1- مفهوم الليل

الليل هو عبارة عن مدة زمنية يـحل فيها الظلام ، له وقت ابتداء وهو غروب الشمس ووقت انتهاء وهو طلوع الفجر ، وهو ضد النهار وخلافه .

قال اللهُ تعالى :

﴿ إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ ﴾

يونس: ٦

2- كلمة الليل

      في

القرآن الكريم

وردت كلمة (ليل) وصيغها في القرآن الكريم (٩٢) مرة . والصيغ التي وردت هي:

– المفرد

ورد ٨٨ مرة

قال اللهُ تعالى :

﴿ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ﴾

الزمر:٥

– الجمع

ورد  ٤  مرات

قال اللهُ تعالى :

﴿ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا ﴾

الحاقة :٧

وجاء الليل في القرآن الكريم بمعني ما يعقب النهار من الظلام؛ من غروب الشمس إلى طلوعها أو إلى طلوع الفجر.

3- الكلمات ذات الصلة

    بكلمة الليل

– الظلمة

هي غياب النّور

قال اللهُ تعالى :

﴿ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ ﴾

البقرة 17

– النهار

هو الضياء الواسع ممتد ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والنهار ضد الليل، يقال: طرفي النهار: أي أوله وآخره  .

قال اللهُ تعالى :

﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ﴾

يونس: 67

– النور

هو الضوء المنتشر الذي يعين على الإبصار، وهو عكس الظلمة

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ ﴾

المائدة: 16

4 – قسم اللهُ تعالى بالليل

           في

    القرآن الكريم

إن لليل في القرآن الكريم منزلة كبيرة‏,‏ فقد أقسم الله تعالى به كثيرا ‏,‏ وفي ذلك دلالة واضحة على عظم شأنه وشرف وقته ومدي تأثيره في الكون‏ .

قال اللهُ تعالى :

 ( وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ )

المدثر: 33

 ( وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ )

التكوير: 17

 ( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ )  

الانشقاق: 17

( وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ)

الفجر: 4

( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا )

الشمس: 4

( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى )

الليل: 1

‏( وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى )

الضحى: 2

أقسم بالليل حين يغطي بظلامه كل ما كان مضيئا، حيث يأوي كل حيوان إلى مأواه، ويسكن الخلق عن الاضطراب والضرب في الأرض، ويغشاهم النوم الذي جعله الله راحة لأبدانهم وغذاء لأرواحهم.

5 – الليل برهان

     على

   قدرة الخالق

جعل الله في الكون من الآيات والبراهين ما يدل على عظمته وقدرته، وحسن خلقه وتدبيره، والليل آية على وجود الخالق سبحانه، سخره اللهُ تعالى للعباد، فيه ينامون ويرتاحون، وقد ذكَّرنا الله تعالى بهذه الآية والنعمة في عدد من الآيات ..

1- الليل نعمة إلهية

إن من رحمة الله عز وجل بخلقه أن سَيَّرَ ونَظَّمَ لهم أمور حياتهم، وجعل الليل والنهار شاهدين على ذلك .

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾

النحل: ١٢

ووجه تسخير هذه الأشياء لنا: هو أن الله خلقها، وجعل فيها منافع للخلق؛ فجعل في النهار معاشًا للخلق وتقلبًا فيه يتعيشون، وجعل الليل راحةً لهم وسكنًا، ينتفعون بهما

2-  جعل الليل سكنًا

وهذه منة عظيمة من الله تعالى؛ إذ السكون راحة لكل متحرك بالنهار، فتهدأ به النفوس من التعب وتستقر الأبدان.

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا ﴾

الأنعام: ٩٦

﴿ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ ﴾

النمل: ٨٦

﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ﴾

يونس: ٦٧

﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ﴾

غافر: ٦١

أي: فيه ظلامٌ تسكن بسببه حركاتهم، وتهدأ أنفاسهم، ويستريحون من نصب التعب في نهارهم .

3-  جعل الليل لباسًا

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا ﴾

الفرقان: ٤٧

ووصف سبحانه في الآية السابقة الليل بأنه كاللباس الذي يستر البدن ويواريه عن الأنظار، فكأن الليل إذا دخل بظلامه غطى كل شيء وستره لكي ترتاح معه خلايا الكائنات الحية وتستعد لمزاولة عملها بنشاط في النهار.

4- تعاقب الليل والنهار

هناك مصالح دنيوية مترتبة على تعاقب الليل والنهار واختلافهما، وهذه المصالح مسخرة للإنسان لكي تستمر دورة الحياة لديه. ولذلك حث الله تعالى أولي الألباب على التفكر في اختلاف الليل والنهار.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾

آل عمران: ١٩٠

﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾

الفرقان: ٦٢

وفائدة تعاقب الليل والنهار وزيادة ساعات أحدهما على الآخر في فصول السنة الأربع هو إن التبادل المنتظم بين الليل المظلم والنهار المنير على نصفي الكرة الأرضية هو من الضرورات اللازمة للحياة الأرضية‏،‏ ولاستمرارية وجودها بصورها المختلفة ‏.‏ فبهذا التبادل بين الظلمة والنور يتم التحكم في توزيع ما يصل إلى الأرض من الطاقة الشمسية‏،‏ وبالتالي يعين على التحكم في درجات الحرارة‏‏ والرطوبة‏‏ وكميات الضوء في مختلف البيئات الأرضية‏؛‏ كما يعين على التحكم في العديد من الأنشطة الحياتية وغير الحياتية مثل التنفس والأيض في كل من الإنسان والحيوان‏،‏ وعمليات النتح والتمثيل الضوئي في النباتات‏؛‏ ويتم ضبط التركيب الكيميائي للغلافين الغازي والمائي المحيطين بالأرض‏،‏ وضبط الكثير من دورات النشاط الأرضي مثل دورة الماء بين الأرض والطبقات الدنيا من غلافها الغازي‏،‏ وحركات الرياح والسحاب في هذا الغلاف‏،‏ وتوزيع نزول المطر منه‏ (‏بتقدير من الله‏)؛ كما تتم دورة تعرية الصخور بتفتيتها‏،‏ ونقل هذا الفتات أو إبقائه في مكانه‏ من أجل تكوين التربة‏‏ أو الرسوبيات والصخور الرسوبية وما بها من خيرات أرضية‏.‏

5- تجدد دورة الحياة واستمرارها

فلو كانت الحياة ليلًا لتعطلت مصالح الخلق، ولو كانت نهارًا لما وجد النوم والسكن والسبات، وكذلك الأمر في الكائنات الحية الأخرى كالنبات، فهي تحتاج للظلام كما تحتاج للنور، فتبارك الله أحسن الخالقين .

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ ﴾

القصص: ٧١

فوجود الليل أو النهار للأبد بمفرده يترتب عليه حصول الضرر بالخلق، وحصول السآمة والملل والتعب ، فكان من حكمة الله وقضائه أن جعلهما متعاقبين.

6- معرفة الأزمنة والأوقات

ولا شك في أن لمعرفة الزمن والوقت فائدة عظمى وهي تنظيم وقته، وتحديد أهدافه وأعماله في اليوم والليلة.

قال الله تعالى:

﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ﴾

الإسراء 12

يمتن تعالى على خلقه بآياته العظام، فمنها مخالفته بين الليل والنهار، ليسكنوا في الليل وينتشروا في النهار للمعايش والصناعات والأعمال والأسفار، وليعلموا عدد الأيام والجمع والشهور والأعوام، ويعرفوا مضي الآجال المضروبة للديون والعبادات والمعاملات والإجارات وغير ذلك

6 –  التفكر في آية الليل

إن المتأمل في كتاب الله عز وجل يجد أنه حث على التدبر والتفكر في خلق الليل والنهار، وامتدح المتدبرين بأنهم أصحاب العقول والألباب، وتارة وصفهم بالمتقين، وما ذلك إلا لأهمية التفكر في خلقهما.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾

آل عمران: ١٩٠

﴿ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

الرعد: ٣

﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾

الفرقان: ٦٢

﴿ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾

النور: ٤٤

والخلاصة: أن القرآن مليء بالآيات التي حثت على التفكر والتدبر في آية الليل والنهار، والنظر فيها بعين البصيرة والبصر؛ لتقود المرء إلى تقوية إيمانه بالله تعالى، وشكر نعمته فيهما.

7- علاقة الليل بالنهار

إن علاقة الليل بالنهار والنهار بالليل تدور بين التلازم من ناحية، وبين التضاد من ناحية أخرى.

1- علاقة التلازم

الليل والنهار آيتان متلازمتان يكمل كل منها الآخر، كما أنهما لا ينفكان عن بعضهما البعض، إذا ذهب هذا جاء الآخر، والعكس كذلك .

قال الله تعالى:

﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ﴾

فاطر: ١٣

﴿ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا ﴾

الأعراف: ٥٤

﴿ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾

النور: ٤٤

أن لفظ الليل في غالب القرآن الكريم وأكثره جاء مقرونًا بالنهار، وهو من الدلائل الدالة على التلازم، فالتلازم اللفظي بينهما في القرآن يحرك المشاعر والعقول لإيجاد الحكمة من كثرة ذكرهما متعاقبين، ليصل إلى حقيقة سبب جعلهما آيتين: وهي العظة والعبرة والتفكر والتأمل في خلقهما، وشكر الباري سبحانه على نعمته فيهما، ومعرفة عظمة الله الخالق جل جلاله، وأنه المستحق للعبادة والخضوع والتذلل.

2- علاقة التضاد

ومع كون العلاقة بين الليل والنهار متلازمة من حيث التتابع والتعاقب؛ إلا أنهما متضادان يختلف كل منها عن الآخر ؛ من حيث الوصف بالظلمة والضياء، فالليل يأتي معه الظلام، والنهار يأتي معه الضياء، وشتان بينهما،

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ ﴾

يونس 6

و أنهما لا يجتمعان في وقت واحد ، فهو من المحال الكوني وقوعه في سنن الله تعالى، وهذا ما يشهد له الواقع .

قال الله تعالى:

  ﴿ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ﴾

يس:٤٠

ومن هنا يستشعر المرء عظمة الله جل جلاله وحكمته في تدبير الخلق، فمع هذا الاختلاف الواضح بينهما يكونا متلازمين بتلازم حركة الأفلاك الدائرية، وتوالي أحدهما على الآخر، من غير اختلالٍ في النظام الكوني الفسيح، فسبحان الله رب العالمين، وأحكم الحاكمين.

8 – أوصاف الليل

       في

  القرآن الكريم

وصف الله تعالى الليل بأوصافٍ عديدة في القرآن الكريم، بيانها في التقسيم التالي:

١-  الساترً

الليل يستر الخلائق بظلامه؛ لكي يرتاح من المشقة التي كانت في نهاره

قال الله تعالى:

﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا ﴾

النبأ: ١٠

﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا ﴾

الفرقان: ٤٧

والله تعالى هو الذي جعل لكم الليل ساترًا لكم بظلامه كما يستركم اللباس، وجعل النوم راحة لأبدانكم، وجعل لكم النهار؛ لتنتشروا في الأرض، وتطلبوا معايشكم.

2- السجو

قال الله تعالى:

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ﴾

الضحى: ٢

والليل إذا أقبل وسكن واستوى بظلامه

٣-  السكن

السكن هو الراحة والهدوء، خلاف الاضطراب والحركة.

قال الله تعالى:

﴿ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا ﴾

الأنعام: ٩٦

وهذه الآية تدل على أن الحكمة من خلق الليل وإيجاده هو السكن والراحة وقطع الأشغال والأعمال  إلا من عبادة وضرورة .

٤-  الغشي

قال الله تعالى:

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ ﴾

الليل:١

﴿ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا ﴾

الأعراف: ٥٤

﴿ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

الرعد: ٣

فإن المقصود منه الوصف الحاصل كل يوم بغشيان ظلام الليل وتغطيته لضوء النهار.

قال الله تعالى:

﴿ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ﴾

الزمر: ٥

ذلك معناه إذا جاء النهار يذهب بظلمة الليل، وإذا جاء الليل يذهب بنور النهار .

5- النشوء

إن الناشئة هي ساعات الليل؛ لأنها تنشأ ساعة بعد ساعة

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴾

المزمل: ٦

إن العبادة التي تنشأ في جوف الليل هي أشد تأثيرًا في القلب، وأبين قولا لفراغ القلب مِن مشاغل الدنيا. ولا يمكن حدوث ذلك مع النهار الذي يصحبه الصخب والتعب .

9- أجزاء الليل

      في

  القرآن الكريم

قد ورد في القرآن الكريم ألفاظ تدل على أجزاء من الليل، ولكنها ترجع إلى ثلاثة أجزاء موزعة بين أوله وأوسطه وآخره، وهي

أولًا- الغروب

أنّ الجزء الأول من الليل يبدأ بغروب الشمس

قال الله تعالى:

﴿ فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا  وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ ﴾

طه: ١٣٠

﴿ فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ﴾

ق: ٣٩

في الآية لفت الانتباه إلى فضيلة هذين الوقتين المذكورين، والتقوي بالصلاة والذكر فيهما على مواجهة أمور الدنيا نهارًا، وشكر نعمة الله ليلًا.

ثانيًا – الغسق

والغسق أنه أول ظلمة الليل

قال الله تعالى:

﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ ﴾

الإسراء: ٧٨

أقم الصلاة تامة من وقت زوال الشمس عند الظهيرة إلى وقت ظلمة الليل

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ﴾

الفلق: ٣

أي: من شر ظلام الليل إذا دخل وهجم على الخليقة.

ثالثًا- السحر

السحر هو الوقت الذي قبل طلوع الفجر، وهو ثلث الليل الآخر، ومنه السحور، وهو الطعام المأكول في وقت السحر.

قال الله تعالى:

﴿ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾

آل عمران: ١٧

﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾

الذاريات: ١٨

وهذا الوقت من الأوقات الفاضلة التي خصها الله بالصلاة والذكر والدعاء، لبيان فضل العبادة فيها.

10- الليل والعبادة

إن الله تعالى هو الأعلم بما يصلح عباده ويصلح لهم، فهو الحكيم في أمره ونهيه؛ ولذلك فرض عليهم أمورًا، وخصص أوقاتًا لها لحصول المنفعة لهم، وكان من ذلك: جعله سبحانه الليل ظرفًا زمنيًّا أوفر حظًّا من النهار في فعل العبادة بجميع أنواعها، وبين فضل ذلك وحث المؤمنين عليه.

ولقد تحدث القرآن الكريم عن عباداتٍ كثيرة تفعل بالليل، ومن ذلك: القيام، والتهجد، والذكر، والتفكر، وقراءة القرآن.

أولًا- قيام الليل

إن المتتبع لآيات القرآن الكريم يجدها تأمر بقيام الليل وتحث عليه، والتحريض على قيام الليل لكثرة الأجر فيه .

قال الله تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ . قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا . نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا . أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا . إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا . إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴾

المزمل: ٢ – ٦

﴿  وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ ﴾

الإسراء: ٧٩

﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾

الفرقان: ٦٤

والذين يكثرون من صلاة الليل مخلصين فيها لربهم،بمعنى قائمين يصلون بالليل.

ثانيًا- ذكر الله

وجاء في آيات الذكر الحكيم مدح المؤمنين الذين يشغلون ليلهم بذكر الله سبحانه وتعالى من تسبيح واستغفار.

قال الله تعالى :

﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾

الذاريات: ١٨

﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ﴾

ق: ٤٠

﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ ﴾

الطور: ٤٩

﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا ﴾

الإنسان: ٢٦

إن توجيه القرآن الحكيم لاستغلال الليل بذكر الله تعالى جاء لكي يحقق للقلب راحته وطمأنينته التي لا تكون بالليل، فمن المعلوم أن بذكر الله تطمئن القلوب، ولكن ثمة استعدادٌ للقلب والبدن لا يكون في أعلى درجاته من الخشوع والتدبر وصفاء الذهن وإخلاص العبادة لله فيها؛ إلا بالليل.

ثالثًا – التدبر والتفكر

التدبر والتفكر في ملكوت الله تعالى من أعظم العبادات القلبية، وبما أن الليل والنهار من آيات الله تعالى، فالتفكر فيهما من المهمات؛ ولذلك حث الله الخلق على التفكر في خلق الليل والنهار وتعاقبهما، وجعل فيهما عظةً للمتعظين، وحمدًا للشاكرين  .

قال الله تعالى :

﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾

الفرقان: ٦٢

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ  ﴾

آل عمران: ١٩٠

﴿ إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ ﴾

يونس: ٦

إلى غير ذلك من الآيات التي تدعو صراحة إلى التفكر في خلقهما، واستغلال العمر في تدبر آيات الله تعالى الكونية؛ لتقود المرء إلى توحيد الله، وتقوية الإيمان به، والخشية منه، وتحقيق تقواه.

رابعًا – تلاوة القرآن الكريم

سبق الحديث عن التفكر في آية الليل والنهار الكونية، وهنا الحديث يختص بالآيات المقروءة المتلوة من كتاب الله تعالى.

قال الله تعالى :

﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴾

آل عمران: ١١٣

حيث جاءت الآية ممتدحًة من الناس من صفتهم أنهم قائمون بالليل يتلون آيات القرآن في صلواتهم، ويكثرون التهجد . وآناء الليل يعني ساعاته .

11- الليل والعذاب

أن الليل آية وجند من جنود الله سبحانه وتعالى في هذا الكون؛ شأنه شأن جميع المخلوقات من حيث الانقياد لأوامر خالقها سبحانه وتعالى. والملاحظ من خلال الآيات الأتى

أ – جعل الليل سببًا ووسيلةً لنجاة

المؤمنين من الطغاة الكافرين

أمر أنبيائه بالخروج مع من آمن من قومهم ليلًا؛ لكيلا يُدْرَكوا، وما ذاك إلا لحكمٍ عظيمة، منها ما هو مخفيٌ، ومنها ما هو ظاهرٌ للخلق.

– عن موسى عليه السلام

أمر الله تعالى موسى عليه السلام بأن يسري بأهله وقومه ليلًا لكيلا يدركوا

قال الله تعالى :

﴿ فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ﴾

الدخان: ٢٣

وكان خروج موسى عليه السلام مع أتباعه من بين أظهر أعدائهم ليلًا آية من آيات الله، فقد أمر بالخروج والسير ليلًا من باب أخذ الحيطة والحذر، والتخفي عن أعين العدو الأكثر عدة وعتادًا. و السرى هو السير بالليل .

– عن نبي الله لوط عليه السلام

تكرر الأمر مع نبي الله لوط عليه السلام حينما أمرته الملائكة أن يسري بأهله في بقيةٍ من الليل قبل طلوع الصبح  – وهو وقت السحر -، وأخبروه أن موعد نزول العذاب عليهم صباحًا.

قال الله تعالى :

﴿ قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ  أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ﴾

هود: ٨١

﴿ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ ﴾

الحجر: ٦٥

ب- جعل ظرفًا زمنيًّا لنزول العذاب

حديث القرآن الكريم عن الليل ارتبط بتنزيل العذاب على الأمم السابقة، كقوم عاد، وقوم لوط، وقوم فرعون.

– عن قوم عاد

قال الله تعالى :

﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ . سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾

الحاقة: ٦ – ٧

حيث بين سبحانه وقوع العذاب في الليل واليوم على قوم عاد الظالمين المكذبين لنبيهم هود عليه السلام، فكان معنى اليوم بمعنى النهار المقابل لليل.

12- ليالٍ فاضلة ذكرت في القرآن

تحدث القرآن الكريم عن ليالٍ مخصوصةٍ، وبين فضلها والأحداث التي حصلت فيها؛ ليدل على أهميتها وشرفها عن غيرها  ، ومنها

أولًا – ليلة القدر

ليلة القدر هي الليلة الشريفة التي أمرنا بتحريها في ليالي شهر رمضان المبارك، كما أن الله تعالى زاد من تشريف هذه الليلة بإنزال كلامه فيها.

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾

الدخان: ٣

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾

القدر: ١

ويزيد القرآن الكريم الوضوح حول هذه الليلة عندما أخبر أنها في شهر رمضان

قال الله تعالى :

﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾

البقرة: ١٨٥

وخص الله تعالى هذه الليلة الشريفة بالبركة؛ لكثرة نزول الخيرات والرحمات والبركات من السماء فيها، فالله عز وجل جعلها في ميزان الأعمال خيرٌ من ألف شهر

قال الله تعالى :

﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾

القدر: ٣

ثانيًا – ليلة الإسراء والمعراج

ليلة الإسراء هي الليلة التي سار فيها النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالشام، وهي من آيات النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة في القرآن الكريم.

قال الله تعالى :

﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ﴾

الإسراء: ١

ففي الآية دعوة للتعجب مما أسداه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم من النعمة.

ثالثًا – الليالي العشر

امتدح الله تعالى عشر ليالٍ في كتابه الكريم

قال الله تعالى :

﴿ وَالْفَجْرِ . وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾

الفجر: ١ – ٢

ولاشك أن الليالي العشر التي هي عشر ذي الحجة كانت عظيمة مباركة؛ لاشتمالها على أعظم الأعمال والطاعات؛ كالإحرام، والطواف بالبيت، والمبيت بمنى ومزدلفة، ويوم عرفة، والأضحية، وذكر الله تعالى فيها.

رابعًا – ليالي موسى عليه السلام

سبب بركة هذه الليالي هو مقابلة الله تعالى لموسى عليه السلام بجانب الطور، وأخذه الألواح وفي نسختها هدى ورحمة.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ﴾

البقرة :٥١

﴿ وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً  ﴾

الأعراف: ١٤٢

ذكر في الآيتين السابقتين نبأ موسى عليه السلام مع قومه بعد النجاة من فرعون وجنوده، وكان قد وعدهم موسى عليه السلام بأن يأتيهم بكتابٍ من عند الله تعالى، فواعده الله أربعين ليلة.

Share This