العلاقات الاجتماعية في القرآن الكريم
1- مفهوم العلاقات الاجتماعية
العلاقات الاجتماعية هي الروابط والآثار المتبادلة التي تربط كل فرد من أفراد الأسرة، وكل أسرة بأسرة، وكل بلد ببلد ، والتي تنشأ نتيجة اجتماعهم وتبادل مشاعرهم واحتكاكهم ببعضهم بعضًا.
قال الله تعالى:
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )
الحجرات: 13
بيَّن الله عز وجل أن العلاقة بين البشر تقوم على أساس التعارف والتكامل، وأن ميزان الأفضلية هو التقوى والعمل الصالح .
2- تنوع العلاقات الاجتماعية
في
القرآن الكريم
عند غياب منهج كامل للعلاقات الاجتماعية نجد أن المشكلات تنبع، والخلافات تزداد، والأحقاد تنتشر، والخصومات تطفو على السطح، وكل إنسان ضد الثاني ضمن الأسرة الواحدة، بين الزوجين وبين الشريكين وبين الأخوين وبين الحيين وبين المدينتين . ولذلك جاء الدين بمنهج كامل لعلاج تلك الأحقاد والخصومات ؛ وذلك في العلاقات الاجتماعية الأتية :
أولا – العلاقات الأسرية
تعتبر الأسرة نواة المجتمع وركيزته الأساسية، فهو يصلح بصلاحها وتماسكها، ويفسد بتفككها وانحلالها. لذا اهتم الإسلام ببنائها على أسس متينة، تكفل قوتها واستمراريتها، لأداء دورها الفعال في تربية الأجيال وإعدادهم ليكونوا أعضاء صالحين نافعين لدينهم ووطنهم ومجتمعهم.
قال الله تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾
النساء: ١
أي: أيها الناس، احذروا ربكم في أن تخالفوه فيما أمركم وفيما نهاكم ؛ فإنه خلق جميع الأنام من شخص واحد، معرفًا عباده ومنبههم بذلك على أن جميعهم بنو رجل واحد وأم واحدة، وأن بعضهم من بعض، وأن حق بعضهم على بعض واجب وجوب حق الأخ على أخيه، لاجتماعهم في النسب إلى أب واحد وأم واحدة .
قال الله تعالى :
﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ﴾
الفرقان : ٥٤
أي: وهو الذي خلق مِن منيِّ الرجل والمرأة ذرية ذكورًا وإناثًا، فنشأ من هذا قرابة النسب وقرابة المصاهرة. وتشمل العلاقات الأسرية ، العلاقات الأتية :
1- العلاقة بين الزوجين
إن العلاقات الزوجية في الإسلام متينة ومهمة؛ لأنها تبنى على ميثاق أخذه الله عز وجل على الرجال والنساء، كما أخذته النساء على الرجال.
قال الله تعالى :
﴿ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾
النساء : ٢١
أي: إن المرأة قد أخذت هذا الميثاق الغليظ على هذا الرجل، وهذا الميثاق الغليظ تجب المحافظة عليه، وحينئذٍ فإن للعلاقات الزوجية شروطها وآدابها ؛ من إمساكهن بمعروف أو تسريحهن بإحسان؟
قال الله تعالى :
﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾
البقرة 229
حكم الله هو إمساك المرأة بالمعروف، وحسن العشرة ، أو تخلية سبيلها مع حسن معاملتها بأداء حقوقها، وألا يذكرها مطلقها بسوء.
قال الله تعالى :
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾
الروم : ٢١
ومن آياته الدالة على عظمته وكمال قدرته أن خلق لأجلكم من جنسكم -أيها الرجال- أزواجًا؛ لتطمئن نفوسكم إليها وتسكن، وجعل بين المرأة وزوجها محبة وشفقة .
قال الله تعالى :
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾
الأعراف : ١٨٩
أي: هو الذي خلقكم -أيها الناس- من نفس واحدة، وهي آدم عليه السلام وخَلَق منها زوجها، وجعل بين الجنسين المحبة والشفقة ، ليتعاون الجنسان على أعباء الحياة، وتدوم الأسرة على أقوى أساس وأتم نظام، ويتم السكن والاطمئنان والراحة والهدوء .
قال الله تعالى :
﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً ﴾
النحل : ٧٢
والله سبحانه جعل مِن جنسكم أزواجا؛ لتستريح نفوسكم معهن، وجعل لكم منهن الأبناء ومِن نسلهنَّ الأحفاد، تقر بهم أعينهم ويخدمونهم، ويقضون حوائجهم .
وقد جعل الإسلام للمرأة حقوقا على الزوج كما للزوج على المرأة حقوقًا،
قال الله تعالى :
﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾
البقرة : ٢٢٨
أي: لهن من حقوق الزوجية على الرجال بمثل ما للرجال عليهن، ، وللرجال عليهن منزلة ليست لهن، وهي قيامه عليها في الإنفاق ، فيحسن عشرتها بما هو معروف من عادة الناس أنهم يفعلونه لنسائهم، وهي كذلك، تحسن عشرة زوجها بما هو معروف من عادة النساء أنهن يفعلنه لأزواجهن من طاعة .
قال الله تعالى :
﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾
النساء : ١٩
ولتكن مصاحبتكم لنسائكم مبنية على التكريم والمحبة، وأداء ما لهن من حقوق. فإن كرهتموهن لسبب من الأسباب الدنيوية فاصبروا؛ فعسى أن تكرهوا أمرًا من الأمور ويكون فيه خير كثير.
قال الله تعالى :
﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ﴾
النساء : ٣٥
وإن علمتم – يا أولياء الزوجين- شقاقًا بينهما يؤدي إلى الفراق، فأرسلوا إليهما حكمًا عدلا من أهل الزوج، وحكمًا عدلا من أهل الزوجة؛ لينظرا ويحكما بما فيه المصلحة لهما، وبسبب رغبة الحكمين في الإصلاح، واستعمالهما الأسلوب الطيب يوفق الله بين الزوجين.
قال الله تعالى :
﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ﴾
النساء : ١٣٠
أي: فإن وصلت الحال إلى أنه لا يمكن اجتماعهما وإصلاحهما إلا على وجه المعاداة والمقاطعة ومعصية الله، ورأيا أن التفريق بينهما أصلح، فرقا بينهما .
2- العلاقة مع الوالدين
بر الوالدين والإحسان إليهما من أعظم الأعمال إلى الله عز وجل، لذا قرن المولى سبحانه بر الوالدين والإحسان إليهما بتوحيده .
قال الله تعالى :
﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾
النساء : 36
﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾
الإسراء : 23
﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ﴾
العنكبوت : 8
ففي هذه الآيات الثلاث يأمر الحق سبحانه وتعالى بالإحسان إلى الوالدين
قال الله تعالى :
﴿ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾
لقمان : 15
وصاحبهما في الدنيا بالمعروف أي بالبر وحسن الصلة
3- العلاقة بين الوالدين والأبناء
نظَّ%
أحدث التعليقات