1-  مفهوم المصيبة

المصيبة هي ما ينزل في هذه الدنيا من الحوادث الضخام، والأحوال المكروهة، وهي البلايا والرزايا والآلام والقحط وما يتصل بذلك من المشاكل العامة أو الخاصة التي تقع في الأنفس والأموال والأعراض والثمرات  .

قال اللهَ تعالى :

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ  وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾

البقرة 155

ولنختبرنكم بشيء يسير من الخوف، ومن الجوع، وبنقص من الأموال بتعسر الحصول عليها، أو ذهابها، ومن الأنفس: بالموت ، وبنقص من ثمرات ، بقلَّة ناتجها أو بالقحط ..

2- المصيبة إحدى

    السنن الالهية

قال اللهَ تعالى :

 ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ. لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ )

الحديد 22-23

أى إن كل مصيبة تحدث لانسان إلا تم مسبقا تقديرها فى علم الله تعالى ، قبل وجودنا فى هذه الحياة . وبالتالى فعلى المؤمن أن يتخذ موقف معتدلا وسطا من هذه الحتميات التى لا بد له من مواجهتها ، سواء كانت بالخير أو بالشرّ ، فلا يفرح ويغتر بالخير منها ولا ييأس ولا يحزن بالسىء منها .

قال اللهَ تعالى :

 ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )

التغابن 11

وبالتالى فكل المصائب بإذن الله تعالى ، والمؤمن هو الذى يتقبل ذلك راضيا شاكرا صابرا ، وبهذا يستريح قلبه وينصلح باله ..

قال اللهَ تعالى :

(  وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )

يونس 107

ولأنّ المصائب خيرها وشرّها من عند الله جل وعلا ، فهو وحده جل وعلا الذى يملك كشف الضرر ، ولا يستطيع مخلوق منع مصيبة بالخير قدرها الله جل وعلا لمن أراد من عباده ،. وبالتالى يجب أن يتوجّه الانسان لربّه وحده يتوسّل به وحده ، ويدعوه وحده ، ويرجوه وحده ، ويستغيث به وحده ، لا شريك له .

قال اللهَ تعالى :

( قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ )

الأعراف 188

فالنبى محمد نفسه لا يملك لنفسه فضلا عن غيره نفعا ولا ضرا .

وتتداخل المصائب خيرها وشرها بالابتلاء بالشر والخير لاختبار البشر

قال اللهَ تعالى :

( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ )

الأنبياء 35

3- أنواع المصائب

هناك أنواع مختلفة من المصائب تصيب الإنسانِ عموما منها ..

أ- مصائب الكشف

هذا النوع من المصائب لا يكون من قبيل العقوبة ، وإنما لإظهار حقيقة الإيمان وتميزه؛ فلكَ أن تقولَ ما تشاء ، ولكَ أن تدّعي ما تشاء ، ولكَ أن تضعَ نفسَكَ في المرتبة التي تشاء ، ولكنَّ اللهَ متكفلٌ أن يكشِفَ حقيقةَ إيمانِك ..

قال اللهَ تعالى :

﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾

آل عمران  179

﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾

العنكبوت 2-3

ب – مصائب لغفران الذنوب

هذا النوع من المصائب يسوقها الله تعالى على بعض عباده ليخلصهم مما علق بأعمالهم من شائبة فيتركهم وقد خلصت أعمالهم لله وحده، فيرفع درجاتهم ويعلي قدرهم ويصلي عليهم إذا واجهوا تلك الشدائد بالصبر والاحتساب.

قال الله تعالى:

( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )

البقرة 155-157

ت ـ مصائب الردع

بعض مصائب الدنيا وأسقامها وبلائها يسوقها الله تعالى على من يريد بهم خيرا فيقلعوا عن ذنوب اقترفوها،

قال الله تعالى:

( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير )

آل عمران: 165

وقد علم الله تعالى بصلاح حالهم إذا ما ابتلاهم، ويقصد بهذا الابتلاء دفع العذاب الأكبر عنهم أي عذاب جهنم.

قال الله تعالى:

 ( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )

السجدة 21

﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ﴾

التوبة  118

أي ساقَ لهم من الشدائد ما حملهم بِها على التوبة  .

ج ـ مصائب القصم

حينما تنعدمُ إمكانية الخير عِندَ الإنسان ، وحينما يُصِرُّ على كُفرِهِ وعدوانِهِ ، وحينما لا تنفعُ معهُ الموعظة ، تأتي مصيبةُ القصمِ  .

قال اللهُ تعالى:

﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾

سبأ 17

﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾

هود 117

﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ﴾

الإسراء 16

ومثال ذلك في القرآن كثير، كالطوفان لقوم نوح.

قال الله تعالى:

( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ )

العنكبوت 14

والخسف لقوم لوط

قال الله تعالى:

( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ. مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ )

هود 82-83

4 – المصيبة كنعمة باطنة

قد ينزل بالمؤمن ما يكره، ويظهر الأمر كمصيبة، لكنه في الحقيقة يعود بالنفع العظيم على من ألم به ونزل بساحته،

قال اللَّهُ تعالى :

( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )

البقرة 216

ومثال ذلك ما ورد في قصة قتل الغلام

قال الله تعالى:

﴿ فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ﴾

الكهف 74

وكان الرد

قال الله تعالى:

﴿ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا 0 فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴾

الكهف 80-81

5- أسباب وقوع

   المصائب

لقد خلق الله هذا الكون وفق قوانين محكمة، وكل ما فيه من مخلوقات يسير ضمن المسار الذي أبدعه الله في الكون، وانفرد الإنسان بالتكليف وأعطي الإرادة الحرة، وقد أمره الله تعالى أن يسير وفق الأنظمة التي أودعها في هذا الكون لينسجم مع بقية مفرداته المسيرة، فإذا ما خرق هذه القوانين فإن العواقب ستكون كارثية على هيئة مصائب تصيبه.

قال الله تعالى:

 ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ )

الشورى 30

( فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا )

النساء  62

( مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا )

النساء 79

6 – مواجه المصائب

لقد بيّن القرآن الكريم أن المصائب تواجه بالأتي

أ- الصبر

إذا أصيب المؤمن بمصيبة ونظر إليها وإلى حجمها وضخامتها، ثم تذكر أن الله عز وجل إنما يبتليه ليرفع درجته، ويعلي منزلته ويثيبه عليها صبر عليها، وتلقاها بصدرٍ رحب

قال الله تعالى:

( وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ )

البقرة 155-157

( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ )

البقرة 155

ب – الرضا

أن المؤمنين يتوكلون على الله تعالى ويعتمدون عليه  و راضون بقضائه ..

قال الله تعالى:

( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ )

التوبة 51

وقد أرشدنا القرآن الكريم إلى قولٍ هو عنوان والاحتساب في تلك اللحظات ..

قال الله تعالى:

( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ )

البقرة 156- 157

ومن قالها استحق صلاة الله عليه بأن ينزل عليه الرحمة والسكينة والرضا بقضائه.

 

Share This