مفهوم المعرفة في القرآن الكريم

1- مفهوم المعرفة

المعرفة  هى التحقق من الشيء عن طريق ما يرى من علاماته الدالة عليه .

قَال الله تعالى :

( لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ )

البقرة :272

( وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ )

الأعراف : 46

2- كلمة المعرفة

      في

القرآن الكريم

وردت كلمة المعرفة في القرآن الكريم 24 مرة . والصيغ التي وردت هي:

– الفعل المضارع

ورد 22 مرة

قَال الله تعالى:

﴿ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ﴾

النحل : 83

– الفعل الماضي

ورد مرتين

قَال الله تعالى :

﴿ فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ ﴾

التحريم : 3

وجاء ت كلمة المعرفة في القرآن الكريم بمعني وقوع شيء على نحو مطابق لسابق علم به .

قَال الله تعالى :

( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ )

المائدة : 83

3- كلمات ذات الصلة

     بكلمة المعرفة  

– الفهم

الفهم هو العملية التي يعطي الناس بها معنى لتجاربهم الجماعية. وهو التطوير المستمر بأثر رجعي للصور العقلية التي تبرر ما يفعله الناس.

قَال الله تعالى :

﴿ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾

الأنبياء : 79

– الأدراك

الإدراك هو عملية أو القدرة على تحقيق الوعي وفهم البيئة المحيطة بنا عن طريق تفسير، إختيار وتنظيم أنواع مختلفة من المعلومات. هو مجال معرفي مهم.

قَال الله تعالى :

﴿ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ ﴾

النمل :66

قل -أيها الرسول- لهم: لا يعلم أحد في السموات ولا في الأرض ما استأثر الله بعلمه من المغيَّبات، ولا يدرون متى هم مبعوثون مِن قبورهم عند قيام الساعة؟ بل تكامل علمهم في الآخرة، فأيقنوا بالدار الآخرة، وما فيها مِن أهوال حين عاينوها، وقد كانوا في الدنيا في شك منها، بل عميت عنها بصائرهم.

4 – الفرق بين العلم

   والمعرفة

العلم والمعرفة مصطلحان يشيران إلى مقدار ما يكتسبه الفرد من معلومات، والفارق بينهما أن

– المعرفة قد تقال فيما تدرك آثاره ، وإن لم تدرك ذاته . والعلم لا يكاد يقال إلا فيما يدرك ذاته ولهذا يقال : فلان يعرف الله ولا يقال : يعلم الله ، لمَّا كانت معرفته تعالى ليست إلا بمعرفة آثاره دون معرفة ذاته .

– أنَّ العلم يقابله في الضدِّ الجهل ، أما المعرفة فهي ضد الإنكار.

5 – وسائل المعرفة

         في

    القرآن الكريم

العقل والحواس يقومان كل منهما بدوره في ادراك المعلومات،و في صياغة المعرفة وتفهمها. وقد أشار القرآن الكريم الى هذه الوسائل ودورها في كسب المعرفة وادراك المعلومات.

أولا – الحواس

الحواس وسيلة من وسائل الإدراك المؤدية إلى اكتساب المعارف والعلوم، وقد اهتم بها القرآن الكريم ، وعدها من النعم التي أنعم الله بها على الإنسان وامتن بها عليه، ودعا الناس إلى استعمالها لاكتساب العلم النافع في الدين والدنيا. فقد أمر الإنسان في أكثر من آية بالنظر إلى الأ تي :

أ- نفسه وظاهرة خلقه والمادة التي خلق منها

قال الله تعالى:

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ . خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ . يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ﴾

الطارق :5-7

ب – الكائنات والأشياء من حوله

قال الله تعالى:

( أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ . وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ . وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ . وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ )

الغاشية : 17-20

ورغم ان النظر هنا قد يراد به النظر العقلي،فإن النظر الحسي غير مستبعد ايضا ،الامر الذي يدل على ان النظر يراد به تقليب البصر والبصيرة لإدراك الشيء ورؤيته، وقد يراد به التأمل والفحص، وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص، وهو الرؤية .

وقد اشار القرآن الكريم الى ان الله هو الذي زود الانسان بوسائل المعرفة من سمع وبصر وفؤاد ،ومن ثم ينبغي ان يشكر الله تعالى على هذه النعم التي زود بها .

قال الله تعالى:

( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )

النحل : 78

كما أخبر القرآن أن من أسباب إخفاق الإنسان في معرفة الحق الذي يوجب دخول النار ، اهمال نعمة الحواس والعقل ،وعدم استخدامها والاستفادة منها في مجال المعرفة والعلم .

قال الله تعالى:

( وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ )

الملك :10

كما بين القرآن الكريم أن الانسان مسؤول عن استخدام هذه الوسائل، ويترتب على ذلك الثواب ان استعملها في الخير ،ويعاقب على استخدامه لها في الشر .

قال الله تعالى:

( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً )

الإسراء :36

ثانيا – العقل

إن مفهوم العقل في القرآن الكريم يشير إلى أنه أداة العلم والمعرفة، والتمييز بين الأشياء، وتجعل من الإنسان مخلوقاً مسؤولاً عن أعماله ،على أساس قدرته على الادراك والتمييز بين الحق والباطل ،والخير والشر، والحسن والقبيح .

و من مظاهر اهتمام القرآن الكريم بالعقل والتفكير تلك المكانة التي يحتلها العقل ووظائفه والتفكير وأدواته في القرآن، فقد حض على النظر العقلي بنصوص كثيرة ودعا إلى التفكر وإعمال العقل في جميع مجالات الوجود الكونية والنفسية والإجتماعية، واستخدم في ذلك ألفاظاً متنوعة وعبارات شتى: كالتعقل والنظر والتبصر والتدبر والتفكر وغيرها من العبارات التي تشير الى ملكة التفكير في الإنسان.

أ – التفكر

ورد مصطلح التفكر في ست عشرة آية تتضمن الدعوة إلى إعمال العقل، والتفكر في مظاهر الوجود المختلفة و ومن ذلك

1- الكون

و ذلك بالنظر في آيات الكون بسمائه و أرضه – وما جعل في الأرض والسماء من أسباب الحياة للإنسان والحيوان .

قَال الله تعالى:

 ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )

آل عمران:190-191

2- الكائنات

و ذلك بالنظر في الكائنات وما ركب فيها من طبائع تدل على عظمة الخلق الإلهي وغاياته ومقاصده .

قَال الله تعالى:

( وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ، ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )

النحل : 68-69

3- الإنسان

و ذلك بالنظر في ظاهرة خلق الإنسان وموته ومسيرته في الحياة وعلاقات الناس ببعضهم بعضاً، ولفت نظر الإنسان إلى ذلك وحثه على التفكر في هذه الظواهر للوقوف على الحكم الإلهية وأسرارها

قَال الله تعالى:

 ( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ )

الروم : 8

4- القرآن

و ذلك بالحث على التفكر في القرآن وحكمة التشريع، حتى يدرك الإنسان ما في التشريعات من منافع، وما وراءها من حكم، فيلتزم بها عن قناعة عقلية ويتيقن انها حق لا يجوز العدول عنه أو التفريط فيه .

قَال الله تعالى:

( يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ )

البقرة : 219

5- الأمثال والآيات

و ذلك بالحث على إستنباط الحكم والعبر من الأمثال والآيات. إذ ضرب القرآن العديد من الآيات والأمثال ودعا إلى التفكر فيها والتأمل، من أجل إدراك أهدافها ومراميها .

قَال الله تعالى:

( وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ )

العنكبوت : 43

( قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ )

آل عمران : 118

ب – النظر

قد وردت كلمة النظر في الكثير من الآيات ، لتشير إلى النظر الذي يقوم على الفحص والتأمل والروية والتبصر بحقائق الوجود والخلق .

قَال الله تعالى:

( فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ )

الطارق : 5

ت – التبصر

قد ورد معنى التبصر كأداة من أدوات المعرفة، فيما يقرب من مائة وخمسين آية، منها

قَال الله تعالى:

 ( وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ )

الذرايات : 21

ث – التدبر

وقد جاءت كلمة تدبر فى أربع أيات مرتبطة جميعها بالقرآن الكريم .

قَال الله تعالى:

( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ )

ص :29

 ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً )

النساء :82

ج – الاعتبار

قد ورد الاعتبار في سبع آيات تدعو إلى أخذ العبرة من سير السابقين، ومن آيات الله في الكون والآفاق .

قَال الله تعالى:

 ( أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ )

النور : 43-44

ح – الفقه

قد وردت مادة الفقه في عشرين آية تدعو في مجملها إلى التفقه وهو خطوة عقلية أبعد مدى من التفكر، إذ هي الحصيلة التي تنتج عن عملية التفكير، وتجعل الإنسان أكثر وعياً لما يحيط به، وأعمق إدراكاً لأبعاد وجوده وعلائقه في الكون ، كما تجعله متفتح البصيرة دوماً . ومن ذلك

قَال الله تعالى:

 ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ )

الأنعام : 65

كما وردت آيات تذم الذين لا يبذلون جهداً في التفقه والمعرفة .

قَال الله تعالى:

 ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا ،وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ )

الأعراف : 179

6 – عوائق في طريق

  المعرفة الصحيحة

سعى القرآن بداية إلى تحرير العقل من أي عائق أو قيد يحول بينه وبين أن يقوم بوظيفته، مثل التقليد الاعمى للآباء،أو اتباع الهوى ، أو الأخذ بالظن من غير يقين.

1- التقليد الأعمى

التقليد إلغاء للعقل وتعطيل له عن أداء وظيفته، لذا ذمه القرآن، ونعى على أولئك الذين رفضوا الحق المبين، لا لشئ إلا لتمسكهم بما كان عليه آباؤهم من خرافات وأباطيل مخالفة للحق الذي جاءت به الرسل ونزل به الوحي، فقطعوا على أنفسهم طريق المعرفة وحرموا أنفسهم نعمة الفهم .

قَال الله تعالى:

 ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ )

البقرة : 170

فالعقل الذي كرمه الله لا ينبغي أن يخضع لأي سلطة تحول بينه وبين النظر المستقل والسعي إلى طلب الحقيقة، حتى لو كانت هذه السلطة سلطة رجال الدين أنفسهم . لذلك نعى القرآن الكريم على أولئك الذين ألغوا عقولهم وخضعوا لسلطة الأحبار والرهبان، ووصف ذلك بأنه خضوع لا يقل عن درجة العبادة لهم  .

قَال الله تعالى:

( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ )

التوبة : 31

2- إتباع الهوى

لقد ذم القرآن اتباع الهوى، كما ذم التقليد الأعمى لأنَّ اتباع الهوى يفسد الحكم على الأشياء ، كما يفقد الباحث عن الحق، الموضوعية في نظره إلى الأشياء وحكمه عليها. وبين أن اتباع الهوى قرين بالظلم والضلال والافساد في الارض، وفي الوقت نفسه مضاد للعلم والهدي الالهي والحق.

قَال الله تعالى:

 ( وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ )

الانعام : 119

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾

القصص :50

3- إتباع الظن

حرص القرآن الكريم على استقامة منهج النظر العقلى، لذلك ذم بناء المعلومات على الظن لأنَّ الظن لا يفيد يقيناً ولا علماً ، ولا يغني من الحق شيئاً، كما عبر القرآن الكريم. وفي الوقت نفسه ذم القرآن متبعي الظن ووصف بعضهم بالجهل، ووصف آخرين منهم بعدم العلم والكذب والتخرص .

قَال الله تعالى:

 ( قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ )

الأنعام : 148

﴿ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ﴾

يونس: 36

كما دعا المؤمنين إلى اجتناب الظن

قَال الله تعالى:

 ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ  )

الحجرات : 12

وأكد في الوقت نفسه ضرورة قيام العلم الصحيح وتأسيس اليقين على أساس من النظر والإستدلال العقلي السليم أو البرهان.

قَال الله تعالى:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ﴾

الحج: 8

﴿ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾

البقرة: 111

7 – مجالات المعرفة

      في

 القرآن الكريم

لفت القرآن الكريم انتباه الإنسان إلى استخدام منهج الإستدلال العقلي السليم ، بطرقه المتعددة ومسالكه الحسية والعقلية، لاكتساب المعارف والعلوم فيما يتعلق بقضايا الوجود الكبرى: الله والكون والإنسان، والوقوف على الظواهر الكونية والاجتماعية والانسانية، والسنن التي تحكمها وتربط بينها كسبيل الى معرفة الله تعالى وادراك حقائق الغيب والآخرة وما فيها من احداث ووقائع. ومن بين تلك المجالات والظواهر التي دعا القرآن الى التفكر والنظر فيها :

1- الظواهر والآيات الكونية

لفت القرآن الكريم نظر الإنسان إلى التدبر والتفكيرفى جزئيات الكون من سماء وأرض وجبال وأنهاروغيرها من مظاهر الطبيعة ،والى النظر في ظاهرة خلق الحيوان والإنسان بصفة خاصة وما في ذلك الخلق من آيات ودلائل الإعجاز الإلهي في الخلق والصنع .

قَال الله تعالى :

( وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِين . وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ )

الذاريات : 20-21

 ( إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ،وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ )

الجاثـية :3-5

( أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ )

الأعراف :185

والنظر ليس المراد به مجرد الملاحظة العابرة بل ما يؤدي إلى الكشف عن بعض الحقائق التي يمكن استخدامها لاستنباط معرفة جديدة ، وإلا فلن تكون للملاحظة قيمة.

قَال الله تعالى :

 ( وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ )

يوسف :105

وقد دعا القرآن إلى دراسة الظواهر الكونية ومحاولة التعرف على المراحل التى تمر بها ودراستها دراسة دقيقة،ومحاولة معرفتها معرفةعلمية صحيحة من جميع جوانبها .

قَال الله تعالى :

( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ )

الزمر:21

( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ )

النور :43

كما دعا القرآن الكريم إلى دراسة كيفيات الأشياء وما يتعلق بطبيعتها والقوانين التي تحكم العلاقة بين اجزائها، وأسباب ومراحل حدوثها

قَال الله تعالى :

 ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ )

الأنبياء :30

وأكد على الاهتمام بدراسة كميات الأشياء وما فيها من علاقات تؤدى إلى معارف وعلوم أخرى. فمن النظر في ظاهرة الشمس والقمر يمكن التوصل إلى علم العدد والحساب .

قَال الله تعالى :

 ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )

يونس :5

2 – الظواهر الإنسانية والاجتماعية

اهتم القرآن الكريم بالظواهر الإنسانية والاجتماعية ، لأنها تشير الى قوانين تنظم حركة الإنسان والعلاقات الاجتماعية بين الناس ، فهى نماذج يهتدي بها الإنسان ويسترشد بها في تنظيم حياته كفرد وجماعة.

قَال الله تعالى :

﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾

آل عمران : 137

﴿ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾

الأعراف : 86

﴿ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾

الأعراف:  128

3- الأحداث والوقائع التاريخية

اهتم القرآن بالتاريخ باعتباره أحد مصادر المعرفة الانسانية، وقدم في هذا الصدد أصول منهج متكامل في التعامل مع التاريخ البشري، ينتقل من مجرد العرض والتجميع إلى محاولة استخلاص السنن الإلهية أو القوانين التي تحكم الظواهر الاجتماعية والتاريخية،وما في تلك الأحداث التاريخية من عبر ودروس

قَال الله تعالى :

 ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ )

يوسف:111

فالتاريخ في المنظور القرآني تحكمه قوانين ثابتة مطردة عبر عنها بسنن الله ،ودعي الإنسان إلى اكتشافها

قَال الله تعالى :

( سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً )

الفتح:23

كما بين القرآن الكريم أهمية الدور الإنساني في حركة التاريخ

قَال الله تعالى :

( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )

الرعد :11

8- مصادر المعرفة

      في

القرآن الكريم

إنَّ المصدر الأساسي للمعرفة الانسانية في التصور القرآني هو الله تعالى، الذي علم الإنسان ما لم يعلم .

قَال الله تعالى :

( الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ )

العلق :4-5

 ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا )

البقرة :31

وأنه تعالى وهب الإنسان وسائل المعرفة من السمع والبصر والفؤاد

قَال الله تعالى :

( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )

النحل :78

ويتلقى الإنسان تلك المعارف الالهية عن طريق الوسائل التي منحها الله له ( الحواس والعقل)، فيما يتعلق بالمعارف الكونية . أما مسائل الغيب فإنَّ الله زود بها الانسان عن طريق الوحي الإلهي ويتلقاها الإنسان بعقله. وبناءً على ذلك فإنَّ مصادر المعرفة في الإسلام هي: الوحي الالهي المقرؤء والمتمثل في القرآن الكريم،والوحي الإلهي المشاهد والمتمثل في الكون.

1- الوحي

لعل من المسلمات أنَّ الوحي الإلهي المتمثل في القرآن الكريم ، هو المصدر الأساسي للمعرفة لاسيما فيما يتعلق بعالم الغيب، الذي لا سبيل إلى إدراك حقائقه عن طريق الحس ، ولا معرفة تفاصيله عن طريق العقل، لأنَّ كلاً من الحس والعقل وسائل يهتدى بها إلى عالم الشهادة أو العالم المادي، ولا سبيل إلى إدراك ما وراء هذا الكون المشاهد أو عالم الغيب ،عن طريقها. ومن ثم كان المصدر الوحيد لتلك الحقائق هو الوحي الإلهي .

قَال الله تعالى :

﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ﴾

النجم : 3-4

﴿ وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

الشورى : 52

﴿  ذَٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ﴾

الإسراء: 39

2- الكون

أما المصدر الثاني للمعرفة الإنسانية فهو الكون .وقد اشار القرآن الكريم الى كثير من الظواهر الكونية ، في الأرض والسماء وما بينهما، كما سجل حركة الإنسان على هذه الأرض وتفاعله معها.وقد دعا القرآن الانسان الى السير في الارض والسماوات ، واالنظر في الانفس والآفاق والكشف عن ما فيها من علوم ومعارف . وقد سعى القرآن الكريم من خلال تلك المعارف الكونية الى أن تكون معرفة الإنسان بالكون برهاناً لاثبات العقائد الغيبية . فالعلاقة بين العالمين: علم الغيب وعلم الشهادة ،علاقة تكامل وتعاضد لا علاقة تمانع وتدافع . والمعرفة الكونية تجيب على أسئلة مهمة للإنسان ، تتعلق بعالم الشهادة وواقع الإنسان المعاش:مثل كيف يعيش الإنسان على هذه الأرض،وكيف يستفيد من مواردها؟وكيف يحافظ على كيانه فيها؟

قَال الله تعالى :

( إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ،وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ )

الجاثـية :3-5

﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾

فصلت : 53

 

Share This