1- مفهوم الكفر

يعرف الكفر على أنّه الإعراض عن الإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر .

قَال الله تعالى:

( وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾

النساء 136

والكفر ضد الإيمان .

2- كلمة الكفر

     في

القرآن الكريم

وردت كلمة (كفر) وصيغها في القرآن الكريم ٥٠٤ مرات. والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

ورد ٢٣٠مرة

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ﴾

البقرة:١٠٢

– الفعل المضارع

ورد ٥٧ مرة

قال الله تعالى:

﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ﴾

البقرة:٢٨

– الفعل الأمر

ورد مرتين

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

آل عمران:٧٢

– المصدر

ورد 3٧ مرة

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾

البقرة:١٠٨

– مصدر سماعي

ورد ١٥  مرة

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ﴾

لقمان:٣٢

– اسم فاعل

ورد   ١٥٨  مرة

قال الله تعالى:

﴿ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾

البقرة:٢٥٤

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَىٰ بِهِ ﴾

آل عمران:٩١

– صيغة مبالغة

ورد  ٥  مرات

قال الله تعالى:

﴿ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ﴾

ق:٢٤

وجاء الكفر في القرآن على خمسة أوجه:

1- الإنكار

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾

البقرة:٦

يعني:أنكروا توحيد الله عز وجل.

2- كفران النعمة

قال الله تعالى:

﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾

البقرة:١٥٢

يعني:لا تكفروا النعمة.

3- البراءة

عن قول الشيطان

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾

إبراهيم:٢٢

يعني:إني تبرأت.

4- الجحود

قال الله تعالى:

﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾

البقرة:٨٩

يعني:جحدوا به.

5- التغطية

قال الله تعالى:

﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾

الحديد:٢٠

يعني:الزراع الذين يغطون الحب.

3- أنواع الكفر

من خلال النظر في آيات القرآن الكريم يمكن القول إن الكفر ورد على عدة أنواع  ، بيانها في ما يلي:

1- كفر التكذيب

وقد يسمى بكفر الجحود.

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

البقرة:٣٩

والذين جحدوا وكذبوا بآياتنا المتلوة ودلائل توحيدنا، أولئك الذين يلازمون النار، هم فيها خالدون، لا يخرجون منها.

2- كفر الاستكبار

وهذا النوع من الكفر أول من اقترفه إبليس .

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾

البقرة:٣٤

قال سبحانه للملائكة: اسجدوا لآدم إكرامًا له وإظهارًا لفضله، فأطاعوا جميعًا إلا إبليس منعه من ذلك الاستكبار والاستعظام ، فصار من الجاحدين بالله، العاصين لأمره.

3- كفر الشك

وهذا النوع أيضًا يقوم على عداوة أهل الكفر للرسل، وتشكيك الناس في الله تعالى، وعلى عدم الإيمان بالعقيدة، كإنكار البعث.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَٰئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

الرعد: ٥

وإن تعجب -أيها الرسول- من عدم إيمانهم بعد هذه الأدلة فالعجب الأشدُّ من قول الكفار: أإذا متنا وكنا ترابا نُبعث من جديد؟ أولئك هم الجاحدون بربهم الذي أوجدهم من العدم، وأولئك تكون السلاسل من النار في أعناقهم يوم القيامة، وأولئك يدخلون النار، ولا يخرجون منها أبدًا.

4- كفر النفاق

وهذا يعد من أشد أنواع الكفر، لاسيما وقد أعد الله تعالى للمنافقين عذابًا في الدرك الأسفل من النار.

قال الله تعالى :

﴿ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ . اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴾

المنافقون: ٣

إذا حضر مجلسك المنافقون -أيها الرسول- قالوا بألسنتهم، نشهد إنك لرسول الله، والله يعلم إنك لرسول الله، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون فيما أظهروه من شهادتهم لك، وحلفوا عليه بألسنتهم، وأضمروا الكفر به. إنما جعل المنافقون أيمانهم التي أقسموها سترة ووقاية لهم من المؤاخذة والعذاب، ومنعوا أنفسهم، ومنعوا الناس عن طريق الله المستقيم، إنهم بئس ما كانوا يعملون؛ ذلك لأنهم آمنوا في الظاهر، ثم كفروا في الباطن، فختم الله على قلوبهم بسبب كفرهم، فهم لا يفهمون ما فيه صلاحهم.

5 – كفر جحود النعمة

كفران النعمة هو جحودها وعدم شكرها، أو إضافة النعم إلى غير الله من الكفر بالله سبحانه وتعالى.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾

إبراهيم :٧

لئن شكرتم نعمتي بالتوحيد والطاعة لأزيدنكم منها،ولئن جحدتم النعمة بالكفر والمعصية لأعذبنكم .

4- أسباب الكفر

تعددت أسباب الكفر، فمنها مايأتى

1- التقليد

التقليد هو اتباع الغير دون علم

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾

البقرة:١٧٠

أن التقليد يقوم على اتباع الغير دون علم، وهذا النوع كان سببًا لاستمرار أهل الكفر على كفرهم، بدعوى اتباع من سبقهم حتى وإن كانوا على ضلال، فأدى بهم الأمر إلى الركون إلى الكفر .

2- الاستكبار

الاستكبار أو التكبر من أشد الصفات ذمًّا، طُرِدَ إبليس بسببه وأصبح من الصاغرين.

– عن إبليس

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ . قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ . قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ﴾

الأعراف:١٣

3- الحسد

الحسد هو تمني زوال نعمة الغير .

– عن أهل الكفر

قال الله تعالى:

﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾

البقرة:١٠٩

يخبر الله تعالى المؤمنين بنفسية كثير من أهل الكتاب، وهي الرغبة الملحة في أن يتخلى المسلمون عن دينهم الحق ليصبحوا كافرين، ومنشأ هذه الرغبة الحسد الناجم عن نفسية لا ترغب أن ترى المسلمين يعيشون في نور الإيمان بدل ظلمات الكفر.

4- الجهل

كفر الجهل يقوم على عدم التصديق بسبب جهل صاحبه .

قال الله تعالى:

﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾

يونس:٣٩

أنهم سارعوا إلى التكذيب بالقرآن في بديهة السماع قبل أن يفقهوه ويعلموا كنه أمره وقبل أن يتدبروه. وإنما يكون مثل هذا التكذيب عن مكابرةٍ وعداوةٍ لا عن اعتقاد كونه مكذوبًا.

5- مواقف أهل الكفر

تعددت مواقف أهل الكفر من الله تعالى فجحدوا وجوده، وكذبوا بآياته، وكفروا برسله، وأنكروا كتبه المنزلة على أنبيائه، واتخذوا آيات الله هُزوًا، ولم يسلم رسل الله من محاربة أهل الكفر لهم، بل منهم من قتل، ومنهم من هاجر ومنهم من لحقه الأذى بسبب الدعوة، وأنكروا اليوم الآخر، والبعث والنشور، وقتلوا وباروزا أهل الإيمان بالحرب الضروس إلى يوم الدين، واتبعوا الشياطين فزينوا لهم أعمالهم، كل هذا من أجل صدهم عن دين الله تعالى.

أولًا: موقفهم من الله تعالى

من أشد مواقف الكفار موقفهم من الله تعالى خالقهم، ومن أبرز مواقفهم كما حكى القرآن ما يلي:

1- الكفر

قال اللهُ تعالى:

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾

الأنعام 1

الثناء على الله بصفاته التي كلّها أوصاف كمال، وبنعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، الذي أنشأ السموات والأرض وما فيهن، وخلق الظلمات والنور، وذلك بتعاقب الليل والنهار. وفي هذا دلالة على عظمة الله تعالى، واستحقاقه وحده العبادة، فلا يجوز لأحد أن يشرك به غيره. ومع هذا الوضوح فإن الكافرين يسوون غيره في العبادة .

2- التكذيب

وهو افتراء الكذب على الله تعالى

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ  إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾

الأنعام:٢١

لا أحد أشد ظلمًا ممَّن تَقَوَّلَ الكذب على الله تعالى، فزعم أن له شركاء في العبادة، أو ادَّعى أن له ولدًا أو صاحبة، أو كذب ببراهينه وأدلته التي أيَّد بها رسله عليهم السلام. إنه لا يفلح الظالمون الذين افتروا الكذب على الله، و لا ينجح القائلون على الله الباطل.

3- اليأس من رحمة الله

القنوط صفة لازمة لأهل الكفر.

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾

الحجر:٥٦

﴿ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾

يوسف:٨٧

إنه لا يقنط من فَرَجِه ورحمته ويقطع رجاءه منه إلا الجاحدون لقدرته، الكافرون به وذلك إما لتكذيب بالربوبية، وإما الجهل بصفات الله تعالى .

4- جحود النعم

وهو إنكار نعم الله تعالى، وعدم مقابلتها بالشكر.

قال الله تعالى:

﴿ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا ﴾

النحل 83

يعرف هؤلاء المشركون نعم الله عليهم – أي يقرّون بأنها من عنده – ثم يجحدونها بإشراكهم .

ثانيًا: موقفهم من الأنبياء والرسل

1- التكذيب بهم

اعتاد أهل الكفر كلما جاءهم الأنبياء أو الرسل يقابلونهم بالتكذيب .

قال الله تعالى:

﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾

آل عمران:١٨٤

2- الاستهزاء

التهكم والسخرية من الأنبياء والمرسلين عادة من عادات الكفار.

قال الله تعالى:

﴿ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾

يس:٣٠

﴿ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾

الزخرف:٦-٧

3- إيذاء الرسل

فما من نبي جاء إلا وآذاه قومه، ولقد تنوعت صور الإيذاء بين وصفهم بالسحرة وإلصاق الجنون بهم .

قال الله تعالى:

﴿ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ﴾

ص:٤

﴿ كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾

الذاريات:٥٢

4- القتل

وهذا الأمر كان فاشيًا في الأمم السابقة وخاصة اليهود، ولقد سجل الله تعالى على اليهود ذلك

قال الله تعالى:

﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾

النساء:١٥٥

ثالثًا: موقفهم من الكتب المنزلة

1- التكذيب

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ  جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴾

إبراهيم :٩

ألم يأتكم -يا أمَّة محمد- خبر الأمم التي سبقتكم، قوم نوح وقوم هود وقوم صالح، والأمم التي بعدهم، لا يحصي عددهم إلا الله، جاءتهم رسلهم بالبراهين الواضحات، فعضُّوا أيديهم غيظًا واستنكافًا عن قَبول الإيمان، وقالوا لرسلهم: إنا لا نصدِّق بما جئتمونا به، وإنا لفي شكٍّ مما تدعوننا إليه من الإيمان والتوحيد موجب للريبة.

٢ – الاستهزاء بالآيات

عن الذين يتخذون آيات الله هزوًا .

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾

الجاثية:٩

وإذا علم هذا الأفاك الأثيم من آياتا شيئًا اتخذها هزوًا وسُخْرية، أولئك لهم عذاب يهينهم، ويخزيهم يوم القيامة؛ جزاء استهزائهم بالقرآن.

3- التحريف

التحريف هو بمعنى التبديل والتغيير، فى  آيات الله  .

قال الله تعالى:

﴿ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾

البقرة :٧٥

وقد كان علماؤهم يسمعون كلام الله من التوراة، ثم يحرفونه بِصَرْفِه إلى غير معناه الصحيح بعد ما عقلوا حقيقته، أو بتحريف ألفاظه، وهم يعلمون أنهم يحرفون كلام رب العالمين عمدًا وكذبًا.

قال الله تعالى:

﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا  فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ﴾

البقرة:٧٩

ليس هذا فقط بل كتبوا كلامًا بأيديهم وزعموا كذبًا نسبته إلى الله تعالى

4- قولهم أساطير الأولين

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾

الفرقان :٥

وقالوا عن القرآن: هو أحاديث الأولين المسطرة في كتبهم، استنسخها محمد، فهي تُقْرَأ عليه صباحًا ومساء.

رابعًا: موقفهم من المؤمنين

1- المعاداة والقتل

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا  ﴾

البقرة:٢١٧

يحاول أهل الكفر دائمًا قتال أهل الإسلام، حتى يردوهم عن دينهم.

2- الاستهزاء والسخرية

قال الله تعالى:

﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

البقرة:٢١٢

حُسِّن للذين جحدوا وحدانية الله الحياةُ الدنيا وما فيها من الشهوات والملذات، وهم يستهزئون بالمؤمنين.

3- الحسد وكراهية الخير

فأهل الشرك لا يحبون أن يصاب المؤمن بخير أبدًا من ربه .

قال الله تعالى:

﴿ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ﴾

النساء:٨٩

تمنَّى المنافقون لكم أيها المؤمنون، لو تنكرون حقيقة ما آمنت به قلوبكم، مثلما أنكروه بقلوبهم، فتكونون معهم في الإنكار سواء .

خامسًا: موقفهم من اليوم الآخر

تعددت مواقف أهل الكفر من أصول العقيدة، فقابلوا البعث والحساب بالتكذيب والإنكار والكفر.

1- الكفر والتكذيب

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ ﴾

الأعراف:٤٥

هؤلاء الكافرون هم الذين كانوا يُعْرِضون عن طريق الله المستقيم، ويمنعون الناس من سلوكه، ويطلبون أن تكون السبيل معوجة حتى لا يتبينها أحد، وهم بالآخرة – وما فيها- كافرون .

2- التشكيك والاستهزاء

لم تسلم الأمور الغيبية أيضًا من سخرية واستهزاء القوم الكافرين.

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ . أَفْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ ﴾

سبأ:٧-٨

وقال الذين كفروا بعضهم لبعض استهزاء: هل ندلكم على رجل (يريدون محمدًا صلى الله عليه وسلم) يخبركم أنكم إذا متم وتفرقت أجسامكم كل تفرُّق، إنكم ستُحيون وتُبعثون من قبوركم؟ قالوا ذلك على سبيل الاستنكار والاستهزاء .

سادسًا: موقفهم من الشياطين

انكب أهل الكفر على اتباع الشياطين فسول لهم الشيطان وأملى لهم، ، ولقد بينت كثير من آيات القرآن الكريم ذلك، منها ما يلي:

1- أستحواذ الشيطان على أهل الكفر.

قال الله تعالى:

﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾

المجادلة:١٩

غلب عليهم الشيطان، واستولى عليهم، حتى تركوا أوامر الله والعمل بطاعته، أولئك حزب الشيطان وأتباعه. ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون في الدنيا والآخرة.

سابعًا: موقفهم من بعضهم بعضًا

يقف أهل الكفر صفًّا إلى صفٍّ، فعقيدتهم الموالاة والتبعية لبعضهم البعض، وفيما يلي بعض مواقفهم تجاه بعضهم البعض:

1- الموالاة

ومعناها محبة أهل الكفر واتباعهم لبعضهم البعض .

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾

الأنفال:٧٣

2- التقليد

سبب تقليد أهل الكفر الألفة والعادة واتباع الهوى والجهل.

قال الله تعالى:

﴿ وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴾

الزخرف: 23

وكذلك ما أرسلنا من قبلك -أيها الرسول- في قرية مِن نذير ينذرهم عقابنا على كفرهم بنا، فأنذروهم وحذَّروهم سخَطنا وحلول عقوبتنا، إلا قال الذين أبطرتهم النعمة من الرؤساء والكبراء: إنَّا وجدنا آباءنا على ملة ودين، وإنا على منهاجهم وطريقتهم مقتدون.

7- صفات الكافرين

أخبر القرآن الكريم في كثير من آياته عن صفات الكافرين، ولعل من أبرزها ما يلي.

1– التكذيب

قَال الله تعالى:

( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِين ﴾

العنكبوت 68

2– اتباع الهوي

قَال الله تعالى:

( أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ ﴾

الفرقان 43

3– اتباع الباطل

قَال الله تعالى:

( ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ ﴾

محمد 3

4– الإعراض

قَال الله تعالى:

( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُون ﴾

السجدة 22

5– العناد

قَال الله تعالى:

( وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ ﴾

البقرة 118

6– الجهل

قَال الله تعالى:

( لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ  . قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ ﴾

الزمر 63-64

7– التكبر

قَال الله تعالى:

( فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴾

النحل 29

8– إيثارهم الدنيا

قَال الله تعالى:

( ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾

النحل 107

9– الطغيان

قَال الله تعالى:

( إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ ﴾

الملك 20

10– الفسق

قَال الله تعالى:

( ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾

التوبة 80

11– الجحود

قَال الله تعالى:

( يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ﴾

النحل 83

12– عصيان أوامر الله

قَال الله تعالى:

( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾

المائدة 44

13- الضلال

﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾

النساء:١١٦

14- التقليد دون تفكير

﴿ إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ . فَهُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ ﴾

الصافات:٦٩-٧٠

8- سنة الله في الكافرين

بين القرآن الكريم أن الله تعالى له سنن لتعامل مع الكافرين ، منها

1- إرسال الرسل

أرسل الله الأنبياء والرسل ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، فإذا أطاعوهم فقد اهتدوا، وإن تولوا فقد أقيمت عليهم الحجة .

قال الله تعالى:

﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾

النساء:١٦٥

أن الله تعالى أنزل كتبه وأرسل رسله يبشرون من أطاع الله واتبع رضوانه بالخيرات، وينذرون من خالف أمره بالعقاب والعذاب ؛ لئلا يبقى لمعتذرٍ عذرٌ.

2- بيان عاقبة الأمم الكافرة

وقد أمهلهم الله تعالى عساهم أن يتوبوا وأن يأخذوا العظة والعبرة ممن سبقهم  ، وقد حَفَلَ القرآن الكريم ببيان عاقبة المكذبين في الدنيا

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾

الأنعام 11

3- الإملاء والإمهال

والمقصود من الإملاء التأخير.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾

آل عمران:١٧٨

ولا يظننَّ الجاحدون أننا إذا أَطَلْنا أعمارهم، ومتعناهم بمُتع الدنيا، ولم تؤاخذهم بكفرهم وذنوبهم، أنهم قد نالوا بذلك خيرًا لأنفسهم، إنما نؤخر عذابهم وآجالهم؛ ليزدادوا ظلمًا وطغيانًا، ولهم عذاب يهينهم ويذلُّهم.

4- الاستدراج

استدرج الله المرء جره قليلًا قليلًا إلى العذاب.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ. فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ . فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾

الأنعام:٤٢-٤٥

ولقد بعثنا -أيها الرسول- إلى جماعات من الناس من قبلك رسلا يدعونهم إلى الله تعالى، فكذَّبوهم، فابتليناهم في أموالهم بشدة الفقر وضيق المعيشة، وابتليناهم في أجسامهم بالأمراض والآلام؛ رجاء أن يتذللوا لربهم، ويخضعوا له وحده بالعبادة. فهلا إذ جاء هذه الأمم المكذبة بلاؤنا تذللوا لنا، ولكن قست قلوبهم، وزيَّن لهم الشيطان ما كانوا يعملون من المعاصي، ويأتون من الشرك. فلما تركوا العمل بأوامر الله تعالى معرضين عنها، فتحنا عليهم أبواب كل شيء من الرزق فأبدلناهم بالبأساء رخاءً في العيش، وبالضراء صحة في الأجسام؛ استدراجا منا لهم، حتى إذا بطروا، وأعجبوا بما أعطيناهم من الخير والنعمة أخذناهم بالعذاب فجأة، فإذا هم آيسون منقطعون من كل خير.

5- الأمر بمجاهدتهم

أمر الله تعالى نبيه بمجاهدة الكافرين

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾

التوبة:٧٣

ولذلك فإن أصل القتال المشروع هو الجهاد، حتى يكون الدين كله لله تعالى وأن يكون دفاعًا عن النفس، وردًّا لاعتداء الكفار .

قال الله تعالى:

﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾

البقرة:١٩٣

6 – لا يستوي المؤمن والكافر

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ ﴾

غافر58

وما يستوي الأعمى والبصير، وكذلك لا يستوي المؤمنون الذين يُقِرُّون بأن الله هو الإله الحق لا شريك له، ويستجيبون لرسله ويعملون بشرعه، والجاحدون الذين ينكرون أن الله هو الإله الحق، ويكذبون رسله ولا يعملون بشرعه. قليلا ما تتذكرون – أيها الناس- حجج الله، فتعتبرون، وتتعظون بها.

9 – الكفر بعد الإيمان

الدخول في الإيمان ثم الخروج منه يطلق على الرِّدَّةِ، وللكفر بعد الإيمان عدة صور في القرآن الكريم منها:

أ- الكفر الصريح بعد الدخول في الإيمان والاستمرار عليه

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا ﴾

النساء:١٣٧

يخبر تعالى عمن دخل في الإيمان ثم رجع عنه، ثم عاد فيه ثم رجع، واستمر على ضلاله وازداد حتى مات، فإنه لا توبة بعد موته، ولا يغفر الله له، ولا يجعل له مما هو فيه فرجًا ولا مخرجًا، ولا طريقًا إلى الهدى .

ب – الاستهزاء بالله أو بشيء من آياته أوبالرسول

قال الله تعالى:

﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾

التوبة:٦٥-٦٦

ولئن سألتهم -أيها النبي- عما قالوا من القَدْح في حقك وحق أصحابك لَيَقولُنَّ: إنما كنا نتحدث بكلام لا قصد لنا به، قل لهم -أيها النبي-: أبالله عز وجل وآياته ورسوله كنتم تستهزئون؟ لا تعتذروا -معشر المنافقين- فلا جدوى مِن اعتذاركم، قد كفرتم بهذا المقال الذي استهزأتم به، إن نعف عن جماعة منكم طلبت العفو وأخلصت في توبتها، نعذب جماعة أخرى بسبب إجرامهم بهذه المقالة الفاجرة الخاطئة.

10 – توبة الكافر

جعل الله تعالى بابًا لا يغلق، أسماه باب التوبة، يغفر فيه الذنوب جميعًا.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾

الزمر:٥٣

هذه الآية عامة في جميع الناس إلى يوم القيامة في كافر ومؤمن

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾

الأنفال:٣٨

إن توبة الكافر تمحو ذنوبه، وتوبة العاصي تمحو ذنبه .

قال الله تعالى:

﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾

البقرة:١٦٠

فأولئك يمحو الله عنهم سيئاتهم ويجعل مكانها حسنات؛ بسبب توبتهم وندمهم.

قال الله تعالى:

﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾

الفرقان:٧٠

11- عاقبة الكفر

جاء القرآن الكريم مبينًا لحال أهل الكفر في الدنيا، فبين أنهم لن يهتدوا لاتباعهم الهوى وسيرهم في ركاب من سبقهم من أهل الكفر، فاستحقوا اللعن والخذلان، والضيق والخسران،  وشدة التنكيل بهم عند الاحتضار ، والأمر لا ينتهي بعد، فعقاب الآخرة أشد وأبقى.

أولًا: عاقبته في الدنيا

تعددت أصناف العقوبات للكفار في الدنيا، ولقد ذكرت آيات القرآن الكثير من هذه العقوبات في ما يلي:

1- حرمانهم من الهداية

قال تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا ﴾

النساء:١٣٧

2- لَعْنِ اللهِ لهم

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا ﴾

الأحزاب:٦٤

إن الله طرد الكافرين من رحمته في الدنيا والآخرة، وأعدَّ لهم في الآخرة نارًا موقدة شديدة الحرارة، ماكثين فيها أبدًا،

3- غضب الله عليهم

قال الله تعالى:

﴿ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾

البقرة:٩٠

فلما جاءهم هذا الكتاب والنبي الذي عرفوا، كفروا به، بغيًا وحسدًا، أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده، فلعنهم الله، وغضب عليهم غضبًا بعد غضب، لكثرة كفرهم وتوالي شكهم وشركهم .

4- لا يغفر ذنوبهم

قَال الله تعالى:

( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا ﴾

النساء168

إن الذين كفروا بالله وبرسوله، وظلموا باستمرارهم على الكفر، لم يكن الله ليغفر ذنوبهم، ولا ليدلهم على طريق ينجيهم.

5- شدة حالهم عند الاحتضار

وإهانة الملائكة لهم

قال الله تعالى:

﴿ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾

الأنعام: ٩٣

ولو أنك أبصرت – أيها الرسول – هؤلاء المتجاوزين الحدَّ وهم في أهوال الموت لرأيت أمرًا هائلا والملائكة الذين يقبضون أرواحهم باسطو أيديهم بالعذاب قائلين لهم: أخرجوا أنفسكم، اليوم تهانون غاية الإهانة، كما كنتم تكذبون على الله، وتستكبرون عن اتباع آياته والانقياد لرسله.

ثانيًا: عاقبة الكفر في الآخرة

من العقوبات المدخرة للكافرين يوم القيامة ما يلي:

1- لا يُقبل لهم عمل

قَال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾

البقرة:٢١٧

ومن أطاعهم منكم -أيها المسلمون- وارتدَّ عن دينه فمات على الكفر، فقد ذهب عمله في الدنيا والآخرة، وصار من الملازمين لنار جهنم لا يخرج منها أبدًا.

2- الحسرة والندامة

قال الله تعالى:

﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ . أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ . أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ . بَلَىٰ قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾

الزمر:٥٦-٥٩

في مشهد من مشاهد يوم القيامة يتمنى الكافر بعد ندمه أن لو كان من المهتدين .

3- الخلود الأبدي في النار

قَال الله تعالى:

( وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

البقرة : 39

والذين جحدوا وكذبوا بآياتنا المتلوة ودلائل توحيدنا، أولئك الذين يلازمون النار، هم فيها خالدون، لا يفنون ولا يخرجون منها.

4- العذابً المخزيً

قَال الله تعالى:

( وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾

النساء : 102

إن الله تعالى أعدَّ للجاحدين لدينه عذابًا يهينهم، ويخزيهم.

5- عدم قبول الفدية منهم

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾

المائدة:٣٦

أخبر أن الكافر لو ملك الدنيا كلها ومثلها معها، ثم فدى بذلك نفسه لإنقاذها من العذاب لم يقبل منه ذلك الفداء، ولهم عذابٌ أليمٌ .

6- الحرمان من النصير

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا . خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾

الأحزاب 64- 65

إن الله طرد الكافرين من رحمته في الدنيا والآخرة، وأعدَّ لهم في الآخرة نارًا موقدة شديدة الحرارة، ماكثين فيها أبدًا، لا يجدون وليًّا يتولاهم ويدافع عنهم، ولا نصيرًا ينصرهم، فيخرجهم من النار.

Share This