1- مفهوم النبات

كل ما أنبت الله في الأرض فهو نبات .

قال الله تعالى:

﴿ لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا ﴾

النبأ: ١٥

2- كلمة النبات

     في

  القرآن الكريم

وردت كلمة (نبت) وصيغها في القرآن الكريم (٢٦) مرة. والصيغ التي وردت، هي:

– فعل ماضي

ورد ١٢ مرة

قال الله تعالى:

﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا ﴾

آل عمران:٣٧

– فعل مضارع

ورد ٥ مرات

قال الله تعالى:

﴿ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ ﴾

المؤمنون:٢٠

– اسم مصدر

ورد ٩ مرات

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّىٰ ﴾

طه:٥٣

وجاء النبات في القرآن على أربعة أوجه:

1- النبات بعينه

قال الله تعالى:

( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ ﴾

يونس: ٢٤

2- الإخراج

قال الله تعالى:

( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ ﴾

البقرة: ٢٦١

أي: أخرجت.

3- الخلق

قال الله تعالى:

﴿ وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ﴾

نوح: ١٧

أي : خلقكم خلقًا.

4- التربية

-عن مريم عليها السلام

قال الله تعالى:

﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا ﴾

آل عمران: ٣٧

أي : لا تصيب الذنوب.

3- كلمات ذات الصلة

   بكلمة النبات

– الزرع

الزرع يعني الإنبات ، وحقيقة ذلك تكون بالأمور الإلهية دون البشرية

قال الله تعالى:

﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ. أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ﴾

الواقعة: ٦3- 64

فنسب الحرث إليهم، ونفى عنهم الزرع، ونسبه إلى نفسه ، وإذا نسب إلى العبد فلكونه فاعلا للأسباب التي هي سبب الزرع .

– الحرث

الحرث هو ما يقوم به الزارع من عملٍ في الأرض لإنبات النبات والحبوب والأشجار ، كإلقاء البذر في الأرض،، وشقها، وأثارها، وأعدادها للزراعة .

قال الله تعالى:

﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ ﴾

الواقعة :  63

– الشجر

الشجر هو ما كان على ساق من نبات الأرض، و لا يخلو من ارتفاعٍ وتداخل أغصان .

قال الله تعالى:

﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ﴾

الفتح: 18

4 – الهدف من الحديث عن

    النبات في القرآن الكريم

المتأمل في كتاب ربه يجد أن حديث القرآن عن النبات جاء في سياق أمرين

أ – للدلالة على عظمة الخالق

ب – لبيان فضل الله وكرمه على عباده

وفي كلا الأمرين مصلحة كبرى للعباد؛ إذ بهما يتوصلون إلى الإيمان العميق بعظمة ربهم، واستشعار عظيم نعمه عليهم، فيزيدهم ذلك قربًا إلى الله تعالى ، ومزيدًا من شكره على فضله ونعمه.

5 – النبات ومظاهر القدرة الإلهية

إن من عظيم آيات الله عز وجل في خلقه ذلك النبات العظيم الأصناف، الجميل البهيج ؛ يخرجه الله عز وجل من الأرض الميتة بعد إنزال الماء عليها؛ فتصبح الأرض به مخضرة، ذات حسن وجمال، هذا النبات الذي جعل الله عز وجل فيه طعامًا للإنسان والحيوان، فيه الغذاء والدواء، وسبحان من جعله ألوانًا لا تعد، وأصنافًا لا تحصى، وسبحان من جعل فيه آيات لمن اعتبر، وذكرى لمن كان له بصر.

وفي السطور الآتية بعض الوقفات مع النبات، وما فيه من دلالات القدرة، وبراهين العظمة، وعظيم الصنعة، التي تدل على عظيم الخالق المبدع المصور.

أولًا – الماء والإنبات

إن من عظيم آيات الله عز وجل فيما خلق من النبات أنه سبحانه ينبت ذلك النبات من أرضٍ هامدةٍ ميتةٍ، لا حياة فيها، ينزل عليها الماء من السماء؛ فتهتز وتربوا، ويخرج سبحانه منها أصناف النبات وأنواع الأشجار،

قال الله تعالى:

﴿ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾

الحج: ٥

فإنبات النبات آية من آيات الله العديدة، الدالة على وجوده وقدرته، الشاهدة على علمه وحكمته، والموجبة للإيمان به وتوحيده وعبادته .

قال الله تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾

الأنعام: 99

إن الله تعالى وحده من خلق السماوات والأرض، وهو سبحانه وحده من ينزل الغيث للعباد، وينبت النبات والشجر.

قال الله تعالى:

﴿ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾

النمل: ٦٠

لا ينزل الغيث إلا الله، ولا يحيي الأرض سواه، ولو أنه سبحانه أمسك المطر عن العباد فمن ينزله؟

قال الله تعالى:

﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ . أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ . لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ﴾

الواقعة: ٦8-٧٠

وفي ذات السياق يقول الله تعالى لافتًا أنظار العباد إلى عظيم صنعه وبديع خلقه فالماء ينزله الله من السماء، فإذا به ينابيع وعيون وأنهار تسير هنا وهناك، وتسيل في مسالكها متنقلة من مكان إلى مكان، ثم إذا بهذا الماء تحيى به الأرض بعد همودها .

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ﴾

الزمر: ٢١

إن النبات تبدأ حياته في الغالب بذرة أو نواة؛ توضع في الأرض، وتسقى بالماء؛ فتنفلق وتنبت، فمن الذي يفلقها ويشقها؟ ومن الذي يخرجها وينبتها؟ ومن الذي يرعاها ويحفظها؟

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ  ذَٰلِكُمُ اللَّهُ  فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ ﴾

الأنعام: ٩٥

لم ينبت الخالق الحكيم للخلائق صنفًا واحدًا من النبات، ولم يجعل الخارج من الأرض منه على صورة واحدة، ولا على لون أو طعم واحد؛ بل جعل سبحانه النبات أصنافًا، وجعل البساتين والجنات، وأنواع الزروع والأشجار والثمار.

قال الله تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ  كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾

الأنعام : ١٤١

فما أعظم الخالق الحكيم، فمن يخلق كخلقه؟! ومن يقدر على فعله؟! ومن له ملك كملكه؟!

قال الله تعالى:

﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ  .هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

لقمان : ١٠-١١

ثانيًا – سقي النبات والزرع بماء واحد

إنه من عجيب قدرة الله عز وجل في النبات والأشجار وما يخرج منها من الثمار أن الله تعالى يخرج من الأرض الواحدة، والتربة الواحدة، والتي تسقى بماء واحد، يخرج منها سبحانه أصناف الزروع والثمار، وألوان الفاكهة والطعام، فلينظر الإنسان وليتأمل فيما يخرج من قطع الأرض المتجاورة، ليرى زروعًا مختلفةً، وزهورًا يانعةً، وفاكهةً كثيرةً متنوعةً، وثمارًا عديدة، ولكل صنف منها طعمٌ مختلفٌ، ولونٌ متباينٌ، وحجمٌ متفاوتٌ، ولكل صنف منها خصائصه ومنافعه وفوائده، فسبحان من أبدعها، وسبحان من يرعاها، وسبحان من نوعها.

قال الله تعالى:

﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾

الرعد: ٤

ثالثًا – النبات من مظاهر النعيم

إن من عجيب آيات الله عز وجل في خلق النبات أنه تعالى جعل في ذلك النبات ما لا يعد ولا يحصى من الفوائد والمنافع؛ فما أكثر منافعه، وما أعظم فوائده؛ فقد جعل الله عز وجل فيه حياة للإنسان والحيوان، وبه تستقيم الحياة على وجه الأرض، وفيه الغذاء لجميع الحيوانات والأنعام والإنسان.

والنبات ضروري جدًا للتوازن الحراري على الأرض؛ إذ النبات يحفظ للأرض حرارتها المعتدلة، ويمنع الزيادة الضارة لحرارة الأرض، كما أنه يقوم بتنقية الجو من غاز ثاني أكسيد الكربون، وإخراج الأكسجين، من خلال ما يعرف بعملية البناء الضوئي.

ويستفيد الإنسان من أخشاب النبات وأوراقه في بناء البيوت والمساكن، وصنع الأثاث ، كما أن النبات مصدر رئيسي من مصادر الطاقة للإنسان.

وللنبات فوائد نفسية للإنسان؛ فمنظره البهيج، وصورته الجميلة تبعث في النفس الطمأنينة والسرور، وأزهاره وثماره بأشكالها وألوانه الجذابة، وروائحها العطرة الفواحة تشرح الصدر، وتريح النفس، وتملأ القلب راحةً وسعادةً، وكل هذا معروف ومجرب لا يحتاج إلى دليل أو برهان.

وكثيرًا ما يذكر الله عز وجل عباده بما جعل لهم من منافع ونعم لا تحصى فيما خلقه سبحانه من نبات وزرع وجنات؛ فهو سبحانه الذي ساق الماء، وأنزله على الأرض الميتة، وأخرج به سبحانه طعامًا ورزقًا يأكل منه العباد، وتتغذى عليه الخلائق.

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّىٰ . كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَىٰ ﴾

طه: ٥٣-٥٤

إن ذلك لمن عظيم آيات الله عز وجل وبديع صنعه، وإن ذلك لمن عظيم نعمه سبحانه على خلقه، تستوجب على العباد الشكر للمنعم، وإخلاص الطاعة للمتفضل،

قال الله تعالى:

﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ . وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ . لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ﴾

يس: ٣٣-٣٥

وقد ذكر الله سبحانه العباد بأنه هو من يخرج الزرع من الأرض الميتة، فتكون المراعي الخضراء والكلأ تتغذى الدواب والبهائم، ويرعى العباد أنعامهم، ويتنعمون بما لذ وطاب من أصناف الفاكهة والثمار.

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ. يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

النحل: ١٠-١١

لقد دعا الله عز وجل عباده للتفكر فيما أخرج لهم من الزروع والثمار، وفيما رزقهم ربهم من أصناف الطعام وألوان الغذاء؛ ليعلموا عظمة الخالق المنعم الرزاق .

قال الله تعالى:

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ . أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا . ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا . فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا . وَعِنَبًا وَقَضْبًا . وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا . وَحَدَائِقَ غُلْبًا . وَفَاكِهَةً وَأَبًّا . مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾

عبس: ٢٤-٣٢

وعلى العباد أن يعلموا أن من أنعم عليهم بكل تلك النعم، وتفضل عليهم بأنواع الفضائل والنعم، قادر سبحانه على منعها عنهم، وحرمانهم منها؛

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ. فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾

المؤمنون : ١٨-19

إنه يجب على العباد أن يقابلوا نعمة الله عز وجل عليهم بإنبات النبات والشجر والثمر بالشكر الجميل، وبالثناء الحسن لمن أنعم عليهم وتفضل؛ فما أعظم نعم الخالق على خلقه .

رابعًا – النبات والسجود

النبات خلق من خلق الله عز وجل، وكل الخلائق تسجد لخالقها وتسبح بحمده، ولا يستنكف مخلوق من مخلوقات الله عز وجل عن الانقياد لأمره، والخضوع لسلطانه؛ فالكل يخر لعظمة الجبار سبحانه، والكل طوع أمره. ولقد أخبر الله عز وجل عن سجود المخلوقات جميعًا له سبحانه .

قال الله تعالى:

﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾

النحل: ٤٨-٤٩

ولكل مخلوقٍ سجودٌ جعله الله عز وجل خاصًا به، كما أنه سبحانه جعل لكل مخلوقٍ من مخلوقاته تسبيحًا خاصًا، وصلاةً خاصةً.

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾

النور: ٤١

والناس لا يعلمون حقيقة سجود الخلائق وتسبيحها لله عز وجل، ولا يفقهون كيفيته.

قال الله تعالى:

﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾

الإسراء: ٤٤

وإذا كانت الخلائق كلها تسجد لله عز وجل فإن النبات من جملة ما خلق الله سبحانه، وهي تسجد ككل المخلوقات لله سبحانه، تسجد سجودًا جعله الله عز وجل لها، لا نعلمه، ولا نفقهه، وقد صرح الله عز وجل بسجود الشجر مع سجود غيرها من المخلوقات؛ كالشمس والقمر، والنجوم، والجبال، وغيرها من مخلوقات .

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ  ﴾

الحج: ١٨

وقد ورد أيضًا الإخبار الصريح عن سجود النبات لله عز وجل

قال الله تعالى:

﴿ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ﴾

الرحمن: ٦

ولا شك أن سجود النبات هو سجود يتضمن معنى التسليم و الخضوع لله المتعال، ويتضمن سجودًا حقيقيًا لله عز وجل لا نعرفه نحن البشر، ولا نفقهه؛ ولكننا نؤمن به، ونصدق خبر ربنا تعالى عنه.

6 – النبات ومظاهر النعمة على البشر

إن نعم الله عز وجل على عباده لا تعد ولا تحصى؛ فلقد أسبغ الله سبحانه على عباده نعمه الظاهرة والباطنة، وكلما تأمل العبد وتفكر في نعم المولى سبحانه زاد معرفة بعظمة تلك النعم، وزاد إيمانه .

قال الله تعالى:

﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾

إبراهيم: ٣٤

وأنى للعباد أن يحصوا تلك النعم، وفي كل قطرة ماء يشربونها نعمة، وفي كل نسمة هواء يستنشقونها نعمة، وفي أنفسهم وما حولهم من الكون نعمٌ ظاهرة وباطنة.

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ﴾

لقمان: ٢٠

ولا شك أن النبات الذي يخرجه الله تعالى من الأرض الميتة، ويجعله رزقًا للعباد من النعم العظمى، والعطايا الكبرى من المولى تعالى .

قال الله تعالى:

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ﴾

إبراهيم: ٣٢

أولًا – النبات مصدر أساسي

لغذاء الإنسان

إن الله قد جعل النبات هو الأساس في غذاء الإنسان ؛ ومعظم ما يتغذى عليه البشر إنما هو من النباتات التي ينبتها الله سبحانه لعباده؛ فالحبوب بشتى أنواعها، والبقول بشتى أصنافها، والخضار بجميع أشكاله وألوانه، والفواكه كلها، كل ذلك من النبات، ومعلوم أن تلك الأغذية هي أساس طعام الإنسان، وعليها يعتمد في غذائه.

قال الله تعالى:

﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ . وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ . لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ  أَفَلَا يَشْكُرُونَ ﴾

يس: ٣٣-٣٥

القرآن الكريم لم يقتصر على ذكر الفاكهة والثمار على وجه العموم والإجمال؛ بل ذكر أصنافًا وأنواعًا خاصة منها؛ فذكر الزيتون، والرمان، والنخيل، والعنب، والتين.

قال الله تعالى:

﴿ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

النحل: 11

ومن رحمة الله عز وجل وفضله على عباده أن جعل النباتات مختلفة متنوعة؛ منها الخضار، ومنها الحبوب، ومنها الفاكهة والثمار، منها ما يؤكل مباشرة دون طهي، ومنها ما يحتاج لطهي، منا الحلو، ومنها المالح والحامض، منها الرطب اللين، ومنها الجاف واليابس .

قال الله تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾

الأنعام: ٩٩

وقد أباح الله عز وجل لعباده أن يأكلوا مما أخرج لهم من الأرض من أصناف الفاكهة والحبوب والثمار؛ بل إنه سبحانه أمرهم بذلك أمر إباحة وتحليل.

قال الله تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ  كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ  وَلَا تُسْرِفُوا  إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ  ﴾

الأنعام: ١٤١

وهذا أمرٌ من الله عز وجل لعباده بأن يأكلوا من رزقه، وبأن يشكروا نعمه التي أنعم عليهم .

قال الله تعالى:

﴿ فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾

النحل: ١١٤

وكما أن النبات غذاء للإنسان فهو أيضًا غذاء للحيوانات والطيور؛ فالحيوان يأكل النبات ويتغذى عليه، وكذلك أمم من الطيور لا يحصيها إلا خالقها لا تتغذى إلا على النبات .

قال الله تعالى:

﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ ﴾

السجدة: ٢٧

ولا شك بأن تغذي الحيوانات والأنعام على النبات يعود بالنفع على الإنسان؛ إذ إن الإنسان يتغذى على تلك الأنعام، وينتفع من لبنها، وأصوافها، وجلودها، ولذا فقد امتن الله سبحانه على عباده بأن جعل لهم من النبات ما يسيمون أنعامهم فيه، ويرعون.

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ﴾

النحل: ١٠

وفضلًا على أن النبات مصدر غذاء الإنسان فهو أيضًا مصدر للصحة والدواء والعلاج؛ فكم من دواء جعله الله عز وجل في أصناف النبات، وكم من علاج وشفاء وضعه الله عز وجل في النبات، ويكفي الإشارة هنا إلى أن العسل الذي ينتجه النحل إنما أصله من النبات والثمار؛ حيث إن النحل يتغذى على النبات فقط،

قال الله تعالى:

﴿ وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ . ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

النحل: ٦٨-٦٩

ثانيًا –  النبات من مصادر

الإبهاج والإسعاد

إن مظاهر النعم التي أودعها الله عز وجل في النبات لا تقتصر على كون النبات مصدر أساسي لرزق الإنسان وغذائه ودوائه؛ فهناك وجوه أخرى للنعيم جعلها الخالق المصور سبحانه في النباتات؛ فمن ذلك مظهرها الجميل، وشكلها البهيج، وصورتها البديعة، تنشرح لرؤيتها الصدور، وتدخل على النفس السرور؛ تتمتع بها الأعين، وتسر بها النفوس، وتسعد بها القلوب، تعجب المتأملين، وتسر الناظرين، فيها الخضرة المبهجة، وفيها الأزهار الزاهية، وفيها الثمار اليانعة، ومنها الرياحين الفواحة، والورود الزاهية، ومنها جنات معروشات وغير معروشات، وحدائق ذات بهجة وسرور، وكل هذا من مظاهر النعيم في النبات، فسبحان من خلقها، وتبارك من زينها وصورها.

قال الله تعالى:

﴿ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ  بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾

النمل: ٦٠

﴿ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾

الحج: ٥

﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ . تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ﴾

ق: ٧-٨

ويلفت الخالق سبحانه أنظار عباده إلى ما ينبت لهم من نبات بهيج؛ ليتفكروا في آيات ربهم، وليعلموا عظيم نعمه، وجزيل فضله سبحانه عليهم.

ثالثًا – النبات من مصادر

الرزقً للعباد

ومما لا ينبغي أن يغفل عنه أن النفع المادي للنبات لا يقتصر على كون النبات مصدر للطعام والغذاء والدواء فقط؛ بل يجب أن ينظر إلى النبات على أنه رزق من الله عز وجل لخلقه وعباده، بكل ما تحمله كلمة رزق من دلالات . ولم يذكر القرآن الكريم فوائد النبات بالتفصيل؛ وإنما أشار إليها ضمنًا على أنها رزقًا للعباد .

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ  ﴾

البقرة: ٢٢

فالإنسان المعاصر يعتمد كثيرًا في صناعاته على النباتات والأشجار، وما أكثر الصناعات القائمة عليهم .

– كصناعة النسيج والألياف

قال الله تعالى:

﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ ﴾

النحل: ٨١

وجعل لكم ثيابًا من القطن والصوف وغيرهما، تحفظكم من الحر والبرد.

قال الله تعالى:

﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ ﴾

الأعراف: 26

يا بني آدم قد جعلنا لكم لباسًا يستر عوراتكم، وهو لباس الضرورة، ولباسًا للزينة والتجمل .

– مصدر للطاقة

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ﴾

يس: 80

– الصناعات الغذائية

قال الله تعالى:

﴿ وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين ﴾

المؤمنون 20

وأنشأنا لكم به شجرة الزيتون التي تخرج حول جبل طور “سيناء”، يعصر منها الزيت، فيدَّهن ويؤتدم به.

وكذلك صناعة الأوراق، والأثاث ، والعطور، وكثيرًا من الصناعات المتنوعة، وهذا كله من الفوائد والمنافع التي أودعها الله عز وجل في النبات .

ويفهم من هذه الآيات أن النبات هو المصدر الأول لرزق الإنسان على الأرض، وهو مورد النعم المباشرة وغير المباشرة، وهو من أعظم طرق الكسب المشروع، وعلى العباد أن يشكروا من خلق لهم النبات، وجعل فيه الغذاء والدواء، وجعله رزقًا وافرًا للعباد، فسبحان الخالق، وتبارك المنعم.

7- نبات الدنيا والآخرة

يجد المتأمل لكتاب الله عز وجل أن الآيات التي ذكرت النبات منها ما تحدثت عما ينبته الله تعالى من الأرض من نبات الدنيا، ومنها آيات تحدثت عن بعض ما في الآخرة من نبات وأشجار، وفي النقاط الآتية بيان ذلك.

أولًا- نبات الدنيا

لقد ذكر القرآن الكريم أنواعًا عديدة من النباتات التي يخرجها الله عز وجل لعباده من الأرض ، على وجه الإجمال.

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ  ﴾

البقرة: ٢٢

ثم فصلت بعض أصناف النبات ، والآيات في ذلك عديدة.

1 – القثاء

وهو نبات يشبه الخيار

2- الفوم

هو الثوم

3- البقل

هو الفول

4- العدس

5- البصل

قال الله تعالى:

 ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَنْ نَصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا )

البقرة 61

6- ثمار النخيل

قال الله تعالى:

 ( وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ )

ق 10

7- اليقطين

قال الله تعالى :

  ( وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ )

الصافات 146

اليقطين هو القرع

8- العنب

قال الله تعالى :

( وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ )

الرعد 4

9- الزيتون

قال الله تعالى :

( والتين والزيتون وطور السنين )

التين 1-2

10- الحب

قال الله تعالى :

( إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ )

الأنعام 95

يعرف الحب في المعاجم اللغوية بأنه القمح والذرة والأرز والشعير والسمسم وما شابـه ذلك .

11- الرمان

قال الله تعالى :

 ( فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ )

الرحمن 68

12- التين

قال الله تعالى :

( والتين والزيتون وطور السنين )

التين 1-2

13- القمح

قال الله تعالى :

( وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا  )

الأنعام 99

14- القضب

قال الله تعالى :

( فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًا . وَعِنَبًا وَقَضْبًا )

عبس:27 – 28

القضب العلف .

15- الخردل

قال الله تعالى :

( يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ )

لقمان 16

16- السدر

قال الله تعالى :

( وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ )

سبأ16

السدر: النبق

17- الشجر

كل شيء قام على ساق.

قال الله تعالى :

﴿ فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا ﴾

النمل: 60

18- الريحان

قال الله تعالى :

( وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ  )

الرحمن 12

19- الخمط – الأثل

قال الله تعالى :

 ( وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ )

سبأ16

الخمط : هو شجرة الأراك .

الأثل : شجر من الفصيلة الطّرْفاوية

20- الطلح

قال الله تعالى :

 ( فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ .  وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ )

الواقعة 28- 29

الطلح هو الموز، ومنضود أي متراكم الثمر، متراص بعضه فوق بعض

21- الزنجبيل

قال الله تعالى :

( وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا )

الإنسان 17

22- الكافور

قال الله تعالى :

 ( إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا )

الإنسان 5

23- أبا

قال الله تعالى :

( وَفَاكِهَةً وَأَبًّا )

عبس 31

ما ترعاه البهائم وقيل التبن.

ذكر الله تعالى ما يخرجه لعباده من الثمرات، وذلك في سياق الاستدلال على ربوبيته سبحانه، ووجوب عبادته وحده، وبيان فضله سبحانه ونعمه على عباده .

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ  فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

البقرة: ٢٢

وقد ختمت كثير من هذه الآيات بما يحث العباد على التفكر والتعقل والنظر فيما خلق الله عز وجل لهم، وفيما أخرجه لهم من الأرض .

قال الله تعالى:

﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ ﴾

السجدة: ٢٧

﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾

الرعد: ٤

﴿ كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَىٰ ﴾

طه: ٥٤

2- نبات الآخرة

من خلال استقراء آيات القرآن الكريم التي ذكرت النبات نجد أن جزءًا من هذه الآيات قد تحدث عن نبات الآخرة وأشجارها، وقد ذكرت آيات كثيرة بعض ما في الجنة من أشجار ظليلة مثمرة، وثمار دانية منضودة، وذكرت بعض الآيات شيئًا مما في نار جهنم من شجر الزقوم الذي فيه العذاب والغصة لأهل النار.

وقد أخبر الله عز وجل بأن الذين اتقوا الله بامتثال ما أمر واجتناب ما نهى في بساتين وأنهار جارية

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾

الحجر: ٤٥

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ . فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾

الدخان: ٥١-٥٢

وقد أخبر الله عز وجل بأن أشجار الجنة شديدة الخضرة .

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ . فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . مُدْهَامَّتَانِ ﴾

الرحمن: ٦٢-٦٤

ولقد أخبر الله عز وجل بأن حدائق وبساتين الجنة ، تحتوي على جميع الأشجار والفاكهة والثمار.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا . حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا ﴾

النبأ: ٣١-٣٢

لقد أخبر الله عز وجل عباده بأنه قد أعد للمتقين منهم جنات فيها الظلال والعيون، وفيها أصناف الفاكهة مما يشتهون، وفيها النعيم المقيم.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ . وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ . كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾

المرسلات: ٤١-٤٤

إن الثمار التي تنتجها أشجار الجنة ثمارٌ عظيمة، لا تنقطع في حين دون حين ، ولا تمنع عن أحد إذا أريدت ؛ إنما هي مطلقة لمن أرادها، قريبة لمن اشتهاها..

قال الله تعالى:

﴿ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ . لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ﴾

الواقعة: ٣٢-٣٣

وكما أن القرآن الكريم ذكر بعض أشجار الجنة وثمارها، فقد ذكر أيضًا بعض أشجار النار، وهي شجرة الزقوم، والتي جعلها الله عز وجل لونًا من ألوان العذاب لأهل النار.

قال الله تعالى:

﴿ أَذَٰلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ . إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ . إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ . طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ . فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ . ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ . ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ ﴾

الصافات: ٦٢-٦٨

8 – النباتات والأمثال

        في

    القرآن الكريم

لقد استعمل القرآن الكريم أساليب عدة للتأثير على النفس البشرية؛ من أجل هدايتها وتزكيتها، ومن أعظم هذه الأساليب أسلوب ضرب المثل، وهذا الأسلوب كثيرٌ في القرآن الكريم، استعمله القرآن للكشف عن الحقائق، وإبراز المعاني في ثوب جميل، يجذب الأذهان، ويؤثر في السامع، فيحضه على الخير، وينفره من الإثم والشر، ويدفعه إلى فعل الفضائل.

وإذا ما تأمل المرء ما في القرآن الكريم من أمثال وجد أن النبات له نصيبٌ كبيرٌ من ضرب المثل به، فكثيرة هي الأمثال القرآنية التي يكون فيها الممثل به هو النبات أو الشجر؛ وفي النقاط الآتية بيان بعض الأمثال القرآنية التي كان النبات فيها هو الممثل به.

أولًا – كلمة التوحيد

إن كلمة التوحيد هي أصل الإيمان، وبها يخرج العبد من الكفر إلى الإيمان، ولأجلها أرسل الله عز وجل الرسل والأنبياء، وهي مفتاح الجنة، والمنجية من النار.

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ . تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾

إبراهيم: ٢٤-٢٥

ضرب الله عز وجل المثل لكلمة التوحيد بالشجرة الطيبة ووجه الشبه بين كلمة التوحيد وتلك الشجرة الطيبة إن كلمة التوحيد كلمة طيبة، أصلها ثابت في قلب المؤمن، لا تتزعزع، ولا يشوبها شكٌ ولا ريب، فهي كالشجرة ذات الأصول القوية الثابتة في الأرض، لا تزعزعها الرياح أو السيول، ثم كلمة التوحيد لها فروعها من الكلم الطيب، والعمل الصالح، والأخلاق المرضية، والآداب الحسنة، تصعد إلى الله عز وجل في السماء دائمًا، كفروع الشجرة العظيمة الممتدة في السماء، وكلمة التوحيد تثمر دائمًا وبدون انقطاع الطيبات من الأقوال والأعمال الصالحات، كثمار الشجرة الطيبة التي لا تنقطع.

ثانيًا – الإنفاق في سبيل الله

إن النفس البشرية مفطورةٌ على حب المال، وحب كنزه والاحتفاظ به؛ فهو عزيز عليها، لا تستطيع أن تتخلى عنه أو تنفقه بسهولة، لذا فقد جعل الله عز وجل إنفاق المال في سبيله من أعظم الطاعات، ومن أجل القربات، ينال به العبد ثواب الله عز وجل ورضوانه، ولبيان فضل إنفاق المال في سبيل الله عز وجل ولتوضيح عظم ربح المنفقين عند ربهم عز وجل، ضرب الله سبحانه لعباده مثلًا عظيمًا للمنفقين في سبيله .

قال الله تعالى:

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾

البقرة: ٢٦١

في هذا المثل الذي ضربه الله سبحانه شبه المتصدق بالزارع، وشبه الصدقة بالبذر الذي يبذره الزارع في الأرض، وشبه الأجر العظيم للإنفاق بالمحصول المضاعف الذي نتج عن تلك البذور التي زرعت، فالله عز وجل يعطي المنفق بكل صدقة له سبعمائة حسنة، ثم يضاعف سبحانه الأجر والعطاء لمن يشاء.

ثالثًا – أعمال الكافر كالحرث الذي دمرته الريح

قال الله تعالى:

﴿ مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَٰذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ  وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَٰكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾

آل عمران: 117

مَثَلُ ما ينفق الكافرون في وجوه الخير في هذه الحياة الدنيا وما يؤملونه من ثواب، كمثل ريح فيها برد شديد هَبَّتْ على زرع قوم كانوا يرجون خيره، وبسبب ذنوبهم لم تُبْقِ الريح منه شيئًا. وهؤلاء الكافرون لا يجدون في الآخرة ثوابًا، وما ظلمهم الله بذلك، ولكنهم ظلموا أنفسهم بكفرهم وعصيانهم.

رابعًا – مثل الحياة الدنيا وزهرتها

كثيرًا ما يغتر الناس بالحياة الدنيا وزينتها، ويشعرون بالاطمئنان لها، والسكون إليها، ويتناسون أن وراءهم دار الآخرة والخلود، والتي فيها النعيم المقيم، أو العذاب الأليم، ولأن الحياة الدنيا غرارة، يغتر بها العباد، تعددت أساليب القرآن الكريم في التحذير منها ومن الركون إليها، والاطمئنان لها، وذلك من خلال بيان حقيقتها، وكشف أمرها، وبيان زيف مظاهرها، وسرعة انقضائها، وقلة نعيمها.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

يونس: ٢٤

شبه سبحانه الحياة الدنيا بالأرض الذي ينزل الغيث عليها؛ فتعشب، ويحسن نباتها، ويروق منظرها للناظر؛ فيغتر به، ويظن أنه قادرٌ عليها، مالك لها، فيأتيها أمر الله؛ فتدرك نباتها الآفة بغتةً، فتصبح كأن لم تكن قبل، فيخيب ظنه، وتصبح يداه صفرًا منها، فهكذا حال الدنيا والواثق بها سواء، وهذا من أبلغ التشبيه والقياس.

قال الله تعالى:

﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ  وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ﴾

الكهف: ٤٥

ضرب الله تعالى ذلك المثل للحياة الدنيا في سرعة انقضائها، وقرب زوالها، بسرعة انقضاء النبات، ليعرف العباد حقيقتها ، ويحذرهم من الركون إليها، وحثهم للاستعداد للدار الآخرة، التي تكون فيها الحياة الحقيقية الأبدية .

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾

العنكبوت: ٦٤

 

 

Share This