مفهوم روح الله في القرآن الكريم

1- مفهوم روح

الرُّوح هي خلْقٌ من مخلوقات الله تعالى وأضيفتْ إلى الله تعالى في بعض النصوص إضافةَ ملك ، فالله خالقُها ومالكها .

قال الله تعالى:

 ( فنفخنا فيه من روحنا ) 

التحريم: 12

فالقَول في الرُّوح كالقول في (بيت الله) و (ناقة الله) و (أرض الله) و(عباد الله ) و (رسول الله )

قال الله تعالى:

(هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ )

هود: 64

(وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ )

الحج: 26

فكل هذه مخلوقات أُضيفتْ لله تعالى للتَّشْريف والتَّكريم .

و (روح من الله) لا تعني أنه جزءٌ من الله لأن الله تعالى ليس مركباً وليس له أجزاء، بل تعني أنه من قدرة الله وأمره، أو أنه مؤيّد من الله.

– في المؤمنين المخلصين

قال الله تعالى:

 ( أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ )

المجادلة: 22

 ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ )

الجاثية: 3

أي: من خلقِه ومِنْ عنده .

– في أمّ المسيح (ع)

قال الله تعالى:

( وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا )

التحريم: 12

أي نفخ الله عزّ وجلّ فيه روح الخلق والتكوين من قدرته تعالى بواسطة جبرئيل (ع) فحملت مريم (ع) بالمسيح (ع) بدون أب.

قال الله تعالى:

 ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ” وَرُوحٌ مِنْهُ )

النساء: 17

وكون المسيح روحا خلقها الله أو كون المسيح من روح الله وقدرته وأمره بدون أبٍ لا يقتضي ألوهيّة المسيح، لأن آدم من روح الله  وكل البشر أيضا من روح الله، أي خُلقوا من قدرة الله.

– في حق آدم (ع)

قال الله تعالى:

( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ )

الحجر: 29

ان كلمة (من) ليست للتبعيض بل تدل على مصدر ومنشأ واصل وجود الشيء.

قال الله تعالى:

﴿ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ﴾

الإسراء: 85

أي أنّ الروحَ كونت بالأمر، وصدرت عنه ، وليس الروحَ بعضُ الأمرِ ومن جنسه .

وليس نصّاً في أنّ الروحَ بعضُ الأمرِ ومن جنسه، بل هي لابتداء الغايةِ، إذ كونت بالأمر، وصدرت عنه، وهـذا مثل قوله: أي من أمره كان

( وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ )

المجادلة: 22

﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾

الجاثية: 13

﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾

النحل: 53

أي منه صدرت ولم تكن بعض ذاته. فينبغي أن يُعْلَمَ أنَّ المضافَ إلى الله تعالى نوعان:

الأول: صفاتٌ لا تقوم إلا به

كالعلم والقدرة، والكلام، والسمع، والبصر، فهـذه إضافة صفة إلى موصوف بها، فعلمه وكلامه وقدرته وحياته صفاتٌ له، وكذا وجهه ويده سبحانه.

قال الله تعالى:

﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ

البقرة : 115

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾

الحجرات: 1

﴿ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾

يونس: 82

الثاني: إضافة أعيان منفصلة عنه

كالبيت، والناقة، والعبد، والرسول، والروح.

قال الله تعالى:

﴿ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا ﴾

الشمس: 13

﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ ﴾

الفرقان: 1

 ﴿ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ ﴾

الحج: 26

فهـذه إضافةُ مخلوقٍ إلى خالقه، لكنَّها إضافةٌ تقتضي تخصيصاً وتشريفاً، يتميّزُ بها المضافُ إلى غيره .

2- معنى كلمة روح الله

        في

  القرآن الكريم

ورد في القرآن الكريم كلمة روح الله بالمعانى الأتية

أ – روح الله بمعنى ما به حياةُ الأجسام

قال الله تعالى:

( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ )

ص: 72

فإذا سوَّيت جسده وخلقه ونفخت فيه الروح، فدبت فيه الحياة فاسجدوا له سجود تحية وإكرام .

قال الله تعالى:

( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ  قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا )

الإسراء: 85

ويسألك الكفار عن حقيقة الروح تعنتًا، فأجبهم بأن حقيقة الروح وأحوالها من الأمور التي استأثر الله بعلمها، وما أُعطيتم أنتم وجميع الناس من العلم إلا شيئًا قليلا.

فأنَّ الروح هي المحرك للأجسام ، جعل الله بها الحياة، والقوة، والحركة، والحِس، ومهما وصل من علم، فلا يصل الى علم الله ولا حقيقة هذه الروح، وبالتالي يستشعر عظمة الله، وتفرده بألوهيته، وأنها أمرٌ منه

ب – روح الله بمعنى رحمته

قال الله تعالى:

 ( وَلا تَيأَسُوا مِن رَوحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيأَسُ مِن رَوحِ اللَّهِ إِلَّا القَومُ الكَافِرُونَ )

يوسف:  87

ولا تيأسوا من روح الله : لا تقنطوا من رحمته وتقطعوا رجاءكم منه . فالروح المنسوب إليه تعالى هو رحمته .

ت – روح الله بمعنى القوة والثبات والنصرة

فهي القدرة التي يؤيد الله بها من شاء من عباده المؤمنين .

قال الله تعالى:

( أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ )

المجادلة: 22

أي : أيدهم وقوّاهم بقدرتة

ث – روح الله بمعنى جبريل

جبريل هو روح من امر الله وهو روح القدس وهو الروح الامين

قال الله تعالى:

( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا )

مريم :17

فأرسلنا إليها الملَك جبريل، فتمثَّل لها في صورة إنسان تام الخَلْق.

قال الله تعالى:

( وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ )

البقرة: 87

وأعطينا عيسى ابن مريم المعجزات الواضحات، وقوَّيناه بجبريل عليه السلام.

قال الله تعالى:

( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ . نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ . عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾

الشعراء: 192- 194

وإن هذا القرآن الذي ذُكِرَتْ فيه هذه القصص الصادقة، لَمنزَّل مِن خالق الخلق، ومالك الأمر كله، نزل به جبريل الأمين، فتلاه عليك – أيها الرسول – حتى وعيته بقلبك حفظًا وفهمًا؛ لتكون مِن رسل الله الذين يخوِّفون قومهم عقاب الله، فتنذر بهذا التنزيل الإنس والجن أجمعين.

ج – روح الله بمعنى الوحى

قال الله تعالى:

 ( يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ )

النحل: 2

ينزِّل الله الملائكة بالوحي مِن أمره على مَن يشاء من عباده المرسلين: بأن خوِّفوا الناس من الشرك، وأنه لا معبود بحق إلا أنا، فاتقون بأداء فرائضي وإفرادي بالعبادة والإخلاص.

قال الله تعالى:

( يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ )

غافر: 15

ومن رحمته بعباده أن يرسل إليهم رسلا يلقي إليهم الوحي الذي يحيون به، فيكونون على بصيرة من أمرهم؛ لتخوِّف الرسل عباد الله، وتنذرهم يوم القيامة الذي يلتقي فيه الأولون والآخرون.

د – روح الله بمعنى القرآن

قال الله تعالى:

( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا )

الشورى: 52

وكما أوحينا إلى الأنبياء من قبلك -أيها النبي- أوحينا إليك قرآنًا من عندنا، ما كنت تدري قبله ما الكتب السابقة ولا الإيمان ولا الشرائع الإلهية؟ ولكن جعلنا القرآن ضياء للناس نهدي به مَن نشاء مِن عبادنا إلى الصراط المستقيم.

ر- روح الله بمعنى المسيح ابن مريم

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ

النساء : 171

إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله أرسله الله بالحق، وخَلَقَه بالكلمة التي أرسل بها جبريل إلى مريم، وهي قوله: “كن”، فكان، وهي نفخة من الله تعالى نفخها جبريل بأمر ربه .

قال الله تعالى:

 (إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ  )

آل عمران : 59

إنَّ خَلْقَ الله لعيسى من غير أب مثَلُه كمثل خلق الله لآدم من غير أب ولا أم، إذ خلقه من تراب الأرض، ثم قال له: “كن بشرًا” فكان.

Share This