1- مفهوم المدح

المدح هوالإخبار عن محاسن الغير والثناء باللسان على الممدوح بما يبديه من الخصال الحميدة من قول أو فعل أو صفة.

في مدح  إسماعيل عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ ﴾

مريم 54

إسماعيل عليه السلام كان صادقًا في وعده فلم يَعِد شيئًا إلا وفَّى به .

2 – نماذج من المدح 

        في

  القرآن الكريم

اشتمل القرآن الكريم على آيات عديدة تتضمن المدح و الثناء في حق الكثير ، نستعرضهم فيما يأتي :

أولًا: مدح الله تعالى

    لذاته

مدح الله تعالى نفسه بأساليب من المدح ؛ منها:

1- المدح بصفة الحمد

قال الله تعالى:

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾

الفاتحة 2

الحمد لله رب العالمين يخبر أن الثناء على الله بصفاته التي كلُّها أوصاف كمال، وبنعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، وفي ضمنه أَمْرٌ لعباده أن يحمدوه، فهو المستحق له وحده، وهو سبحانه المنشئ للخلق، القائم بأمورهم، المربي لجميع خلقه بنعمه، ولأوليائه بالإيمان والعمل الصالح.

2- المدح بالتوحيد

قال الله تعالى:

﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾

الإسراء:١١١

وقل – أيها الرسول- الحمد لله الذي له الكمال والثناء، الذي تنزَّه عن الولد والشريك في ألوهيته، ولا يكون له سبحانه وليٌّ مِن خلقه فهو الغني القوي، وهم الفقراء المحتاجون إليه، وعظِّمه تعظيمًا تامًا بالثناء عليه وعبادته وحده لا شريك له، وإخلاص الدين كله له.

3- المدح بالأسماء الحسنى

وهي جامعة لمعاني المدح والثناء كله في القران الكريم.

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ . هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ . هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

الحشر:٢٢-٢٤

هو الله سبحانه وتعالى الخالق المقدر للخلق، البارئ المنشئ الموجد لهم على مقتضى حكمته، المصوِّر خلقه كيف يشاء، له سبحانه الأسماء الحسنى والصفات العلى، يسبِّح له جميع ما في السموات والأرض، وهو العزيز شديد الانتقام مِن أعدائه، الحكيم في تدبيره أمور خلقه.

4- المدح ببديع ما صنع الله تعالى وأوجد

قال الله تعالى :

﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ . وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ   .وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾

الذاريات:٤٧-٤9

والسماء خلقناها وأتقناها، وجعلناها سَقْفًا للأرض بقوة وقدرة عظيمة، وإنا لموسعون لأرجائها وأنحائها. والأرض جعلناها فراشًا للخلق للاستقرار عليها، فنعم الماهدون نحن. ومن كل شيء من أجناس الموجودات خلقنا نوعين مختلفين؛ لكي تتذكروا قدرة الله، وتعتبروا.

5- المدح على نعمة الهداية

وأهل الطاعة يحمدون الله تعالى على نعمة الهداية وتوفيقهم للطاعة

قال الله تعالى :

﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ  لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ﴾

الأعراف:٤٣

وقال أهل الجنة حينما دخلوها: الحمد لله الذي وفَّقنا للعمل الصالح الذي أكسبنا ما نحن فيه من النعيم، وما كنا لنوفَّق إلى سلوك الطريق المستقيم لولا أَنْ هدانا الله سبحانه لسلوك هذا الطريق، ووفَّقنا للثبات عليه،

ثانيًا: مدح الله تعالى

للملائكة عليهم السلام

وقد مدح الله تعالى الملائكة فوصفهم بالأ تي :

1- أنهم كرام أبرار

قال الله تعالى:

﴿ كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾

عبس:١٦

فهم كرام على الله، وهم أبرار أطهار لا يقارفون ذنبًا، ولا يجترحون إثمًا .

2- لا يخالفون الله في أمره، وينفذون ما يؤمرون به

قال الله تعالى:

﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾

التحريم :٦

لا يخالفون الله في أمره، وينفذون ما يؤمرون به.

3- لا يستكبرون عن عبادة الله

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ  ﴾

الأعراف:٢٠٦

إن الذين عند ربك من الملائكة لا يستكبرون عن عبادة الله، بل ينقادون لأوامره، ويسبحونه بالليل والنهار، وينزهونه عما لا يليق به، وله وحده لا شريك له يسجدون.

4- الخوف من الله تعالى وفعل أوامره

قال الله تعالى:

﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ . يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ  ﴾

النحل :٤٩-٥٠

ففي الآية تفصيل لصفاتهم بعدم التكبر والخوف فهم خاضعون طائعون مستمرون على ذلك .

5- لا يعملون عملا حتى يأذن لهم

قال الله تعالى:

﴿ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾

الأنبياء: ٢٧

وهم في حسن طاعتهم لا يتكلمون إلا بما يأمرهم به ربهم، ولا يعملون عملا حتى يأذن لهم.

6- الشهادة لله بالتوحيد

وذلك باقترانهم بالشهادة الإلهية في التوحيد في أشرف مقامات الثناء.

قال الله تعالى:

﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

آل عمران:١٨

7- التسبيح في كل الأوقات

قال الله تعالى:

﴿ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ﴾

الأنبياء 20

يذكرون الله وينزِّهونه دائمًا، لا يضْعُفون ولا يسأمون ، وَلا يشغلهم عن ذلك شاغل.

ثالثًا: مدح الله تعالى الكتب السماوية

من رحمة الله أن أرسل الرسل وأنزل عليهم الكتب السماوية المقدسة، وقد مدح الله تعالى الكتب السماوية لما فيها من هدي .

1- مدح التوراة

جاء مدح التوراة في القرآن الكريم، وذلك تعظيمًا لما فيها.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ﴾

المائدة:٤٤

فَمَدَحَها بـ (هدى ونور) تشريفًا وتكريمًا لمن آمن وصَدَّقَ بها، وكذلك مدحها بـ ( الإمام والرحمة )

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ﴾

الأحقاف:١٢

﴿ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ﴾

الأنعام:١٥٤

لما فيها من تفصيل الشريعة، ومدح ما فيها من الأحكام والآيات بكونها تامَّةً

2- مدح الإنجيل.

ورد ذكر الإنجيل تصريحًا في القرآن الكريم في اثني عشر موضعًا ، وقد خص الله تعالى الإنجيل بالمدح بكونه (هدى ونور)

قال الله تعالى:

﴿ وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾

المائدة:٤٦

3- مدح القرآن الكريم

ورد المدح بلفظ (القرآن) في ثمانٍ وخمسين موضعًا ، وأكثر ورود المدح له في مطلع السور القرآنية، وأكثر وقوعه بعد الحروف المقطعة،

قال الله تعالى:

﴿ الم . ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾

البقرة:١ -٢

ووصفه الله تعالى بالنور

قال الله تعالى:

﴿ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا ﴾

التغابن 8

ووصفه الله تعالى بالبركة

قال الله تعالى:

﴿ وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾

الأنعام:١٥٥

أنه المهيمن على الكتب السماوية

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾

المائدة:٤٨

وخَصَّهُ مدحًا في أم الكتاب

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾

الزخرف:٤

ومدح على لسان الجن

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا . يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾

الجن:١-٢

فهو مدح يدل على استمرار الهداية لكل زمان ومكان ودعوة إلى الحق والإيمان.

رابعًا: مدح الرسل عليهم السلام

اصطفى الله عز وجل الرسل وزكَّاهم، فكانوا أمناء لتبليغ الوحي، وقد مدح الله تعالى الأنبياء والمرسلين في كثير من الأيات ، و منهم :

1ـ مدح نوحاً عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴾

الإسراء :٣

فمدح نوحًا عليه السلام بصفتي العبودية والشكر

2ـ مدح إبراهيم عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا ﴾

النحل 120

إن إبراهيم كان إمامًا في الخير، وكان طائعا خاضعًا لله، لا يميل عن دين الإسلام موحِّدًا لله غير مشرك به، وكان شاكرًا لنعم الله عليه .

3-عن لوط عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ . نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا  كَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ ﴾

القمر:٣4 – 35

4- مدح  إسماعيل عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ ﴾

مريم 54

إسماعيل عليه السلام كان صادقًا في وعده فلم يَعِد شيئًا إلا وفَّى به،

5- مدح إسماعيل واليسع ويونس ولوطا عليهم السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا  وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾

الأنعام 86

وهدينا كذلك إسماعيل واليسع ويونس ولوطا، وكل هؤلاء الرسل فضَّلناهم على أهل زمانهم.

6- مدح زكريا ويحيى وعيسى وإلياس عليهم السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾

الأنعام 85

زكريا ويحيى وعيسى وإلياس، وكل هؤلاء الأنبياء عليهم السلام من الصالحين.

7ـ  مدح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى:

( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ )

القلم 4

وإنك – أيها الرسول- لعلى خلق عظيم، وهو ما اشتمل عليه القرآن من مكارم الأخلاق؛ فقد كان امتثال القرآن سجية له يأتمر بأمره، وينتهي عما ينهى عنه.

خامسًا – مدح الله تعالى الأمم

لقد مدح الله تعالى بعض الأُمَمَ لخيريَّتها ، و ذلك لقِيامِها بأُسُس الدين .

أولا – مدح بعض أهل الكتاب

أهل الكتاب هم اليهود والنصارى، والمراد بـالكتاب التوراة والإنجيل،

وممن خُصَّ بالمدح من أهل الكتاب

أ – طائفة من قوم موسى عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾

الأعراف:١٥٩

أي: يهدون به الناس في تعليمهم إياهم وفتواهم لهم، ويعدلون به بينهم في الحكم بينهم بقضاياهم .

قال الله تعالى:

﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا  وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾

السجدة:٢٤

وفي هذا فضيلة لأمة موسى عليه السلام، وأن الله تعالى جعل منهم هداة يهدون بأمره .

ب – طائفة من النصارى

قال الله تعالى:

﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾

المائدة:٨٢

هذه الآية نزلت في أناس من أهل الكتاب كانوا على شريعةٍ من الحق مما جاء به عيسى، يؤمنون به وينتهون إليه. فلما بعث الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم صدقوا به وآمنوا به، وعرفوا الذي جاء به أنه الحق، فأثنى عليهم .

ج – الحواريون

والحواريون أتباع عيسى عليه السلام وأصفياؤه، وهم أول من آمن به، وكانوا اثني عشر رجلًا، وفي خطابهم وتخصيصهم مدح لهم وثناء عظيم عليهم. ورد ذكر الحواريين في القرآن الكريم في خمسة مواضع.

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ ﴾

الصف:١٤

وقد ورد المدح في القرآن الكريم لبعض الصفات الحميدة التي تحلى بها بعض أهل الكتاب، ومن هذه الصفات:

1- الآيمان

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا . وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا ﴾

الإسراء:١٠٧- 108

﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾

آل عمران:١٩٩

يخبر تعالى عن طائفة من أهل الكتاب أنهم يؤمنون بالله حق الإيمان، وبما أنزل على محمد، مع ما يؤمنون به من الكتب المتقدمة، وأنهم خاشعون لله، أي: مطيعون له خاضعون متذللون بين يديه .

2- الوسطية والاعتدال

قال الله تعالى:

﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ﴾

المائدة:٦٦

أي: الاعتدال في العمل من غير غلو ولا تقصير.

3- تأدية الأمانة

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾

آل عمران:٧٥

منهم من يؤدي الأمانة وإن كثرت، ومنهم من لا يؤديها وإن قلت

4- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

والمسارعة إلى الخيرات

قال الله تعالى:

﴿ لَيْسُوا سَوَاءً  مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ . يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾

آل عمران: ١١٣-١١٤

أخبر جل ثناؤه أن هؤلاء الذين هذه صفتهم من أهل الكتاب، هم من عداد الصالحين

ثانيا – ورد في القرآن مدح الأمة الإسلامية

قال الله تعالى:

(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ )

آل عمران 110

كنتم يا أمة محمد في علم الله تعالى خير أمة أظهرت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله

قال الله تعالى:

﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾

الفتح 29

محمد رسول الله، والذين معه على دينه أشداء على الكفار، رحماء فيما بينهم، تراهم ركعًا سُجَّدًا لله في صلاتهم، يرجون ربهم أن يتفضل عليهم، فيدخلهم الجنة، ويرضى عنهم، علامة طاعتهم لله ظاهرة في وجوههم من أثر السجود والعبادة،

سادسا : مدح الله تعالى لصفات المؤمنين

قد مدح الله تعالى في القرآن الكريم الصفات القويمة التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم، وهي في ذاتها تجلب المدح والثناء لمن امتثل بها.

1- الإيمان

أن الإيمان أساس لكل خير يوجد،  مدح الله تعالى به من هم من كبار الرسل إظهارًا لفضل الإيمان ومزيته

فمدح الله تعالى نوحًا عليه السلام

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾

الصافات:٨١

وإبراهيم عليه السلام

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾

الصافات:١١١

وموسى وهارون عليهما السلام

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾

الصافات:١٢٢

وإلياس عليه السلام

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾

الصافات:١٣٢

2- العبادة

عبادة الله تعالى من أهم الصفات التي مدح بها عباده المؤمنين، ومفهوم العبادة أعم وأشمل مما يعتقده كثير من الناس، من مجرد الصلاة والزكاة والصيام والحج فقط، فالعبادة التي خلقنا الله من أجلها هي تعظيم الله عز وجل والخضوع وإفراده بالطاعة المطلقة. فهي توصلهم إلى مرضاته سبحانه .

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَٰذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾

آل عمران:٥١

والعبادة مقام عظيم يشرف به العبد؛ لانتسابه إلى جناب الله تعالى، وقد سمى الله رسله بصفة العبودية

محمدًا صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى :

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾

الكهف:١

عن زكريا عليه السلام

قال الله تعالى :

﴿ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ﴾

مريم:٢

و عن سليمان عليه السلام

قال الله تعالى :

﴿ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾

ص:٣٠

وعن أيوب عليه السلام

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾

ص:٤٤

3- الصبر

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

الزمر:١٠

جزاء الصبر عظيمًا غير مقدر، ويعطي الصابر أجرًا بغير حساب.

قال الله تعالى:

﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾

آل عمران:١٤٦

4- التقوى

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾

التوبة:٤

إن الله يحب المتقين الذين أدَّوا ما أمروا به ، وأبتعدوا عن المعاصي.

5- العدل

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾

الحجرات :٩

إن الله يحب المنصفين في أحكامهم القاضين بين خلقه بالعدل.

6- الإحسان

قال الله تعالى:

﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾

البقرة 195

وأحسنوا في الطاعة، واجعلوا عملكم كله خالصًا لوجه الله تعالى. إن الله يحب أهل الإخلاص والإحسان.

7- التوابين

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ﴾

البقرة  222

الله يحب عباده المكثرين من الاستغفار والتوبة .

8- المتطهرين

قال الله تعالى:

﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾

التوبة 108

ويحب عباده المتطهرين الذين يبتعدون عن الفواحش .

9- المتوكلين

التوكل هو  الإعتماد على الله تعالى وحده .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾

آل عمران 159

10- الأوبة

الأوبة هي الرجوع إلى الله تعالى بترك المعاصي وفعل الطاعات. وهي من صفات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .

عن داود عليه السلام

قال الله تعالى :

﴿ اصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾

ص:١٧

عن سليمان عليه السلام

قال الله تعالى :

﴿ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ  إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾

ص:٣٠

و عن أيوب عليه السلام

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا  نِعْمَ الْعَبْدُ  إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾

ص :٤٤

11- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

أمر الله تعالى عباده بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر

قال الله تعالى:

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾

آل عمران:١١٠

أنتم – يا أمة محمد – خير الأمم وأنفع الناس للناس، تأمرون بالمعروف، وهو ما عُرف حسنه شرعًا وعقلا وتنهون عن المنكر، وهو ما عُرف قبحه شرعًا وعقلا وتصدقون بالله تصديقًا جازمًا يؤيده العمل.

12- الجهاد في سبيل الله

الجهاد في سبيل الله تعالى هو ذروة الأعمال الصالحة ، لأنه بيع النفس لله تعالى

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾

العنكبوت 69

والمؤمنون الذين جاهدوا أعداء الله، والنفس، والشيطان، وصبروا على الفتن والأذى في سبيل الله، سيهديهم الله سبل الخير، ويثبتهم على الصراط المستقيم، ومَن هذه صفته فهو محسن إلى نفسه وإلى غيره. وإن الله سبحانه وتعالى لمع مَن أحسن مِن خَلْقِه بالنصرة والتأييد والحفظ والهداية.

13- الشكر

الشكر من أكثر الطاعات ثوابًا، وأعلاها منزلة، لذا جعل الله تعالى جزاء الشاكرين مطلقًا لا حد له ولا حصر.

قال الله تعالى:

﴿ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾

آل عمران:١٤٤

﴿ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾

آل عمران:١٤٥

وقد أثنى الله تعالى على الشاكرين وفي مقدمتهم أنبيائه ورسله،

عن نبيه نوح عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴾

الإسراء:3

و عن نبيه إبراهيم عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

النحل:١٢٠- ١٢١

14- الوفاء

الوفاء بالعهد خلق نبيل، وقد مدح الله تعالى هذا الخلق العظيم في آيات كثيرة، منها

قال الله تعالى:

﴿ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ﴾

البقرة:١٧٧

﴿ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ ﴾

الرعد: ٢٠

أي: والموفون بعهدهم فيما بينهم وبين الله عز وجل، وفيما بينهم وبين الناس، إذا عاهدوا، يعني: إذا وعدوا أنجزوا، وإذا حلفوا ونذروا أوفوا، وإذا عاهدوا أوفوا، وإذا قالوا صدقوا، وإذا ائتمنوا أدوا .

15- الحلم

وآيات القرآن الكريم تدعو المسلمين إلى التحلي بهذا الخلق النبيل، والترغيب في الصفح عن الأذى والعفو عن الإساءة.

قال الله تعالى:

﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ  وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾

آل عمران: ١٣٣-١٣٤

وقد مدح الله تعالى نبيه إبراهيم عليه السلام بهذه الصفة

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ﴾

التوبة:١١٤

﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ﴾

هود:٧٥

16- الكرم

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

البقرة: ٢٧٤

هذا مدحٌ منه تعالى للمنفقين في سبيله، وابتغاء مرضاته في جميع الأوقات من ليلٍ أو نهارٍ، والأحوال من سر وجهارٍ، حتى إن النفقة على الأهل تدخل في ذلك أيضًا .

17- الأمانة

مدح الله تعالى هذا الخلق العظيم في آيات كثيرة، منها

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾

المؤمنون:٨

أي: مراعون لها، حافظون مجتهدون على أدائها والوفاء بها، وهذا شامل لجميع الأمانات التي بين العبد وبين ربه ، والأمانات التي بين العبد وبين الخلق، في الأموال والأسرار .

وقد مدح الله تعالى بعض أنبيائه بصفة الأمانة التي هي صفة لازمة في كل نبي من الأنبياء .

قال الله تعالى:

﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ . إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾

الشعراء 124- 125

﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ . إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾

الشعراء 142- 143

﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ . إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾

الشعراء 161- 162

﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ . إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾

الشعراء 177- 178

وعن جبريل عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ . ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ . مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ﴾

التكوير 19- 21

وغيرها من الصفات الحسنة والأخلاق الكريمة.

سابعا: مدح الخلق لله تعالى

مَدْحُ الله تعالى واجب على عباده، وهو حقٌّ من حقوقه تعالى عليهم، ولذلك أرشد الله تعالى عباده إلى مدحه، وحثهم عليه، وجعل مدحه بالثناء والتعظيم عبادة من أجل العبادات وأعظمها عنده.

1- مدحه بالثناء والتعظيم

قال الله تعالى :

﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾

النمل:٥٩

قل – أيها الرسول- الثناء والشكر لله .

2- مدحه بشكر نعمه

فقد جعل الله تعالى مدحه بشكر نعمه غاية من الخلق

قال الله تعالى :

﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

النحل:٧٨

وحينما يثني العبد على ربه ويشكره على نعمه فهو بذلك يتعرض لمزيد من فضل الله تعالى

قال الله تعالى :

﴿ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ﴾

لقمان :١٢

ومَن يشكر لربه فإنما يعود نَفْع ذلك عليه، فإن الله غني عن شكره، غير محتاج إليه، له الحمد والثناء على كل حال.

ومن الشاكرين الذين ذكرهم القرآن الكريم

1- الأنبياء والمرسلين

كانوا أكرم العباد في الثناء والمدح لله تعالى بما يليق به عز وجل، فإبراهيم عليه السلام يتوجه إلى الله تعالى بالثناء والمدح على ما أعطاه من نعم .

قال الله تعالى :

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾

إبراهيم :٣٩

﴿ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

النمل :١٥

2- أهل الجنة

قال الله تعالى :

﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ﴾

الأعراف :٤٣

3 – المدح المذموم

المدح المذموم منهيٌّ عنه؛ لأنَّه يعود بالفتنة على الممدوح، أو فيه مجازفة، أو إفراط.

1- مدح الشخص نفسه

يُنهَى القرآن الكريم أن يمدح الشخص نفسه، ويُثنِي عليها، فهو يورث الهلاك .

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ﴾

النساء:٤٩-٥٠

﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ ﴾

النجم:٣٢

أي: لا تمدحوها وتشكروها وتَمُنُّوا بأعمالكم

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾

المائدة:١٨

﴿ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ﴾

البقرة:١١١

فهذه الأقوال جميعها تدل على ذم مدح الإنسان لنفسه سواء فعلته اليهود أو النصارى أو غيرهم.

2- المغالاة في المدح

المغالاة التي تؤدي إلى رفع الممدوح فوق منزلته ، كما وصفت النصارى عيسى بما لم يكن فيه، فنسبوه إلى أنه ابن الله .

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾

النساء:١٧١

3 – المدح بقصد التملق

لا يجب أن يكون المدح في ما يتعلق بتملُّق الآخرين أو نيل التملُّق منهم

قال الله تعالى:

﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ . أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ . وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ﴾

الشعراء:٢٢٤- ٢٢6

فأغلب الشعراء والمداحين إن أعطوا رفعوا الممدوح إلى السماء فيقع في العجب بنفسه .

4 – مدح الشخص بأشياء لا يعلمها إلا الله

ما يتعلق بالقلوب لا يطلع عليها إلا علام الغيوب، وإن كان لا بد مادحًا فلا يجزم بذلك، بل يقول: أحسبه أو أظنه، ونحو ذلك من الألفاظ التي ليس فيها جزم.

قال الله تعالى:

﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ﴾

الأحزاب 51

5- مدح من لا يستحق المدح

فلا ينبغي أن يمدح الظالمون مهما كانت مكانتهم.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾

هود :١١٣

فمن مدح ظالمًا وهو يعلم فقد شاركه في ظلمه؛ لأن الله حرم الركون إلى الظالمين وتوعد من يفعله بعذاب النار، وأنه لن يجد له ناصرًا في تلك الحالة.

6- المدح بالباطل

وذلك طمعًا فيما عند الممدوح من متاع الحياة الدنيا

قال الله تعالى:

﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

فاطر 2

من علم أن المتفرد بالعطاء أو المنع هو الله وحده وأنه الذي يرزق العبد بسببٍ وبلا سببٍ ومن حيث لا يحتسب لم يمدح مخلوقًا على رزق، ولم يذمه على منع ، بل يفوض أمره إلى الله ويعتمد عليه في أمر دينه ودنياه.

4 – مقاصد المدح

      في

القرآن الكريم

في القرآن الكريم نجد أن في كثير من آياته حث على التحلي بالأخلاق الحميدة والصفات النبيلة التي تجلب المدح والثناء لصاحبها.

قال الله تعالى:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ . أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ . الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

المؤمنون:١-١١

ففلاح المؤمن موقوف على اتصافه بتلك الصفات السامية العالية القدر، العظيمة الأثر فى حياته الروحية، وكمالاته النفسية.

قال الله تعالى:

﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا . وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا. وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا . إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا . وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا . وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ﴾

الفرقان:٦٣-٦٨

وهكذا يذكر الله تعالى صفات المؤمنين لينبهنا إلى أن نرجع إلى أنفسنا ونمتحنها بهذه الأعمال والصفات، فإن رأيناها تحتمل فلنبشرها بالرضوان من الله تعالى، وإلا فعلينا أن نسعى لتحصيل هذه المرتبة التي لا ينجي عنده غيرها.

 

Share This