1- مفهوم الاختلاف
الاختلاف هو المضادة والمعارضة وعدم المماثلة ، وهو قد اتصل بمجالين اثنين هما:
1- مجال الطبيعة
إنّ الآيات التي تناولت الاختلاف كظاهرة من ظواهر الطبيعة شملت الليل والنهار والجبال والدواب والأنعام والزرع والثمار.
قال الله تعالى :
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ﴾
فاطر: 27
﴿ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ﴾
فاطر: 27
2- مجال الإنسان
الاختلاف بين الناس يتناسب مع الفطرة والطبيعة وذلك يعود إلى مدى قدرتهم في إدراك سرّ الخلق والقوانين والسنن التي تتحكّم بالكون.
قال الله تعالى :
﴿ وما كان النّاس إلاّ أمة واحدة فاختلفوا ﴾
يونس: 19
﴿ ولو شاء ربّك لجعل الناس أمّة واحدة ولايزالون مختلفين ﴾
هود : 118
ولو شاء ربك لجعل الناس كلهم جماعة واحدة على دين واحد وهو دين الإسلام، ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك، فلا يزال الناس مختلفين في أديانهم؛ وذلك مقتضى حكمته.
2- كلمة الاختلاف
في
القرآن الكريم
وردت كلمة الاختلاف وصيغها في القرآن الكريم (٥٢) مرة. والصيغ التي وردت هي:
– الفعل الماضي
ورد ١٩ مرة
قال الله تعالى :
﴿ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾
البقرة:٢١٣
– الفعل المضارع
ورد ١٦ مرة
قال الله تعالى :
﴿ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ ﴾
النحل:٣٩
– المصدر
ورد ٧ مرات
قال الله تعالى :
﴿ وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾
المؤمنون:٨٠
– اسم الفاعل
ورد ١٠ مرات
قال الله تعالى :
﴿ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ﴾
النحل:٦٩
وجاء الاختلاف في القرآن الكريم بمعني أن يأخذ كل واحد طريقًا غير طريق الأول في فعله أو حاله.
3- الكلمات ذات الصلة
بكلمة الاختلاف
– التفرق
التفرق هو أشد أنواع الاختلاف ، وثمرة من ثماره ، وهو خلاف التجمع
قال الله تعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾
الأنعام: 159
– المنازعة
المنازعة هي اختلاف مع معاداة ومخاصمة
قال الله تعالى :
﴿ ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَٰنِ عِتِيًّا ﴾
مريم : 69
– الاجتماع
الاجتماع هو الوئام ، والائتلاف وعدم التفرق .
قال الله تعالى :
﴿ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾
النساء: 87
– الاعتصام
الاعتصام هو الاستمساك وترك الفرقة والخلاف
قال الله تعالى:
﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾
آل عمران:١٠٣
أي: تمسكوا بعهد الله
4- الاختلاف سنة
الله تعالى في الخلق
إن الاختلاف سنةٌ إلهية بين جميع المخلوقات
قال الله تعالى:
﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ﴾
الأنعام:١٤١
﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
النور:٤٥
﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾
الرعد :٤
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾
الروم:٢٢
﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ . إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
هود:١١٨-١١٩
ولا شك أن اختلاف الألوان والمناظر والمقادير والهيئات وغير ذلك ، فيه الدلالة القاطعة على أن كل تأثير فهو بقدرة وإرادة الله تعالى .
5- الاختلاف بين الناس
في
القرآن الكريم
خلق الله تعالى الناس مختلفون ، وجعلهم قبائل وأمم كل أمة تتميز عن غيرها بالثقافة واللغة ولون البشرة، وكل هذه الاختلافات بالصفات والطبائع، دليل على قدرة في الخلق والاتقان والابداع، فلم يجعلنا نسخ متطابقة. فهناك
1- الاختلاف في العرق
قال الله تعالى :
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا )
الحجرات : 13
2- الاختلاف في اللون
قال الله تعالى :
( وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذلِكَ )
فاطر :28
3- الاختلاف في اللغة
قال الله تعالى :
( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ )
الروم :22
4- الاختلاف في الدين
إن الله تعالى ترك للإنسان حرية الاختيار بين طريق الهدى والضلال، فبين للناس الصواب والخطأ، وأرسل الرسل، وبشر المتقين المؤمنين بالجنة ونعيمها، وأنذر الكافرين والظالمين أن عاقبتهم النار، وأن عذابها شديد، فاختلف إختيار الناس بين حق وباطل. ومن الآيات التي تحدثت عن هذا:
قال الله تعالى :
( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ )
هود : 118
( وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )
الاعراف :168
( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ )
المائدة :48
( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )
النحل:93
( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ )
الشورى :8
( وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ )
يونس :19
فكانت مشيئة الله تعالى اختلاف الناس بالدين ودرجات الإيمان، دون اجبارهم على طريق الهداية، ودون منعهم من الاختيار، مع أنه قادر على خلق الناس أمة واحدة مؤمنة عابدة .
6 – أنواع الاختلاف
قضت مشيئة الله تعالى خلق الناس بعقول ومدارك متباينة، إلى جانب اختلاف الألسنة والألوان والتصورات والأفكار، لكن هذا الاختلاف ليس على درجة واحدة، بل منه مايلي
أولًا: الاختلاف المحمود
وهو ما كان نتيجةً للاجتهاد المنضبط بجميع مستوياته.
قال الله تعالى :
﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
هود: 118-119
ولو شاء ربك لجعل الناس كلهم جماعة واحدة على دين واحد وهو دين الإسلام، ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك، فلا يزال الناس مختلفين في أديانهم؛ وذلك مقتضى حكمته. إلا مَن رحم ربك فآمنوا به واتبعوا رسله، فإنهم لا يختلفون في توحيد الله وما جاءت به الرسل من عند الله، وقد اقتضت حكمته سبحانه وتعالى أنه خَلَقهم مختلفين: فريق شقيٌّ وفريق سعيد، وكل ميسر لما خُلِق له.
قال الله تعالى :
( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ )
المائدة: 48
فقد جعلنا لكل أمة شريعة، وطريقة واضحة يعملون بها. ولو شاء الله لجعل شرائعكم واحدة، ولكنه تعالى خالف بينها ليختبركم، فيظهر المطيع من العاصي، فسارعوا إلى ما هو خير لكم في الدارين بالعمل بما في القرآن، فإن مصيركم إلى الله، فيخبركم بما كنتم فيه تختلفون، ويجزي كلا بعمله.
ثانيًا- الاختلاف المذموم
وهو ما كان نتيجةً للهوى والقول بغير علم، أو ما كان متضمنًا بغيًّا بأيِّ صورةٍ من الصور.
قال الله تعالى:
﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
آل عمران:١٠٥
ولا تكونوا – أيها المؤمنون – كأهل الكتاب الذين وقعت بينهم العداوة والبغضاء فتفرَّقوا شيعًا وأحزابًا، واختلفوا في أصول دينهم من بعد أن اتضح لهم الحق، وأولئك مستحقون لعذابٍ عظيم موجع.
قال الله تعالى:
﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾
الروم:٣١-٣٢
ولا تكونوا من المشركين وأهل الأهواء والبدع الذين بدَّلوا دينهم، وغيَّروه، فأخذوا بعضه، وتركوا بعضه؛ تبعًا لأهوائهم، فصاروا فرقًا وأحزابًا، يتشيعون لرؤسائهم وأحزابهم وآرائهم، يعين بعضهم بعضًا على الباطل، كل حزب بما لديهم فرحون مسرورون، يحكمون لأنفسهم بأنهم على الحق وغيرهم على الباطل.
قال الله تعالى:
﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ﴾
الشورى:١٣
ومن صور الخلاف المذموم في القرآن الكريم: مخالفة المسلمين في التوحيد والإيمان بالله، وطاعة رسله وقبول شرائعه؛ فإن هذه الأمور قد تطابقت عليها الشرائع، وتوافقت فيها الأديان؛ فلا ينبغي الخلاف في مثلها
7- أسباب الاختلاف
في
القرآن الكريم
اختلاف الأفكار والعقائد ، وليس اختلاف الألسن والألوان ونحوها هو الذي سنبحث عن أسبابه في القرآن الكريم ، ومن أعظم أسباب هذا الاختلاف هو
1- البغي
قال الله تعالى:
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ . وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾
الجاثية:١٦-١٧
﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ. وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ﴾
الشورى:١٣-١٤
يعني أنهم ما تفرقوا إلا من بعد أن علموا أن الفرقة ضلالة، ولكنهم فعلوا ذلك للبغي وطلب الرياسة! فحملتهم الحمية النفسانية، والأنفة الطبعية على أن ذهب كل طائفة إلى مذهب، ودعا الناس إليه، وقبح ما سواه طلبًا للذكر والرياسة، فصار ذلك سببًا لوقوع الاختلاف .
2- الحسد
قال الله تعالى:
﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾
البقرة:١٠٩
تمنى كثير من أهل الكتاب أن يرجعوكم بعد إيمانكم كفارًا كما كنتم من قبلُ تعبدون الأصنام؛ بسبب الحقد الذي امتلأت به نفوسهم من بعد ما تبيَّن لهم صدق نبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم فيما جاء به .
3- اتباع الهوى
٣- الهوى
اتباع الهوى مِن أعظم ما يحجب العبدَ عن الهدى وإبصار الحقّ
قال الله تعالى:
﴿ ولَا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ الله ﴾
ص: ٢٦
والهوى يحمل صاحبَه على ترك الاستجابة لنداء الله،
قال الله تعالى:
﴿ فَإن لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُم وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيرِ هُدًى مِنَ اللهِ إنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾
القصص: ٥٠
وإن لاتباع الهوى دورًا محوريًا في نشوء الخلاف والخصومة لأنه إذا دخل الهوى أدي إلى الفرقة والتّقاطع والعداوة والبغضاء؛ لاختلاف الأهواء وعدم اتفاقها .
4- ترك الوحي
قال الله تعالى:
﴿ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾
المائدة :١٤
وأخذنا على الذين ادَّعوا أنهم أتباع المسيح عيسى – وليسوا كذلك- العهد المؤكد الذي أخذناه على بني إسرائيل: بأن يُتابعوا رسولهم وينصروه ويؤازروه، فبدَّلوا دينهم، وتركوا نصيبًا مما ذكروا به، فلم يعملوا به، كما صنع اليهود، فألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون يوم الحساب، وسيعاقبهم على صنيعهم.
5- اختلاف الأفهام
ووقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه؛ لتفاوت إرادتهم وأفهامهم وقوى إدراكهم .
قال الله تعالى:
﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾
هود 118
ولو شاء ربك لجعل الناس كلهم جماعة واحدة على دين واحد وهو دين الإسلام، ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك، فلا يزال الناس مختلفين في أديانهم؛ وذلك مقتضى حكمته.
٤- التعصب
إن منشأ التعصب يكون من قلة العلم، وضعف الإدراك، مما ينتج عنه سلوك معادٍ مع المخالف، تكون ثمرته التفرق والتنازع.
قال الله تعالى:
﴿ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾
المؤمنون: ٣٥
إنّ اختزال الأمة في رجل، أو في كيان من أسباب تفرق الصف المسلم وتأجيجِ الصراعات الداخلية، كيف لا وهو إيغارٌ للصدور، وإيقاعٌ للعداوة والبغضاء .
قال الله تعالى:
﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾
آل عمران: ١٤٤
﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾
الزمر: ٣٠
ولقد عالج القرآن الكريم هذه الظاهرة في التنزيل الكريم حتى في حق صاحب الشريعة ، حيث إنّ الإيمان به واتّباعه هو المنهج القويم بعينه، ومع ذلك كانت تربية الجيل الفريد على التعلق بالمنهج دون الأشخاص .
7- آثار الاختلاف
في
القرآن الكريم
من الآثار التي ذكرها القرآن الكريم للاختلاف ما يلي:
1- الفشل وذهاب الريح
قال الله تعالى:
﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾
الأنفال:٤٦
عليها، وذلك بتركهم العمل بطاعة الله ورسوله
قال الله تعالى:
﴿ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾
المائدة:١٤
فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به؛ وقعت بينهم العداوة والبغضاء، وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا، وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا؛ فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب .
2- الشقاق
قال الله تعالى:
﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾
البقرة:١٧٦
ذلك العذاب الذي استحقوه بسبب أن الله تعالى نزَّل كتبه على رسله مشتملة على الحق المبين، فكفروا به. وإن الذين اختلفوا في الكتاب فأمنوا ببعضه وكفروا ببعضه، لفي منازعة ومفارقة بعيدة عن الرشد والصواب.
3- إلغاء كل ما لدى الخصم من حق
،عدم تقبل الاختلاف واحترام الآراء
قال الله تعالى:
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾
البقرة :١١٣
وقالت اليهود: ليست النصارى على شيء من الدين الصحيح، وكذلك قالت النصارى في اليهود وهم يقرؤون التوراة والإنجيل، وفيهما وجوب الإيمان بالأنبياء جميعًا. كذلك قال الذين لا يعلمون من مشركي العرب وغيرهم مثل قولهم، أي قالوا لكل ذي دين: لست على شيء، فالله يفصل بينهم يوم القيامة فيما اختلفوا فيه مِن أمر الدين، ويجازي كلا بعمله.
4- التفرق والتحزب
قال الله تعالى:
﴿ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾
الروم :٣١-٣٢
ولا تكونوا من المشركين وأهل الأهواء والبدع الذين بدَّلوا دينهم، وغيَّروه، فأخذوا بعضه، وتركوا بعضه؛ تبعًا لأهوائهم، فصاروا فرقًا وأحزابًا، يتشيعون لرؤسائهم وأحزابهم وآرائهم، يعين بعضهم بعضًا على الباطل، كل حزب بما لديهم فرحون مسرورون، يحكمون لأنفسهم بأنهم على الحق وغيرهم على الباطل.
5- العذاب العظيم في الآخرة
قال الله تعالى:
﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
آل عمران:١٠٥
ولا تكونوا -أيها المؤمنون- كأهل الكتاب الذين وقعت بينهم العداوة والبغضاء فتفرَّقوا شيعًا وأحزابًا، واختلفوا في أصول دينهم من بعد أن اتضح لهم الحق، وأولئك مستحقون لعذابٍ عظيم موجع.
8 – وسائل رفع الاختلاف
إذا وقع الاختلاف فقد هدانا الله تعالى في كتابه الكريم إلى أمور نرفع به عنا الاختلاف والنزاع، منها:
1- الاعتصام بحبل الله تعالى
قال الله تعالى:
﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾
آل عمران:١٠٣
وتمسَّكوا جميعًا بكتاب ربكم وهدي نبيكم، ولا تفعلوا ما يؤدي إلى فرقتكم.
2- الإصلاح
قال الله تعالى:
﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ﴾
النساء :١١٤
لا نفع في كثير من كلام الناس سرّاً فيما بينهم، إلا إذا كان حديثًا داعيًا إلى بذل المعروف من الصدقة، أو الكلمة الطيبة، أو التوفيق بين الناس، ومن يفعل تلك الأمور طلبًا لرضا الله تعالى راجيًا ثوابه، فسوف نؤتيه ثوابًا جزيلا واسعًا.
3- الجدال بالتي هي أحسن
قال الله تعالى:
﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
العنكبوت:٤٦
ولا تجادلوا أيها المؤمنون اليهودَ والنصارى – وليس الجدال خاص بأهل الكتاب بل هو عام للكفار والمؤمنين – إلا بالأسلوب الحسن، والقول الجميل، والدعوة إلى الحق بأيسر طريق موصل لذلك ؛ بهدف إحقاق الحق وإبطال الباطل.
4- المباهلة
والمباهلة وسيلة من وسائل رفع الاختلاف بين المختلفين التي ذكرها القرآن الكريم؛ ليتضح للناس المحق من المبطل.
لنبيه عليه الصلاة والسلام
قال الله تعالى:
﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾
آل عمران :٦١
فمَن جادلك -أيها الرسول- في المسيح عيسى ابن مريم من بعد ما جاءك من العلم في أمر عيسى عليه السلام، فقل لهم: تعالوا نُحْضِر أبناءنا وأبناءكم، ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم، ثم نتجه إلى الله بالدعاء أن يُنزل عقوبته ولعنته على الكاذبين في قولهم، المصرِّين على عنادهم.
5- مقاتلة البغاة
من وسائل رفع النزاع والاختلاف التي ذكرها القرآن الكريم مقاتلة الطائفة الباغية التي تخالف المسلمين فتبغي عليهم بالقتال .
قال الله تعالى:
﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ . إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾
الحجرات:٩-١٠
هذه هي الوسائل التي هدانا إليها القرآن الكريم لرفع الخلاف والنزاع الذي يقع بيننا -نحن المسلمين- وبين الكفار، أو بين المسلمين بعضهم البعض .
9 – آليات إدارة التعدد
في
القرآن الكريم
ولما كان التنوع سنة كونية ومشيئة إلهية فإن الضرورة تقتضي وجود آليات يمكنها أن تدير هذا التنوع وتضبط مساره، وحسب المنظور القرآني فإن هناك آليتان رئيسيتان تضطلعان بإدارة التنوع وهما على التوالي:
1 ـ التعارف
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾
الحجرات: 13
أنها خطاب إلى الناس كافة، و تستهل بتذكير البشر جميعا أنهم خلقوا من ذكر وأنثى وفي هذا إقرار بوحدة الأصل الإنساني ، بعد التأكيد على وحدة الأصل الإنساني جاء الإقرار بمبدأ التنوع بمعنى أن وحدة الأصل لا تقتضي أن يعيش الناس في مجتمع واحد وإنما هم يتفرقون شعوبا وقبائل بعد التأكيد على وحدة الأصل الإنساني جاء الإقرار بمبدأ التنوع بمعنى أن وحدة الأصل لا تقتضي أن يعيش الناس في مجتمع واحد وإنما هم يتفرقون شعوبا وقبائل. ثم تقدم الآية مفهوم التعارف هو الشرط اللازم لنجاح الحوار وحدوث التعاون المثمر و هو الوحيد الكفيل بإزالة مسببات الصراع والنزاع والصدام لأنه يتضمن معاني التفهم والاعتراف باختلاف المصالح والاهتمامات. وبالتالي لا يحق الانفراد بتحديد القيم التي يشارك
فيها البشرية حيث ينفصل بهذا عن بقية البشر وتتضخم لديه أوهام الخصوصية والتفوق.
2 ـ التدافع
وباستقراء آيات القرآن الكريم نتبين أن التدافع هي آلية لتنظيم الاختلاف الإنساني إلى جوار مفهوم التعارف ، وهو يأتي بمعنى المدافعة والحراك مع الآخر .
قال الله تعالى:
﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ﴾
المؤمنون : 96
إذا أساء إليك أعداؤك بالقول أو الفعل فلا تقابلهم بالإساءة، ولكن ادفع إساءتهم بالإحسان منك إليهم .
قال الله تعالى:
(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾
فصلت: 34
ادفع بعفوك وحلمك وإحسانك مَن أساء إليك، وقابل إساءته لك بالإحسان إليه، فبذلك يصير المسيء إليك الذي بينك وبينه عداوة كأنه قريب لك شفيق عليك. فالدفع هنا يأتي دفع إساءة من أساء بالإحسان ويترتب عليه تحريكه الآخر من درجة المسيء إلى درجة الولي الحميم
قال الله تعالى:
( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ )
البقرة:251
ولولا أن يدفع الله ببعض الناس -وهم أهل الطاعة له والإيمان به- بعضًا، وهم أهل المعصية لله والشرك به، لفسدت الأرض بغلبة الكفر، وتمكُّن الطغيان، وأهل المعاصي . والدفع هنا يحمل معنى الإزاحة و تحريك مواقع الأطراف من درجة إلى أخرى وغايته ليست سوى الإصلاح وتصحيح الأوضاع المختلة .
أحدث التعليقات