1- مفهوم الخشية

هي تألّم القلب بسبب توقّع مكروه في المستقبل يكون تارة بكثرة الجناية من العبد، وتارة بمعرفة جلال الله وهيبته .

قال اللّه تعالى:

﴿ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ﴾

النساء 77

2- كلمة الخشية

        في

   القرآن الكريم

وردت كلمة خشي وصيغها في القرآن الكريم ٤٨ مرة. والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

وردت 6 مرات

قال اللّه تعالى:

﴿ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ  وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾

النساء:٢٥

– الفعل المضارع

وردت 29 مرة

قال اللّه تعالى:

﴿ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ﴾

الأنبياء:٤٩

– فعل الأمر

وردت 5 مرات

قال اللّه تعالى:

﴿ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ﴾

المائدة:٣

– المصدر

وردت 8 مرات

قال اللّه تعالى:

﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ﴾

الإسراء:٣١

وجاءت الخشية في القرآن بمعني خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون ذلك

3- الألفاظ ذات الصلة

– الخوف

الخوف توقّع حلول مكروه عند استشعاره.

قال اللّه تعالى:

﴿ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ﴾

يوسف: 13

– الوجل

الوجل هو استشعار الخوف عن خاطر غير ظاهر وليس له أمارة .

قال اللّه تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾

المؤمنون 60

– الشفقة

الشفقة ضرب من الرقة وضعف القلب ينال الإنسان ومن ثم يقال للأم إنها تشفق على ولدها، أي: ترق له .

قال اللّه تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ﴾

المؤمنون:٥٧

– الرهبة

خوف وانزعاج من مكروه .

قال اللّه تعالى:

﴿ لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ﴾

الحشر: 13

4- أنواع الخشية  

        في

   القرآن الكريم

تنقسم الخشية إلى أنواع ، منها الأتى

أولا – الخشية الفطرية

الخشية الفطرية يولد بها الإنسان، مثل: الخوف من الوحوش، ومن الموت، والمجهول أو الخشية من غضب الوالد أو عقابه، فهذا شيء طبيعي سببي لا يأثم عليه الإنسان؛ لأنه خارج التكليف . ومن الآيات التي تدل على الخشية الفطرية:

قال اللّه تعالى:

﴿ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ﴾

يوسف: ١٣

قال يعقوب: إني لَيؤلم نفسي مفارقته لي إذا ذهبتم به إلى المراعي، وأخشى أن يأكله الذئب، وأنتم عنه غافلون منشغلون.

قال اللّه تعالى:

﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾

القصص:٧

وألْهمنا أم موسى حين ولدته وخشيت عليه أن يذبحه فرعون كما يذبح أبناء بني إسرائيل: أن أرضعيه مطمئنة، فإذا خشيت أن يُعرف أمره فضعيه في صندوق وألقيه في النيل، دون خوف من فرعون وقومه أن يقتلوه، ودون حزن على فراقه، إنا رادُّو ولدك إليك وباعثوه رسولا.

ثانيًا: الخشية الممدوحة

الخشية المحمودة التي تكون من الله، فتمنع صاحبها من الوقوع في المعاصي،، ونجاته من النار، والفوز بالنعيم والراحة في الدنيا والآخرة، ومن أنواع الخشية الممدوحة:

1- الخشية من الله تعالى

الخشية من الله أعلى مراتب الإيمان، حيث إن الإنسان يبلغ مرتبة الإحسان حين يعبد الله كأنه يراه، ويشعر بمراقبة الله له في كل لحظة، وكلما تمكنت الخشية من القلب كان الإنسان لله أعبد، وكان مراقبًا لله في السر والعلن، وفي الغيب والشهادة.

قال الله تعالى:

﴿ وَأُزْلِفَتِ الْـجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ . هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ. مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ﴾

ق: 31 – 33

﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ﴾

الأنبياء:٤٨-٤٩

ولقد آتينا موسى وهارون حجة ونصرًا على عدوهما، وكتابًا – وهو التوراة – فَرَقْنا به بين الحق والباطل، ونورًا يهتدي به المتقون الذين يخافون عقاب ربهم، وهم من الساعة التي تقوم فيها القيامة خائفون وجلون.

2- خشية العذاب الدنيوي والأخروي

الخشية من الله تعالى تجعل الإنسان دائم الذكر لله تعالى، مبتعدًا عن ارتكاب المعاصي و المحرمات، حريصًا على عمل الخير، مبادرًا في الأعمال الصالحة، مسرعًا في التوبة والرجوع إلى الله تعالى، خشيةً من العقاب وطلبًا للنجاة من النّار وطمعًا في الجنة، بينما الذين لا يخشون الله تعالى نجد قلوبهم متعلقة بحب الدنيا وزخارفها، لا يلقون بالًا للعبادات والأعمال الصالحة التي ترضي الله عنهم، ويعيشون وقلوبهم بعيدة عن الله.

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ﴾

الرعد: ٢١

وهم الذين يَصِلون ما أمرهم الله بوصله كالأرحام والمحتاجين، ويراقبون ربهم، ويخشون أن يحاسبهم على كل ذنوبهم، ولا يغفر لهم منها شيئًا.

3- الخشية من الوقوع في الفاحشة

يجوز للمسلم أن يعدد بشرط العدالة، كذلك أباح الله تعالى تعدد الزوجات إذا كانت الزوجة مريضة أو عقيمًا أو إذا خشي على نفسه الوقوع في الفاحشة.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ  وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ  فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ  فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

النساء:٢٥

ومن لا قدرة له على مهور الحرائر المؤمنات، فله أن ينكح غيرهن، من فتياتكم المؤمنات المملوكات. والله تعالى هو العليم بحقيقة إيمانكم، بعضكم من بعض، فتزوجوهن بموافقة أهلهن، وأعطوهن مهورهن على ما تراضيتم به عن طيب نفس منكم، متعففات عن الحرام، غير مجاهرات بالزنى، ولا مسرات به باتخاذ أخلاء، فإذا تزوجن وأتين بفاحشة الزنى فعليهن من الحدِّ نصف ما على الحرائر. ذلك الذي أبيح مِن نكاح الإماء بالصفة المتقدمة إنما أبيح لمن خاف على نفسه الوقوع في الزنى، وشق عليه الصبر عن الجماع، والصبر عن نكاح الإماء مع العفة أولى وأفضل. والله تعالى غفور لكم، رحيم بكم إذ أذن لكم في نكاحهن عند العجز عن نكاح الحرائر.

4- الخشية من التقصير في الاسترشاد إلى الحق

كلما تمكنت الخشية من قلب الإنسان كلما كان أشد خشية من التقصير في جنب الله، فيكون دائمًا يقظًا محاسبًا لنفسه خوفًا من العذاب والعقاب.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴾

يس:١١

إنما ينفع تحذيرك مَن آمن بالقرآن، واتبع ما فيه من أحكام الله، وخاف الرحمن، حيث لا يراه أحد إلا الله، فبشِّره بمغفرة من الله لذنوبه، وثواب منه في الآخرة على أعماله الصالحة، وهو دخوله الجنة.

5- الخشية من محبة الذرية المضرة

أحيانًا يكون المال والولد فتنة شديدة للإنسان، فربما يرده عن دينه أو يرتكب جريمة، أو يظلم أحدًا، أو يسرق بسبب توفير الأموال لأبنائه.

قال الله تعالى:

﴿ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴾

الكهف: ٨٠

وأما الغلام الذي قتلته فكان في علم الله كافرًا، وكان أبوه وأمه مؤمِنَيْن، فخشينا لو بقي الغلام حيًا لَحمل والديه على الكفر والطغيان؛ لأجل محبتهما إياه أو للحاجة إليه.

قال الله تعالى:

﴿ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴾

الكهف:٨١

6- الخشية من التفرق والتشرذم

في الاتحاد قوة وفي التفرق ضعف، لذا ينبغي على المسلمين أن يكونوا متحدين على كلمة الحق ﴿ لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم﴾  خشية أن يتسلل الخور إلى صفوفهم، ويصبحوا أحزابًا وشيعًا، فيطمع بهم عدوهم ويصبحوا لقمة سائغة.

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ﴾

طه:٩٤

ثم أخذ موسى بلحية هارون ورأسه يجرُّه إليه، فقال له هارون: يا ابن أمي لا تمسك بلحيتي ولا بشعر رأسي، إني خفتُ – إن تركتهم ولحقت بك – أن تقول: فرَّقت بين بني إسرائيل، ولم تحفظ وصيتي بحسن رعايتهم.

7- خشية الساعة

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْـحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾

لقمان: ٣٣

وخشية الساعة خشية لله تعالى، فليس في يوم القيامة ما يخشى إلا حسابه العسير وعقابه الشديد.

ثالثًا: الخشية المذمومة

الخشية المذمومة التي تكون من الناس، فتجعل صاحبها يقع في المحظورات، وتكون خشيته من الناس أشد من خشيته من الله، وهذا لا يفيده بشيء؛ لأن الله تعالى بيده الخير والنفع وليس البشر، مثل: الخشية من كساد التجارة، والخشية من الفقر، ومن الأعداء، ومن المخالفين، وهذه الخشية مذمومة تودي بصاحبها للتعرض لسخط الله، وعدم توفيقه له، ويكون في الدنيا والآخرة من الهالكين الخاسرين إن لم يتب.

1- الخشية من الناس

قال الله تعالى:

﴿ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ﴾

الأحزاب: 37

﴿ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾

المائدة: ٤٤

فلا تخشوا الناس في تنفيذ حكمي؛ فإنهم لا يقدرون على نفعكم ولا ضَرِّكم، ولكن اخشوني فإني أنا النافع الضار، ولا تأخذوا بترك الحكم بما أنزلتُ عوضًا حقيرًا.

2- خشية الكافرين

﴿ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ﴾

المائدة: ٣

الآن انقطع طمع الكفار من دينكم أن ترتدوا عنه إلى الشرك بعد أن نصَرْتُكم عليهم، فلا تخافوهم وخافوني.

3- الخشية من الأعداء

قال الله تعالى:

﴿ أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

التوبة:١٣

لا تترددوا في قتال هؤلاء القوم الذين نقضوا عهودهم، وعملوا على إخراج الرسول من (مكة)، وهم الذين بدؤوا بإيذائكم أول الأمر، أتخافونهم أو تخافون ملاقاتهم في الحرب؟ فالله أحق أن تخافوه إن كنتم مؤمنين حقًا.

4- خشية الظالمين

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْـمَسْجِدِ الْـحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾

البقرة: 150

5- الخشية من الفقر

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾

الإسراء: ٣١

وإذا علمتم أن الرزق بيد الله سبحانه فلا تقتلوا -أيها الناس- أولادكم خوفًا من الفقر؛ فإنه -سبحانه- هو الرزاق لعباده، يرزق الأبناء كما يرزق الآباء، إنَّ قَتْلَ الأولاد ذنب عظيم.

6- الخشية من المخالفين

قال الله تعالى :

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾

النساء:٧٧

ألم تعلم -أيها الرسول- أمر أولئك الذين قيل لهم قبل الإذن بالجهاد: امنعوا أيديكم عن قتال أعدائكم من المشركين، وعليكم أداء ما فرضه الله عليكم من الصلاة، والزكاة، فلما فرض عليهم القتال إذا جماعة منهم قد تغير حالهم، فأصبحوا يخافون الناس ويرهبونهم، كخوفهم من الله أو أشد، ويعلنون عما اعتراهم من شدة الخوف، فيقولون: ربنا لِمَ أَوْجَبْتَ علينا القتال؟ هلا أمهلتنا إلى وقت قريب، رغبة منهم في متاع الحياة الدنيا، قل لهم -أيها الرسول-: متاع الدنيا قليل، والآخرة وما فيها أعظم وأبقى لمن اتقى، فعمل بما أُمر به، واجتنب ما نُهي عنه.، لا يظلم ربك أحدًا شيئًا، ولو كان مقدار الخيط الذي يكون في شق نَواة التمرة.

7- الخشية من كساد التجارة

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾

التوبة: ٢٤

قل – يا أيها الرسول- للمؤمنين: إن فَضَّلتم الآباء والأبناء والإخوان والزوجات والقرابات والأموال التي جمعتموها والتجارة التي تخافون عدم رواجها والبيوت الفارهة التي أقمتم فيها، إن فَضَّلتم ذلك على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله فانتظروا عقاب الله ونكاله بكم. والله لا يوفق الخارجين عن طاعته.

8- الخشية على الأولاد بعد موت العائل

قال الله تعالى:

﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾

النساء:٩

ولْيَخَفِ الذين لو ماتوا وتركوا من خلفهم أبناء صغارًا ضعافًا خافوا عليهم الظلم والضياع، فليراقبوا الله فيمن تحت أيديهم من اليتامى وغيرهم، وذلك بحفظ أموالهم، وحسن تربيتهم، ودَفْع الأذى عنهم، وليقولوا لهم قولا موافقا للعدل والمعروف.

5- أسباب الخشية

للخشية أسباب عدة، تختلف باختلاف نوع الخشية، وبيان ذلك في النقاط الآتية:

أولًا: أسباب الخشية الممدوحة

1- تعظيم الله تعالى.

الخشية من الله تكون مرتبطة بتعظيم الله سبحانه وتعالى، فالخاشي لله تكون خشيته نابعة من تعظيمه لله عز وجل.

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ﴾

الرعد:٢١

وهم الذين يَصِلون ما أمرهم الله بوصله كالأرحام والمحتاجين، ويراقبون ربهم، ويخشون أن يحاسبهم على كل ذنوبهم، ولا يغفر لهم منها شيئًا.

قال الله تعالى:

﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

الحشر:٢١

أي: من شأنه، وعظمته

2- العلم

لقد مدح الله العلماء وخصهم بخشيته، وذلك لأنهم عارفون بالله تعالى؛ بأسمائه وصفاته وقدرته.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾

فاطر:٢٨

3- النجاة من العذاب في الدنيا والآخرة

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ﴾

الرعد:٢١

وهم الذين يَصِلون ما أمرهم الله بوصله كالأرحام والمحتاجين، ويراقبون ربهم، ويخشون أن يحاسبهم على كل ذنوبهم، ولا يغفر لهم منها شيئًا.

4- الرغبة في المغفرة والثواب

الهدف الأسمى الذي يسعى إليه المسلمون، هو نيل رضا الله سبحانه وتعالى والفوز بجنته، وذلك يتأتى بإذن الله لمن شاء فهو غفار الذنوب، والمكافئ بالثواب الجزيل.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴾

يس:١١

إنما ينفع تحذيرك مَن آمن بالقرآن، واتبع ما فيه من أحكام الله، وخاف الرحمن، حيث لا يراه أحد إلا الله، فبشِّره بمغفرة من الله لذنوبه، وثواب منه في الآخرة على أعماله الصالحة، وهو دخوله الجنة.

ثانيًا: أسباب الخشية المذمومة

1- ضعف الإيمان

ضعيف الإيمان والمنافق تكون خشيته من الناس وليس من الله، وذلك بسبب جهله وعدم معرفته بقدر الله وعظمته وجلاله سبحانه.

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً  وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَىٰ ﴾

النساء:٧٧

ألم تعلم -أيها الرسول- أمر أولئك الذين قيل لهم قبل الإذن بالجهاد: امنعوا أيديكم عن قتال أعدائكم من المشركين، وعليكم أداء ما فرضه الله عليكم من الصلاة، والزكاة، فلما فرض عليهم القتال إذا جماعة منهم قد تغير حالهم، فأصبحوا يخافون الناس ويرهبونهم، كخوفهم من الله أو أشد، ويعلنون عما اعتراهم من شدة الخوف، فيقولون: ربنا لِمَ أَوْجَبْتَ علينا القتال؟ هلا أمهلتنا إلى وقت قريب، رغبة منهم في متاع الحياة الدنيا، قل لهم -أيها الرسول-: متاع الدنيا قليل، والآخرة وما فيها أعظم وأبقى لمن اتقى، فعمل بما أُمر به، واجتنب ما نُهي عنه.

2- محبة الأموال و الأبناء

من الناس من يفني حياته في سبيل توفير الراحة والحياة الرغيدة لأولاده، فيجتهد في كنز الأموال ويصبح الشح والبخل صفة ملازمة له، وينسى أن يقدم لآخرته ببذل الصدقات ولو بأقل القليل، وذلك نتيجة جهلهم أن أولادهم وأموالهم لا تغني عنهم من الله شيئًا .

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾

التوبة: ٢٤

قل – يا أيها الرسول – للمؤمنين: إن فَضَّلتم الآباء والأبناء والإخوان والزوجات والقرابات والأموال التي جمعتموها والتجارة التي تخافون عدم رواجها والبيوت الفارهة التي أقمتم فيها، إن فَضَّلتم ذلك على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله فانتظروا عقاب الله ونكاله بكم. والله لا يوفق الخارجين عن طاعته.

2- حب الدنيا

إنّ حب الدنيا وتقديمها على الآخرة من أعظم البلايا التي تصيب الأنسان

قال الله تعالى:

﴿ كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ . وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ ﴾

القيامة:٢٠-٢١

أي: أنهم يحبون الدنيا ويعملون لها، ويتركون الآخرة ويعرضون عنها

قال الله تعالى:

﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ﴾

الأعلى:١٦-١٧

إنكم -أيها الناس- تفضِّلون زينة الحياة الدنيا على نعيم الآخرة. والدار الآخرة بما فيها من النعيم المقيم، خير من الدنيا وأبقى.

4- النفاق

قال الله تعالى:

﴿ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ﴾

المائدة:٥٢

يخبر الله تعالى عن جماعة من المنافقين أنهم كانوا يبادرون في موادة اليهود لما في قلوبهم من الشكِّ والنفاق، ويقولون: إنما نوادُّهم خشية أن يظفروا بالمسلمين فيصيبونا معهم، قال الله تعالى ذكره: فعسى الله أن يأتي بالفتح -أي فتح “مكة”- وينصر نَبِيَّه ، فحينئذٍ يندم المنافقون على ما أضمروا في أنفسهم من موالاتهم.

6 – الموصوفون بالخشية

          في

    القرآن  الكريم

ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز أصناف الذين يخشونه وأوصافهم، منهم:

1- الملائكة

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ  بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ . لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ . يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾

الأنبياء:٢٦-٢٨

وقال المشركون: اتخذ الرحمن ولدًا بزعمهم أن الملائكة بنات الله. تنزَّه الله عن ذلك؛ فالملائكة عباد الله مقربون مخصصون بالفضائل، وهم في حسن طاعتهم لا يتكلمون إلا بما يأمرهم به ربهم، ولا يعملون عملا حتى يأذن لهم. وما من أعمال الملائكة عمل سابق أو لاحق إلا يعلمه الله سبحانه وتعالى، ويحصيه عليهم، ولا يتقدمون بالشفاعة إلا لمن ارتضى الله شفاعتهم له، وهم من خوف الله حذرون من مخالفة أمره ونهيه.

2- الرسل والأنبياء

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾

الأحزاب:٣٩

ثم ذكر سبحانه الأنبياء الماضين وأثنى عليهم بأنهم: الذين يُبَلِّغون رسالاتِ الله إلى الناس، ويخافون الله وحده، ولا يخافون أحدًا سواه. وكفى بالله محاسبًا عباده على جميع أعمالهم ومراقبًا لها.

3- العلماء

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ  إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾

فاطر:٢٨

إنما يخشى اللهَ ويتقي عقابه بطاعته واجتناب معصيته العلماءُ به سبحانه، وبصفاته، وبشرعه، وقدرته على كل شيء . إن الله عزيز قويٌّ لا يغالَب، غفور يثيب أهل الطاعة، ويعفو عنهم.

4- الصالحون

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ﴾

الرعد:٢١

إن أولي الألباب هم الذين يخافون ربّهم فيما يأتون، وفيما يتركون من أعمال، ويراقبون الله في السّر والعلن، يخلصون النّية والقصد لوجه الله، ويحذرون من شدّة العذاب، وسوء الحساب في الآخرة؛ لأن عاقبة ذلك وخيمة، وهي الزّج في نيران جهنم .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ﴾

الأنبياء: ٤٨-٤٩

ولقد آتينا موسى وهارون حجة ونصرًا على عدوهما، وكتابًا – وهو التوراة – فَرَقْنا به بين الحق والباطل، ونورًا يهتدي به المتقون الذين يخافون عقاب ربهم، وهم من الساعة التي تقوم فيها القيامة خائفون وجلون.

قال الله تعالى:

﴿ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

سورة التوبة :13.

5- الجمادات

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾

البقرة:٧٤

من الحجارة ما يتسع وينفرج حتى تنصبَّ منه المياه صبًا، فتصير أنهارًا جاريةً، ومن الحجارة ما يتصدع فينشق، فتخرج منه العيون والينابيع، ومن الحجارة ما يسقط من أعالي الجبال إلى أسفله مِن خشية الله تعالى وتعظيمه. وما الله بغافل عما تعملون.

قال الله  تعالى:

﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

الحشر:٢١

ولو كان المخاطب بالقرآن جبلًا، وكان الجبل يفهم الخطاب لتأثر بخطاب القرآن تأثرًا ناشئًا من خشية لله خشية تؤثرها فيه معاني القرآن .

7 – آثار الخشية

للخشية المحمودة و الخشية المذمومة  آثار كثيرة، منها:

أولا – آثار الخشية الممدوحة:

1- التذكر والاعتبار

ترتبط الخشية في كثير من السياقات القرآنية بالتذكر والاعتبار والانتفاع ، باعتبارها أظهر مميزات الإنسان الذي يخشى الله تعالى، والفضل في هذا راجع إلى سلامة قلبه المطبوع بوصف الإنابة، فهو دائم الرجوع إلى مولاه عز وجل كلما أحس ابتعاداً، بخلاف قلوب الذين يخشون غير الله المريضة.

قال الله تعالى:

﴿ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ . إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَىٰ ﴾

طه :2-٣

ما أنزلنا عليك – أيها الرسول – القرآن؛ لتشقى بما لا طاقة لك به من العمل. لكن أنزلناه موعظة؛ ليتذكر به مَن يخاف عقاب الله، فيتقيه بأداء الفرائض واجتناب المحارم.

قال الله تعالى:

﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَىٰ . سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَىٰ . وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ﴾

الأعلى:٩-١٠

فعظ قومك -أيها الرسول- حسبما يسرناه لك بما يوحى إليك، واهدهم إلى ما فيه خيرهم. وخُصَّ بالتذكير من يرجى منه التذكُّر، ولا تتعب نفسك في تذكير من لا يورثه التذكر إلا عتوًّا ونفورًا.

2- خشية الله وحده

فهؤلاء يقولون الحق، ولا تمنعهم سطوة أحد عن تبليغ أمر الله، وكفى بالله ناصرًا ومعينًا.

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ﴾

الأحزاب:٣٩

ثم ذكر سبحانه الأنبياء الماضين وأثنى عليهم بأنهم: الذين يُبَلِّغون رسالاتِ الله إلى الناس، ويخافون الله وحده، ولا يخافون أحدًا سواه.

3- المبادرة إلى الطاعات

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ . وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ . أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾

المؤمنون :٥٧-٦١

إنَّ الذين هم من خشية ربهم مشفقون وَجِلون مما خوَّفهم الله تعالى به. والذين هم يصدِّقون بآيات الله في القرآن، ويعملون بها. والذين هم يخلصون العبادة لله وحده، ولا يشركون به غيره. والذين يجتهدون في أعمال الخير والبر، وقلوبهم خائفة ألا تُقبل أعمالهم، وألا تنجيهم من عذاب ربهم إذا رجعوا إليه للحساب. أولئك المجتهدون في الطاعة، دأبهم المسارعة إلى كل عمل صالح، وهم إلى الخيرات سابقون.

4- التأثر بالقرآن

قال الله تعالى:

﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ  وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾

الزمر:٢٣

الله تعالى هو الذي نزل أحسن الحديث، وهو القرآن العظيم، متشابهًا في حسنه وإحكامه وعدم اختلافه، تثنى فيه القصص والأحكام، والحجج والبينات، تقشعر من سماعه، وتضطرب جلود الذين يخافون ربهم؛ تأثرًا بما فيه مِن ترهيب ووعيد، ثم تلين جلودهم وقلوبهم؛ استبشارًا بما فيه من وعد وترغيب، ذلك التأثر بالقرآن هداية من الله لعباده. والله يهدي بالقرآن من يشاء مِن عباده. ومن يضلله الله عن الإيمان بهذا القرآن؛ لكفره وعناده، فما له مِن هاد يهديه ويوفقه.

5- المبادرة إلى الجهاد

إذا وجدت أسباب القتال فلا خوف ولا خشية من العدو؛ لأن الخشية لا تكون إلا من الله وحده، ولكن ضعاف الإيمان يخشون الناس.

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾

آل عمران:١٧٣

وهم الذين قال لهم بعض المشركين: إن الكفار قد أجمعوا أمرهم على الرجوع إليكم لاستئصالكم، فاحذروهم واتقوا لقاءهم، فإنه لا طاقة لكم بهم، فزادهم ذلك التخويف يقينًا وتصديقًا بوعد الله لهم، ولم يَثْنِهم ذلك عن عزمهم، فساروا إلى حيث شاء الله، وقالوا: حسبنا الله أي: كافينا، ونِعْم الوكيل المفوَّض إليه تدبير عباده.

قال الله تعالى:

﴿ أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

التوبة: ١٣

لا تترددوا في قتال هؤلاء القوم الذين نقضوا عهودهم، وعملوا على إخراج الرسول من (مكة)، وهم الذين بدؤوا بإيذائكم أول الأمر، أتخافونهم أو تخافون ملاقاتهم في الحرب؟ فالله أحق أن تخافوه إن كنتم مؤمنين حقًا.

6- البعد عن الفواحش

الخشية هي التي تحول بين الإنسان وبين معصية الله

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ  وَمَنْ تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾

فاطر:١٨

ولا تحمل نفس مذنبة ذنب نفس أخرى، وإن تَسْأل نفسٌ مثقَلَة بالخطايا مَن يحمل عنها من ذنوبها لم تجد من يَحمل عنها شيئًا، ولو كان الذي سألتْه ذا قرابة منها من أب أو أخ ونحوهما. إنما تحذِّر -أيها الرسول- الذين يخافون عذاب ربهم بالغيب، وأدَّوا الصلاة حق أدائها. ومن تطهر من الشرك وغيره من المعاصي فإنما يتطهر لنفسه. وإلى الله سبحانه مآل الخلائق ومصيرهم، فيجازي كلا بما يستحق.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾

الملك:١٢

إن الذين يخشون ربهم فيخافون عذابه، ويعبدونه كأنهم يرونه، مع أنهم لا يرونه بأعينهم، وهذه الصفات تدل على قوة الإيمان، وعلى طهارة القلب، وصفاء النفس

7- الفوز بالجنة

الفوز برضا الله سبحانه وتعالى ومحبته، والفوز بالجنة ثمرة من ثمار الخشية.

قال الله تعالى:

﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ . هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ . مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴾

ق:٣١-٣3

وقُرِّبت الجنة للمتقين مكانًا غير بعيد منهم، فهم يشاهدونها زيادة في المسرَّة لهم. يقال لهم: هذا الذي كنتم توعدون به – أيها المتقون – لكل تائب مِن ذنوبه، حافظ لكل ما قَرَّبه إلى ربه، من الفرائض والطاعات، مَن خاف الله في الدنيا ولقيه يوم القيامة بقلب تائب من ذنوبه.

– الرضا

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ . جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴾

البينة:٧-٨

إن الذين صَدَّقوا الله واتبعوا رسوله وعملوا الصالحات، أولئك هم خير الخلق. جزاؤهم عند ربهم يوم القيامة جنات إقامة واستقرار في منتهى الحسن، تجري من تحت قصورها الأنهار، خالدين فيها أبدًا، رضي الله عنهم فقبل أعمالهم الصالحة، ورضوا عنه بما أعدَّ لهم من أنواع الكرامات، ذلك الجزاء الحسن لمن خاف الله واجتنب معاصيه.

– الهداية

قال الله تعالى:

( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين )

التوبة :18

– الفوز

قال الله تعالى:

( ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون )

النور:52

– المغفرة

قال الله تعالى:

( إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير )

الملك:12

ثانيًا: آثار الخشية المذمومة:

1- موالاة الأعداء

قال الله تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ﴾

المائدة:٥١-٥٢

يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى حلفاءَ وأنصارًا على أهل الإيمان؛ ذلك أنهم لا يُوادُّون المؤمنين، فاليهود يوالي بعضهم بعضًا، وكذلك النصارى، وكلا الفريقين يجتمع على عداوتكم. وأنتم -أيها المؤمنون- أجدرُ بأن ينصر بعضُكم بعضًا. ومن يتولهم منكم فإنه يصير من جملتهم، وحكمه حكمهم. إن الله لا يوفق الظالمين الذين يتولون الكافرين. يخبر الله تعالى عن جماعة من المنافقين أنهم كانوا يبادرون في موادة اليهود لما في قلوبهم من الشكِّ والنفاق، ويقولون: إنما نوادُّهم خشية أن يظفروا بالمسلمين فيصيبونا معهم، قال الله تعالى ذكره: فعسى الله أن يأتي بالفتح -أي فتح “مكة”- وينصر نَبِيَّه، ويُظْهِر الإسلام والمسلمين على الكفار، أو يُهيِّئ من الأمور ما تذهب به قوةُ اليهود والنَّصارى، فيخضعوا للمسلمين، فحينئذٍ يندم المنافقون على ما أضمروا في أنفسهم من موالاتهم.

2- الإمساك عن الإنفاق

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا ﴾

الإسراء:١٠٠

قل – أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: لو كنتم تملكون خزائن رحمة ربي التي لا تنفد ولا تبيد إذًا لبخلتم بها، فلم تعطوا منها غيركم خوفًا مِن نفادها فتصبحوا فقراء. ومن شأن الإنسان أنه بخيل بما في يده إلا مَن عصم الله بالإيمان.

3- الفرار من الزحف

قال الله تعالى :

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾

النساء:٧٧

ألم تعلم -أيها الرسول- أمر أولئك الذين قيل لهم قبل الإذن بالجهاد: امنعوا أيديكم عن قتال أعدائكم من المشركين، وعليكم أداء ما فرضه الله عليكم من الصلاة، والزكاة، فلما فرض عليهم القتال إذا جماعة منهم قد تغير حالهم، فأصبحوا يخافون الناس ويرهبونهم، كخوفهم من الله أو أشد، ويعلنون عما اعتراهم من شدة الخوف، فيقولون: ربنا لِمَ أَوْجَبْتَ علينا القتال؟ هلا أمهلتنا إلى وقت قريب، رغبة منهم في متاع الحياة الدنيا، قل لهم -أيها الرسول-: متاع الدنيا قليل، والآخرة وما فيها أعظم وأبقى لمن اتقى، فعمل بما أُمر به، واجتنب ما نُهي عنه.، لا يظلم ربك أحدًا شيئًا، ولو كان مقدار الخيط الذي يكون في شق نَواة التمرة.

4- كتمان الحق

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ . الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ . وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ . وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾

البقرة:١٤٦-١٥٠

ومن أى مكان خرجت -أيها النبي- فتوجَّه إلى المسجد الحرام، وحيثما كنتم – أيها المسلمون-، بأي قطر من أقطار الأرض فولُّوا وجوهكم نحو المسجد الحرام؛ لكي لا يكون للناس المخالفين لكم احتجاج عليكم بالمخاصمة والمجادلة، بعد هذا التوجه إليه، إلا أهل الظلم والعناد منهم، فسيظلُّون على جدالهم، فلا تخافوهم وخافوني بامتثال أمري، واجتناب نهيي؛ ولكي أتم نعمتي عليكم باختيار أكمل الشرائع لكم، ولعلكم تهتدون إلى الحق والصواب.

5- قتل الذرية خوف الفقر

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾

الإسراء:٣١

خاطب الله تعالى الفقراء، ونهاهم عن قتل أولادهم خوف الفقر ، فالأرزاق للآباء والأولاد بيد الله، وقتل الأولاد خوف الفقر من سوء الظن بالله .

6 – الحكم بغير الحق

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾

المائدة:٤٤

إنا أنزلنا التوراة فيها إرشاد من الضلالة، وبيان للأحكام، وقد حكم بها النبيُّون -الذين انقادوا لحكم الله، وأقروا به- بين اليهود، ولم يخرجوا عن حكمها ولم يُحَرِّفوها، وحكم بها عُبَّاد اليهود وفقهاؤهم الذين يربُّون الناس بشرع الله؛ ذلك أن أنبياءهم قد استأمنوهم على تبليغ التوراة، وفِقْه كتاب الله والعمل به، وكان الربانيون والأحبار شهداء على أن أنبياءهم قد قضوا في اليهود بكتاب الله. ويقول تعالى لعلماء اليهود وأحبارهم: فلا تخشوا الناس في تنفيذ حكمي؛ فإنهم لا يقدرون على نفعكم ولا ضَرِّكم، ولكن اخشوني فإني أنا النافع الضار، ولا تأخذوا بترك الحكم بما أنزلتُ عوضًا حقيرًا. الحكم بغير ما أنزل الله من أعمال أهل الكفر، فالذين يبدلون حكم الله الذي أنزله في كتابه، فيكتمونه ويجحدونه ويحكمون بغيره معتقدين حله وجوازه فأولئك هم الكافرون.

7- الخلاصة

إن الإنسان الذي يخشى الله تعالى ويفرده بالخشية، هو العاقل العالم الذي يتذكر ويعتبر وينتفع بالنذارة الموحاة، فيتقي ربه بطاعته، وهو بهذا يكون من المؤمنين المهتدين، الفائزين في الدنيا والآخرة؛ في الدنيا بالتمكين، وفي الآخرة بالجنة .- خلاصة

وهكذا، فإن الخشية وإن كانت غاية مطلوبة، فهي ليست منتهى الغايات، بل لها ما بعدها، إنها عمل قلبي يدفع إلى أعمال ظاهرة، إنها تمثل مقاماً من مقامات الإيمان، ومقصداً من مقاصده الكبرى وذريعة إلى مكارم الشريعة وضامناً لها، كالعدالة والرحمة والنجدة وغيرها، التي بها تقوم مصالح الإنسان في الدنيا، ويتحقق ظفره بالفوز بالنعيم في الآخرة.

Share This