مفهوم الوهن في القرآن الكريم

1- مفهوم الوهن

الوهن هو أن يفعل الإنسان فعل الضعيف وهو قوي في نفسه ، إذ قد يكون الوهن جبنًا بعد شجاعة، أو فتورًا بعد عزيمة، أو توانيًا بعد همة، أو اختلالًا بعد إحكام إلخ ..

و الوهن من فعل الإنسان

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

آل عمران:١٣٩

أو من فعل الله تعالى

قال الله تعالى:

﴿ ذَٰلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ ﴾

الأنفال:١٨

2- كلمة الوهن

     في

القرآن الكريم

وردت كلمة وهن في القرآن الكريم (٨) مرات. والصيغ التي وردت، هي:

– الفعل الماضي

ورد مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ﴾

مريم:٤

– الفعل المضارع

ورد ٣ مرات

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

آل عمران:١٣٩

– المصدر

ورد مرتين

قال الله تعالى:

﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾

لقمان:١٤

– اسم فاعل

ورد مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ ذَٰلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ ﴾

الأنفال:١٨

– اسم تفضيل

ورد مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ ﴾

العنكبوت:٤١

وجاء الوهن في القرآن الكريم بمعنى الضَّعف مطلقًا مثل اختلال القوَّة الجسمية أوضعف يلحق بالقلب أوالعمل.

3- الكلمات ذات الصلة

      بكلمة الوهن

– الضعف

الضعف خلاف القوة ، والضعف قد يكون في النفس، وفي البدن، وفي الحال ، والضعف من فعل الله تعالى بالإنسان، كما أن القوة من فعله، فنقول خلقه الله ضعيفًا أو خلقه قويًا .

قال الله تعالى:

﴿ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ﴾

النَّساء: 28

– القوة

القوة تدل على الشدة، وهي خلاف الضعف .

قال الله تعالى:

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ﴾

الروم:  54

– الكسل

الكسل هو التثاقل عن فعل الشيء والقعود عن إتمامه .

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾

النساء: 142

– العزم

الجد والإجتهاد على إمضاء الأمر، والعزم يقابل الفتور.

قال الله تعالى:

﴿ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾

لقمان: 17

– الاستكانة

هي إظهار الضَّعف .

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ ﴾

آل عمران: 146

أي:لم يضعفوا بنقصان القوَّة ولا استكانوا بإظهار الضَّعف عند المقاومة

4 – أنواع الوهن

        في

   القرآن الكريم

يصنف الوهن في القرآن الكريم من حيث الشيء الواهن إلى ثلاثة أنواع ، وهي

أولًا – وهن الجسم

تبين آيات الكتاب الكريم أن الجسم يصيبه الوهن لسببين، هما

أ – الوهن بسبب الكبر

يعرض للجسم الوهن بسبب الكبر، فيرق عظمه، ويشيب رأسه، ويرتعش صوته، وتزداد مخاوفه.

– عن نداء زكريا عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴾

مريم: 4

فزكريا يشكو من وهن جسمه بسبب الكبر، فذكر وهن عظمه، وشيب رأسه ، ووهن العظم لأنه قوام البدن، وهو أصلب شيء فيه، فلا يبلغه الوهن إلا وقد بلغ ما فوقه .

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا ﴾

النحل: ٧٠

ومنكم مَن يصير إلى أردأ العمر وهو الهرم، كما بحال الطفل في النسيان وعدم التذكر .

ب – الوهن بسبب العوارض الطارئة

تحدث القرآن الكريم عن وهن الجسم بسبب العوارض الطارئة، ومنها حمل الأم وولادتها.

قال الله تعالى:

﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾

لقمان: ١٤

فالآية تتحدث عن وصية الله للإنسان بوالديه، ثم تخص والدته بالذكر؛ حيث حملته وهنا على وهن، ثم وضعته، ثم كان فصاله في عامين.

قال الله تعالى:

﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ﴾

الأحقاف: ١٥

ووصينا الإنسان أن يحسن في صحبته لوالديه بِرًّا بهما في حياتهما وبعد مماتهما، فقد حملته أمه جنينًا في بطنها على مشقة وتعب، وولدته على مشقة وتعب أيضًا، ومدة حمله وفطامه ثلاثون شهرًا.

ثانيا- وهن القلب

وهن القلب هو الضعف الذي يصيب قوته فيضعف ويفتر ويجبن، ويتبين من خلال آيات القرآن الكريم

أ – أسباب وهن القلب

أنَّ لوهن القلب سببين، هما

1- حب الدنيا

قال الله تعالى:

﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ . إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ ﴾

محمد: ٣٥-٣٦

الوهن المنهي عنه في الآية هو فتور القلب عن العزم في الجهاد، ومِنْ ثَمَّ يميلُ ُإلى الراحة والمهادنة؛ تجنبًا للقتال، ورغبة في الدنيا.

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾

التوبة: ٣٨

يا أيها الذين آمنوا ، ما بالكم إذا قيل لكم: اخرجوا إلى الجهاد في سبيل الله لقتال أعدائكم تكاسلتم ولزمتم مساكنكم؟ هل آثرتم حظوظكم الدنيوية على نعيم الآخرة؟ فما تستمتعون به في الدنيا قليل زائل، أما نعيم الآخرة الذي أعده الله للمؤمنين المجاهدين فكثير دائم.

2- كراهية الموت

تتحدث الآية القادمةً عن الوهن الذي أصاب المؤمنين، بعد هزيمتهم في أحد، وَبَيِّنَ لهم أنَّ القعود عن الجهاد كراهيةً للقتال لا يؤدي إلا إلى مزيد من الوهن .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾

آل عمران: ١٣٩-١٤٠

ولا تضْعُفوا -أيها المؤمنون- عن قتال عدوكم، ولا تحزنوا لما أصابكم في “أُحد”، وأنتم الغالبون والعاقبة لكم، إن كنتم مؤمنون. إن أصابتكم – أيها المؤمنون- جراح أو قتل فحزنتم لذلك، فقد أصاب المشركين جراح وقتل مثل ذلك . وتلك الأيام يُصَرِّفها الله بين الناس، نصر مرة وهزيمة أخرى، لما في ذلك من الحكمة، حتى يظهر ما علمه الله في الأزل ليميز الله المؤمن الصادق مِن غيره، ويُكْرِمَ أقوامًا منكم بالشهادة. والله لا يحب الذين ظلموا أنفسهم، وقعدوا عن القتال في سبيله.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ﴾

النساء: ١٠٤

ولا تضعفوا في طلب عدوكم وقتاله، إن تكونوا تتألمون من القتال وآثاره، فأعداؤكم كذلك يتألمون منه أشد الألم، ومع ذلك لا يكفون عن قتالكم، فأنتم أولى بذلك منهم، لما ترجونه من الثواب والنصر والتأييد، وهم لا يرجون ذلك.

وبهذا يتبين أن وهن القلب في هذه المشاهد كلها سببه الهزيمة التي لحقت بالمسلمين في أحد، وما خلفته فيهم من آلام وأسقام، وقروح وجروح، فوهنوا لذلك، وتجلى هذا الوهن في المشهد الأول: في تضعضع قلوبهم وحزنها، وفي المشهد الثاني: تجلى في جبنٍ وانصرافٍ عن القتال، وفي المشهد الثالث: تجلى في تثاقلٍ وفتورٍ. ومرد ذلك كله إلى كراهية القتال، سواء أكانت الكراهية عن حزن أو خوف أو إعياء.

وتحدث القرآن الكريم عن الربيين الذين قاتلوا مع النبيين، فلم يهنوا ولم يضعفوا، بل صبروا.

قال الله تعالى:

﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾

آل عمران: ١٤٦

أي:  فما عجزوا لما نالهم من ألم الجراح الذي نالهم في سبيل الله، ولا لقتل من قتل منهم، عن حرب أعداء الله، ولا نكلوا عن جهادهم  .

ب – مظاهر وهن القلب

تحدث القرآن الكريم كثيرًا عن وهن القلب، وبين مظاهره المختلفة ، وهي

1- الحزن

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

آل عمران: ١٣٩

2- الغضب

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾

الشورى: ٣٧

3- الضيق

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ﴾

النحل: ١٢٧

4- التثاقل

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ﴾

التوبة: ٣٨

– الفشل

قال الله تعالى:

﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾

الأنفال: ٤٦

– الخوف

قال الله تعالى:

﴿ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ﴾

الأحزاب: ١٩

– الحسرة

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ﴾

آل عمران: ١٥٦

ثالثًا – وهن العمل

وهن العمل هو ضعفه واختلاله وانعدام ثمرته، فلا يكون محكمًا، ولا مثمرًا، كبيت العنكبوت الذي لا يحمي من برد ولا حر. وقد تحدث القرآن الكريم كثيرًا عن وهن العمل، وفيما يأتي توضيح أمرين منة

أولًا – صور وهن العمل

من صور وهن العمل الأتي

أ – صرف العمل في غير محله

كمن يدعو من لا يسمعه ولا يستجيب له، ويطلب ممن لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا.

قال الله تعالى:

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾

العنكبوت: ٤١

مثل الذين جعلوا الأوثان من دون الله أولياء يرجون نصرها، كمثل العنكبوت التي عملت بيتًا لنفسها ليحفظها، فلم يُغن عنها شيئًا عند حاجتها إليه، فكذلك هؤلاء المشركون لم يُغْن عنهم أولياؤهم الذين اتخذوهم من دون الله شيئًا، وإن أضعف البيوت لَبيت العنكبوت، لو كانوا يعلمون ذلك ما اتخذوهم أولياء، فهم لا ينفعونهم ولا يضرونهم.

قال الله تعالى:

﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ﴾

التوبة: ١٠٩

فسبب وهن عمل المشرك أنه تعلق بغير الله ، فلا يستوي مَن أسَّس بنيانه على تقوى الله وطاعته ومرضاته، ومن أسَّس بنيانه على طرف حفرة متداعية للسقوط .

1 – الإتيان بالعمل بغير طريقته الصحيحة

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾

الكهف: ١٠٣-١٠٤

قل – أيها الرسول- للناس محذرًا: هل نُخبركم بأخسر الناس أعمالا؟إنهم الذين ضلَّ عملهم في الحياة الدنيا – وهم مشركو قومك وغيرهم ممن ضلَّ سواء السبيل، فلم يكن على هدى ولا صواب- وهم يظنون أنهم محسنون في أعمالهم.

قال الله تعالى:

﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ  وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ  وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾

آل عمران: ١٦٠

فالخذلان إنما يكون بسبب وهن عملهم؛ إذ ضعفت صلتهم بربهم، فوهنوا فخذلهم الله، فوهن عملهم، وتشتت أمرهم

وتُبَيِّنُ آيات القرآن الكريم صورًا شتى لوهن عمل المؤمنين جراء ضعف صلتهم بالله ، ومنها

– اتباع أهواء اليهود والنصارى

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ  وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾

المائدة: ٥١

– الركون إلى الظالمين

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾

هود: ١١٣

– الوقوع في الذنوب والمعاصي

قال الله تعالى:

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾

مريم: ٥٩

2 – الإتيان بما يبطل العمل

– ومن ذلك توهين الأمر بعد إبرامه

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا ﴾

النحل: ٩٢

أي: نقضت غزلها من بعد إبرام وإحكام ، هذا مثل لمن نقض عهده بعد توكيده. وهذا القول أرجح وأظهر، وسواء كان بمكة امرأة تنقض غزلها أم لا.

– ومن ذلك الشرك

قال الله تعالى:

﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

الأنعام: ٨٨

ومن ذلك الشرك، فالمشرك تنقطع صلته بالله انقطاعًا تامًا، ولذلك فالله يحبط عمله، ويرده عليه

– ومن ذلك إبطال الصدقات بالمنِّ والأذى

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾

البقرة: ٢٦٤

– ومن ذلك الكفر

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾

النور: ٣٩

3  – حصول التنازع على العمل

التنازع على العمل يوهنه، ويفرق أمر الجماعة، ويشتت شملها، ولذلك حذر الله المؤمنين من التفرق، كما حذرهم من التنازع.

قال الله تعالى:

﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾

آل عمران: ١٠٣

﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾

آل عمران: ١٠5

﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾

الأنفال: ٤٦

أمرهم تعالى بما يعينهم على التقوى وهو الاجتماع والاعتصام بدين الله، وكون دعوى المؤمنين واحدة، مؤتلفين غير مختلفين، وبالاجتماع يتمكنون من كلِّ أمر من الأمور، ويحصل لهم من المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن عدها، كما أن بالافتراق والتعادي يختل نظامهم وتنقطع روابطهم، ويصير كل واحد يعمل ويسعى في شهوة نفسه، ولو أدى إلى الضرر العام

ب – توهين الله كيد الكافرين

أن الله مُضعِف ومُبطِل مكر الكافرين حتى يَذِلُّوا وينقادوا للحق أو يهلكوا.

قال الله تعالى:

﴿ ذَٰلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ ﴾

الأنفال: ١٨

ويبين القرآن الكريم أنَّ وهن كيد الكافرين سببه كفرهم بالله وآياته، ومحاربتهم لله ورسوله، ومشاقتهم

قال الله تعالى:

﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ﴾

البقرة: ٦١

﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ﴾

آل عمران: ١١٢

﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ . ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ  وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾

الأنفال: ١٢-١٣

ومن صور توهين الله كيد الكافرين:

دفع المشركين إلى المواجهة في بدر؛ لتحيق الهزيمة بهم، فَيَهِنْ أمرهم، قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ . لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾

الأنفال: ٧-٨

﴿ إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَٰكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾

الأنفال: ٤٢

واذكروا حينما كنتم على جانب الوادي الأقرب إلى “المدينة”، وعدوكم نازل بجانب الوادي الأقصى، وعِير التجارة في مكان أسفل منكم إلى ساحل “البحر الأحمر”، ولو حاولتم أن تضعوا موعدًا لهذا اللقاء لاختلفتم، ولكنَّ الله جمعكم على غير ميعاد؛ ليقضي أمرًا كان مفعولا بنصر أوليائه، وخِذْلان أعدائه بالقتل والأسر؛

وإلقاء الرعب في قلوبهم

قال الله تعالى:

﴿ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ ﴾

الأنفال: ١٢

وإعجازهم عن أن يستأصلوا شأفة المسلمين رغم قلة عددهم وضعفهم أيام كانوا في مكة

قال الله تعالى:

﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

الأنفال: ٢٦

واذكروا أيها المؤمنون نِعَم الله عليكم إذ أنتم بـ”مكة” قليلو العدد مقهورون، تخافون أن يأخذكم الكفار بسرعة، فجعل لكم مأوى تأوون إليه وهو “المدينة”، وقوَّاكم بنصره عليهم يوم “بدر”، وأطعمكم من الطيبات -التي من جملتها الغنائم-؛ لكي تشكروا له على ما رزقكم وأنعم به عليكم.

– وتحسيرهم على ما ينفقونه من أموال في كيدهم

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾

الأنفال: ٣٦

5 – أثر الوهن

       في

الأفراد والأمم

للوهن كثير من الآثار في الأفراد وفي الأمم، ومن ذلك:

أولًا – ترك الجهاد والرضا بالذلِّ

بينت الآيات التي نهى الله فيها المؤمنين عن الوقوع في الوهن، أنَّ أثر ذلك هو ترك الجهاد، والرضا بالقعود، والانقلاب على الأعقاب.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾

آل عمران: ١٤٤

وما محمد إلا رسول من جنس الرسل الذين قبله يبلغ رسالة ربه. أفإن مات بانقضاء أجله أو قُتِل كما أشاعه الأعداء رجعتم عن دينكم،، تركتم ما جاءكم به نبيكم؟ ومن يرجِعُ منكم عن دينه فلن يضر الله شيئًا، إنما يضر نفسه ضررًا عظيمًا. أما مَن ثبت على الإيمان وشكر ربه على نعمة الإسلام، فإن الله يجزيه أحسن الجزاء.

قال الله تعالى:

﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ﴾

آل عمران: ١٤6

فهذا يبين أن أثر الوهن هو الاستكانة والخضوع والمذلة للأعداء، ولذلك نفت الآية عن الربيين هذا الأثر، وحذرت المؤمنين منه.

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾

التوبة: ٣٨

يا أيها الذين  آمنوا ، ما بالكم إذا قيل لكم: اخرجوا إلى الجهاد في سبيل الله لقتال أعدائكم تكاسلتم ولزمتم مساكنكم؟ هل آثرتم حظوظكم الدنيوية على نعيم الآخرة؟ فما تستمتعون به في الدنيا قليل زائل، أما نعيم الآخرة الذي أعده الله للمؤمنين المجاهدين فكثير دائم.

وعن المنافقين

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ . رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴾

التوبة: ٨٧

﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴾

التوبة: ٨١

ثانيًا- الشح بالمال

قال الله تعالى:

﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ. إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ . إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ . هَا أَنْتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ  وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾

محمد: ٣٥-٣٨

فالآيات تنهى المؤمنين عن الوهن ومسالمة الأعداء، فهم الأعلون والله معهم، وأجورهم غير منقوصة، فكيف يهنون؟! ثم بينت لهم أن الحياة الدنيا التي هي سبب وهن القلوب إنما هي لعب ولهو. ثم بينت لهم أن من يبخل بالنفقة في سبيل الله فإنما يبخل عن نفسه، فالبخل سببه حبُّ الدنيا والتعلق بها، وذلك يوهن القلب، ويجعله يشح بالإنفاق في سبيل الله.

ثالثًا – الفتور عن الطاعة

ومن آثار الوهن في الفرد هو فتوره عن الطاعة، وتأخره عنها، فالقرآن الكريم دعا المؤمنين إلى المسارعة في الخيرات، ومدحهم بذلك

قال الله تعالى:

﴿ أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾

المؤمنون: 61

﴿ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾

آل عمران :114

فواهن القلب لا يزال يدفعه ما في قلبه من وهن وضعف وفتور إلى التأخر عن الطاعات والتثاقل عنها، حتى يغلب عليه الكسل عن العبادة، وقد ذمَّ الله المنافقين بالتكاسل عن الصلاة

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾

النساء: ١٤٢

﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾

التوبة: ٥٤

رابعا-  تفرق الأمة وضعف أمرها

قال الله تعالى:

﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾

الأنفال: ٤٦

والتزموا طاعة الله وطاعة رسوله في كل أحوالكم، ولا تختلفوا فتتفرق كلمتكم وتختلف قلوبكم، فتضعفوا وتذهب قوتكم و دولتكم .

قال الله تعالى:

﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾

آل عمران: ١٠٣

وتمسَّكوا جميعًا بكتاب ربكم ، ولا تفعلوا ما يؤدي إلى فرقتكم .

خامسا – تداعي الأمم عليها

أنَّ فرق الكفر وأمم الضلالة يدعو بعضهم بعضًا إلى الاجتماع؛ لقتالكم وكسر شوكتكم؛ ليغلبوا على ما ملكتموها من الديار، و الأمم لا تتداعى على الأمة إلا بعد وهن قلوبها،  وقد بَيِّنَ القرآن الكريم أنَّ الكافرين لا يتمكنون من المؤمنين إلا في حال غفلتهم .

قال الله تعالى:

﴿ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ﴾

النساء: ١٠٢

6 – علاج الوهن

        في

القرآن الكريم

أرشد القرآن الكريم المؤمنين إلى العلاج الشافي من هذا الداء، وتبين الآيات كثيرًا من مكونات هذا العلاج. ومن ذلك:

أولًا- الإيمان بالقدر

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ﴾

آل عمران: ١٤5

هذه الآية فيها تشجيع للجبناء وترغيب لهم في القتال، فإن الإقدام والإحجام لا ينقص من العمر ولا يزيد فيه، وأن الموت بأجلٍ عنده، لا يتقدم ولا يتأخر .

قال الله تعالى:

﴿ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ﴾

آل عمران: ١٥٤

يقولون: لو كان لنا أدنى اختيار ما قُتِلنا هاهنا. قل لهم: إن الآجال بيد الله، ولو كنتم في بيوتكم، وقدَّر الله أنكم تموتون، لخرج الذين كتب الله عليهم الموت إلى حيث يُقْتلون .

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ﴾

آل عمران: ١٥٦

يا أيها الذين آمنوا ، لا تُشابهوا الكافرين الذين لا يؤمنون بربهم، فهم يقولون لإخوانهم من أهل الكفر إذا خرجوا يبحثون في أرض الله عن معاشهم أو كانوا مع الغزاة المقاتلين فماتوا أو قُتِلوا: لو لم يخرج هؤلاء ولم يقاتلوا وأقاموا معنا ما ماتوا وما قُتلوا. وهذا القول يزيدهم ألمًا وحزنًا وحسرة تستقر في قلوبهم .

قال الله تعالى:

﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾

النساء: ٧٨

فالقتال لن يقدم في الأجل، وتركه لن يؤخر في الأجل، فالموت والحياة بإذن الله، ولن ينفع الفارُّ فراره

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾

الأحزاب: ١٦

ثانيًا – فقه سنن الله

قال الله تعالى:

﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ . هَٰذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ . وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ  وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ  وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ . وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ . أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾

آل عمران: ١٣٧-١٤٢

تبين هذه الآيات للمؤمنين أنَّ لله سننًا، كمداولة الأيام بين الناس، وابتلاء المؤمنين، وفتنة الكافرين، وعلى المسلمين السير في الأرض والتفقه في سنن الله، وعدم الاستسلام لعوامل الوهن، فإنَّ التبصر في سنن الله يساعدهم على تجاوز آثار الهزيمة، والتغلب على الحزن الذي استبد بهم، ويقوي عزائمهم، ويرفع من الهمم.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ﴾

النساء: ١٠٤

فما بالكم تهنون وتضعفون عند القرح والألم، فقد أصابهم ذلك في سبيل الشيطان، وأنتم أصبتم في سبيلي وابتغاء مرضاتي.

ثالثًا – الصبر

تربط الآيات التي تحذر المؤمنين من الوهن بينه وبين الصبر، حيث تبين لهم أن الصبر سلاح قوي يتسلح به المؤمن، فيعصمه الله من الوهن

قال الله تعالى:

﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾

آل عمران: ١٤٦

﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ . وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾

البقرة: ٢٤٩-٢٥٠

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ  . وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا  إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾

الأنفال: ٤٥-٤٦

رابعًا – اجتناب الحزن والخوف

لم يأت الحزن في القرآن إلا منهيًّا عنه أو منفيًّا، والإيمان بالقدر فيه راحة النفس والقلب، وعدم الحزن على ما فات، وعدم الغمِّ والهمِّ لما يستقبل

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

آل عمران: ١٣٩

﴿ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾

آل عمران: ١٥٣

والذي لا يؤمن بالقدر لا شكَّ أنه سوف يتضجر عند المصائب ويندم، ويفتح الشيطان له كلَّ باب، وأنه سوف يفرح ويبطر ويغتر إذا أصابته السراء، لكن الإيمان بالقدر يمنع هذا كله

قال الله تعالى:

﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ . لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ  ﴾

الحديد: ٢٢-٢٣

أن طريق المؤمنين في اجتناب الحزن أن يحتسبوا تضحياتهم، ويثقوا أنها محفوظة لهم عند ربهم، ومن قتل منهم فلن يضيع عمله، وعليهم ألا يحسبوا أنَّ القتلى في سبيل الله أمواتًا، بل هم أحياء عند ربهم يرزقون، وأن يوقنوا أن ما عند الله خير لهم وأبقى.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

آل عمران: ١٦٩-١٧١

خامسًا – التوكل على الله

قال الله تعالى:

﴿ إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ. وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

آل عمران: ١٢٢-١٢٣

تبين الآيات أنَّ التوكل على الله، يحول بين المؤمنين وأن يقعوا في الوهن، فولاية هاتين الطائفتين لله وتوكلهما عليه، جَنَّبْتُهُمَا الفشل، وهو الجبن والخور والرعب.

وتحقيق التوكُّلِ لا ينافي السعي في الأسباب التي قدر الله سبحانه المقدورات بها، وجرت سنته في خلقه بذلك، فإنَّ الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلب عليه إيمان به .

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ﴾

النساء: ٧١

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾

الأنفال: ٦٠

سادسًا – الجهاد بالنفس والمال

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

الصف: 10 – 11

في القرآن الكريم غالبًا ما يقترن الجهاد بالنفس مع المال، فالجهاد في سبيل الله له شأن عظيم، فهو بالمال أفضل في بعض الوجوه، وبالنفس أفضل في بعض الوجوه؛ فالنفس أغلى شيء عند الإنسان، فالجهاد بالنفس هذا أفضل الجهاد؛ لأنه مجاهد بنفسه، لكن قدم الله المال؛ لأن المال ينفع في جهات كثيرة، يستطاع أن يشترى به السلاح، ويشترى به الطعام والشراب، وتشترى به الكسوة، وتشترى به المئونة والذخيرة، فنفع المال متنوع .

سابعًا- طاعة الله

قال الله تعالى:

﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾

الأنفال: ٤٦

فجعل طاعة الله من العلاجات التي تقي المؤمنين من الانزلاق إلى الوهن، والتنازع، والفشل. وهي عاصم الأمة من التفرق، وطريقها إلى الوحدة القائمة على هوية دينها .

 

Share This