عمل الصالحات .
قال الله تعالى :
﴿ هَٰذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
الجاثية:٢٩
﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾
الزخرف:٨٠
﴿ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا ۚ قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ﴾
يونس:٢١
والمعنى واضح؛ لأن الملك يتلقى عمل الإنسان عند صدوره منه، فيكتبه عليه، والمتلقيان هما الملكان اللذان يكتبان أعمال الإنسان، وقد دلت الآية الكريمة على أن مقعد أحدهما عن يمينه، ومقعد الآخر عن شماله.
5- ضوابط الكتابة
لما كانت الكتابة نعمة من النعم التي من الله بها على الإنسان، والتي يشرف بها، وتعلو منزلته بتعلمها، كان لا بد لها من ضوابط، ولا بد لمن يزاولها من آداب، وقد أشار القرآن الكريم إلى ما ينبغي أن يكون عليه الكاتب والكتابة، فذكر بعضًا من هذه الآداب والضوابط، منها:
أولًا: العدل
من ضوابط الكتابة العدل، وهو أن يكون الكاتب عدلًا فيما يكتب،
– في آية الدين
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ﴾
البقرة:٢٨٢
العدل، يعني الحق والإنصاف في الكتاب الذي يكتبه بينهما، فلا يميل إلى أحدهما، فيجعل له من الحق ما ليس له، ولا يميل عن الآخر فيبخسه من حقه شيئًا ولا يلزمه ما ليس عليه.
قال الله تعالى:
﴿ فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ﴾
البقرة:٢٨٢
فإن كان المدين محجورًا عليه لتبذيره وإسرافه، أو كان صغيرًا أو مجنونًا، أو لا يستطيع النطق لخرس به أو عدم قدرة كاملة على الكلام، فليتولَّ الإملاء عن المدين القائم بأمره بالعدال .
ثانيًا: العلم
ومن ضوابط الكتابة العلم بقواعد الكتابة وأصولها،
قال الله تعالى:
﴿ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ﴾
البقرة:٢٨٢
ولهذا بعد أن شرط الله في الكاتب العدالة شرط فيه العلم بالأحكام والفقه في كتابة الدين؛ إذ الكتابة لا تكون ضمانًا تامًّا إلا إذا كان الكاتب عالمًا بالأحكام الشرعية، والشروط المرعية عرفًا وقانونًا، وكان عادلًا حسن السيرة، لا غرض له إلا بيان الحق بلا محاباة.
ثالثًا: الحفظ من التبديل والتحريف
ومن ضوابط الكتابة حفظها من التبديل والتحريف، وقد مدح الله تعالى الربانيين والأحبار بكونهم استحفظوا كتاب الله فحفظوه، والحفظ يشمل ناحية العمل، وناحية حفظه .
فقال الله تعالى:
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ﴾
المائدة:٤٤
وكان أولئك الربانيون والأحبار شهداء، أي رقباء، يحافظون على نصوصه كاملة، ويشهدون بصدق ما نزل من عند الله، ويردون المحرف، وكانوا أيضًا رقباء على تنفيذه، بحيث ينفذ من غير عوج.
6- أساليب القرآن في
الحث على الكتابة
تظهر أهمية وقيمة الكتابة في اعتناء القرآن الكريم بالحديث عنها، حيث تنوعت أساليب القرآن الكريم في عرضه لهذا الموضوع، والدعوة إليه، ومن هذه الأساليب ما يأتي:
أولًا: القَسَمُ بالمكتوب والأداة
من أساليب القرآن في الحث على الكتابة القسم بالمكتوب، وأداة الكتابة التي هي القلم،
قال الله تعالى:
﴿ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴾
القلم :١
وفي القسم بالقلم والكتابة إشادة بفضل الكتابة والقراءة، فالإنسان من بين سائر المخلوقات خصه الله بمعرفة الكتابة؛ ليفصح عما في ضميره.
قال الله تعالى:
﴿ وَالطُّورِ . وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ. فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ ﴾
الطور:١-٣
أقسم الله بالطور، وهو الجبل الذي كلَّم الله سبحانه وتعالى موسى عليه، وبكتاب مكتوب، وهو القرآن في صحف منشورة
قال الله تعالى:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ . اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ . الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ . عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾
العلق ١-٥
وليس هذا بالأمر المستغرب من رسالة افتتحت بهذا الأمر من رب العالمين .
ثانيًا: الأمر بالكتابة
ومن أساليب القرآن في الحث على الكتابة الأمر بها،
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ﴾
البقرة: ٢٨٢
أمران اثنان بالكتابة، وفي ذلك حث على تعلم الكتابة؛ إذ لا يتم امتثال الأمر بالكتابة إلا بتعلمها. أن في هذا الأمر الإلهي بالكتابة دعوة إلى تعلمها، سواء كان أمرًا على الوجوب، أو على الندب، فالقدر المشترك بينهما طلب حصول الفعل، وهو الكتابة، وفي هذا حثٌ عليها، وطلبٌ لها.
ثالثًا: الثناء على أهل الكتابة
ومن أساليب القرآن في الحث على الكتابة، الثناء على أهلها، فقد وصف الله تعالى الملائكة بأنهم كاتبون .
قال الله تعالى:
﴿ كِرَامًا كَاتِبِينَ ﴾
الانفطار:١١
وفي تعظيم الكتبة بالثناء عليهم تعظيم لأمر الجزاء، وأنه عند الله من جلائل الأمور؛ ولولا ذلك لما وكل بضبط ما يحاسب عليه، ويجازي به الملائكة الكرام الحفظة الكتبة،
ومن الترغيب بالكتابة مدح الكتاب المكتوب،
– على لسان بلقيس
قال الله تعالى:
﴿ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ﴾
النمل:٢٩
أنها مدحت كتاب سليمان عليه السلام بالكرم والشرف، وفي هذا ترغيب بالكتابة، وبخاصة إذا كانت ذا مضمون شريف، وهدف نبيل كهذا الكتاب الذي كان الهدف منه الدعوة إلى الله، ونشر دينه، وإعلاء كلمته.
رابعًا: النهي عن الامتناع عن الكتابة
ومن أساليب القرآن في الحث على الكتابة، النهي عن الامتناع عنها لمن احتيج إلى كتابته، وكان قادرًا عالمًا بالكتابة .
قال الله تعالى:
﴿ وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ﴾
البقرة:٢٨٢
أن من أساليب القرآن في الحث على الكتابة، والترغيب فيها، النهي لمن يعرف الكتابة أن يمتنع عن كتابة الدين أو غيره من مصالح المسلمين إذا دعي إلى كتابته، فقد أنعم الله عليه بأن علمه ما لم يكن يعلم، فلينفق من هذا الرزق الذي رزقه الله إياه في سبيل الخير، فذلك من زكاة هذه النعمة.
أحدث التعليقات