1- معنى الاستقامة

ملازمة ما جاء به الدين ، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها كذلك.

قال الله تعالى:

( وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ   )

الأنعام:153

أن هذا الإسلام هو طريق الله تعالى المستقيم فاسلكوه، ولا تسلكوا سبل الضلال، فتفرقكم، وتبعدكم عن سبيل الله المستقيم.

2- الاستقامة

       في

 الاستعمال القرآني

وردت كلمة الاستقامة وصيغها  في القرآن الكريم ٤٧ مرة. والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

ورد 4  مرات

قال الله تعالى:

﴿ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ﴾

التوبة:٧

– الفعل المضارع

ورد  مرة  واحدة

قال الله تعالى:

﴿ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ﴾

التكوير:٢٨

– فعل الأمر

ورد ٥ مرات

قال الله تعالى:

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾

هود:١١٢

– اسم الفاعل

ورد ٣٧ مرة

قال الله تعالى:

﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾

الفاتحة:٦

ولفظ (الاستقامة) ورد في القرآن الكريم على أربعة معان، هي:

1- بمعنى الثبات والدوام على الدعوة إلى الدين

قال الله تعالى:

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾

هود: 112

يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين بالثبات والدوام على الاستقامة.

قال الله تعالى:

﴿ فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾

الشورى:15

اثبت على الدين الذي أمرت به

2- بمعنى الثبات على التوحيد

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا  ﴾

فصلت:30

أي: ثبتوا على توحيد الله، ولم يخلطوا توحيد الله بشرك غيره معه.

3- الثبات على طاعة الله والتزام أحكامه

قال الله تعالى:

( وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا )

الجن:16

أي: لو ثبتوا واستداموا على طاعة الله، لأسقيناهم ماء نافعاً كثيراً.

4- بمعنى الوفاء بالعهد والثبات عليه

قال الله تعالى:

 ( فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ )

التوبة:7

أمر سبحانه نبيه والمؤمنين بإتمام العهد لمن كانوا عاهدوه عند المسجد الحرام، فما استقاموا على عهدهم.

والذي نخلص إليه مما تقدم، أن لفظ (الاستقامة) في القرآن يفيد معنى الثبات على الأمر والدوام والاستمرار عليه بشكل أساسي .

3- الألفاظ ذات الصلة

– الإصابة

إرادة العمل الصالح المقبول شرعًا بإيجاد الظروف المناسبة له ضمن ضوابط الشرع الحنيف.

– الاستواء

يدل على استقامة بعد اعوجاج حدث، أو ميل عن الحق وقع .

– الرشد

هو حسن التصرف في الأمر حسًا أو معنىً، دينًا أو دنيا للوصول إلى الاستقامة ، والرشد خلاف الغي

– القصد

حسن التوجه في النية، بما يكفل سلامة العبد من غضب الله تعالى ومن عذابه.

– العدل

استقامة الحال في الدنيا، واستقامة المآل في الآخرة

4- أساليب القرآن

       في

عرض الاستقامة

عرض القرآن الكريم الاستقامة بأساليب متعددة ، هي

1- أسلوب الأمر

قال الله تعالى:

﴿ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾

التوبة:٧

الذين عاهدتم فإن استقامتهم هذه على العهود جعلت ضرورة المعاملة بالمثل بالنسبة للمسلمين، أن الله تعالى يحب المتقين، الذين يخافون من غضب الله تعالى بعدم التزام أوامره ونواهيه.

2- أسلوب الترغيب والترهيب

يكثر في القرآن الكريم استعمال أسلوب الترغيب والترهيب في قضايا كثيرة، ومنها: الترغيب في الاستقامة على المنهج الإسلامي، والترهيب من الإعراض عنه الذي يخالف مبدأ الاستقامة.

قال الله تعالى:

﴿ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ﴾

فصلت 6

وعذاب للمشركين الذين لم يطهروا أنفسهم بتوحيد ربهم، والإخلاص له

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾

الجن:١٦

وأنه لو سار الكفار من الإنس والجن على طريقة الإسلام، ولم يحيدوا عنها لوسَّعنا عليهم الرزق في الدنيا .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ  ﴾

الأحقاف : 13

إن الذين قالوا: ربنا الله، ثم استقاموا على الإيمان به، فلا خوف عليهم من فزع يوم القيامة وأهواله، ولا هم يحزنون على ما خلَّفوا وراءهم بعد مماتهم من حظوظ الدنيا.

3- أسلوب التأكيد والتنكير

قال الله تعالى:

﴿ وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

الشورى:٥٢

تبين هذه الآية أن قدرة الله تعالى تظهر أيضًا بوحي الله تعالى إليك أيها النبي برسالة القرآن، الذي يصفه بأنه روح من أمر الله تعالى.

ثم يبين الله تعالى نعمته على نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه لولا فضله جل جلاله لما علم عن القرآن والإيمان شيئًا، ولكن الله تعالى جعل من هذا القرآن وهذا الإيمان نورًا يستضاء به.

4 – أسلوب ضرب المثل

قال الله تعالى:

﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ . وَهَٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ  ﴾

الأنعام:١٢٥-١٢٦

فمن يشأ الله أن يوفقه لقَبول الحق يشرح صدره للتوحيد والإيمان، ومن يشأ أن يضله يجعل صدره في حال شديدة من الانقباض عن قَبول الهدى، كحال مَن يصعد في طبقات الجو العليا، فيصاب بضيق شديد في التنفس. وكما يجعل الله صدور الكافرين شديدة الضيق والانقباض، كذلك يجعل العذاب على الذين لا يؤمنون به. وهذا الذي بيَّنَّاه لك -أيها الرسول- هو الطريق الموصل إلى رضا ربك وجنته. قد بينَّا البراهين لمن يتذكر من أهل العقول الراجحة.

5 – الأنبياء والاستقامة

أن أولى الناس التزامًا بالاستقامة هم الأنبياء عليهم السلام؛ ولذلك فإن القرآن الكريم قد بين أن الأنبياء مأمورون بالاستقامة، التي هي سبيل النجاة من عذاب الله تعالى، وذلك من خلال أربعة نماذج، وهم

1- إبراهيم صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً  وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾

النحل:١٢٠-١٢٢

تذكر هذه الآيات نموذجًا مثاليًا في الاستقامة الحقة؛ حيث إنه عليه السلام كان مطيعٌ لله تعالى على الحنيفية، ليس من المشركين بالله تعالى، كان يخلص الشكر لله جل جلاله ولنعمه الجمة، وقد اصطفاه الله تعالى واختاره لخلته، وهداه إلى الدين الإسلامي القويم، وجزاءً لما بدر منه من عبادات ترضي الله تعالى، آتاه الله عز وجل في هذه الدنيا ذكرًا حسنًا، وثناءً جميلًا باقيًا على الأيام، وإنه في الدار الآخرة يوم القيامة ممن صلح أمره وشأنه عند الله، وحسنت فيها منزلته وكرامته.

2- موسى وهارون عليهما السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ . قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

يونس:٨٨-٨٩

وتبين هذه الآية أن الله تعالى يهدي من يستحق النصر والتمكين أمثال موسى وهارون عليهما السلام إلى الدعاء والرجاء بتذلل وانكسار إليه عز وجل، ثم تبين الآية التالية أن الله تعالى أمر بالاستقامة التي هي أصل الاعتدال؛ لأجل عدم الميل إلى الجهلة، الذين لا يعلمون حقيقة الدين القويم.

3- عيسى ابن مريم عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ . مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ . وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَٰذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾

مريم:٣٤-٣٦

بينة الآيات الكريمات أن قضية التوحيد ونفي الولد عنه سبحانه وتعالى من قضايا العقيدة الأساسية، ويترتب على ذلك إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له. وهذا هو المنهج المستقيم الذي لا اعوجاج فيه.

4- محمد صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى :

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾

هود:١١٠-١١٢

فاستقم – أيها النبي- كما أمرك ربك أنت ومن تاب معك، ولا تتجاوزوا ما حدَّه الله لكم، إن ربَّكم بما تعملون من الأعمال كلها بصير، لا يخفى عليه شيء منها، وسيجازيكم عليها.

6 – سبل الاستقامة

إن الاستقامة سمة النبيين و الصالحين، وإنها وسيلة للنجاة من غضب الله تعالى، وبالتالي عذابه، وسبل الاستقامة يمكن تلخيصها في النقاط الآتية:

1- الإيمان بالله تعالى والإخلاص له

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

الحج : ٥٤

والوصول إلى الاستقامة منة من الله تعالى، فإذا أحسنت التوجه إلى الله تعالى، وآمنت به فإن الله تعالى يهديك إلى الاستقامة الحقة.

2- الاعتصام بالله تعالى

قال الله تعالى :

﴿ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

آل عمران: ١٠١

ومَن يعتصم بالله فقد وُفِّق لطريق واضح، وهو منهج الاستقامة الذي يوصله إلى الجنة .

3- العبادة والدوام والثبات عليها

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾

الأنعام:١٦٠-١٦١

قل – أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: إنني أرشدني ربي إلى الطريق القويم الموصل إلى جنته، وهو دين الإسلام القائم بأمر الدنيا والآخرة، وهو دين التوحيد دين إبراهيم عليه السلام، وما كان إبراهيم عليه السلام من المشركين مع الله غيره. قل – أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: إن صلاتي، ونسكي، وكامل ما أقوم به في حياتي ، حتي موتي لله تعالى رب العالمين.

4- التمسك بالقرآن

قال الله تعالى :

﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

الزخرف:٤٣

فاستمسك -أيها الرسول- بما يأمرك به الله في هذا القرآن الذي أوحاه إليك؛ إنك على صراط مستقيم، وذلك هو دين الله الذي أمر به، وهو الإسلام.

5- اتباع رضوان الله تعالى

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

المائدة :١٥-١٦

يخاطب الله تعالى أهل الكتاب ببيانه لهم أن رسولنا محمدًا صلى الله عليه وسلم قد جاءهم؛ ليوضح لهم الدين الذي أخفوا كثيرًا منه؛ وليعفو عنهم في كثير من زلاتهم؛ ثم تذيل الآية ببيان أنه قد جاءكم يا أهل الكتاب نور، وهو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وقرآن كريم، وحتى يهتدي المؤمن إلى القرآن، والاستقامة في التزامه، لا بد من اتباع رضوان الله تعالى؛ بالانضباط في طريق السلامة من غضب الله تعالى، والخروج من الباطل وما فيه من ظلمات، إلى طريق واحد وهو النور المبين، وكل هذا منوطٌ فقط بإذن من الله تعالى وحده، فإذا قام من قام ممن هدى الله قلبه للإيمان بذلك، فعندها يرشد الله تعالى ويوفق إلى الطريق القويم، وهو المنهج الرباني الأصيل.

6- الاستغفار

قال الله تعالى:

﴿ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ﴾

فصلت 16

أمر الله المستقيمين بالاستغفار فقال الله: وَاسْتَغْفِرُوهُ، بعدما قال: فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ؟ لأن الاستقامة قد لا تتهيأ كاملة لكثير من الناس، فيجب عليهم أن يستغفروا الله  إذا استقاموا على الطريق حتى يذهب هذا الاستغفار ما حصل منهم، ويحصل من التقصير والتفريط .

7- التوبة والرجوع إلى الله تعالى

التوبة إلى الله تعالى تعني الإنابة والرجوع إلى الله تعالى والندم على الذنوب، والعزم على العمل الصالح طاعةً لله تعالى، وهذا كله عين الاستقامة المنجية من غضب الله تعالى.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا . وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا . وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾

النساء:٦٦-٦٨

يخبر الله تعالى لو كتب على يهود عصر النبي صلى الله عليه وسلم أن اقتلوا أنفسكم بالجهاد، أو اخرجوا من دياركم كما كان من اليهود السابقين حين استتيبوا من عبادة العجل؛ ما فعلوه إلا القليل منهم، مع أن الأصل أن يفعلوا ما يوعظون به، وذلك أفضل لهم وأعظم في الثبات على الحق، ولأعطاهم الله تعالى الأجر العظيم، ولمن الله تعالى عليهم بالهداية إلى الصراط المستقيم، وهو الدين القويم، وهذا مرتبط بالتوبة النصوح والرجوع إلى الله تعالى .

8- الشكر لله تعالى

لا شك أن الشكر لله تعالى من أنجع الطرق الموصلة إلى الاستقامة الحقة .

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ  اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

النحل :١٢٠-١٢١

إن إبراهيم كان إمامًا في الخير، وكان طائعا خاضعًا لله، لا يميل عن دين الإسلام موحِّدًا لله غير مشرك به، وقد التزم الشكر الذي لا مثيل له لله تعالى؛ اختاره الله لرسالته، وأرشده إلى الطريق المستقيم، وهو الإسلام .

9- الدعاء

قال الله تعالى :

﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾

الفاتحة: 6

دُلَّنا، وأرشدنا، ووفقنا إلى الطريق المستقيم، وثبتنا عليه حتى نلقاك، وهو الإسلام، الذي هو الطريق الواضح الموصل إلى رضوان الله وإلى جنته، الذي دلّ عليه خاتم رسله وأنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، فلا سبيل إلى سعادة العبد إلا بالاستقامة عليه.

10- العلم

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾

فاطر:٢٨

أن الذين يخشون الله تعالى ويعملون قصارى جهدهم للسلامة من غضبه، ومن ثم الاستقامة، هم العلماء المؤمنون المستسلمون لله تعالى ولأمره .

7- موانع الاستقامة

لتحصيل الاستقامة موانع نتناولها في النقاط الآتية :

1- الكفر والشرك بالله تعالى

قال الله تعالى:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾

البقرة:٢٥٦

تبين هذه الآية الكريمة أن طريق الاستقامة يختلف عن طريق الغواية في صفاته وملامحه، فلا يختلط هذا بذاك.

2- اتباع سبل الشيطان

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ . قَالَ هَٰذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ . إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾

الحجر:٣٩-٤٢

قال إبليس: ربِّ بسبب ما أغويتني وأضللتني لأحسِّنَنَّ لذرية آدم معاصيك في الأرض، ولأضلنهم أجمعين عن طريق الهدى، إلا عبادك الذين هديتهم فأخلصوا لك العبادة وحدك دون سائر خلقك. قال الله: هذا طريق مستقيم معتدل موصل إليَّ وإلى دار كرامتي. إن عبادي الذين أخلصوا لي لا أجعل لك سلطانًا على قلوبهم تضلُّهم به عن الصراط المستقيم، لكن سلطانك على مَنِ اتبعك مِنَ الضالين المشركين الذين رضوا بولايتك وطاعتك بدلا من طاعتي.

3- الفرقة والاختلاف

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

الأنعام: 153

ومما وصاكم الله به أن هذا الإسلام هو طريق الله تعالى المستقيم فاسلكوه، ولا تسلكوا سبل الضلال، فتفرقكم، وتبعدكم عن سبيل الله المستقيم. ذلكم التوجه نحو الطريق المستقيم هو الذي وصَّاكم الله به؛ لتتقوا عذابه بفعل أوامره، واجتناب نواهيه.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾

الأنعام:١٥٩

تبين هذه الآية الكريمة أن الذين فرقوا دينهم بعد ما كانوا مجتمعين على توحيد الله والعمل بشرعه، فأصبحوا فرقا وأحزابا، إنك -أيها الرسول- بريء منهم، إنما حكمهم إلى الله تعالى، ثم يخبرهم بأعمالهم، فيجازي من تاب منهم وأحسن بإحسانه، ويعاقب المسيء بإساءته.

4- الطغيان

قال الله تعالى:

﴿ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ ﴾

طه:٨١

يأمر الله تعالى – على وجه بيان الحل والتذكير بنعمه- بني إسرائيل أن يأكلوا من جميع الطيبات التي رزقها الله تعالى لهم؛ ولكن هذا منوط بعدم الطغيان، وهو مجاوزة الحد، الذي هو ضد الاعتدال والاستقامة؛ فإن ذلك ينذر بغضب الله تعالى، ومن يأت إليه غضب الله تعالى فقد أهلك؛ لأنه يتبع هواه؛ فقد حمله السعة والعافية على التجاوز والطغيان.

5- الركون إلى الوسط السيئ

الركون إلى الوسط السيئ سواء كان في الصحبة أو الوظيفة أو الأسرة أوالمجتمع بشكل عام ،ّ مما يضعف الاستقامة .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ﴾

هود:١١٣

تبين الآية الكريم أن من أسباب دخول النار والعذاب فيها: الركون إلى الظالمين، والميل إليهم، وموالاتهم.

6- اتباع الجهلة

قال الله تعالى:

﴿ فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾

يونس : 89

فاستقيما على توحيد الله وطاعته، ولا تسلكا طريق مَن لا يعلم حقيقة وعدي ووعيدي.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴾

الأنعام:١١٦

ولو فُرض – أيها الرسول- أنك أطعت أكثر أهل الأرض لأضلُّوك عن طريق الحق والاستقامة ، طريق الدين القويم ، ما يسيرون إلا على ما ظنوه حقًّا بتقليدهم أسلافهم، وما هم إلا يظنون ويكذبون.

7- اتباع الهوى

لا سبيل إلى الاستقامة إلا إذا تخلص المسلم من موانعها، وأعظمها الأهواء، وقد عالج القرآن الكريم ذلك من خلال آيات كثيرة  ، منها

قال الله تعالى:

﴿ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ ﴾

الشورى : 15

فادع – أيها الرسول- عباد الله ، واستقم كما أمرك الله، ولا تتبع أهواء الذين شكُّوا في الحق وانحرفوا عن الدين .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ﴾

المؤمنون :٧١

ولو شرع الله لهم ما يوافق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومَن فيهن.

8 – الآثار المترتبة

على لزوم الاستقامة 

هناك الكثيرمن الآثار المترتبة  علي التزم العبد طريق الاستقامة ، نذكرمنها الأتي :

1- الرزق الكثير

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾

الجن:١٦

وأنه لو سار الكفار من الإنس والجن على طريقة الإسلام، ولم يحيدوا عنها لأنزلنا عليهم ماءً كثيرًا ، الذي هو أساس الحياة لكل شيء ، ولوسَّعنا عليهم الرزق في الدنيا .

2- البشارة بالجنة

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾

فصلت:٣٠

إن الذين قالوا ربنا الله تعالى وحده لا شريك له، ثم استقاموا على شريعته، تتنزل عليهم الملائكة عند الموت قائلين لهم: لا تخافوا من الموت وما بعده، ولا تحزنوا على ما تخلفونه وراءكم من أمور الدنيا، وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون بها.

3- ولاية الملائكة للمستقيمين

قال الله تعالى:

﴿ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾

فصلت:٣١

وبسبب  استقامة هؤلاء المؤمنين تأتي إليهم الملائكة وتقول: نحن أنصاركم في الحياة الدنيا، نسددكم ونحفظكم بأمر الله، وكذلك نكون معكم في الآخرة ؛ بأمر من الله تعالى.

4- لا خوفٌ على المستقيمين ولا حزن

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

الأحقاف:١٣

إن الذين قالوا: ربنا الله، ثم استقاموا على الإيمان به، فلا خوف عليهم من فزع يوم القيامة وأهواله، ولا هم يحزنون على ما خلَّفوا وراءهم بعد مماتهم من حظوظ الدنيا.

9 – الآثار المترتبة على

الانحراف عن الاستقامة 

الانحراف عن طريق الاستقامة له آثار وعواقب على الفرد والمجتمع نتناولها في ما يآتي

أولًا: في الدنيا

إن من يتخلف عن طريق الاستقامة الحقة ينل العقاب من الله تعالى في الدنيا قبل الآخرة .

1- المعيشة النكدة

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ﴾

طه:١٢٤

أي: من أعرض عن هداي وذكري، وينحرف عن الاستقامة الحقة، فإن له حياة نكدة؛ إذ إنه يلهث وراءها، خائفًا من انتقاصها، وتلك هي عقوبةٌ لا يتصور عذابها من الخلق إلا من ابتلي بها.

2- قسوة القلوب ولعن الله لهم

قال الله تعالى:

﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾

المائدة:١٣

فبسبب نقض هؤلاء اليهود لعهودهم المؤكَّدة ، حرفهم عن الاستقامة الحقة ، فطردناهم من رحمتنا، وجعلنا قلوبهم غليظة لا تلين للإيمان .

ثانيًا: في الآخرة

1- الهلاك والوعيد

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ﴾

فصلت:٦

فقد وردت هذه الآية عقوبة الانحرف عن الاستقامة وهي الوعيد بالهلاك الشديد في النار ؛ لأن الاستقامة المقصودة هنا التوحيد، والوعيد هنا لما يضاده، وهو الشرك.

2- الحشر يوم القيامة على العمى

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ﴾

طه:١٢٤

وهذا يعني أن من تخلف عن الاستقامة ، بإعراضه عن الطاعة ومن ثم التوحيد، فإنه يساق إلى الحشر أَعمي .

٣ – العداوة بين المنحرفين عن الاستقامة

قال الله تعالى:

﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾

الزخرف:٦٧

وهذا يعني أن الأخلاء في الدنيا يكونون يوم القيامة أعداء لبعضهم البعض، بسبب بعدهم عن الاستقامة على طاعة الله تعالى، أما المتقون الذين استقاموا على الدين، فلا عداوة بينهم بل هم أخلاء متحابون.

 

Share This