مفهوم كلمة عسى في القرآن الكريم

1- مفهوم كلمة عسى

وردت كلمة عسى في القرآن الكريم ، بمعني يعتمد على من قالها

أ- عن الله تعالى

تستعمل عسى للوعد إذا تحققت شروط الوعد

قال الله تعالى :

( فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَىٰ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ) 

القصص:67

فالوعد بالفلاح مشروط بتحقق التوبة والإيمان والعمل الصالح، فلا يتحقق الفلاح بدون تحقق شروطه .

ب – عن الأنسان

إذا وردت كلمة عسى في القرآن الكريم عن الأنسان ، فتستعمل للرجاء والطمع فى تحقيق مطلوب.

قال الله تعالى :

﴿ وَقُلْ عَسَىٰ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا ﴾

الكهف: 24

فأطمع ﴿فأرجو ﴾ أن يهديني ربي لأقرب الطرق الموصلة إلى الهدى والرشاد.

2- كلمة عَسَى

     في

القرآن الكريم

وردت كلمة عَسَى وصيغها في القرآن الكريم (30) مرة. والصيغ التي جاءت هي:

– فعل ماضي ناقص

ورد  مرتين

قال الله تعالى :

﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾

محمد : 22

– فعل ماضي جامد

ورد 28 مرة

قال الله تعالى :

﴿ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ ﴾

المائدة : 52

3 – الكلمات ذات الصلة

     بكلمة عسى 

أ – ليت

هي حرف تَمَنّ وتتعلّق بالمستحيل غالبا .

قال الله تعالى :

﴿ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ ﴾

القصص: 79

ب – لعلّ

لعلَّ  أداة لبيان نتيجة الفعل

قال الله تعالى :

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) 

البقرة:21

فكانت لعلَّ أداة لبيان نتيجة العبادة وهو تحقق التقوى.

قال الله تعالى :

( ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )

البقرة :52

فكانت لعلَّ أداة لبيان نتيجة حصول العفو وهو تحقق تَشْكُرُونَ .

قال الله تعالى :

 ( وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )

البقرة:53

فكانت لعلَّ أداة لبيان نتيجة إيتاء موسى الكتاب والفرقان وهو تحقق الهداية

ج – ربما

ربما معناها من المحتمل

قال الله تعالى :

﴿ رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ﴾

الحجر : 2

من المحتمل أن يتمنى الكفار حين يرون خروج عصاة المؤمنين من النار أن لو كانوا موحدين؛ ليخرجوا كما خرجوا.

4 – معنى كلمة عسى

         في

    القرآن الكريم

وردت كلمة عسى في القرآن الكريم في عدة مواضع ، وقد قالها كل من الأتى :

أ- الله تعالى

إذا وردت كلمة عسى في القرآن الكريم عن الله تعالى ، فتستعمل عسى للوعد إذا تحققت شروط الوعد ، و في معظم مواضع استعمال عسى في القرآن الكريم يظهر ثلاث عناصر هي الشرط ، وعسى، وجواب الشرط .

قال الله تعالى :

( فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا )

النساء:84

أن قتالك في سبيل الله يا محمد وتحريضك للمؤمنين على القتال هو شرط لكف بأس الكافرين فأتت عسى أداة شرطٍ للوعد بكف البأس والتأييد المشروط بتحقق الشروط السابقة لعسى.

قال الله تعالى :

( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ )

التوبة:18

فالدخول في جمع المهتدين مشروط بعمارة المساجد وعبادة الله فيها وبتحقق الإيمان بالله واليوم الآخر وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وخشية الله وحدة دون سواه، فإن تحققت الشروط مجتمعة تحقق الوعد وانتفاء شيء منها ينقض هذا الرجاء ويبطل تحققه.

قال الله تعالى :

( عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا )

الإسراء:8

فالرحمة مشروطة بعدم العودة لما كان منكم، فإن التزمتم باجتناب ما نهيتم عن العودة إليه فالوعد برحمة الله لكم متحقق .

قال الله تعالى :

( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ) 

الإسراء:79

وهنا أيضاً نجد أن عسى أتت مشروطة بحصول فعل ، فبعث النبي في مقامٍ محمود مرهون بتحقق تهجده بالقرآن.

قال الله تعالى :

( فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَىٰ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ) 

القصص:67

فالفلاح مشروط بتحقق التوبة والإيمان والعمل الصالح، فلا يتحقق الفلاح بدون تحقيق شروطة.

قال الله تعالى :

( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )

التوبة:102

فتوبة الله عليهم ومغفرته لهم مشروطة برجحان العمل الصالح على العمل السيء وانتفاء كافة موانع المغفرة الأخرى وتأدية حقوق الناس بما يبقي في كتبهم ما يشفع لهم بالدخول في رحمة الله .

قال الله تعالى :

(وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ . عَسَىٰ رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا )

التحريم :4 – 5

إن حدثت المظاهرة على النبي صلى الله عليه وسلم فسيترتب عليها طلاقهن ، فإن وقع الطلاق فإن جواب الشرط الذي يتلو عسى هو أن يبدله الله أزواجاً خيراً منهن مؤمنات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكاراً .

قال الله تعالى :

( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا. إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا. فَأُولَٰئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا )

النساء 97 – 99

فأطمع بالعفو والمغفرة من العذاب من تحققت فيه الشروط السابقة لعسى وهي وقوع الاستضعاف، وانعدام الحيلة والاهتداء للسبيل الهجرة، فإطماع الله بالعفو يتحقق بتحقق الشروط .

قال الله تعالى :

( وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا. إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا )

الكهف  23- 24

فَتَحقُّق هدايةُ الله للرشد هو اصطحاب مشيئة الله دائماً وذكر الله عند النسيان، فإن تحقق الشرط حصل المطلوب وإن لم يتحقق لم يحصل المطلوب .

قال الله تعالى :

( عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ )

الممتحنة  7- 8

فحصول المودة بين المسلمين وبين من عادوا من أهل الكتاب مشروط بانتهائهم عن قتال المسلمين ولم يخرجونهم من ديارهم فإن انتفت تلك الموانع فالمودة ليست ممكنة .

قال الله تعالى :

 ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )

البقرة:216

إذا قاتل الرجل مؤمناً بالله لأجل أن تكون كلمة الله هي العليا تحقق الخير الذي وعد الله المقاتلين به، وهذا معلوم ولو لم يذكر فذكرت عسى، ونتيجة الشرط وأضمر الشرط نفسه.

ب – الأنسان

إذا وردت كلمة عسى في القرآن الكريم عن الأنسان عموما ، فتستعمل للرجاء والطمع فى تحقيق مطلوب.

أ- عن أفراد عاديين

قال الله تعالى :

( وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )

يوسف:21

أمر العزيز امرأته بإكرام مثوى يوسف، فإكرام مثواه لرجاء أن يحصل منه النفع أو يتخذانه ولداً لهما .

قال الله تعالى :

( وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ )

القصص :9

فنهت امرأة فرعون عن قتله وذلك برجاء أن ينفعهم أو يتخذونه ولداً .

قال الله تعالى :

(عَسَىٰ رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ )

القلم:32

فالنتيجة (جواب الشرط) هي أن يبدلهم الله خيراً منها، فوُجِد الرجاء ووُجِدت عسى واستتر الفعل وهو توبتهم لله وعودتهم عن الذنب وإيتاء الفقراء والمساكين مما يرزقهم الله وتضرعهم إليه بالقبول، فكانت عسى هنا في صورتها المستترة المقدرة.

قال الله تعالى :

( فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ )

المائدة 52

فالنتيجة (جواب الشرط) هي أن يأتي الله بالفتح ، فوُجِد الرجاء ووُجِدت عسى و الفعل هو ما أضمروا في أنفسهم من موالاتهم اليهود .

2- عن أنبياء

قال الله تعالى :

( قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) 

يوسف:83

يقول يعقوب أنه سيعتصم بالصبر الجميل رجاء أن يأتي الله بأبنائه جميعاً

قال الله تعالى :

﴿ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾

الأعراف : 129

قال موسى لهم: رجاء أن يهلك ربكم فرعون وقومه، ويستخلفكم في أرضهم بعد هلاكهم، فينظر كيف تعملون، هل تشكرون أو تكفرون؟

قال الله تعالى :

﴿ وَقُلْ عَسَىٰ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا ﴾

الكهف: 24

وقل: أرجو أن يهديني ربي لأقرب الطرق الموصلة إلى الهدى والرشاد.

قال الله تعالى :

 ( قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً . وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً )

مريم 47 – 48

ابراهيم إعتزل اباه الكافر وقومه وما يعبدون إلا الرحمن جل وعلا : ودعا ربه راجيا  ألا يكون بدعاء ربه شقيا .

 

Share This