مفهوم المال في القرآن الكريم

1- مفهوم المال

المال هو كل ما يملكه الفرد أو تملكه الجماعة من متاع، أو عروض تجارة، أو عقار، أو نقود، أو حيوان .

2- كلمة المال

    في

القرآن الكريم

وردت كلمة (المال) وصيغها في القرآن الكريم ٨٦ مرة.  والصيغ التي وردت هي:

– اسم مفرد

ورد ٢٥ مرة

قال الله تعالى :

﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

الكهف:٤٦

– اسم جمع

ورد ٦١ مرة

قال الله تعالى :

﴿ وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ﴾

النساء:٢

وجاء المال في القرآن الكريم بمعني ما يملك من الأعيان.

3- الكلمات ذات صلة

   بكلمة المال

– القنطار

القنطار هو المال الكثير الجزيل، بعضه على بعض  .

قال الله تعالى :

﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ ﴾

آل عمران : 75

– النقود

النقود هي  كل ما يدفع من أجل الحصول على السلع أو الخدمات، وتستعمل كوسيلة تبادل في البيع والشراء.

– الذهب والفضة

هما من الجواهر النفيسة والمعادن الثمينة والتي تستخدم في سك النقود.

قال الله تعالى :

﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ  ﴾

التوبة : 34

4- أهمية المال ومكانته

          في

   القرآن الكريم

دلت نصوص القرآن الكريم على مكانة المال وأهميته الكبيرة في حياة الإنسان فردًا أو جماعة، كما أشارت إلى تأثيره في جميع أموره الدنيوية والأخروية وتظهر أهمية المال في القرآن في الآتي:

١ – وصف المال بأنه قوام الحياة

قال الله تعالى :

﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ﴾

النساء :٥

وصف الله تعالى المال في الآية الكريمة بأنه (قيامًا) أو(قوامًا)، فالأموال هي الوسيلة التي جعلها الله للناس لتقوم بها معايشهم وتستقيم بها مصالحهم الدنيوية والأخروية ، فلا يستطيع المرء أن يحافظ على حياته المادية إلا بالمال، فبه يأكل، وبه يشرب، وبه يلبس، وبه يبني مسكنه، وبه يصنع سلاحه الذي يدافع به عن نفسه وحرماته، وبه يطور حياته ويرقيها.

٢ – تسمية المال خيرًا

سمى الله تعالى المال ( خيرًا ) في كتابه العزيز ، وهذا مما يدل على مكانة المال وفضله، فهو ليس مذمومًا في ذاته، بل هو خير، وإنما المذموم هو فعل الإنسان فيه إن أساء استعماله، أو جعله غايةً ومقصودًا في ذاته فصار فكره وقلبه معلقًا به، وصارت أعماله ظاهرةً وباطنة من أجله، فشغله عما خلق لأجله، فأصبح لا يبالي من أي وجه حصل ذلك المال، ولا فيما أنفقه وصرفه، فذاك هو المذموم.

قال الله تعالى :

﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ ﴾

البقرة : 272

﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾

البقرة : 273

﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾

البقرة : 272

٣ – الامتنان بالمال وجعله من المثوبة العاجلة

لعباد الله الصالحين في الدنيا

– في معرض الامتنان على بني إسرائيل

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾

الاسراء:٩

– في معرض الامتنان على المؤمنين بما حصل يوم الأحزاب

قال الله تعالى :

﴿ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ﴾

الأحزاب :٢٧

– في معرض الامتنان على قوم نوح

قال الله تعالى :

﴿ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾

نوح:١٢

– في معرض الامتنان على نبيه صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى :

﴿ وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ ﴾

الضحى: ٨

٤ –  الأمر بالمحافظة على المال

لأهمية المال جاءت الأوامر والتوجيهات القرآنية بالمحافظة عليه، فكان تحريم التبذير والإسراف في الاستهلاك، والأمر بالاعتدال والتوسط فيه.

قال الله تعالى :

﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا . إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾

الاسراء :٢٦-٢٧

﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾

الأعراف :٣١

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا ﴾

الفرقان: ٦٧

ومن المحافظة على المال الحجر على السفهاء  وهو حجر لصالح المجتمع، وكذلك الحجر على الصغار والمجانين وكل من لا يحسن التصرف لصغر سن أو ضعف عقل.

قال الله تعالى :

﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾

النساء:٥

كما نزل في القرآن الكريم وجوب حفظ المال بكتابته والإشهاد عليه

قال الله تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ﴾

البقرة:٢٨٢

﴿ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ  وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ﴾

البقرة:٢٨٢

٥ – جعل المال من الضرورات

الخمس التي أمر الشرع بحفظها

أن المحافظة على المال من المقاصد أو المصالح الكلية الضرورية الخمس للشريعة الإسلامية، لذلك حرم السرقة وأوجب فيها الحد .

قال الله تعالى :

﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ ﴾

المائدة:  38

٦-  تقديم ذكر المال على الولد في أكثر

الآيات التي قرن فيها الأموال بالأولاد

قال الله تعالى :

﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

الكهف : 46

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴾

الشعراء : 88

بل تقديمه على النفس في مواضع ذكر الجهاد

قال الله تعالى :

﴿ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ﴾

الصف: 11

5- المال والفطرة الإنسانية

أولًا – المال زينة محببة

المال مما جبل الإنسان على حبه، وفطر على التعلق به، والحرص على اقتنائه؛ لأنه زينة من زين الحياة، تهفو إليه القلوب، وترغب فيه النفوس، وتطمع في تحصيله الهمم، وتبذل لحيازته وجمعه الجهود والأوقات، وتضيع من أجله وفي سبيله – أحيانًا – أهم الواجبات. وقد جاء تأكيد هذا المعنى في القرآن الكريم بثلاثة أساليب:

1- التصريح بكون المال زينة محببة للإنسان

قال الله تعالى :

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾

آل عمران :١٤

وقد فصل الشهوات المحببة للإنسان في الآية فبدأ بذكر النساء ثم البنين ثم ذكر المال، ولما ذكر المال فصل فيه فعدد أنواعه وأصنافه فأفاد ذلك أن المال من أعظم الشهوات والزين المحببة للإنسان، وأن كل نوع من أنواعه زينة قد تعلقت بها قلوب طائفة من البشر.

وقد صرح عزوجل بهذه الفطرة الإنسانية في مواضع أخرى من كتابه الكريم

قال الله تعالى :

﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾

الفجر: ٢٠

﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾

العاديات:٨

2- تقديم المال على الولد في

عدة مواضع من القرآن الكريم

قرن الله تعالى في كتابه الكريم بين الأموال والأولاد في أربعة وعشرين موضعًا، قدمت فيها الأموال على الأولاد، وفي موضعين قدم الأولاد على الأموال.

قال الله تعالى :

﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

الكهف: ٤٦

إضافة إلى التصريح في هذه الآية الكريمة بأن المال زينة، جاء المال فيها مقدمًا على الولد، فدل ذلك على مكانة المال في نفس الإنسان ومنزلته عنده وحبه له وتعلق قلبه به، ولا غرو في ذلك فهو زينة كما سماه الله تعالى.

3- الامتنان بالإمداد بالمال

ولا يكون الامتنان إلا بما هو مرغوب محبوب للنفس، ذو مكانةٍ ومنزلة وفضل عند الناس، لذلك امتن الله تعالى في عدد من آيات القرآن الكريم على عباده الصالحين بالإمداد بالمال.

قال الله تعالى :

﴿ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾

نوح : 12

ثانيًا: أقسام الناس تجاه شهوة المال

وصف الله تعالى المال بأنه شهوة، وفطر الناس على حبه، وهو شهوة وزينة ليست خسيسة أو مذمومةً في ذاتها، ولا يقصد الشرع التنفير منها، إنما يريد من الناس أن يقتصدوا في طلبها، ويطلبوها من وجوهها المشروعة، ويضعوها في مواضعها المشروعة، وأن يشكروا الله عليها، وألا يجعلوها غاية مقصدهم في هذه الحياة، فالشرع لا يحارب الفطرة الإنسانية التي تشتهي المال وتحبه، إنما يهذبها ويضبطها ويرشدها لوضع المال في موضعه المناسب، حتى لا يطغى على غيره، ولا يستعمل في غير ما أراد الله تعالى له، وبذلك يسعد الإنسان في دينه ودنياه وآخرته. وانقسم الناس بحسب الواقع تجاه هذه الشهوات إلى قسمين:

أ- جعلوها هي المقصود

فصارت أفكارهم وخواطرهم وأعمالهم الظاهرة والباطنة لها، فشغلتهم عما خلقوا لأجله، وصحبوها صحبة البهائم السائمة، يتمتعون بلذاتها ويتناولون شهواتها، ولا يبالون على أي وجه حصلوها، ولا فيما أنفقوها وصرفوها، فهؤلاء كانت لهم زادًا إلى دار الشقاء والعناء والعذاب.

قال الله تعالى :

﴿ كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى . أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾

العلق: 6-7

حقًا إن الإنسان ليتجاوز حدود الله إذا أبطره الغنى

ب – عرفوا المقصود منها

أن الله جعلها ابتلاءً وامتحانًا لعباده؛ ليعلم من يقدم طاعته ومرضاته على لذاته وشهواته، فجعلوها وسيلةً لهم وطريقًا يتزودون منها لآخرتهم ويتمتعون بما يتمتعون به على وجه الاستعانة به على مرضاته

قال الله تعالى :

﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ ا

لأعراف: 10

ثالثًا: المال فتنة وابتلاء

كما وصف الله تعالى المال بأنه (زينة) وصفه عزوجل بأنه (فتنة)، فالمال زينة خاصة بالدنيا، فإن أحسن الإنسان استعماله وجعله عونًا على الطاعة ووسيلةً وطريقًا للآخرة فقد نال ثواب الله الأبقى، بينما إذا انشغل بهذا المال عن الآخرة وصارت هذه الشهوة مقصده وغايته، أصبح ذلك المال بلاءً ونقمةً عليه، ومن هنا وصف الله تعالى المال بأنه (فتنة) .

قال الله تعالى :

﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾

الأنفال :٢٨

﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾

التغابن: ١٥

اعلموا أيها المؤمنون أنما أموالكم التي خولكموها الله اختبار وبلاء، أعطاكموها ليختبركم بها ويبتليكم، لينظر كيف أنتم عاملون من أداء حق الله عليكم فيها والانتهاء إلى أمره ونهيه فيها .

رابعًا: من صور الافتتان بالمال

1- أن يكون المال سببًا في الإعراض

عن الإيمان وقبول الحق.

وهو أعظم صور الافتتان بالمال وأخطرها على الإنسان، حين يصده ماله عن متابعة الحق والإذعان إليه؛ لذلك ندد الله تعالى بالمشركين والكفار كالوليد بن المغيرة وغيره؛ لما صدتهم أموالهم بكثرتها عن الإيمان بالله ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم .

قال الله تعالى:

﴿ أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ . إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾

القلم:١٤-  15

أي: لأجل كثرة ماله وولده طغى واستكبر عن الحق، ودفعه حين جاءه، وجعله من جملة الأساطير التي يمكن صدقها وكذبها.

قال الله تعالى:

﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا . وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا . وَبَنِينَ شُهُودًا . وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا . ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ . كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا ﴾

المدثر :١١-١٦

فهذا تقريع وتوبيخ لأولئك الكفرة على مقابلة ما أنعم الله به عليهم من المال بالكفر بآيات الله تعالى والإعراض عنها.

2- أن يكون المال سببًا للبطر والطغيان

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ ﴾

الاسراء: ٨٣

وإذا أنعمنا على الإنسان من حيث هو بمال وعافية ونحوهما، تولَّى وتباعد عن طاعة ربه،

3- أن يكون المال سببًا في التشاغل

عن الطاعات وذكر الله تعالى

فهنا نداء من الله تعالى لعباده المؤمنين وتنبيهٌ لهم بألا تشغلهم أموالهم وتدبيرها، والعناية بشؤونها، واستثمارها، وتنميتها، وتحصيلها، عن القيام بذكر الله تعالى وطاعته من التسبيح، والتحميد ، وقراءة القرآن، وأداء فروض الإسلام، وحقوق الله تعالى .

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾

المنافقون :٩

ثم علق الخسران الكامل بالتلهي عن الذكر وطاعة الله بالدنيا وزينتها ومتاعها

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾

المنافقون:٩

وقد حذر الله تعالى من الانشغال بالأموال

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾

التوبة: ٢٤

وفي آية أخرى ذم الله تعالى وندد بالمتخلفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد في سبيله، من الأعراب الذين تعللوا واحتجوا بانشغالهم بأموالهم.

قال الله تعالى:

﴿ سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا  يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾

الفتح :١١

4- صيرورة المال غاية في ذاته و

بذل الوقت في جمعه وتنميته

وقد ذم الله تعالى من كانت هذه صفته

قال الله تعالى:

﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ . الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ . يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ . كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ﴾

الهمزة: ١- 4

والمقصود كل من لا هم له سوى جمع المال وتعديده، ولارغبة له في إنفاقه، وجهلًا منه يحسب أن ذلك المال سببًا للخلود في الدنيا؛ ولذلك كان كده وسعيه في تنمية ماله الذي يظن أنه ينمي عمره.

5- عدم التحري في كسب المال والحصول عليه

عندما يصبح  المال غاية في ذاته، فلا يأبه أمن حلالٍ جمعه أم من حرام، ولا يسأل ولا يتحرى في كسبه مشروع هو أم ممنوع ، والذي يتأمل حال الناس اليوم، يرى انكبابهم على كسب المال بأي وسيلة، سواء كانت مساهمات مشبوهة، أو معاملات فيها مخالفات، أو طرق محرمة أصلًا كالربا والغش وأكل المال بالباطل .

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾

النساء: 29

يا أيها الذين  آمنوا ، لا يحل لكم أن يأكل بعضكم مال بعض بغير حق، إلا أن يكون وَفْقَ الشرع والكسب الحلال عن تراض منكم .

6- منع الحقوق فيه

فمن الافتتان بالمال البخل، والشح به ،، ومنع الحقوق فيه سواءً كانت حقوقًا لله تعالى أم للخلق .

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ  وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾

النساء :٣٧

أي: يمنعون ما عليهم من الحقوق الواجبة.

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾

التوبة:٣٤

وهذا هو الكنز المحرم، أن يمسكها عن النفقة الواجبة، كأن يمنع منها الزكاة أو النفقات الواجبة للزوجات، أو الأقارب، أو النفقة في سبيل الله إذا وجبت .

7- التفاخر بالمال والتكاثر فيه

فمن صور الافتتان بالمال التفاخر به والتكاثر فيه والتنافس في تحصيله وجمعه ، واعتباره معيارًا للأفضلية.

قال الله تعالى:

﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا . كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا  وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا . وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا ﴾

الكهف : 32- 34

خامسًا- النجاة من فتنة المال

إذا علم الإنسان فتنة المال وخطره، فعليه التوقي من تلك الفتنة والحذر منها ومما يعين الإنسان على النجاة من فتنة المال ما يلي:

أ – العلم التام واليقين الكامل بأن المال كله لله

قال الله تعالى:

﴿ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾

النور:٣٣

﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾

النحل :٥٣

ب – التفكر والتأمل فيما قصه الله تعالى في كتابه الكريم من مصير أرباب الأموال الذين لم يقدروا النعمة ولم يرعوا حق الله تعالى في ذلك المال، كقصة قارون، وأصحاب الجنة، وصاحب الجنتين.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾

القصص : 76

ت – العلم بحقيقة الدنيا وهوانها ومعرفة حقيقتها، والتفكر في أحوالها وسرعة زوالها وفنائها وانقضائها، فإن ذلك مما يسقط حبها والتعلق بمتعها وزينها من القلب وبذلك ينجو من فتنة المال.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾

الأنعام : 32

ث – تذكر التهديد والوعيد الرباني لأولئك الذين طغى على قلوبهم حب المال فقدموه على محبة الله ورسوله.

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾

التوبة :٢٤

سادسًا: الابتلاء في المال

كل ما تقدم كان في التحذير من فتنة المال وصور الافتتان به، وكما تكون الفتنة بالمال فإنها قد تكون فيه، ويكون ذلك بنزول البلاء والمحن على العبد في ماله امتحانًا من الله وتمحيصًا وتمييزًا وتبيانًا للمؤمن الصادق الصابر الشاكر، من الكافر أو المنافق الكاذب الجاذع .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ  وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾

البقرة:١٥٥-١٥٧

سابعًا – المال مجال للتفاخر والتكاثر

المال سببًا للتفاخر به، والتعالي على الناس بجمعه وتكثيره وحيازته، حتى ينشغل القلب بهذا التكاثر والتفاخر فيغفل ويلهى عن حقيقة الدنيا، وزوالها وهوانها وسرعة انقضائها وفنائها، وينسى الحياة الحقيقية والدار الآخرة الباقية فيقصر في العمل والاستعداد لها.

قال الله تعالى:

﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾

الحديد:٢٠

وأخبر الله تعالى عن حال الناس وانشغالهم بالتنافس والتكاثر والتفاخر فيها مدة حياتهم

قال الله تعالى:

﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ . حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾

التكاثر:١-٢

وقد أبان سبحانه ميزان القربى عنده، والنجاة والأمن من عذابه وأنها ليست بكثرة المال، وإنما بالإيمان والعمل الصالح

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ﴾

سبأ: ٣٧

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

آل عمران :١١٦

فدل ذلك على أن المال لا ينفع صاحبه يوم القيامة ولو افتدى نفسه بملء الأرض ذهبًا إلا من آمن بالله وأحسن، واستعمله في طاعة الله تعالى، وأنفقه في سبيله.

6 – كسب المال بين المشروع والممنوع

أولًا: كسب المال المشروع

الإنسان في هذه الحياة لا غنى له عن المال، الذي هو عصب الحياة وقوامها؛ لذلك نجد القرآن يقر جمع المال وتحصيله، ويشرع ويبين السبل الصحيحة في كسبه، ويدعو إلى التماس أبواب الرزق المتنوعة، ويبيح أنواعًا من الاكتساب، ويفتح أصنافًا من وسائل طلب الرزق، ويلفت النظر إلى ما في هذا الكون من منابع الثروات، ومصادر الخيرات، ويحثهم على الاستفادة منها واستغلالها .

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾

الملك:١٥

وحثهم سبحانه على ابتغاء فضله والضرب في الأرض طلبًا للرزق والتكسب.

قال الله تعالى:

﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

الجمعة:١٠

﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

المزمل:٢٠

وكسب المال بالأوجه المشروعة والوسائل المباحة إما أن يكون عن طريق العمل والجد والكد كالتكسب بأنواع المهن والحرف من تجارة وزراعة وصناعة وصنوف المعاملات، وإما أن يكون تحصيلًا للمال وكسبًا له من غير عمل أو بذل جهد كالمال الذي يتحصل عليه الإنسان من وصية، أو هبةٍ، أو ميراث.

ثانيًا: كسب المال الممنوع

قد كشف القرآن العظيم عن المعاملات الممنوعة، وحرمها ونفر منها ورهب من تناولها، ومن الوسائل المحرمة في كسب المال وتحصيله التي جاء التحذير منها في القرآن ما يلي:

1- الربا

وقد وردت عدة نصوص في القرآن الكريم تحذر من الربا، وتنهى عنه، بل غلظ الله تعالى في عقوبة هذا الكسب .

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً  وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

آل عمران:١٣٠

خاطب الله تعالى أهل الإيمان، ونهاهم عن الربا؛ لأن الإيمان هو الوازع الأقوى والدافع الحقيقي للبعد عن كل ما حرمه الله تعالى.

٢ – الرشوة

هي ما يدفع من مال إلى ذي سلطان، أو وظيفة عامة، ليحكم له أو على خصمه بما يريد هو، أو ينجز له عملًا أو يؤخر لغريمه عملًا

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

البقرة:١٨٨

أي: لا تعطوا الحكام وترشوهم بالأموال ليقضوا لكم بما هو أكثر منها

٣ – أكل أموال الناس بالباطل

وقد نهى الله تعالى عن أكل أموال الناس بالباطل بأن يأخذه من غير طيب نفسٍ من مالكه كالغصب والخيانة  .

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾

النساء:٢٩

4- السرقة

قال الله تعالى:

﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

المائدة: ٣٨

5- الميسر والخمر

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

المائدة :٩٠

6- التطفيف في الكيل والميزان

قال الله تعالى:

﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾

الاسراء: ٣٥

﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ . الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ . وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴾ َ

المطففين :١-٣

7- أكل أموال الناس باسم الشرع والتقرب والتزلف إلى الله تعالى

كما كان الأحبار والرهبان يأخذون أموال أتباعهم ضرائب وفروضًا باسم الكنائس والبِيَعِ، أو مقابل صكوك الغفران، وإصدار الفتاوى لتحليل الحرام والحكم بغير ما أنزل الله، وغير ذلك، ويوهمونهم أن النفقة فيه من الشرع والتزلف إلى الله، وهم يحجبون تلك الأموال ويأكلونها بالباطل، فكانوا يأكلون الدنيا بالدين، لذلك ندد الله بهم

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾

التوبة:٣٤

7 – الاعتدال والوسطية في الإنفاق

من أعظم مميزات وسمات الدين الإسلامي:الوسطية، فهو يأمر بالوسطية والاعتدال، ومن ذلك أمره بالاعتدال في الإنفاق واتخاذ المنهج القويم بين الإسراف والبخل. وقد جاءت آيات الكتاب العزيز تحذر من الضدين – الإسراف والبخل – وتأمر بالطريق الوسط المعتدل بينهما

أ- عن البخل

حذر تعالى من هذا المسلك

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾

آل عمران :١٨٠

﴿ هَا أَنْتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾

محمد :٣٨

ب – الإسراف

وكما جاءت الآيات محذرة من عاقبة البخل والتقتير، فقد جاءت ناهية عن الطرف المقابل وهو الإسراف والتبذير.

قال الله تعالى:

﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا . إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾

الاسراء:٢٦-٢٧

﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾

الأعراف:٣١

وكما نهى الله تعالى وحذر من الطرفين (الإسراف والبخل) فإنه سبحانه وتعالى وجه إلى طريق الاستقامة، وسبيل الوسط، ومنهج السلامة

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا ﴾

الفرقان:٦٧

أي: ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم، بل عدلًا خيارًا، وخير الأمور أوسطها، لا هذا ولا هذا.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾

الاسراء:٢٩

8 – وجوه الإنفاق المشروع وثمراته

أولًا: وجوه الإنفاق المشروع

كما بين الله تعالى وأرشد إلى وجوه كسب المال المشروعة، وأمر بطلب الرزق، ووجه للكسب الطيب الحلال، ورتب عليه الأجر العظيم والثواب الجزيل، فإنه كذلك بين سبحانه وفصل في وجوه إنفاق هذا المال ونبه إلى أبواب الإنفاق المشروعة، وحث على البذل والعطاء في كل بابٍ من أبواب الصرف والإنفاق المحمودة والمشروعة، سواءً كانت الواجبة أو المندوبة . ومن وجوه الإنفاق المحمود والمشروع في القرآن الكريم ما يلي:

1- الإنفاق في الواجبات

ومن ذلك:

أ – الصدقات

أوجبها الله عزوجل في المال بشروطٍ معينة محددة، وبين مصارفها ووجوه إنفاقها، وحدد المستحقين لها دون غيرهم من فئات المجتمع.

قال الله تعالى:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾

التوبة:١٠٣

﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾

التوبة:٦٠

ب – الإنفاق على النفس

لأن الإنسان مأمور بحفظ نفسه ووقايتها مما يتلفها أو يهلكها، وإنما يكون ذلك بالطعام والشراب والملبس وكل ما دعت له حاجة أو ضرورة تقتضيها حفظ النفس ، كالإنفاق في تحصين النفس وإعفافها.

قال الله تعالى:

﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾

النساء:٢٤

ت – الإنفاق على من تجب على الإنسان نفقته وإعالته؛ كنفقة الرجل على زوجه وولده.

قال الله تعالى:

﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾

النساء:٣٤

﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾

الطلاق:٧

فنفقة الزوجة واجبة على زوجها، وهي من آكد حقوقها عليه، فيلزمه توفير كل ما تحتاج إليه، سواءً كان موسرًا أو معسرًا، فيجب عليه نفقتها حتى ولو كانت غنية ذات مال.

ث – الإنفاق على الأقارب ممن تجب نفقتهم على الإنسان

إن كان الإنسان غنيًّا موسرًا قادرًا على الإنفاق، وكان ذوي قرابته فقراء لا مال لهم ولا كسب يستغنون به، فهنا تجب النفقة على المحتاجين إليها من قرابته كأصوله وفروعه، وإخوته وأخواته، ونحوهم

قال الله تعالى:

﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ﴾

الإسراء: ٢٦

٢ – رد الحقوق إلى أصحابها

ومن ذلك:

أ – رد مال اليتيم ودفعه إليه إذا بلغ، وآنس منه وليه الرشد.

قال الله تعالى:

﴿ وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ﴾

النساء:٢

ب – أداء الديون لأصحابها

وقد أمر سبحانه بكتابة الدين صغيرًا كان أم كبيرًا إلى أجله، ودعا فيه للعدل، والتوثيق والإشهاد، حفاظًا على الحقوق، واثباتًا لها، لتيسير ردها لأصحابها متى حل الأجل وطالب صاحب المال بالدين .

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ﴾

البقرة: 282

﴿ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ ﴾

البقرة: 282

-3 الإنفاق في الجهاد في سبيل الله

من أعظم وجوه الإنفاق المحمودة والممدوح فاعلها، الإنفاق على الجهاد في سبيل الله تعالى، ومن صفة أهل الإيمان المبادرة إلى بذل أموالهم في الجهاد لا التردد أو الشك أو الحيرة الذي هو سلوك أهل النفاق.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾

الحجرات:١٥

وقد جعل الله تعالى الإنفاق على الجهاد، أحد مصارف الزكاة الثمانية، لأهميته وعظيم أثره.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾

التوبة:٦٠

4 – الإنفاق في وجوه الخير المتنوعة

من وجوه الإنفاق المشروعة، والتي دعا إليها القرآن العظيم وحث على البذل في سبيلها، الإنفاق في أنواع التطوعات والقربات وأبواب البر المتعددة.

قال الله تعالى:

﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾

آل عمران:٩٢

﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾

الإنسان:٨-٩

ثانيًا- ثمرات الإنفاق المشروع

أ – في الإنفاق طهرة للمنفق، وتزكية لقلبه، وتنمية للمال، وسلامة له من الآفات

قال الله تعالى:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾

التوبة:١٠٣

ب – في الإنفاق تكثير للحسنات، ومضاعفة للأجور

قال الله تعالى:

﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾

البقرة : ٢٤٥

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ  وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾

البقرة: ٢٦١

ت – الإنفاق سبب في دخول الجنة

قال الله تعالى:

﴿ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾

آل عمران:١٣٣-١٣٤

9 – وجوه الإنفاق الممنوع وعواقبه

أولًا: وجوه الإنفاق الممنوع

كما بين الله تعالى وجوه الكسب الممنوعة، وحرم كل كسبٍ خبيثٍ ونهى عن تحصيل المال وجمعه بطريقة من الطرق المذمومة التي سبق بيانها، فإنه كذلك نبه عباده إلى وجوه من الإنفاق محظورة، ومصارف للمال ممنوعة، وأبواب من الدفع محرمة وغير مشروعة، حفاظًا على هذا المال، وحتى لا يكون المال – وإن كان من كسب حلال – سببًا في حصول الوزر والإثم، بإنفاقه فيما لا ينبغي . ومن وجوه صرف المال وبذله الممنوعة ما يأتي:

1- إنفاق المال طلبًا للرياء والسمعة والمدح والثناء من الخلق

فالإنفاق في وجوه الخير والبذل والإحسان إن خالطه الرياء وطلب الحمد والمدح والثناء والظهور عند الناس، فإنه لا أجر لصاحبه فيما أنفق ولا ثواب، لأن الرياء مبطل للعمل . والواجب الإنفاق لله تعالى وابتغاء فضله ورضاه، حتى تقبل النفقة ويجزى عليها بالأجر العظيم في الآخرة.

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾

البقرة:٢٦٤

2- الإنفاق في الصد عن سبيل الله

أخبر الله تعالى عن الكفار بأن دأبهم وديدنهم الإنفاق المستمر للصد عن سبيل الله تعالى.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾

الأنفال:٣٦

إن الذين جحدوا وحدانية الله  ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله ويمنعوا المؤمنين عن الإيمان بالله ورسوله، فينفقون أموالهم في ذلك، ثم تكون عاقبة نفقتهم تلك ندامة وحسرة عليهم؛ لأن أموالهم تذهب، ولا يظفرون بما يأمُلون مِن إطفاء نور الله والصد عن سبيله، ثم يهزمهم المؤمنون آخر الأمر. والذين كفروا إلى جهنم يحشرون فيعذبون فيها.

3- الإنفاق في المحرمات

وهذا يشمل دفع الأموال في تحصيل ما لا يحل من المحرمات، كما في المعاملات المحرمة التي نهى عنها الشارع الحكيم والبيوع الممنوعة كالربا، والرشوة  ، ودفع ثمن الخمر والدخان والمخدرات، واللعب المحرم كالقمار، أو المسابقات الممنوعة شرعًا .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

البقرة: ١٨٨

4- الإنفاق في الشهوات

فمن وجوه الإنفاق المذمومة والممنوعة الإنفاق في أصناف الشهوات، لا سيما المحرمة منها  ومن إضاعة المال فيما يبذله الناس اليوم من أموالٍ طائلة، ومبالغ كبيرة في سبيل حيازة المباحات والتفاخر والتنافس في نيل أعراض الدنيا، وأغراضها من مساكن ومراكب ومقتنيات وأجهزة واتصالات ولباس وأثاث ومناسبات، أو شراء ما لا يستفاد منه، كل ذلك من الإنفاق في الشهوات التي تذهب المال ولا نفع فيها غالبًا للفرد ولا للمجتمع.

قال الله تعالى:

﴿ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا ﴾

البلد:٦

ففي قول الكافر تفاخر وتمدح بإتلاف المال في غير صلاح .

5- دفع الأموال لمن لا يحسن التصرف ( السفهاء ﴾

وقد نهى الله تعالى عن دفع الأموال للسفهاء

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾

النساء:٥

فهذا نهيٌ للأولياء عن دفع الأموال لكل من لا يحسن التصرف في ماله؛ لعدم وضعف عقله كالمجنون والمعتوه، أو لصغر سنه وعدم رشده كالصغير وغير الراشد، فهؤلاء لا يحسنون حفظها والتصرف فيها والقيام عليها، فلا تدفع لهم إنما يبذل منها ما يتعلق بضروراتهم وحاجاتهم الدينية والدنيوية.

ثانيًا: عواقب الإنفاق الممنوع

من خلال ما تقدم من وجوه الإنفاق غير المشروع، تتبين عواقب وآثارًا للإنفاق الممنوع ولعل أهمها:

أ – بطلان العمل وعدم قبوله، كما في الإنفاق رياءً

– الحسرة والندامة التي تعود على صاحبها بالوبال والخسارة في الدنيا، دون تحقيق مراده، فيضيع ماله ولا ينال مطلوبة، كمن ينفق ماله في سبيل الصد عن الدين، وقد وعد سبحانه بظهور دينه وغلبته، مهما فعل أعداؤه.

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾

البقرة:٢٦٤

ب – حصول التنافس البغيض بين أفراد المجتمع، في تحصيل الكماليات، والإنفاق على مظاهر الترف والتفاخر، ولربما قاد ذلك إلى تحمل الديون، أو الدخول في معاملات محرمة من أجل توفير المال الذي به يفاخر.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾

الإسراء: 29

ولا تسرف في الإنفاق ، فتقعد ملومًا يلومك الناس ويذمونك، نادمًا على تبذيرك وضياع مالك.

ت – موالاة الشيطان

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾

الاسراء:٢٧

إن المفرقين أموالهم في معاصي الله، المنفقيها في غير طاعته، أولياء الشياطين

ث – دخول النار

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾

الأنفال:٣٦

Share This