1- مفهوم الميثاق

اتفاق جماعي يلتزم فيه الأطراف بتنفيذ ما فيه من قواعد وقوانين. والفرق بين الميثاق والعهد ، وهو أن الميثاق توكيد العهد، فهو أبلغ من العهد .

قال الله تعالى:

( الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ )

البقرة 27

أي: من بعد توكيده.

2- الميثاق

      في

القرآن الكريم

وردت كلمة الميثاق وصيغها في القرآن الكريم (٣1) مرة ، والصيغ التي وردت، هي:

– الفعل الماضي

ورد مرة واحدة

قال الله تعالى:

( وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ )

المائدة:٧

– المصدر الميمي

ورد 3مرات

قال الله تعالى:

( قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ )

يوسف:٦٦

– اسم التفضيل

ورد مرتين

قال الله تعالى:

( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا )

البقرة:٢٥٦

– الأسماء

وردت ٢٥ مرة

قال الله تعالى:

( وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا )

النساء:٢١

وتفسير لفظ (الميثاق) في القرآن جاء على وجوه:

– بمعنى العهد المؤكد باليمين

قال الله تعالى:

( الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ )

البقرة 27

أي: لا يوفون بما عاهدوا الله عليه من الالتزام بأحكام ما شرعه لهم. وعلى هذا المعنى جاء أغلب استعمال هذا اللفظ في القرآن.

2- بمعنى الحَلِف

قال الله تعالى:

( قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ )

يوسف 66

أي: حتى تحلفوا بالله لتأتني بيوسف عليه السلام.

3- بمعنى العقد

قال الله تعالى:

( وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا )

النساء 21

أي: عقد الزواج الذي يجرى بين الزوجين

4- بمعنى الهدنة والمعاهدة

قال الله تعالى:

( فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ )

الأنفال :72

( وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ )

النساء:92

أي: بينكم وبينهم هدنة ومعاهدة .

5- بمعنى الإيمان والإسلام

قال الله تعالى:

( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ )

البقرة 256

أي: استمسك بالإيمان والإسلام، فلا يضل بعدُ.

3- وجوب الوفاء بالميثاق

دلت آيات القرآن الكريم على وجوب الوفاء بالميثاق .

قال الله تعالى:

﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾

المائدة:١٣

يدل على وجوب الوفاء بالميثاق بأن نقض الميثاق كبيرة من الكبائر؛ لأن الله تعالى لعن من ينقضه، فكان الوفاء به واجبًا.

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾

البقرة:٢٧

الذين ينكثون عهد الله الذي أخذه عليهم بالتوحيد والطاعة، وقد أكَّده بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، ويخالفون دين الله كقطع الأرحام ونشر الفساد في الأرض، أولئك هم الخاسرون في الدنيا والآخرة.

4- الميثاق الغليظ

إشارة إلى قوة ومتانة هذا الميثاق الذي يعسر نقضه، وقد ورد ثلاث مرات، فى مواضع مختلفة ، وهى

1- ميثاق تبليغ الرسالة

قال الله تعالى:

( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا . لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا )

الأحزاب 7- 8

هو ميثاق تبليغ الرسالة، فالله جل وعلا أخذ من هؤلاء الأنبياء ميثاقا عظيم الشأن بالغ الخطورة، وغلظ ميثاق النبيين عليهم السلام، هو سؤالهم عما فعلوا فى الرسالة تغليظا للميثاق عليه، حتى لا يزيد ولا ينقص فى الرسالة، مما يدل على أنه عهد فى أقصى درجات الدقة والأهمية.

2- ميثاق العمل بما أمرالله به

قال الله تعالى:

( وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا )

النساء : 153- 154

وفقد أخذ سبحانه وتعالى، العهد والميثاق على اليهود أن يعملوا بما أمرهم عز وجل به، وأن ينتهوا عما نهاهم عنه، إلا أنهم نقضوا عهدهم وميثاقهم، وكفروا بآيات الله ونبذوها وراء ظهورهم.

3- ميثاق بالمحافظة على  بناء الأسرة

قال الله تعالى:

( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا . وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا )

النساء 20 – 21

أن وصف عقد الزواج بـ الميثاق الغليط ، لقوته وعظمته، ومدى أهميته فى بناء الأسرة، يضفي على هذا العقدِ جلالًا وهيبة، وتقديرًا واحترامًا، وينبّه الزوجين إلى أن هذا العقد مستمر ومقاوم للعواصف الأسرية والأزمات الحياتية والصعاب المختلفة، ومحفزًا لهما أن يأخذا على أنفسهما العهد والميثاق بأن يحسنا العشرة

5- أنواع الميثاق

إن الميثاق في القرآن الكريم على نوعين رئيسين

أولًا: ميثاق الله مع الخلق

وينقسم إلى أنواع ، وهي

1- ميثاق الله مع بني آدم

يخبر الله تعالى أنه استخرج ذرية بني آدم من العدم ، وأشهدهم على أنفسهم بأنه ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو، وسألهم: ألست بربكم؟ فشهدوا جميعا، وقالوا: بلى أنت ربنا وخالقنا.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ. أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ﴾

الأعراف:١٧٢- ١٧٣

وبقبول بني آدم  الميثاق الذي أخذه الله عليهم إكتسبوا الفطرة التي فطر الله الناس عليها، كل علي حسب حقيقتة .

قال الله تعالى:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

الروم:٣٠

2- ميثاق الله مع النبيين

إن الله قد أخذ الميثاق على جميع الأنبياء بأن يؤمن بعضهم ببعض، ويصدق بعضهم بعضا، ويبشر بعضهم ببعض ،  وينصر بعضهم بعضا، وأمرهم بأن يأخذوا ذلك على أممهم .

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾

الأحزاب:٧

والميثاق الغليظ هو تبليغ الرسالة، وأن يصدق بعضهم بعضا، وأن يعلنوا أن محمدا رسول الله، ويعلن محمد صلى الله عليه وسلم أنه لا نبي بعده .

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ . فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾

آل عمران :٨١- ٨٢

3- ميثاق الله مع المؤمنين

يقول تعالى مذكرا عباده المؤمنين بنعمته عليهم في شرعه لهم هذا الدين العظيم، وإرساله إليهم هذا الرسول الكريم، وما أخذ عليهم من الميثاق في مبايعته على متابعته ومناصرته ومؤازرته، والقيام بدينه وإبلاغه عنه وقبوله منه .

قال الله تعالى:

﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾

المائدة:٧

وهذه هي البيعة التي كانوا يبايعون عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إسلامهم .

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

الحديد :٨

4- ميثاق الله مع بني إسرائيل

ورد في القرآن الكريم آيات كثيرة تبين أن الله قد أخذ الميثاق على بني إسرائيل، وقد جاءت هذه الآيات بصيغ متعددة ومواضع متفرقة في كتاب الله .

قال الله تعالى :

﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ﴾

البقرة:٨٣

فقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل على الوفاء له بأن لا يعبدوا غيره، وأن يحسنوا إلى الآباء والأمهات، ويصلوا الأرحام، ويتعاطفوا على الأيتام، ويؤدوا حقوق أهل المسكنة إليهم، ويأمروا عباد الله بما أمرهم الله به، ويحثوا على طاعته، ويقيموا الصلاة بحدودها وفرائضها، ويؤدوا زكاة أموالهم.

قال الله تعالى :

﴿ وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾

النساء:١٥٤

أخذ الله العهد والميثاق على بني إسرائيل بأن يدخلوا الباب سجدا وألا يعدوا في السبت، وأن يعملوا بما في التوراة، وأخذ عليهم ميثاقا غليظا مؤكدا.

قال الله تعالى :

﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

البقرة:٦٣

فقد بينت الآيه أن الميثاق أخذ على التوراة التي أنزلها الله لبني إسرائيل بأن يعملوا بما فيها من أمره وينتهوا عما نهاهم فيها بجد منكم في ذلك ونشاط.

قال الله تعالى :

﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ﴾

البقرة:٨٤

أخذ الله ميثاق بني إسرائيل بألا يقتل بعضهم بعضا، وألا يخرجوا غيرهم – من قومهم – من ديارهم.

قال الله تعالى :

﴿ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾

البقرة: ٢٧

مقصود به كفارهم ومنافقوهم،

قال الله تعالى :

﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾

المائدة: ١٢

ولقد أخذ الله العهد المؤكَّد على بني إسرائيل أن يخلصوا له العبادة وحده، وأمر الله موسى أن يجعل عليهم اثني عشر عريفًا بعدد فروعهم، يأخذون عليهم العهد بالسمع والطاعة لله ولرسوله ولكتابه، وقال الله لبني إسرائيل: إني معكم بحفظي ونصري، لئن أقمتم الصلاة، وأعطيتم الزكاة المفروضة مستحقيها، وصدَّقتم برسلي فيما أخبروكم به ونصرتموهم، وأنفقتم في سبيلي، لأكفِّرنَّ عنكم سيئاتكم، ولأدْخِلَنَّكُم جناتٍ تجري من تحت قصورها الأنهار، فمن جحد هذا الميثاق منكم فقد عدل عن طريق الحق إلى طريق الضلال.

قال الله تعالى:

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ  أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾

الأعراف: ١٦٩

فجاء من بعد هؤلاء الذين وصفناهم بَدَلُ سوء أخذوا الكتاب من أسلافهم، فقرءوه وعلموه، وخالفوا حكمه، يأخذون ما يعرض لهم من متاع الدنيا من دنيء المكاسب كالرشوة وغيرها؛ وذلك لشدة حرصهم ونَهَمهم، ويقولون مع ذلك: إن الله سيغفر لنا ذنوبنا تمنيًا على الله الأباطيل، وإن يأت هؤلاء اليهودَ متاعٌ زائلٌ من أنواع الحرام يأخذوه ويستحلوه، مصرِّين على ذنوبهم وتناولهم الحرام، ألَمْ يؤخذ على هؤلاء العهود بإقامة التوراة والعمل بما فيها، وألا يقولوا على الله إلا الحق وألا يكذبوا عليه، وعلموا ما في الكتاب فضيعوه، وتركوا العمل به، وخالفوا عهد الله إليهم في ذلك؟ والدار الآخرة خير للذين يتقون الله، فيمتثلون أوامره، ويجتنبون نواهيه، أفلا يعقل هؤلاء الذين يأخذون دنيء المكاسب أن ما عند الله خير وأبقى للمتقين؟

5- ميثاق الله مع أتباع المسيح

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾

المائدة: ١٤

وأخذنا على الذين ادَّعوا أنهم أتباع المسيح عيسى -وليسوا كذلك- العهد المؤكد الذي أخذناه على بني إسرائيل: بأن يُتابعوا رسولهم وينصروه ويؤازروه، فبدَّلوا دينهم، وتركوا نصيبًا مما ذكروا به، فلم يعملوا به، كما صنع اليهود، فألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون يوم الحساب، وسيعاقبهم على صنيعهم.

6- ميثاق الله مع أولي العلم

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾

آل عمران: ١٨٧

إذ أخذ الله العهد الموثق على الذين آتاهم الله الكتاب من اليهود والنصارى، فلليهود التوراة وللنصارى الإنجيل؛ ليعملوا بهما، ويبينوا للناس ما فيهما، ولا يكتموا ذلك ولا يخفوه، فتركوا العهد ولم يلتزموا به، وأخذوا ثمنا بخسًا مقابل كتمانهم الحق وتحريفهم الكتاب، فبئس الشراء يشترون، في تضييعهم الميثاق، وتبديلهم الكتاب.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾

البقرة :١٧٤

إن الذين يُخْفون ما أنزل الله في كتبه من الحق، ويحرصون على أخذ عوض قليل من عرض الحياة الدنيا مقابل هذا الإخفاء، هؤلاء ما يأكلون في مقابلة كتمان الحق إلا نار جهنم تتأجج في بطونهم، ولا يكلمهم الله يوم القيامة لغضبه وسخطه عليهم، ولا يطهرهم من دنس ذنوبهم وكفرهم، ولهم عذاب موجع.

ثانيًا: الميثاق بين الخلق

وينقسم إلى أنواع ، وهي

1- الميثاق بين الأنبياء وأتباعهم

أن الله تعالى أخذ ميثاق النبيين، وأن النبيين أخذوا الميثاق على أممهم وأتباعهم بالسمع والطاعة والإسلام، وقد بين القرآن أن الرسول صلى الله عليه وسلم بايع صحابته في عدة مناسبات، والبيعة عهد وميثاق.

قال الله تعالى:

﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا  وَاتَّقُوا اللَّهَ  إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾

المائدة:٧

واذكروا نعمة الله عليكم فيما شَرَعه لكم، واذكروا عهده الذي أخذه تعالى عليكم من الإيمان بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، والسمع والطاعة لهما، واتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه. إن الله عليمٌ بما تُسِرُّونه في نفوسكم.

2- الميثاق بين الراعي والرعية

إن الميثاق بين الراعي والرعية في الدولة الإسلامية يكون على السمع والطاعة والجهاد وعلى كل ما يصلح شأن المجتمع.

قال الله تعالى:

﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾

النحل:٩١

والتزموا الوفاء بكل عهد أوجبتموه على أنفسكم بينكم وبين الله -تعالى- أو بينكم وبين الناس فيما لا يخالف كتاب الله وسنة نبيه، ولا ترجعوا في الأيمان بعد أن أكَّدْتموها، وقد جعلتم الله عليكم كفيلا وضامنًا حين عاهدتموه. إن الله يعلم ما تفعلونه، وسيجزيكم عليه.

ويمكن أن تكون الدساتير والأنظمة الموافقة للكتاب من المواثيق التي يجب الالتزام بها من قبل الراعي والرعية في كل ما ورد فيها من بنود لتنظيم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ونحوها مما ينظم شؤون الأمة.

3- الميثاق بين الناس

أمر الله تعالى المؤمنين عامة بالوفاء بالعقود ، والوفاء واحترام المواثيق بين الناس .

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾

المائدة :١

﴿ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ﴾

البقرة: ١٧٧

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾

المؤمنون :٨

﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ ﴾

النحل:٩١

﴿ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ ﴾

الرعد:٢٠

أن مقتضى هذه الآيات أن كل عقد وعهد جرى بين إنسانين فإنه يجب عليهما الوفاء بمقتضى ذلك العقد والعهد .

3- الميثاق بين الدول

بين القرآن الكريم حكم المواثيق والمعاهدات بين الدولة الاسلامية وغيرها من الدول، وأنه يجب الوفاء بما تم التواثق عليه، ولا يجوز نقض هذا الميثاق.

قال الله تعالى:

﴿ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾

التوبة:٤

أن الوفاء بالميثاق من فرائض الإسلام مادام الميثاق معقودا، وإلى أن العهد المؤقت لا يجوز نقضه إلا بانتهاء وقته، وإلى أن من شروط وجوب الوفاء به محافظة العدو المعاهد على ذلك العهد بحذافيره بنصه وفحواه، فإن نقص شيئا منه وأخل بغرض من أغراضه عد ناقضا للميثاق جاز قتاله .

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ﴾

التوبة:١٢

وإنْ نَقَضَ هؤلاء المشركون العهود التي أبرمتموها معهم، وأظهروا الطعن في دين الإسلام، فقاتلوهم فإنهم رؤساء الضلال، لا عهد لهم ولا ذمة، حتى ينتهوا عن كفرهم وعداوتهم للإسلام.

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾

الأنفال:٧٢

أما الذين آمنوا ولم يهاجروا من دار الكفر فلستم مكلفين بحمايتهم ونصرتهم حتى يهاجروا، وإن وقع عليهم ظلم من الكفار فطلبوا نصرتكم فاستجيبوا لهم، إلا على قوم بينكم وبينهم عهد مؤكد لم ينقضوه. والله بصير بأعمالكم، بجزي كلا على قدر نيته وعمله.

6- آثار الوفاء بالميثاق

رتب الله تعالى على الالتزام بالميثاق آثارا متنوعة ومتعددة، يمكن بيانها في الآتي:

أولا- في الحياة الدنيا

تتمثل آثار الوفاء بالميثاق في الحياة الدنيا فيما يأتي

1- يقود إلى الإيمان

الوفاء بالميثاق هو الذي يحقق الإيمان، وأن الموفين بعهدهم وميثاقهم هم المؤمنون.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

الحديد :٨

وأيُّ عذر لكم في أن لا تصدقوا بوحدانية الله وتعملوا بشرعه، والرسول يدعوكم إلى ذلك، وقد أخذ الله ميثاقكم على ذلك، إن كنتم مؤمنين بالله خالقكم؟

2- التقوى

لقد جاءت التقوى أثرا من آثار الوفاء بعهد الله، وثمرة من ثمرات الالتزام بميثاقه .

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

البقرة :٦٣

3- محبة الله

محبة الله ثمرة من ثمرات الوفاء بالعهد، وأثرا من آثار الالتزام بالميثاق.

قال الله تعالى:

﴿ بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾

آل عمران:٧٦

فإن المتقي حقاً هو من أوفى بما عاهد الله عليه من أداء الأمانة والإيمان به وبرسله والتزم هديه وشرعه، وخاف الله عز وجل فامتثل أمره وانتهى عما نهى عنه. والله يحب المتقين الذين يتقون الشرك والمعاصي.

4- الإ تعاظ و الإعتبار

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ . الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ ﴾

الرعد: ١٩- ٢٠

إنما يتعظ أصحاب العقول السليمة الذين يوفون بعهد الله الذي أمرهم به، ولا ينكثون العهد المؤكد الذي عاهدوا الله عليه.

ثانيا – في الحياة الإخري

1- تكفير السيئات وإدخال الجنات

ذكر الله سبحانه أنه أخذ ميثاق بني إسرائيل، ثم بين هذا الميثاق وذكر الجزاء على الوفاء به

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾

المائدة :١٢

3- الجزاء الحسن والأجر العظيم

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

النحل:٩5-٩6

ولا تنقضوا عهد الله؛ لتستبدلوا مكانه عرضًا قليلا من متاع الدنيا، إن ما عند الله من الثواب على الوفاء أفضل لكم من هذا الثمن القليل، إن كنتم من أهل العلم، فتدبَّروا الفرق بين خيْرَي الدنيا والآخرة. ما عندكم من حطام الدنيا يذهب، وما عند الله لكم من الرزق والثواب لا يزول. ولنُثِيبنَّ الذين تحمَّلوا مشاق التكاليف -ومنها الوفاء بالعهد- ثوابهم بأحسن أعمالهم، فنعطيهم على أدناها، كما نعطيهم على أعلاها تفضُّلا.

7- آثار نقض الميثاق

يترتب على نقض الميثاق بعض الآثار، منها:

1- الإفساد في الأرض

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾

البقرة:٢٧

الذين ينكثون عهد الله الذي أخذه عليهم بالتوحيد والطاعة، وقد أكَّده بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، ويخالفون دين الله كقطع الأرحام و عملهم بمعاصي الله، و نشر الفساد في الأرض، أولئك هم الخاسرون في الدنيا والآخرة.

– الكفر

قرن الله تعالى بين الكفر ونقض العهد معه تعالى في أكثر من موضع في القرآن الكريم .

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

البقرة:٩٣

3- الفسق

جاءت الآيات القرآنية مبينة فسق من نقض الميثاق، والفسق هو ترك أمر الله والخروج عن طاعته

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ . فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾

آل عمران:٨١-٨٢

4- الضلال

الضلال عن سواء السبيل، هذا ما يحل بمن خانوا مواثيق الله .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾

المائدة: ١٢

5- الخسران في الدنيا والآخرة

قرر القرآن الكريم أن الخسران عاقبة من نقض ميثاقه ونكث بعهده.

قال الله تعالى :

﴿ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾

البقرة:٢٧

6-  اللعنة وقسوة القلب

فقد ذكر الله عن طائفة من بني إسرائيل أنهم لما نقضوا عهد الله أصابتهم اللعنة وقسوة القلب .

قال الله تعالى :

﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾

المائدة:١٣

7- طبع على قلوبهم

بين سبحانه أنه طبع على قلوبهم جزاء لهم على كفرهم ونقضهم لميثاقهم

قال الله تعالى :

﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾

النساء:١٥٥

8- سُوءُ المصير

قال الله تعالى :

﴿ وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾

الرعد:٢٥

وهذه الآية  تبين المصير الذي ينتظر الناكثين لعهودهم الناقضين لمواثيقهم، وهو إنذار وتحذير للمؤمنين بل وللناس أجمعين.

8- صفات ناقضي الميثاق

ذكر القرآن صفات للناقضين لعهودهم، والخائنين لمواثيقهم ، وهي

1- نفى العقل عنهم

قال الله تعالى :

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾

الأعراف:١٦٩

2- أنهم شر من على الأرض

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ ﴾

الأنفال: ٥٥- ٥٦

أي: أن الذين ينقضون مواثيقهم شر ما دب على الأرض عند الله، الذين كفروا بربهم، فجحدوا وحدانيته، وعبدوا غيره فهم لا يصدقون رسل الله، ولا يقرون بوحيه وتنزيله، فيكونون في ترك القبول بمنزلة من لم يسمع

3- الكذب و النفاق

قال الله تعالى :

﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ  .فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ . فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾

التوبة: ٧٥-٧٧

 

 

Share This