مفهوم التطوع في القرآن الكريم

1- مفهوم التطوع

التطوع هو اسم لكل جهد بدني أو فكري أو عقلي أو قلبي يأتي به الإنسان أو يتركه تطوعًا دون أن يكون ملزمًا به لا من جهة الشرع ولا من غيره .

2- كلمة التطوع

      في

  القرآن الكريم

وردت كلمة التطوع في القرآن الكريم ٣ مرات . والصيغ التي وردت هي:

– الفعل المضارع

ورد مرتين

قَال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾

البقرة :١٥٨

– اسم الفاعل

ورد مرة واحدة

قَال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ ﴾

التوبة:٧٩

وجاء التطوع في القرآن الكريم بمعني لما شرع زيادة على الفرض والواجبات ، كالنفل .

3- كلمات ذات الصلة

     بكلمة التطوع 

– الخير

ما يرغب فيه الكل، كالعقل والعدل والفضل والشيء النافع، وهوضد الشر .

قَال الله تعالى:

﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

البقرة : 280

– الإحسان

الإحسان هوإتقان الأعمال، والتطوع بالزائد عن الفرائض، ومقابلة الخير بأفضل منه، والشر بأقل منه ، وهو ضد الإساءة .

قَال الله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾

النحل : 90

4 – أنواع التطوع

التطوع يندرج تحت عموم فعل الخير المأمور به في غير آية من القرآن الكريم ، منها

قَال الله تعالى:

﴿ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

الحج: ٧٧

﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ﴾

المائدة: ٢

والتطوع ينقسم إلى نوعين رئيسيين، هما:

الأول: التطوع التعبدي

هو عبادة زائدة عن الفرض يتقرب بها العبد لربه سبحانه وتعالى، رغبة في نيل رضاه سبحانه ومحبته ، يعني ما يفعله العبد من الشعائر التعبدية المعروفة كالصلاة والصيام والحج، ونحوها، تطوعًا من غير فريضة.

قَال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾

البقرة: ١٥٨

﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

البقرة: ١٨٤

﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾

التوبة: ٧٩

الثاني: التطوع الاجتماعي

هو كل ما يقدمه الفرد من خدمات للآخرين بلا أجر مادي، سواء كان ما يبذل علمًا، أو مالًا، أو وقتًا، أو جهدًا بدنيًا، أو رأيًا، أو غيرها مما يملكه الفرد ويحتاجه الآخرون .

5- العلاقة بين التطوع

 الاجتماعي والتطوع التعبدي

ثمة علاقة وثيقة بين التطوع التعبدي، والتطوع الاجتماعي؛ فالتطوع التعبدي وإن كان يخص (العبادات المحضة) من صلاة وصيام وحج، ونحوها، مما يتقرب به العبد لربه سبحانه ابتغاء مرضاته ومحبته، فكذلك التطوع الاجتماعي يتحول بالنية الصالحة إلى (عبادات غير محضة) ينال بها العبد رضا ربه سبحانه وتعالى ومحبته.

قَال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾

فصلت: 33

6- الحث على التطوع

        في

  القرآن الكريم

لقد تنوعت أساليب القرآن الكريم في الحث على التطوع، ما بين أمر بالمبادرة إليه، والثناء على فاعله، وبيان أنه أهل لمحبة الله تعالى ورضوانه، ووعده بالثواب العظيم، وما بين ذم لضد من هم على هذه الصفات من المثبطين للهمم الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل، وسنزيد ذلك بيانًا فيما يلي:

أولًا- دعوة القرآن للتسابق في العمل التطوعي

لقد تنوع الخطاب القرآني في الدعوة إلى التسابق في فعل الخير على سبيل العموم؛ ومن تلك الأساليب .

أ- أسلوب الأمر

بفعل الخير

أمر سبحانه باغتنام الفرص عن طريق المنافسة والمسارعة إلى فعل الخير وإيقاعه على أكمل الأحوال قبل فوات الأوان.

قَال الله تعالى:

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾

البقرة :  ١٤٨

﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾

المائدة : ٤٨

ب – أسلوب القصص

قص الله تعالى نماذج للتسابق في فعل الخير.

قَال الله تعالى:

﴿ ذَٰلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾

آل عمران: ٤٤

هذه الآية تشير إلى أنهم تنافسوا – بل وتنازعوا- في شأن كفالة مريم حين ولدت، وأنهم استهموا لأجل الفوز بذلك الفضل؛ ولمعرفة أيهم ستكون مريم في كفالته وتحت كنفه ورعايته.

ت – أسلوب المدح

مدحه عز وجل لطائفة من أهل الكتاب

قَال الله تعالى:

﴿ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾

آل عمران: ١١٤

– مدحه لزكريا عليه السلام وأهله

قَال الله تعالى:

﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾

الأنبياء: ٩٠

فالقاسم المشترك بين المذكورين في الآيات السابقة والذي كان من جملة ما استحقوا لأجله هذا الثناء من رب الأرض والسماء هو أنهم  يتسابقون في فعل الطاعات وعمل الصالحات، أو يبادرون إلى أبواب الخير.

– أن المسارعة لفعل الخير من أخص صفات عباده المؤمنين

قَال الله تعالى:

﴿ أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾

المؤمنون: ٦١

أي: لأجلها فاعلون السبق، أو سابقون الناس إلى الطاعة.

ثانيًا- وعد المتطوع بالثواب العظيم

أن العمل التطوعي يندرج تحت عموم فعل الخير والعمل الصالح الموعود صاحبه بالثواب العظيم في آيات عديدة من القرآن الكريم، منها:

قَال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ . جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴾

البينة: ٧-٨

أن المؤمنين الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح هم خير الخليقة التي خلقها الله تعالى وبرأها، وأن جزاء ما قدموه من إيمان وعمل صالح يوم القيامة جنات إقامة واستقرار في منتهى الحسن، تجري من تحت قصورها الأنهار، خالدين فيها أبدًا، بما قدموا في الدنيا من طاعات وأعمال صالحة.

كما بين لنا القرآن الكريم: أن أي عمل من أعمال الخير والبر مهما دق في عين صاحبه فإنه يثاب عليه إذا كان خالصًا لوجه الكريم موافقًا للشرع الحكيم؛

قَال الله تعالى:

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾

الزلزلة: ٧-٨

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾

النساء: ٤٠

فهاتان الآيتان الكريمتان تشيران إلى: أن الله تعالى لا يغفل من عمل ابن آدم صغيرة، ولا كبيرة، خيرًا كانت أم شرًا، من مسلم كانت أم من كافر، لاسيما إذا كانت الذرة لا وزن لها.

ثالثًا- القائمون بالأعمال التطوعية أهل لمحبة الله تعالى ورضوانه

قَال الله تعالى:

﴿ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾

آل عمران: ١٣٣-١٣٤

رابعًا – ذم أولئك الذين يحول داعي الشح والبخل بينهم وبين التطوع

لقد ذم الله تعالى البخل في غير آية من كتابه الكريم، وبين أنه قد يحمل صاحبه على الإمساك عن إخراج الواجب؛ فضلًا عن المستحب، وأن أولئك الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله على المحاويج من عباده، قد أضروا بدينهم ودنياهم.

قَال الله تعالى:

﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾

آل عمران: ١٨٠

فالآية هنا تبين لأولئك البخلاء حال البخل وشؤم عاقبته، وتخطئة أهله في توهم خيريته، كما أكدت أن البخل شرٌ لهم .

7- دوافع التطوع

      في

القرآن الكريم

يمكننا تلخيص الدافع الرئيس الذي يدفع المسلم للقيام بالأعمال التطوعية، ويميزه عن غيره ممن يقومون بمثل هذه الأعمال في:  نيل رضا الله تعالى ومحبته، وابتغاء الأجر والثواب منه سبحانه. ويعد العمل التطوعي:

أولًا- من أسمى صور التعاون على البر والتقوى المأمور بهما شرعًا

قَال الله تعالى:

﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ  إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾

المائدة: ٢

فالبر يعني التوسع في سائر أعمال الخير المقربة إلى الله تعالى.

ثانيًا- صورةً من صور شكر المنعم سبحانه وتعالى

فالشكر الحقيقي يكون باللسان قولًا، وبالجوارح عملًا؛ فيبذل العبد جوارحه في طاعة المنعم سبحانه، ويكفها عن معصيته.

-عن داود وسليمان عليهما السلام

قَال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ . أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ . يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾

سبأ: ١٠-١٣

فبعد أن عدد سبحانه نعمه على داود وسليمان عليهما السلام، عقب ذلك بقوله سبحانه: اشكروا يا آل داود ربكم على هذه النعم الجليلة واعملوا بطاعته شكرًا له سبحانه ، وقليل من العباد من يقوم بهذا الشكر.

ثالثًا- وسيلة مهمة لاستثمار الوقت

إن في كتاب الله تعالى ما يدفع المسلم دفعًا لاستثمار كل لحظة من لحظات عمره فيما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه

قَال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ . وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾

المنافقون: ٩-١١

لو استشعر المسلم تلك اللحظة التي قد يتمنى فيها مهلة قصيرة يقدم فيها عملًا صالحًا، بعد أن ضيع عمرًا طويلًا هدرًا؛ لدفعه ذلك دفعًا لاستثمار كل لحظة من لحظات عمره فيما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه.

رابعا-  ابتغاء الأجر من الله تعالى وحده سبحانه

فالمستقرئ لنماذج التطوع الاجتماعي المبسوطة في القصص القرآني يجد أن القاسم المشترك بين أبطال هذه الأعمال التطوعية والدافع الرئيس الذي دفعهم للقيام بها هو ابتغاء الأجر من الله تعالى .

– موسى عليه السلام

قَال الله تعالى:

﴿ فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾

القصص: ٢٤

سقى لهما ولم ينتظر أجرًا على ما فعل، لم ينتظر منهما جزاء ولا شكورًا؛ وما دفعه إلى ذلك إلا ما أودعه الله تعالى في قلبه وفطره عليه من حب الخير والمسارعة فيه ابتغاء رضا ربه ومولاه.

إن المستقرئ لآيات القرآن الكريم يجد هذا الدافع متأصلًا في كل دعوة خير وصلاح في القرآن الكريم .

قَال الله تعالى:

﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى . الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ . وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَىٰ. إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ ﴾

الليل: ١٧-٢٠

أي: لا يفعل ذلك مكافأة لأحد على نعمة أنعمها عليه، وإنما إنفاقه لوجه الله وابتغاء مرضاته.

قَال الله تعالى:

﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾

الإنسان: ٨-٩

أي: ويطعمون الطعام مع حبهم وشهوتهم له وحاجتهم إليه، ولكنهم يؤثرون المحتاجين على أنفسهم، أو أن حبهم لله أنساهم حبهم للطعام فآثروا به غيرهم، وهم حين يفعلون ذلك فإنما يفعلونه ابتغاء مرضاته وطلب ثوابه، فلا يبغون مكافأة الناس ولا حمدهم وثناءهم، وإنما حسبهم رضا ربهم سبحانه.

8 – أسس التطوع

     في

القرآن الكريم

يبنى العمل التطوعي على أسس، منها

أولًا- الإيمان

فالإيمان بالله تعالى هو القاعدة الأساسية لقبول الأعمال؛ فمن تطوع بأي عمل دون إيمان كان تطوعه مردودًا عليه؛

قَال الله تعالى:

﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾

التوبة: ٥٤

﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾

التوبة: ١٧

فكفرهم كان مانعًا من قبول نفقاتهم في الآية الاولى، وعمارتهم للمساجد في الآية الثانية.

ثانيًا- الإخلاص لله عز وجل

يجب على المتطوع أن يخلص عمله لله عز وجل وحده، لا يريد بذلك حمدًا من الناس ولا ثناءً، ولا سمعة ولا عجبًا ولا رياء، ولا جلب نفع، أو دفع ضر، وذلك أمر لا يقوى عليه إلا من وفقه الله تعالى له.

قَال الله تعالى:

﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾

البينة: ٥

يضاف إلى ذلك: أن هذا الإخلاص – فضلًا عن أنه معيار قبول العمل- يحول التطوع الاجتماعي إلى عبادة، ينال بها العبد الثواب والأجر من الله تعالى؛ وبسببه يعظم الجزاء مع قلة العمل.

9- عقبات التطوع

أشار القرآن الكريم إلي عقبتين رئيستين في طريق التطوع ،هما

أولًا- الشح والبخل وهو عقبة نفسية تحول دون التطوع

لقد ذم الله تعالى البخل في غير آية من كتابه الكريم، وبين أنه قد يحمل صاحبه على الإمساك عن إخراج الواجب؛ فضلًا عن المستحب. وأن نفس الإنسان مجبولة على الشح الذي هوعدم الرغبة في بذل ما على الإنسان، والحرص على الحق الذي له .

قَال الله تعالى:

﴿ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ﴾

النساء: ١٢٨

كما أنها مجبولة على حب المال والحرص عليه

قَال الله تعالى:

﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾

الفجر: ٢٠

يعني حبًا كثيرًا

ثانيًا- عدم تقَديرالعمل التطوعي

لقد قص الله تعالى علينا لونًا من خبث المنافقين؛ ومحاولاتهم الخبيثة لتثبيط همم المؤمنين عن البذل والعطاء

قَال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾

التوبة: ٧٩

فكما لم يسلم من تطوع بماله من أذاهم وعيبهم، لم يسلم من سخريتهم-كذلك- من تطوع بجهده وعمله .

10- مجالات التطوع الاجتماعي

                 في

           القرآن الكريم

إن ميدان التطوع الاجتماعي في القرآن الكريم يتسع ليشمل كل خير يفعله المسلم ابتغاء فضل ربه سبحانه ورضوانه؛ وعليه فإن مجالات التطوع الاجتماعي  تنقسيم إلي

أولًا- التطوع بالفعل

من صور التطوع بالفعل ، الأتي

1- الكفالة

وهي كفالة ورعاية اليتيم والمعوز والمحتاج؛ ساق لنا القرآن الكريم نموذجًا للتسابق في هذا النوع من العمل التطوعي

– حكاية عن بني إسرائيل

قَال الله تعالى:

﴿ ذَٰلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾

آل عمران: ٤٤

تبين الآية اختصامهم وتنافسهم على كفالة مريم عليها السلام، حتى أنهم استهموا لأجل ذلك .

2- السعي لإيصال الخير للأخرين

المقصود من الآية التالية الترغيب في التوسط في الخير والترهيب من ضده.

قَال الله تعالى:

﴿ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَاوَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا ﴾

النساء: ٨٥

من يَسْعَ ل%

Share This