1- مفهوم النسيان

النسيان هو عدم تذكر الأمر المعلوم من حافظة الإنسان لضعف الذهن أو الغفلة .

قال الله تعالى:

(وَلَا تـَنْسَوُ ا الْفَضْل بـَيـْنَكُم )

البقرة ٢٣٧

ولا تنسوا – أيها الناس- الفضل والإحسان بينكم، وهو إعطاء ما ليس بواجب عليكم، والتسامح في الحقوق.

2- كلمة النسيان

     في

 القرآن الكريم

وردت كلمة (نسي) وصيغها في القرآن الكريم (٤٥) مرة . والصيغ التي وردت، هي:

– الفعل الماضي

ورد ٣١ مرة

قال الله تعالى:

﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ﴾

المجادلة:١٩

– الفعل المضارع

ورد  ١١مرة

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾

البقرة:٢٣٧

– اسم المفعول

ورد  مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ﴾

مريم:٢٣

– الصفة المشتبهة

وردت  مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ﴾

مريم:٦٤

– الأسماء

وردت  مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا

مريم:٢٣

وجاء النسيان في الاستعمال القرآني على وجهين:

1- الترك

قال الله تعالى:

 ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا )

طه :١١٥

أي: ترك أمر الله

2- الذي لا يحفظ فذهب من ذكره

قال الله تعالى:

( سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَىٰ )

الأعلى:٦

أي: تحفظ فلا تنساه أبدًا.

وحاصل ما تقدم: أن لفظ (نسي) في القرآن الكريم ورد على معنيين رئيسين: الأول: معنى الترك لما أمر العبد بفعله، وهذا عادة ما يكون عن تقصير وتضييع وترك. والثاني: المعنى المقابل للذكر، وهذا عادة ما يكون خارجاً عن إرادة المكلف، ومرده إلى ضعف في ذاكرة المكلف العقلية، أو ضعف في بنيته الجسمية.

3- النسيان ليس كله نقمة

    و ليس كله نعمة

النسيان ليس نقمة كله بل فيه تفصيل، نقمة إذا نسي ما ينفعه في الدنيا والآخرة، إذا نسي واجباته تجاه خالقه، إذا نسي ما يقربه لمرضاة المنعم عليه والمتفضل عليه بحياته ووجوده سبحانه، إذا نسي وضيع ما يقوم به أمر دينه ودنياه.

ويكون نعمة إذا نسي همومه وأحزانه ومصائبه وفقده لأحبابه وماله و كل نفيس عنده ، ولو ظل ذاكرا لذلك لما هنأ بطعام ولا شراب ولقضى عمره حسرة ونعمة النسيان هي التي تتيح لكثيرين ممن أوقفهم المرض على شفا الموت، ومن أوقفهم سوء الحظ على شفا الإفلاس، وكثيرين ممن أوقفتهم الحاجة على أبواب السجون؛ نعمة النسيان هذه هي التي تُسعد هؤلاء جميعًا وتجعلهم يغتبطون بالحياة وينعمون بما فيها من خير وبر كة .

 

4- أنواع النسيان

       في

 القرآن الكريم

النسيان في القرآن على وجهين:

أولا- نسيان تعمد

أ- تعريفه

نسيان التعمد هوكل نسيان من الإنسان لا عذر فيه ؛ وقد ذمه اﷲ تعالى وتوعد صاحبه بالجزاء .

قال الله تعالى :

 ( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ )

المائدة :١٣

فبسبب نقض هؤلاء اليهود لعهودهم المؤكَّدة طردناهم من رحمتنا، وجعلنا قلوبهم غليظة لا تلين للإيمان، يبدلون كلام الله الذي أنزله على موسى، وهو التوراة، وتركوا نصيبًا مما ذُكِّروا به، فلم يعملوا به.

قال الله تعالى :

( إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ  )

ص:٢٦

إن الذين يَضِلُّون عن سبيل الله لهم عذاب أليم في النار؛ بغفلتهم عن يوم الجزاء والحساب.

ب – أقسام النسيان المتعمد

ومن النسيان المتعمد و المؤاخذ عليه ، الأتي

1- نسيان الله تعالى

نسيان المخلوق لخالقه من أقبح صور النسيان وأشنعها، حيث إنه يعد نسيانًا للمنعم وجحدًا للنعمة وتنكرًا من العبد لربه ومولاه الذي خلقه في أحسن تقويم، فالذي ينسى الله يهيم في هذه الحياة بلا رابطة تشده إلى أفق أعلى، وبلا هدف يردعه عن السائمة التي ترعى، وفي هذا نسيان لإنسانيته.

قال الله تعالى:

 ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

)

التوبة:٦٧

إنهم تركوا أمره حتى صار كالمنسي فصيرهم بمنزلة المنسي من ثوابه،

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ﴾

الحشر: ١٩

ولا تكونوا- أيها المؤمنون- كالذين تركوا أداء حق الله الذي أوجبه عليهم، فأنساهم بسبب ذلك حظوظ أنفسهم من الخيرات التي تنجيهم من عذاب يوم القيامة

2- نسيان آيات الله

فآيات الله تعالى ظاهرة للأعين البصيرة، ، لا تزيد صاحب الفطرة السليمة والعقل المجرد إلا يقينًا بالله تبارك وتعالى، واذعانًا لأوامره جل جلاله.

وجاء في القرآن العظيم آيات كثيرة منها الكونية، ومنها التشريعية، فمن القبح نسيان آيات الله سبحانه وتعالى، وقد ذكر الله تعالى هذا النوع من النسيان في كتابه العزيز .

قال الله تعالى:

( قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا . قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ ﴾

طه:١٢٦

أي: أتتك آياتنا واضحة مستنيرة فلم تنظر إليها بعين المعتبر ولم تتبصر، وتركتها وعميت عنها، فكذلك اليوم نتركك على عماك ولا نزيل غطاءه عن عينيك .

3- نسيان ذكر الله

نسيان ذكر الله يؤدي إلى فتح أبواب الشر على مصراعيها على الإنسان الذي نسي، حيث تلتبس عليه مفاهيم الحق والباطل ليجد نفسه متلبسًا بالمنكر، وعندما يواجه لحظة الحسم بنزول عذاب الله عليه في الدنيا أو عندما يسلم الروح إلى بارئها يقف عاجزًا عن تبرير نسيانه.

قال الله تعالى:

 ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾

الأنعام:٤٤

فلما تركوا العمل بأوامر الله تعالى معرضين عنها، فتحنا عليهم أبواب كل شيء من الرزق فأبدلناهم بالبأساء رخاءً في العيش، وبالضراء صحة في الأجسام؛ استدراجا منا لهم، حتى إذا بطروا، وأعجبوا بما أعطيناهم من الخير والنعمة أخذناهم بالعذاب فجأة، فإذا هم آيسون منقطعون من كل خير.

قال الله تعالى:

﴿ قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَٰكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا ﴾

الفرقان:١٨

قال المعبودون من دون الله: تنزيهًا لك- يا ربنا- عَمَّا فعل هؤلاء، فما يصحُّ أن نَتَّخِذ سواك أولياء نواليهم، ولكن متعتَ هؤلاء المشركين وآباءهم بالمال والعافية في الدنيا، حتى نسوا ذكرك فأشركوا بك، وكانوا قومًا هلكى غلب عليهم الشقاء والخِذْلان.

قال الله تعالى:

 ( اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾

المجادلة:١٩

أن السبب الرئيس وراء نسيان ذكر الله تعالى هو الانهماك في المعاصي، واتباع خطوات الشيطان، مما يهيئ الأجواء للشيطان لأن يستحوذ على العصاة، ويستخدمهم لتنفيذ غواياته ويشغلهم بمعصية الله وإيذاء عباده من ذكره سبحانه.

قال الله تعالى:

( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ )

آل عمران:١٣٥

إن الإنابة إلى الله تعالى بذكره واستغفاره كفيلة بأن تمحو عن المؤمن كل سيئة.

4- نسيان لقاء الله

نسيان لقاء الخالق جل جلاله نوع من النسيان

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾

الأعراف:٥١

الذين حَرَمهم الله تعالى من نعيم الآخرة هم الذين جعلوا الدين الذي أمرهم الله باتباعه باطلا ولهوًا، وخدعتهم الحياة الدنيا وشغلوا بزخارفها عن العمل للآخرة، فيوم القيامة ينساهم الله تعالى ويتركهم في العذاب الموجع، كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا، ولكونهم بأدلة الله وبراهينه ينكرون مع علمهم بأنها حق.

قال الله تعالى:

 ( فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )

السجدة:١٤

يقال لهؤلاء المشركين -عند دخولهم النار-: فذوقوا العذاب؛ بسبب غفلتكم عن الآخرة وانغماسكم في لذائذ الدنيا، إنا تركناكم اليوم في العذاب، وذوقوا عذاب جهنم الذي لا ينقطع؛ بما كنتم تعملون في الدنيا من الكفر بالله ومعاصيه.

5- نسيان النفس

نسيان المرء لنفسه، يجعله يضيع نفسه في عاجلها وآجلها، يضيع الدنيا فتلفه المشكلات من كل صوب، ويضيع الآخرة بخسران النجاة والفوز بالجنة، وعلى مقدار النسيان والتضييع لأمر الله تعالى سيكون التضييع للنفس والدنيا والآخرة.

قال الله تعالى:

( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾

الحشر:١٩

وأي عقوبة أعظم من عقوبة من أهمل نفسه وضيعها، ونسي مصالحها، وداءها ودواءها، وأسباب سعادتها وفلاحها وصلاحها وحياتها الأبدية في النعيم المقيم .

ج – دوافع النسيان المتعمد

و دوافع النسيان المتعمد ، الأتي

1- الشيطان

المنحرفين عن سنن الإسلام إما بفساد في العقيدة، أو انحراف في السلوك نجد تعليلًا لذلك، يتمثل في تسلط الشيطان عليهم، وسيطرته على نفوسهم، فأنساهم خالقهم وبذلك تم لهم الانغماس في ضلالهم

قال الله تعالى:

 ( اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾

المجادلة:١٩

2- الغرور

الغرور هو أن يسيء الإنسان فهم نفسه، بأن ينسى الأصل الذي منه نشأ، أو ينسى أن الأيام تدول، وأن النعم تزول، وأن النعمة قد تصير شقاء، والجاه قد يتحول إلى بلاء، وسوء الفهم الذي يوجد الغرور هو الذي ينسي الإنسان هذه الحقائق الثابتة من سنن الله في الحياة.

قال الله تعالى:

 ( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ . قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾

يس: ٧٩

فالغرور أنساه إحدى بديهيات الوجود حتى تورط فيما تورط فيه من كفران وجحود.

قال الله تعالى:

﴿  وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ﴾

الزمر:٨

فغرور الإنسان أنساه صاحب الحق، فضل السبيل إليه وأشرك، وعندما ينسى ما كان فيه من عسر وما صار إليه من يسر يؤدي غرور الإنعام بالإنسان إلى مهاوي الكفران.

3- التسلط

من دوافع النسيان شهوة التسلط عندما يشعلها إمعان الأتباع في الخضوع. فقد يجد المغرور من يستخزي لكبريائه، وينصاع لغلوائه، ويستذل لبغيه، فيغريه ذلك بمزيد من الطغيان، ويسمع كلمات الثناء وعبارات التمجيد من أفواه العبيد، فيتصور أنه كبير، وينسى أن فوقه الكبير المتعال.

قال الله تعالى:

 ( وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا ﴾

الفرقان:٢١

د – ما يترتب على النسيان المتعمد

من الآثار المترتبة على النسيان في الدنيا والآخرة ، الآتي

أولًا: ما يترتب على النسيان

المتعمد في الدنيا

1- المعيشة الشاقة

من الآثار المترتبة على النسيان في الدنيا المعاناة والضيق والضنك

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾

طه: 124

2- قساوة القلوب وموتها

يترتب على النسيان قسوة القلب، وهو وصف من أخطر الأوصاف؛ لأن القلب القاسي هو الميت الذي ليس فيه حياة، وهو الجامد الذي ليس فيه خير البتة .

قال الله تعالى:

﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾

المائدة:١٣

فبسبب أنهم نسوا ذكر الله تعالى فنقضوا عهده لهم وبدلوا كلام الله، وهذا من أعظم الخيانة، أصابهم الله تعالى بقسوة القلب وموته.

3- الوقوع في المعصية

ترتب على النسيان وعدم الصبر على العهد والمحافظة عليه والتمسك به الوقوع في المعصية.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾

طه: 115

ولقد وصينا آدم مِن قَبلِ أن يأكل من الشجرة، ألا يأكل منها، وقلنا له: إن إبليس عدو لك ولزوجك، فلا يخرجنكما من الجنة، فتشقى أنت وزوجك في الدنيا، فوسوس إليه الشيطان فأطاعه، ونسي آدم الوصية، ولم نجد له قوة في العزم يحفظ بها ما أُمر به.

قال الله تعالى:

( فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ  وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ﴾

طه:١٢١

4- ضياع النفس

يترتب على النسيان نسيان هؤلاء لأنفسهم، وهي عقوبة دنيوية يعاقب بها الله الذين ينسون أوامره وذكره .

قال الله تعالى:

( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ﴾

الحشر:١٩

ولا تكونوا- أيها المؤمنون- كالذين تركوا أداء حق الله الذي أوجبه عليهم، فأنساهم بسبب ذلك حظوظ أنفسهم من الخيرات التي تنجيهم من عذاب يوم القيامة .

ثانيًا: ما يترتب على النسيان

المتعمد في الآخرة

ذكر القرآن الكريم في بعض الآيات مصير من نسوا الله تعالى، ونسوا ذكر الله تعالى، وذكر الله تعالى عام شامل لكل أنواع العبادات، وذكر الله كتبه وعهوده التي أرسل بها رسله إلى الناس، وقد نجم عن ذلك النسيان والترك لذكر الله تعالى آثار خطيرة وعواقب وخيمة، تتمثل في الآتى

1- نسيان الله لهم في الآخرة

نسيان الله تعالى لهم، والله تعالى لا ينسى، ولكنه سبحانه تركهم في العذاب عن عمد، والتعبير عنه بالنسيان للمشاكلة .

قال الله تعالى:

 ( وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ . وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾

الجاثية:33 – 34

نسوا الله فلا يذكرونه، فنسيهم من رحمته، فلم يوفقهم إلى خير وذلك بتركهم وبقائهم في النار والعذاب الشديد

2- العذاب الأليم

فمن العذابات الأخروية التي يعاقب بها الله أهل النسيان شدة العذاب الأخروي، وذلك بتركهم وبقائهم في النار والعذاب الشديد

قال الله تعالى:

( إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾

ص:٢٦

إن الذين يَضِلُّون عن دين الله وشرعه لهم عذاب أليم في النار؛ بغفلتهم عن يوم الجزاء والحساب.

ثانيا- نسيان سهو

أ- تعريفه

نسيان السهو هو غيبة الشيء عن القلب بحيث يحتاج إلى تحصيل جديد.

قال الله تعالى :

( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ )

الكهف 24

– وسائل التغلب علي

نسيان السهو

وقد يجتهد الإنسان في تفريغ قلبه عن الشواغل، وعن مغريات الدنيا التي تؤثر عليه، ويكرر ما يريد تذكره، ولكنه لا يفلح، فعليه أن يتفقد نفسه بعدة امور:

1- البعد عن الذنوب والمعاصي

ليس في الكون شر وبلاء ومصيبة إلا والذنوب سببها فإذا عوفي من الذنوب عوفي من آثارها، فليس للعبد أنفع ولا أصلح لشأنه في هذه المسألة وغيرها مثل التوبة  والإنابة ﷲ، والإقلاع عما يغضبه، فالذنوب والمعاصي ظلمة وأكدار تدنس القلب  وتعيق العبد عن السير، فإن النسيان مصيبة من المصائب

قال الله تعالى :

﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾

الشورى 30

2- تقوى اﷲ وطاعته

تقوى اﷲ هي رأس كل فلاح وأس كل نجاح، وهي من أقوى أسباب سلامة الذهن من الآفات،  وسلامة الذاكرة هي تقوى اﷲ

قال الله تعالى :

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾

البقرة 282

وعد من اﷲ تعالى بأن من اتقاه علمه، أي يجعل في قلبه نورا يفهم به ما يلقى إليه .

3- ذكر اﷲ

قال الله تعالى :

﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا ﴾

الكهف 24

والشيطان حريص على أن ينسيك ذكر ربك، فليكن اللسان دائما رطبا بذكره سبحانه، فإن علامة استحواذ الشيطان على العبد نسيان ذكره لربه

قال الله تعالى :

﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ﴾

المجادلة 19

٤- الدعاء

فإذا اجتهد العبد بفعل الأمور السابقة فعليه بالدعاء وهو الحبل المدود بين السماء والأرض، لا يحول بينك وبينه أحد

قال الله تعالى :

﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾

غافر 60

ولذلك علي الإنسان أن يطلب مِن الله تعالى أن يمحوا ذنوبه، ويستر عيوبه

قال الله تعالى :

﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا  ﴾

البقرة 286

5 – الذين ذُكِرَ في

  حقهم النسيان 

أولا – النسيان في حق

الله تعالى

جاء النسيان في حق الله تعالى بالنفى ، وكذلك جاء بنسبته إلى الله تبارك وتعالى وذلك في القرآن الكريم .

أ – نفى النسيان

عن الله تعالى

نفى الله تبارك وتعالى عن نفسه صفة النسيان

قال الله تعالى:

( وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا )

مريم:٦٤

أي: وما كان ربك ناسيًا لشيء من الأشياء

قال الله تعالى:

( لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى )

طه: ٥٢

أي: لا يخطئ ربي ولا ينسى.

ونفي صفة النسيان عن نفسه جل جلاله يستلزم إثبات ضد الصفة المنفية التي تثبت كمال علمه، وسعة اطلاعه، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

قال الله تعالى:

( اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ )

البقرة:٢٥٥

فنفي السنة والنوم يتضمن كمال الحياة والقيام؛ فهو مبينٌ لكمال أنه الحي القيوم .

ب – نسبة النسيان

إلى الله تعالى

النسيان الحقيقي لا يصح إطلاقه على الله سبحانه ، فإطلاق النسيان على الله تعالى من باب المشاكلة المعروفة في علم البيان ،  ، فالجزاء يجب أن يكون من جنس العمل . فسمي جزاء سيئة المسيء بسيئة مثلها من غير زيادة

قال الله تعالى:

( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا )

الشورى:٤٠

وسمي جزاء النسيان نسيانًا

قال الله تعالى:

( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ  )

الحشر:١٩

وأما ما ورد في نسبة النسيان مضافًا إلى الله تعالى فهو من باب المقابلة، فسمي جزاء النسيان نسيانًا .

قال الله تعالى:

( الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَاۚ فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا )

الأعراف:٥١

أي: تترك في العذاب، كما تركت العمل بآياتنا فإن الجزاء من جنس العمل

قال الله تعالى:

( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ )

التوبة:٦٧

أي: تركوا ما أمرهم به، فتركهم في العذاب

قال الله تعالى:

( أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ )

طه : ١٢٦

مثل نسيانك آياتنا ( اليوم تنسى ) تترك في النار.

قال الله تعالى:

( فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )

السجدة:١٤

( وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ )

الجاثية:٣٤

أي: نتركهم في العذاب محرومين من كل خيرٍ

ينبغي تنزيه الله تعالى عن النسيان بمعنى الغفلة والذهول. فالنسيان بهذا المعنى صفة نقص، والله تعالى منزه عن النقص، موصوف بصفات الكمال، فلا يجوز وصف الله تعالى بالنسيان بهذا المعنى على كل حال.

قال الله تعالى:

( وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا )

مريم:٦٤

ثانيًا: نسبة النسيان إلى

الأنبياء عليهم السلام

الأنبياء معصومون فيما يبلغونه عن الله تعالى، وهذا لا ينافي نسيانهم في بعض الأمور الدنيوية أو الأمور التي فيها حكمة التشريع. وذكر القرآن الكريم مواقف نسيان لبعض الأنبياء، وهذا يدلل على بشريتهم، منهم

1- نسيان آدم عليه السلام

قال الله تعالى:

( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا )

طه:١١٥

ولقد وصينا آدم مِن قَبلِ أن يأكل من الشجرة، ألا يأكل منها، وقلنا له: إن إبليس عدو لك ولزوجك، فلا يخرجنكما من الجنة، فتشقى أنت وزوجك في الدنيا، فوسوس إليه الشيطان فأطاعه، ونسي آدم الوصية، ولم نجد له قوة في العزم يحفظ بها ما أُمر به.

2- نسيان يوسف عليه السلام

عن نبي الله يوسف

قال الله تعالى:

( وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ )

يوسف:٤٢

وقال يوسف للذي علم أنه ناجٍ من صاحبيه: اذكرني عند سيِّدك الملك وأخبره بأني مظلوم محبوس بلا ذنب، فأنسى الشيطان ذلك الرجل أن يذكر للملك حال يوسف، فمكث يوسف بعد ذلك في السجن عدة سنوات. ، وكان ذلك عقابا إلهيًّا ليوسف على استعانته بغير الله سبحانه في تفريج كربه

3- نسيان موسى عليه السلام

عن حكاية موسى عليه السلام مع العبد الصالح

قال الله تعالى:

( قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا . قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ﴾

الكهف:٧٢-٧٣

قال له الخَضِر: لقد قلت لك من أول الأمر: إنك لن تستطيع الصبر على صحبتي. قال موسى معتذرًا: لا تؤاخذني بنسياني شرطك عليَّ، ولا تكلفني مشقةً في تعلُّمي منك، وعاملني بيسر ورفق.

4- نسيان النبي محمد صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى:

( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ  وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )

الأنعام:٦٨

وإذا رأيت – أيها الرسول- المشركين الذين يتكلمون في آيات القرآن بالباطل والاستهزاء، فابتعد عنهم حتى يأخذوا في حديث آخر، وإن أنساك الشيطان هذا الأمر فلا تقعد بعد تذكرك مع القوم المعتدين، الذين تكلموا في آيات الله بالباطل.

والآية صريحة بجواز النسيان علي النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى غيره من الأنبياء. وفي القرآن آيات عديدة أخرى تؤيد ذلك.

قال الله تعالى:

( وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا . إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا )

الكهف:٢٣-٢٤

ذكر الله تعالى أن النسيان أمرًا طبيعيًّا بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لذا أمره أن يذكر ربه إذا نسي، وهو منبثق من طبيعة الأنبياء البشرية.

ثالثًا: نسبة النسيان إلى

أهل الكتاب

أهـل الكتـاب هـم اليهـود والنصـارى وقــد استفاضـت الآيـات التـي تـذكر صـفاتهم وأخلاقهــم وما حل بهم في كتاب اﷲ .

– عن اليهـود

قال الله تعالى:

﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ  وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾

المائدة 13

فبسبب نقض هؤلاء اليهود لعهودهم المؤكَّدة طردناهم من رحمتنا، وجعلنا قلوبهم غليظة لا تلين للإيمان، يبدلون كلام الله الذي أنزله على موسى، وهو التوراة، وتركوا نصيبًا مما ذُكِّروا به، فلم يعملوا به.

– عن النصـارى

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾

المائدة 14

وأخذنا على الذين ادَّعوا أنهم أتباع المسيح عيسى – وليسوا كذلك- العهد المؤكد الذي أخذناه على بني إسرائيل: بأن يُتابعوا رسولهم وينصروه ويؤازروه، فبدَّلوا دينهم، وتركوا نصيبًا مما ذكروا به، فلم يعملوا به، كما صنع اليهود، فألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون يوم الحساب، وسيعاقبهم على صنيعهم.

رابعا : نسبة النسيان إلى

الإنسان عموما

النسيان من طبيعة الإنسان

قال الله تعالى:

( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ )

الكهف:٢٣-٢٤

الأمر بذكر الله عند النسيان، فإنه يزيله، ويذكر العبد ما سها عنه .

وقد ورد النسيان منسوبًا إلى الإنسان في القرآن بصور متعددة منها:

– طلب المؤمنين عدم المؤاخذة عند النسيان

قال الله تعالى:

( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا )

البقرة:٢٨٦

وكذلك يؤمر الساهي الناسي لذكر الله، أن يذكر ربه، ولا يكونن من الغافلين

– عن اعتذار فتى موسى عليه السلام

قال الله تعالى:

( قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا )

الكهف:٦٣

قال له خادمه: أتذكر حين لجأنا إلى الصخرة التي استرحنا عندها؟ فإني نسيت أن أخبرك ما كان من الحوت، وما أنساني أن أذكر ذلك لك إلا الشيطان، فإن الحوت الميت دبَّتْ فيه الحياة، وقفز في البحر، واتخذ له فيه طريقًا، وكان أمره مما يُعْجَبُ منه.

– ترك الإحسان المطلوب

قال الله تعالى :

( وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )

البقرة:٢٣٧

ولا تنسوا – أيها الناس- الإحسان بينكم، وهو إعطاء ما ليس بواجب عليكم، والتسامح في الحقوق. إن الله بما تعملون بصير، يُرغِّبكم في المعروف، ويحثُّكم على الفضل.

– نسيان فضل الله

قال الله تعالى :

( وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ )

الزمر 8

وإذا أصاب الإنسانَ بلاءٌ وشدة ومرض تَذكَّر ربه، فاستغاث به ودعاه، ثم إذا أجابه وكشف عنه ضرَّه، ومنحه نِعَمه، نسي دعاءه لربه عند حاجته إليه .

Share This