1- مفهوم الناس

الناس هم الجنس المنحدر من آدم إلى أن تقوم الساعة

2- كلمة الناس

    في

القرآن الكريم

وردت كلمة الناس في القرآن الكريم (٢٤١) مرة. والصيغ التي وردت، هي:

– اسم جمع

ورد ٢٤١ مرة

قالَ اللهِ تَعَالَى:

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ . مَلِكِ النَّاسِ . إِلَٰهِ النَّاسِ ﴾

الناس:١-٣

وجاءت كلمة الناس في القرآن الكريم على وجهين  حسب موقعها

أولا- الناس بمعنى جميع الناس

قالَ اللهِ تَعَالَى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾

الحجرات 13

ثانيا- فئة معينة من الناس أو أحد الناس بعينه

1- الناس بمعنى عددً محدداً منهم

قالَ اللهِ تَعَالَى:

 ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ  ) 

سبا  28

فناس النبي هم الذين يعيش معهم ويتواصل معهم بلغته مبشراً للمؤمنين منهم  بالجنة و منذراً للكافرين بالعذاب وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ  أي كفار مكة  لاَّ يَعْلَمُونَ  ذلك .

قالَ اللهِ تَعَالَى:

( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ )

إبراهيم 4

وما أرسلنا مِن رسولٍ قبلك -أيها النبي- إلا بلُغة قومه ، أي أن الدعوة كانت باللغة العربية وللعرب فقط.

2- الناس بمعنى أهل مكة

قالَ اللهِ تَعَالَى:

(أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ  قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ )

يونس 2

3- الناس بمعنى جمع من أهل مصر

قالَ اللهِ تَعَالَى:

﴿ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾

يوسف 49

 ( قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى )

طه 59

4- تعني الكافرين من الناس

قالَ اللهِ تَعَالَى:

﴿ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾

البقرة 24

5- وتعني المؤمنين من الناس

قالَ اللهِ تَعَالَى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾

البقرة 161

6- الناس بمعنى إحدى قبائل اليهود

قالَ اللهِ تَعَالَى:

(قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ )

آل عمران41

زكريا رجل الدين المقيم بالمعبد لن يكلم غير ناسه الذين يتصل بهم ويتبادل الكلام والمعلومات معهم.

7- الناس بمعنى بني إسرائيل

قالَ اللهِ تَعَالَى:

 ( قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس )

الأنعام 91

وفي الآية السابقة أطلقت كلمة الناس على بني إسرائيل وليس على الجنس البشري كله.

كما استعملت الكلمة مع داود بمعنى بني إسرائيل

قالَ اللهِ تَعَالَى:

( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق )

ص 26

وداود لم يحكم إلا بني إسرائيل

8- الناس بمعنى العرب

قالَ اللهِ تَعَالَى:

( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق )

الحج 27

فالناس هنا هم العرب دون سائر الخلق . فلم يُفرض الحج إلى الكعبة على أحد من الخَلق غير العرب الحنيفيين.

9- الناس بمعنى المؤمنين من أهل المدينة

قالَ اللهِ تَعَالَى:

( الذين  قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً )

آل عمران 173

الآية السابقة لا تترك مجالاً للشك أن كلمة الناس تُطلَقُ لِيُقصدَ بها فئة محدودة من البشروهم الذين زادهم ذلك التخويف يقينًا وتصديقًا بوعد الله لهم .

3- كلمات ذات صلة

    بكلمة الناس

– العالمين

العالَمين جمع عالم، وهو كل موجود سوى الله عز وجل.

قالَ اللهِ تَعَالَى:

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾

الفاتحة: ٢

– البشر

البشر هم الخلق يقع على الأنثى والذكر والواحد والاثنين والجمع.

قالَ اللهِ تَعَالَى:

﴿ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ﴾

إبراهيم: 11

– بنو آدم

بنو آدم هم الناس والبشر، والناس ينسبون إلى أبيهم آدم عليه السلام، ولهذا يقال: الناس بنو آدم لأنهم منسوبون إليه.

قالَ اللهِ تَعَالَى:

﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾

الأعراف: 31

– الثقلان

الثقلان هم  الإنس والجن

قالَ اللهِ تَعَالَى:

﴿ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ ﴾

الرحمن: 31

– الأنام

الأنام هم ما على ظهر الأرض من جميع الخلق

قالَ اللهِ تَعَالَى:

﴿ وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ ﴾

الرحمن: 10

4- الغاية من خلق الناس

إن الله تعالى خالق الناس لِحِكَمٍ عديدة، أهمها:

أولًا: الاستخلاف في الأرض

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾

البقرة: ٣٠

واذكر – أيها الرسول- للناس حين قال ربك للملائكة: إني جاعل في الأرض قومًا يخلف بعضهم بعضًا لعمارتها ، وتنفيذ أحكامي فيها

قال الله تعالى:

﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾

ص: ٢٦

وبعد التأمل ودراسة الآيتين السابقتين يتبين أن هناك غايات عديدة من خلق الناس، وأهمها الاستخلاف على هذه الأرض، وغاية الاستخلاف هو تنفيذ حكم الله، وإقامة شرعه على الأرض والحكم بين الناس بالعدل .

ثانيًا: عبادة الله تعالى

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

الذاريات: ٥٦

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾

البقرة: ٢١

والعبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة .

ثالثًا: التعارف

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾

الحجرات: ١٣

يا أيها الناس إنَّا خلقناكم من أب واحد هو آدم، وأُم واحدة هي حواء، فلا تفاضل بينكم في النسب، وجعلناكم بالتناسل شعوبًا وقبائل متعددة؛ ، وذلك لأجل أن تتعارفوا؛ فإنهم لو استقل كل واحد منهم بنفسه لم يحصل بذلك التعارف الذي يترتب عليه التعاون وتبادل المعارف و الخبرات ، ولكن الله جعلهم شعوبًا وقبائل؛ لأجل أن تحصل هذه الأمور وغيرها، مما يتوقف على التعارف .

رابعًا: أداء الفرائض وحمل الأمانة

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾

الأحزاب: ٧٢

إنا عرضنا الأمانة -التي ائتمن الله عليها المكلَّفين من امتثال الأوامر واجتناب النواهي- على السموات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها، وخفن أن لا يقمن بأدائها، وحملها الإنسان والتزم بها على ضعفه، إنه كان شديد الظلم والجهل لنفسه.

5- فضل الله تعالى

    على الناس

إن نعم الله على الناس لا تعد ولا تحصى، فإنه تعالى أسبغ عليهم نعمه ظاهرةً وباطنة، وأرسل للناس خير رسله. وسنقف على بعض وجوه هذا الفضل فيما يأتي.

أولًا: التكريم الإلهي

وقد ظهر ذلك في عدة صور، منها:

1- خلق آدم بيديه ونفخ الروح فيه

قال الله تعالى:

﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾

الحجر: ٢٩

2- سجود الملائكة لآدم

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا ﴾

البقرة: ٣٤

وآدم عليه السلام هو أبو البشر، وتكريم آدم بالسجود له تكريم لذريته.

3- تكريم وتفضيل بني آدم

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ﴾

النمل: ٧٣

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾

الإسراء: ٧٠

ولقد كرَّمنا ذرية آدم بالعقل وإرسال الرسل، وسَخَّرنا لهم جميع ما في الكون، وسَخَّرنا لهم الدواب في البر والسفن في البحر لحملهم، ورزقناهم من طيبات المطاعم والمشارب، وفضَّلناهم على كثير من المخلوقات تفضيلا عظيمًا.

4- اصطفاء الله الرسل من الناس

قال الله تعالى:

﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ﴾

الحج: ٧٥

الله سبحانه وتعالى يختار من الملائكة رسلا إلى أنبيائه، ويختار من الناس رسلا لتبليغ رسالاته إلى الخلق

5- تسمية سورة من القرآن باسم الناس

قال الله تعالى:

  ﴿  قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ . مَلِكِ النَّاسِ . إِلَٰهِ النَّاسِ . مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ . الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ. مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ﴾

الناس : 1- 6

قل – أيها الرسول-: أعوذ وأعتصم برب الناس، القادر وحده على ردِّ شر الوسواس. ملك الناس المتصرف في كل شؤونهم، الغنيِّ عنهم. إله الناس الذي لا معبود بحق سواه. من أذى الشيطان الذي يوسوس عند الغفلة، ويختفي عند ذكر الله. الذي يبثُّ الشر والشكوك في صدور الناس. من شياطين الجن والإنس.

ثانيًا: الإنعام والتسخير

إن العلاقة القائمة بين الإنسان والكون علاقة قائمة على المصاحبة، وهذه العلاقة قائمة على أساس تسخير الله تعالى هذا الكون للإنسان، واستغلاله خير استغلال، والاستفادة منه وإعانته على نشر دعوة الله تعالى، وقد أسبغ الله على الناس نعمه ظاهرة، وباطنة، ونعمه كثيرة لا تعد ولا تحصى، ولعل هذا المطلب يبين بعضًا من نعم الله تعالى على الناس.

1- نعمة الخلق والرزق

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾

فاطر: ٣

يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم، فلا خالق لكم غير الله يرزقكم من السماء بالمطر، ومن الأرض بالماء والمعادن وغير ذلك.

2- نعمة الأكل

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا ﴾

البقرة: ١٦٨

يا أيها الناس كلوا من رزق الله الذي أباحه لكم في الأرض، الأرض في حال كونه حلالًا من الله طيبًا، أي النافع غير الضار .

3- نعمة التسخير

لقد خلق الله الإنسان وجعله خليفةً على الأرض ليقوم على تنفيذ أحكام الله تعالى، وإنه سيعمر هذه الأرض بالتكاثر، واستغلال مواردها، وكان من نعم الله الكبرى عليه تسخير الكون للناس جميعًا لقضاء وأداء هذه المهمة العظيمة، وهي الاستخلاف على الأرض. ومن أهم الأشياء التي تم تسخيرها للناس:

1- تسخير الشمس والقمر

أن الانتفاع بالشمس والقمر عظيم،، وقد ذكره الله تعالى في آيات منها

قال الله تعالى:

 ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ﴾

إبراهيم: ٣٣

وذلَّل الله لكم الشمس والقمر لا يَفْتُران عن حركتهما؛ لتتحقق المصالح بهما، في إزالة الظلمة وفي إصلاح النبات والحيوان، ولولا الشمس لما حصلت الفصول الأربعة، ولولاها لاختلت مصالح العالم بالكلية .

2- تسخير الليل والنهار

قال الله تعالى:

﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾

إبراهيم: ٣٣

وذلَّل لكم الليل؛ لتسكنوا فيه وتستريحوا، والنهار؛ لتبتغوا من فضله، وتدبِّروا معايشكم.

3- تسخير البحر

قال الله تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

النحل: ١٤

وهو الذي سخَّر لكم البحر؛ لتأكلوا مما تصطادون من سمكه لحمًا طريًا، وتستخرجوا منه زينة تَلْبَسونها كاللؤلؤ والمرجان، وترى السفن العظيمة تشق وجه الماء تذهب وتجيء، وتركبونها؛ لتطلبوا رزق الله بالتجارة والربح فيها، ولعلكم تشكرون لله تعالى على عظيم إنعامه عليكم، فلا تعبدون غيره.

4- تسخير الأنهار

قال الله تعالى:

﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ﴾

إبراهيم: ٣٢

وذلَّل لكم الأنهار لسقياكم وسقيا دوابكم وزروعكم وسائر منافعكم.

5- تسخير ما في السموات وما في الأرض

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾

لقمان: ٢٠

ألم تروا- أيها الناس- أن الله ذلَّل لكم ما في السموات من الشمس والقمر والسحاب وغير ذلك، وما في الأرض من الدوابِّ والشجر والماء، وغير ذلك مما لا يحصى، وعمَّكم بنعمه الظاهرة على الأبدان والجوارح، والباطنة في العقول والقلوب، وما ادَّخره لكم مما لا تعلمونه؟

ثالثًا: الإرشاد والتبيين

إن الله تعالى قد أخذ العهد من الخلق وهم في عالم الذر أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئًا.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ ﴾

الأعراف: ١٧٢

تجلت رحمة الله وعظمته، وفضله على الناس بتذكيرهم، بعهدهم الأول مع الله، بالإرشاد، وتبينهم لهذا العهد من خلال إرسال الرسل.

أولا – فضل الله على الناس بالإرشاد

1- الإرشاد بإرسال الرسل

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾

الأعراف: ١٥٨

﴿ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾

النساء: ٧٩

وبعثناك – أيها الرسول- لعموم الناس رسولا تبلغهم رسالة ربك، وكفى بالله شهيدًا على صدق رسالتك.

2- الإرشاد بإنزال الكتب والحكم بما فيها

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ﴾

النساء: ١٠٥

إنا أنزلنا إليك -أيها الرسول- القرآن مشتملا على الحق؛ لتفصل بين الناس جميعًا بما أوحى الله إليك، وبَصَّرك به .

3- الإرشاد ببيان الحق

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ  وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ﴾

يونس: ١٠٨

قل – أيها الرسول – لهؤلاء الناس: قد جاءكم رسول الله بالقرآن الذي فيه بيان هدايتكم، فمن اهتدى بهدي الله فإنما ثمرة عمله راجعة إليه، ومن انحرف عن الحق وأصرَّ على الضلال فإنما ضلاله وضرره على نفسه،.

4- الإرشاد بالموعظة الحسنة

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾

يونس: ٥٧

يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم تذكِّركم عقاب الله وتخوفكم وعيده، وهي القرآن وما اشتمل عليه من الآيات والعظات لإصلاح أخلاقكم وأعمالكم، وفيه دواء لما في القلوب من الجهل والشرك وسائر الأمراض، ورشد لمن اتبعه من الخلق فينجيه من الهلاك، جعله سبحانه وتعالى نعمة ورحمة للمؤمنين، وخصَّهم بذلك؛ لأنهم المنتفعون بالإيمان، وأما الكافرون فهو عليهم عَمَى.

ثانيا- فضل الله على الناس بالتبيين

إن رحمة الله بعباده تظهر بإرسال الرسل، وإنزال الكتب ليبين للناس طريق الهدى، وإن التبيين جاء في كتاب الله تعالى لغرس التقوى، وتذكير الناس بواجباتهم وعهودهم مع الله تعالى:

قال الله تعالى:

﴿ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾

البقرة: ١٨٧

وطرق التبيين في كتاب الله عديدة منها:

1- التبيين بإنزال الكتب

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

النحل: ٤٤

وأنزلنا إليك -أيها الرسول- القرآن؛ لتوضح للناس ما خفي مِن معانيه وأحكامه، ولكي يتدبروه ويهتدوا به.

2- التبيين بالإنذار والبلاغ

قال الله تعالى:

﴿ هَٰذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾

إبراهيم: ٥٢

هذا القرآن الذي أنزلناه إليك – أيها الرسول- إنذار وبلاغ عن الأشياء المبينة لمنهج الله ودعوته، ولكي يوقنوا أن الله هو الإله الواحد، فيعبدوه وحده لا شريك له، وليتعظ به أصحاب العقول السليمة.

3- التبيين بضرب الأمثلة

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ﴾

الكهف: 54

وضرب المثل أسلوب من أساليب القرآن للبيان والتوضيح وتقريب المسائل إلى الأفهام .

6 – نداءات الله تعالى للناس

النداء من الأساليب التي استخدمها القرآن الكريم ليوصل للناس ما يريد وذلك باستخدامه حرف النداء يا، وقد استفتح القرآن الكريم بعض سوره بالنداء

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾

النساء:١

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾

الحج: ١

إن تعدد النداء للناس، أو كثرة النداء للناس في القرآن الكريم، لم يرد إلا لحكم عظيمة، جاءا ليلفتا الانتباه لما سيأتي بعدهما من أوامر ونواهٍ، ومن خلالها تظهر بعض الحكم، وبعد الغوص في معاني وسياقات القرآن الجليلة نقف على بعض الحكم التي تم التوصل إليها خلال هذا البحث ومنها:

1- الأمر بالإيمان

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾

الأعراف: ١٥٨

جاء النداء ليشمل جميع الناس ؛ ليدعوهم ويأمرهم بالإيمان بالله تعالى، وهذا يتفق مع خصائص السور المكية التي تدعو إلى غرس الإيمان والتوحيد والعقيدة.

2- التذكير بالتقوى و اليوم الآخر

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾

لقمان: ٣٣

يا أيها الناس اتقوا ربكم، وأطيعوه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، واحذروا يوم القيامة الذي لا يغني فيه والد عن ولده ولا مولود عن أبيه شيئًا، إن وعد الله حق لا ريب فيه، فلا تنخدعوا بالحياة الدنيا وزخرفها فتنسيكم الأخرى، ولا يخدعنكم بالله خادع من شياطين الجن والإنس.

3- ترسيخ مفهوم التوحيد

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ ﴾

فاطر: ٣

يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم، فلا خالق لكم غير الله يرزقكم من السماء بالمطر، ومن الأرض بالماء والمعادن وغير ذلك. لا إله إلا هو وحده لا شريك له، فكيف تُصْرَفون عن توحيده وعبادته؟

4- بيان حاجة الناس لخالقهم

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾

فاطر: ١٥

يا أيها الناس أنتم المحتاجون إلى الله في كل شيء، لا تستغنون عنه طرفة عين، وهو سبحانه الغنيُّ عن الناس وعن كل شيء من مخلوقاته، الحميد في ذاته وأسمائه وصفاته، المحمود على نعمه؛ فإن كل نعمة بالناس فمنه، فله الحمد والشكر على كلِّ حال.

5- بيان الجزاء و العاقبة

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

يونس: ٢٣

يا أيها الناس إنما وَبالُ بغيكم راجع على أنفسكم، لكم متاع في الحياة الدنيا الزائلة، ثم إلينا مصيركم ومرجعكم، فنخبركم بجميع أعمالكم، ونحاسبكم عليها.

6- بيان أصل الخلقة والنشأة والغاية منها

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾

الحجرات: ١٣

يا أيها الناس إنَّا خلقناكم من أب واحد هو آدم، وأُم واحدة هي حواء، فلا تفاضل بينكم في النسب، وجعلناكم بالتناسل شعوبًا وقبائل متعددة؛ ليعرف بعضكم بعضًا، إن أكرمكم عند الله أشدكم اتقاءً له. إن الله عليم بالمتقين، خبير بهم.

7- الأمر بالعبادة

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

البقرة: ٢١

وهذا أمر عام لكل الناس بأمر عام وهو العبادة الجامعة؛ لامتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه، وتصديق خبره، فأمرهم الله تعالى بما خلقهم له .

8- الأمر بأكل الطيبات و النهي عن اتباع الشيطان

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾

البقرة: ١٦٨

يا أيها الناس كلوا من رزق الله الذي أباحه لكم في الأرض، وهو المستطابً في نفسه غير ضار للأبدان ولا للعقول ، ولا تتبعوا طرق الشيطان في التحليل والتحريم، والبدع والمعاصي ، إنه عدو لكم ظاهر العداوة.

9- التذكير بالساعة

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾

الحج: ١

يا أيها الناس احذروا عقاب الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، إن ما يحدث عند قيام الساعة من أهوال وحركة شديدة للأرض، تتصدع منها كل جوانبها، شيء عظيم، لا يُقْدر قدره ولا يُبْلغ كنهه، ولا يعلم كيفيَّته إلا رب العالمين.

10- التذكير بالبعث

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّىٰ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾

الحج: ٥

يا أيها الناس إن كنتم في شك من أن الله يُحيي الموتى فإنَّا خلقنا أباكم آدم من تراب، ثم خلقنا ذريته، ووضح من تقلبكم من حالة إلى حالة في الأرحام، وبعد خروجكم إلى الدنيا، وأنتم تعلمون ذلك من أنفسكم، وتشاهدون الأرض على صفة من الهمود والموت إلى حين نزول الماء فنحيي ونخرج أنواع النبات وضروب الثمرات كل ذلك يسقى بماء واحد ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى، وكما أحياكم أولًا وأخرجكم من العدم إلى الوجود وأحيا الأرض بعد موتها وهمودها، كذلك تأتي الساعة من غير ريب ولا شك، ويبعثكم لما وعدكم من حسابكم وجزائكم .

11- ضرب الأمثال في عجز الأنداد

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ  ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴾

الحج: ٧٣

يا أيها الناس ضُرِب مثل فاستمعوا له وتدبروه: الأنداد التي تعبدونها من دون الله لن تقدر مجتمعة على خَلْق ذبابة واحدة، فكيف بخلق ما هو أكبر؟ ولا تقدر أن تستخلص ما يسلبه الذباب منها، فهل بعد ذلك مِن عَجْز؟ فهما ضعيفان معًا: ضَعُفَ الطالب الذي هو المعبود من دون الله أن يستنقذ ما أخذه الذباب منه، وضَعُفَ المطلوب الذي هو الذباب، فكيف تُتَّخذ هذه الأصنام والأنداد آلهة، وهي بهذا الهوان؟

7- اتباع الناس

إن المتأمل في كتاب الله عز وجل يجد أن الناس والأقوام في اتباعهم على حالتين:

أولًا: اتباع الناس المحمود

وذلك باتباع الحق وأهله من الرسل والأنبياء، كذلك اتباع أوامر الله تعالى، فجميع الأنبياء والرسل أرسلوا لقومهم، وأرشدوهم لعبادة الله تعالى.

1- اتباع إبراهيم عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

آل عمران: ٦٨

يخبر الله تعالى أن أولى الناس بإبراهيم محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه، وأتباع الخليل، قبل محمد صلى الله عليه وسلم.

2- اتباع الصراط المستقيم

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

الأنعام: ١٥٣

ومما وصاكم الله به أن هذا الإسلام هو طريق الله تعالى المستقيم فاسلكوه، ولا تسلكوا سبل الضلال، فتفرقكم، وتبعدكم عن سبيل الله المستقيم. ذلكم التوجه نحو الطريق المستقيم هو الذي وصَّاكم الله به؛ لتتقوا عذابه بفعل أوامره، واجتناب نواهيه.

3- اتباع محمد صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾

الأعراف: ١٥٨

قل – أيها الرسول- للناس كلهم: إني رسول الله إليكم جميعًا لا إلى بعضكم دون بعض، الذي له ملك السموات والأرض وما فيهما، لا ينبغي أن تكون الألوهية والعبادة إلا له جل ثناؤه، القادر على إيجاد الخلق وإفنائه وبعثه، فصدَّقوا بالله وأقرُّوا بوحدانيته، وصدَّقوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم النبي الأميِّ الذي يؤمن بالله وما أنزل إليه من ربه وما أنزل على النبيين من قبله، واتبعوا هذا الرسول، والتزموا العمل بما أمركم به من طاعة الله، رجاء أن توفقوا إلى الطريق المستقيم.

4- اتباع الحق

قال الله تعالى:

﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ  كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ ﴾

محمد:٣

ذلك الإضلال والهدى سببه أن الذين كفروا اتَّبَعوا الشيطان فأطاعوه، وأن الذين آمنوا اتَّبَعوا الحق ، كما بيَّن الله تعالى فِعْلَه بالفريقين أهل الكفر وأهل الإيمان بما يستحقان يضرب سبحانه للناس أمثالهم، فيلحق بكل قوم من الأمثال والأشكال ما يناسبه.

5- اتباع القرآن الكريم

قال الله تعالى:

﴿ وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾

الأنعام: ١٥٥

فيه الدعوة إلى اتباع القرآن ووصفه بالبركة لمن اتبعه وعمل به في الدنيا والآخرة .

ثانيًا: اتباع الناس المذموم

وذلك باتباع الباطل وأهله من الشيطان وأعداء الإسلام، فنهج أعداء الله تعالى الصد عن دين الله ومحاربته،

1- اتباع الشيطان

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ ﴾

الحج: ٣

وبعض رؤوس الكفر من الناس يخاصمون ويشككون في قدرة الله على البعث؛ جهلا منهم بحقيقة هذه القدرة، واتباعًا لأئمة الضلال من كل شيطان متمرد على الله ورسله.

2- اتباع الهوى

قال الله تعالى:

﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾

ص: ٢٦

يا داود إنا استخلفناك في الأرض وملَّكناك فيها، فاحكم بين الناس بالعدل والإنصاف، ولا تتبع الهوى في الأحكام، فيُضلك ذلك عن دين الله وشرعه، إن الذين يَضِلُّون عن سبيل الله لهم عذاب أليم في النار؛ بغفلتهم عن يوم الجزاء والحساب. وفي هذا توصية لولاة الأمر أن يحكموا بالحق المنزل من الله، تبارك وتعالى، ولا يعدلوا عنه، فيضلوا عن سبيله.

3- اتباع وطاعة السادات والكبراء

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ﴾

الأحزاب: ٦٧

أي: اتبعنا السادة وهم الأمراء والكبراء، وخالفنا الرسل واعتقدنا أن عندهم شيئًا، وأنهم على شيء فإذا هم ليسوا على شيء.

4- اتباع الآباء والأجداد

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾

البقرة : 170

وإذا قال المؤمنون ناصحين أهل الضلال: اتبعوا ما أنزل الله من القرآن والهدى، أصرُّوا على تقليد أسلافهم المشركين قائلين: لا نتبع دينكم، بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا. أيتبعون آباءهم ولو كانوا لا يعقلون عن الله شيئًا، ولا يدركون رشدًا؟

8- صفات الناس

هناك بعض الصفات المشتركة بين الناس , مثل الأتي ..

1- الخلق

خلق اللهِ تَعَالَى الناس جميعا من نفس واحدة وخلق من هذه النفس زوجها سواء كان ذكر أم انثي

قالَ اللهِ تَعَالَى:

 ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا )

النساء 1

2- الإختلاف والتنوعَ

ولو شاء ربك لجعل الناس كلهم جماعة واحدة ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك، فلا يزال الناس مختلفين وذلك مقتضى حكمته.

قالَ اللهِ تَعَالَى:

( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً  وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ )

هود 118

3- الطعام

احل الله تَعَالَى للناس الطعام كل ما تنبت الأرض وهو النافع غير الضار

قالَ اللهِ تَعَالَى:

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا )

البقرة 168

4- حب الشهوات

لا يوجد أي تفرقة بين الناس بعضهم البعض في حب الشهوات , فهناك بالطبع من يجمع بين تلك الشهوات جميعا وهناك من يفضل احداها عن الأخرى

قالَ اللهِ تَعَالَى:

 ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ)

آل عمران 14

وهناك من يروض نفسه ابتغاء رضا الله عنه

قالَ اللهِ تَعَالَى:

 ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ )

البقرة 207

5- الحب الشديد للمال

يحب النَّاسِ المال حبًا مفرطًا

قالَ اللهِ تَعَالَى:

( وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا)

الفجر20

 ( وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)

العاديات 8

لا يملُّ الإنسان من دعاء ربه طالبًا الخير الدنيوي من المال والصحة وغيرهما

قالَ اللهِ تَعَالَى:

 ( لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ)

فصلت 49

6- ظلم الناس لأنفسهم

الناس هم الذين يظلمون أنفسهم بالكفر والمعصية ومخالفة أمر الله ونهيه.

قالَ اللهِ تَعَالَى:

 ( وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)

يونس 44

7- الضعف البشري

الضعف البشري موجود بداخل كل نفس بشرية

قالَ اللهِ تَعَالَى:

( وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا )

النساء 28

ويظهر هذا الضعف غالبا في اوقات الشدةُ

قالَ اللهِ تَعَالَى:

( وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ )

الروم 33

( وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ )

فصلت 49

8- الصراع البشري

لقد خلقنا الإنسان في شدة وعناء من مكابدة الدنيا

قالَ اللهِ تَعَالَى:

( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ )

البلد 4

لا يخفي علي احد ان هناك صراع ابدي بين الانسان واخيه الانسان

قالَ اللهِ تَعَالَى:

( قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ )

البقرة 30

المقصد الأعلى للقتال فى الاسلام هو حرية الدين و إقامة الشعائر وحصانة بيوت العبادة للجميع من صوامع وبيع وصلوات ومساجد . وهذا هو سبب دفع الله جل وعلا الناس بعضهم بعضا

قالَ اللهِ تَعَالَى:

 ( وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ )

البقرة 251

9- التاريخ المشترك للناس 

في البدء كان الناس على دين واحد وهو الإسلام أي علي الفطرة

قالَ اللهِ تَعَالَى:

 ( وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً )

يونس 19

ثم حدث تفرق واختلاف؛ وذلك بعدم اتباع هدي الله تعالي .

قالَ اللهِ تَعَالَى:

 ( وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ )

يونس 19

وهذا الآختلاف هوسبب تاريخ طويل وصراع اطول بين الانسان والشيطان وبين الانسان ونفسه.

قالَ اللهِ تَعَالَى:

( وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ )

هود 118

فأرسَلْ اللهِ تَعَالَى رسل إلى الناس بالحجج الواضحات، وأنزل معهم الكتاب بالأحكام والشرائع، وأنزل الميزان ليتعامل الناس بينهم بالعدل

قالَ اللهِ تَعَالَى:

( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ )

الحديد 25

وحتي لا يكون للبشر حجة يعتذرون بها بعد إرسال الرسل

قالَ اللهِ تَعَالَى:

 ( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ )

النساء 165

ولكن أكثر الناس لا يصدِّقون ولا يعملون بما أُمروا به

قالَ اللهِ تَعَالَى:

( وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ )

هود 17

و أكثر الناس لا يشكرون الله على نعمة

قالَ اللهِ تَعَالَى:

( وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ )

يوسف 38

والناس بذلك يظلمون أنفسهم بالكفر والمعصية ومخالفة أمر الله ونهيه.

قالَ اللهِ تَعَالَى:

( وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )

يونس 44

وإن الله لَذو مغفرة لذنوبِ مَن تاب من الناس على ظلمهم، يفتح لهم باب المغفرة، ويدعوهم إليها

قالَ اللهِ تَعَالَى:

( وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ )

الرعد 6

وإن ربك لشديد العقاب على مَن أصرَّ على الكفر والضلال ومعصية الله.

قالَ اللهِ تَعَالَى:

( وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ )

الرعد 6

فيحكم الله يوم القيامة بين الناس فيما هم فيه مختلفون , ودائرة هذا الحكم الالهي لا يجوز اطلاقا , ان نقترب منها, لأنها منطقة الهية ولله المثل الأعلى في السموات والارض.

قالَ اللهِ تَعَالَى:

( فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ )

البقرة 113

10- حال أكثر الناس

إن المتأمل في كتاب الله تعالى يجد أن القرآن الكريم ذكر أحوال الناس في صور متعددة، ولعل هذا يتطابق مع تنوع الناس واختلافهم، فناسب أن تتعدد أحوالهم، وهي في القرآن على النحو الآتي:

أولًا: الكفر

وكفر الناس في القرآن الكريم جاء على عدة أنواع منها:

1- كفر الجحود والإنكار للقرآن الكريم

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴾

الإسراء: ٨٩

يقول ذكره: ولقد بينا للناس في هذا القرآن من كل مثل، احتجاجًا بذلك كله عليهم، وتذكيرا لهم، وتنبيها على الحق ليتبعوه ويعملوا به ، فأبى أكثر الناس إلا جحودًا للحق، وإنكارا لحجج الله وأدلته .

2- كفر النفاق

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ﴾

البقرة: ٨

ومن الناس فريق يتردد متحيِّرًا بين المؤمنين والكافرين، وهم المنافقون الذين يقولون بألسنتهم: صدَّقْنَا بالله وباليوم الآخر، وهم في باطنهم كاذبون لم يؤمنوا.

3- الكفر بلقاء الله تعالى

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ﴾

الروم: ٨

وإن كثيرًا من الناس بلقاء ربهم لجاحدون منكرون؛ جهلا منهم بأن معادهم إلى الله بعد فنائهم، وغفلةً منهم عن الآخرة.

ثانيًا: الفسق

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ﴾

المائدة: ٤٩

وإن كثيرًا من الناس لَخارجون عن طاعة ربهم.

ثالثًا: الغفلة

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴾

يونس: ٩٢

فإن كثيرًا من الناس عن حججنا وأدلتنا لَغافلون، لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون.

رابعًا: لا يعلمون

إن المتدبر في كتاب الله يجد أن الله تعالى وصف الناس في بعض الآيات بعدم العلم ، ومن هذه المواضع ما يلي:

1- لا يعلمون وقت الساعة

قال الله تعالى:

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا  قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

الأعراف: ١٨٧

يسألك – أيها الرسول- كفار “مكة” عن الساعة متى قيامها؟ قل لهم: إنما علمها عند الله الذي يعلم غيب السموات والأرض، ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون أن ذلك لا يعلمه إلا الله.

2- لا يعلمون حكمة الله من الأشياء

قال الله تعالى:

﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

يوسف: ٢١

والله غالب على أمره، فحكمه نافذ لا يبطله مبطل، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الأمر كله بيد الله  ، ولا يدرون حكمته في خلقه، وتلطفه لما يريد .

3- لا يعلمون حقيقة جهلهم بالبعث

قال الله تعالى:

﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

النحل: ٣٨

وحلف هؤلاء المشركون بالله أيمانًا مغلَّظة أن الله لا يبعث مَن يموت بعدما بَلِيَ وتفرَّق، بلى سيبعثهم الله حتمًا، وعدًا عليه حقًا، ولكن أكثر الناس لا يعلمون قدرة الله على البعث، فينكرونه.

4- لا يعلمون إرسال محمد صلى الله عليه وسلم للناس كافة

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

سبأ: ٢٨

وما أرسلناك -أيها الرسول- إلا للناس أجمعين مبشرًا بثواب الله، ومنذرًا عقابه، ولكن أكثر الناس لا يعلمون الحق، فهم معرضون عنه.

5- لا يعلمون حقيقة التفاضل

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

سبأ: ٣٦

قل لهم -أيها الرسول-: إن ربي يوسِّع الرزق في الدنيا لمن يشاء مِن عباده، ويضيِّق على مَن يشاء، لا لمحبة ولا لبغض، ولكن يفعل ذلك اختبارًا، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن ذلك اختبار لعباده؛ لأنهم لا يتأملون.

6 – لا يعلمون حقيقة خلق السماوات والأرض

قال الله تعالى:

﴿ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

غافر: ٥٧

لَخَلْق الله السموات والأرض أكبر من خَلْق الناس وإعادتهم بعد موتهم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن خلق جميع ذلك هيِّن على الله.

خامسًا: لا يشكرون

إن الله تعالى أسبغ علينا نعمه ظاهرة، وباطنة، وحري بنا معشر الناس أن نقابل النعم بالشكر، ولقد بين القرآن أن أكثر الناس لا يشكرون في مواطن عديدة من كتاب الله تعالى منها:

1- لا يشكرون فضل الله ونعمته بتأخير العذاب

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ﴾

النمل: ٧٣

وإنَّ ربك لذو فضل على الناس؛ بتركه معاجلتهم بالعقوبة على معصيتهم إياه وكفرهم به، ولكن أكثرهم لا يشكرون له على ذلك، فيؤمنوا به ويخلصوا له العبادة.

2 – لا يشكرون الهداية للتوحيد و ملة الإسلام

قال الله تعالى:

﴿ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَٰلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾

يوسف: ٣٨

ما كان لنا أن نجعل لله شريكًا في عبادته، ذلك التوحيد بإفراد الله بالعبادة، مما تفضل الله به علينا وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لا يشكرون الله على نعمة التوحيد والإيمان.

3 – لا يشكرون نعمة تسخير بعض المخلوقات للناس

قال الله تعالى:

﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾

غافر: ٦١

الله وحده هو الذي جعل لكم الليل؛ لتسكنوا فيه، وتحققوا راحتكم، والنهار مضيئًا؛ لتُصَرِّفوا فيه أمور معاشكم. إن الله لذو فضل عظيم على الناس، ولكن أكثرهم لا يشكرون له بالطاعة وإخلاص العبادة.

 

Share This