1- مفهوم القبر

هو المكان الذي يدفن فيه الإنسان

قال الله تعالى:

﴿ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ﴾

عبس: 21

ثم أماته فجعل له مكانًا يُقبر فيه .

2- كلمة القبر

    في

القرآن الكريم

وردت كلمة (قبر) وصيغها في القرآن الكريم ٨ مرات. والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

ورد مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ﴾

عبس:٢١

– الاسم

ورد  7   مرات

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ )

التوبة:٨٤

﴿ وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ )

الحج:٧

وجاء القبر في الاستعمال القرآني بمعني مقر الميت .

قال الله تعالى :

﴿ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ )

فاطر: ٢٢

يعني: كما لا يسمع ولا ينتفع الأموات بعد موتهم وصيرورتهم إلى قبورهم، كذلك هؤلاء المشركون الذين كتب عليهم الشقاوة لا حيلة لك فيهم، ولا تستطيع هدايتهم.

3- الكلمات ذات الصلة

    بكلمة القبر

أ- الأجداث

الأماكن التي يخرج منها الناس عند البعث

قال الله تعالى:

( ونفخ فى الصور فإذا هم من الأجداث الى ربهم ينسلون )

يس : 51

ب – البرزخ

هو مرحلة أو حياة بين حياتين

قال الله تعالى:

( ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون )

المؤمنون: 100

فالبرزخ مرحلة بين الموت ويوم تقوم الساعة.

– الضريح

مُشيَّدة معمارية تُبنى على قبر أحد الأشخاص تخليداً لذكراه .

– اللحد

وهو الشق الذي يجعل في القبر في أوسطه أو جنبه حيث يدفن فيه.

4- القبر وكرامة الإنسان

أولًا: القبر تكريم إلهي للإنسان

عن باقي المخلوقات

لقد كرم الله سبحانه وتعالى الإنسان، وخصه بخصائص لا مثيل لها تميز بها عن باقي المخلوقات .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾

الاسراء:٧٠

ويستمر حفظه له وعنايته به منذ خلقه حتى بعد الممات بحفظ جسده بعد مماته، بأن جعله يقبر ويدفن فلا يرمى للسباع والحيوانات المفترسة والطيور، وهذا ما علمه الله للإنسان من زمن آدم عليه السلام؛ إكرامًا له وتفضلًا عليه، فجعل في غريزة نوعه وفطرته أن يواري ميته بالتراب. لذلك سن الله سبحانه وتعالى القبر للإنسان، وامتن عليه به .

قال الله تعالى :

﴿ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ﴾

عبس:٢١

أي: جعله ذا قبر يوارى فيه، وجعل مثواه جوف الأرض كرامة له ورعاية؛ لأن القبر مما أكرم به الإنسان.

ثانيًا: الدفن في القبر

لقد شرع الله الدفن للميت تحت التراب، وألا يترك على وجه الأرض .

قال الله تعالى:

﴿ حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾

التكاثر:٢

أي: إذا جاء الأجل صرتم إلى المقابر ودفنتم فيها، فالآية فيها كناية عن الموت ودفن الموتى في المقابر، حيث يؤتى بالأموات ويدفنون في المقابر، وقد حث الإسلام على دفن الميت في القبر؛ لأن فيه تكريمًا للإنسان، فجعل الأرض وعاء للأحياء في المساكن والمنازل، وللأموات يدفنون في بطونها في القبور .

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا . أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ﴾

المرسلات: ٢٥- 26

ثالثًا: تعليم الإنسان الدفن

قال الله تعالى:

﴿ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ﴾

المائدة ٣١

هذه الآية أصل في دفن الميت ، حيث روي أنه لما قتل قابيل أخاه هابيل، ولم يعرف كيف يصنع به ويواري جثته، وتحير في ذلك؛ لأنه أول ميت مات من بني آدم، بعث الله غرابًا يبحث في الأرض منقبًا في غذائه، أو يثيرها ليدفن غرابًا آخر ميتًا، فحفر حفرة، فرآه قابيل ففطن إلى مثل عمله، ففعل لأخيه مثلها ووارى بدنه فيها؛ لأن بدن الميت عورة، والجثة سوأة لا تطيقها النفوس، وبذلك تعلم الدفن للميت، ووارى سوأة أخيه .

  5- أحكام تتعلق بالقبر

أولًا: الصلاة على المؤمنين

وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن الصلاة على الكافرين والمنافقين؛ لأنهم كفروا وماتوا على الفسق.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴾

التوبة:٨٤

وقد استدل بهذه الآية على وجوب الصلاة على المؤمنين، بدليل أن النهي عن الشيء أمر بضده فالنهي عن الصلاة على المنافقين للتحريم فضده وهو الأمر بالصلاة على المؤمنين للوجوب، واعتبرها البعض دليل فقط على المشروعية وعدم تحريم الصلاة على المؤمنين، وأنه مما يستفاد من الآية الصلاة على المؤمنين وليس الأمر بالوجوب.

ثانيًا: الوقوف على قبورهم والدعاء لهم

لقد شرع الله للمسلمين الوقوف عند قبور المؤمنين والدعاء لهم، كما نهى عن الوقوف على قبور الكفار والمنافقين والدعاء لهم.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴾

التوبة:٨٤

في هذه الآية نهي من الله للنبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي على من مات من الكفار والمنافقين، وألا يتول دفنهم وتقبيرهم، وألا يدعو لهم أو يستغفر لهم، أو يقف على قبورهم للزيارة.

ثالثًا : زيارة القبور

يشرع للإنسان أن يزور القبور على سبيل الاتعاظ والتذكر بما أمامه، والإحسان إلى المقبور نفسه .

قال الله تعالى:

﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾

الأنبياء: ٣٥

يتذكر الإنسان بزيارتها مآله ؛ لأنه سيصير مثلما صار هذا المقبور، فيتوب ويجتهد في العمل، ويتذكر الآخرة، ويتذكر ما أمامه، ويستعد لهذا اليوم ويأخذ أسباب الرحيل .

أو أن يحسن إلى الميت بالدعاء له، فإنه في أمس الحاجة إلى دعوة صادقة ، أما أن تنعكس القضية، ويصبح الإنسان يزور القبر ليسأل صاحبه ، فهذا عكس ما أراد الله تعالى .

قال الله تعالى:

﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾

الإسراء 24

واطلب من ربك أن يرحمهما برحمته الواسعة أحياءً وأمواتًا، كما صبرا على تربيتك طفلا ضعيف الحول والقوة.

قال الله تعالى:

﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ﴾

الحشر 10

ربنا اغفر لنا ذنوبنا، واغفر لإخواننا في الدين الذين سبقونا بالإيمان.

6 – القبر في المثل القرآني

إن من الأساليب القرآنية التي استعملها القرآن الكريم لتقريب المعنى ضرب الأمثلة، ولقد مثل القرآن بالقبر والأموات المقبورين بأمثلة من أروع ما ضرب من الأمثال القرآنية دقة بيان وروعة أسلوب ووضوح معنى وهي:

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ  وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾

فاطر :٢٢

وفي الآية تمثيل لحال الكفار بالنسبة إلى سماعهم كلام النبي صلى الله عليه وسلم والوحي النازل عليه، فكما لا يقدر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسمع من في القبور كتاب الله فيهديهم به إلى سبيل الرشاد، فكذلك لا يقدر أن ينفع بمواعظ الله وبيان حججه من كان ميت القلب من أحياء عباده، عن معرفة الله، وفهم كتابه وتنزيله، وواضح حججه، فالكافر لا يسمع، ولا ينتفع بما يسمع .

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ﴾

الممتحنة :١٣

في هذه الآية ينهي الله المؤمنين من موالاة اليهود، هؤلاء القوم الذين غضب الله عليهم، قد يئسوا من ثواب الله في الآخرة، وأن يبعثوا، كما يئس الكفار الأحياء من أمواتهم الذين هم في القبور أن يرجعوا إليهم، فمثل يأس الكافر من ثواب الله في الآخرة كمثل يأس الكافر الحي من عودة الميت من قبره .

7- الفرق بين القبور

  و الأجداث

إنّ الأكثرية يعتقد أن كلمتي القبور و الأجداث مترادفتان ،إلا أن القرآن الكريم كسر هذا الإعتقاد وأشار الى الإختلاف الدقيق و اللامحسوس بين هاتين الكلمتين وإليك التوضيح:

أ – القبور

وردت لفظة ( القبور ) في القرآن الكريم خمس مرات ، وذلك في الآيات :

قال الله تعالى:

( وأن الساعه ءاتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من فى القبور )

الحج : 7

( وما يستوي الأحياء ولا الأموت إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من فى القبور)

فاطر :22

( يأيها الذين ءامنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحب القبور )

الممتحنة : 13

( وإذا القبور بعثرت )

الانفطار : 4

 ( أفلا يعلم إذا بعثر ما فى القبور )

العاديات : 9 .

ونلاحظ أن في جميع هذه المرات الخمس معنى واحداً للقبور ، فهي الأماكن التي دفن فيها الموتى ، وسواء تحدثت الآيات عن أن الله تعالى سيبعثهم يوم القيامة أو تحدثت عن بعثرة القبور يوم القيامة أو تحدثت عن أن سكان القبور لا يسمعون لأنهم موتى ، فإن المعنى الثابت للقبور يظل هو المكان الذي دفن فيه الموتى .

ب – الأجداث

قال الله تعالى:

 ( ونفخ فى الصور فإذا هم من الأجداث الى ربهم ينسلون )

يس : 51

( خشعا أبصرهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر )

القمر : 7

 (  يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم الى نصب يوفضون )

المعارج : 43

ذكر الله تعالى اماكن دفن اجساد البشر في الحياة الدنيا باسم ( القبور ) ، ولكن عندما وصف كيفية البعث وهو ( الخروج ) يوم القيامة ذكر اماكن الخروج بإسم ( الأجداث ) ولم يقل القبور كما هو مبين في الآيات .

وهكذا يتضح لنا كيف أن القرآن الكريم يراعي الدقة في التعبير بألفاظ مختارة بعناية كبيرة لا نجدها في تعبيرات البشر .

8- خروج الموتى من

    قبورهم للحساب

في يوم القيامة السماء تنفطر وتنشق،  و الكواكب تنتثر والبحار تنفجر، والقبور تتبعثر.

قال الله تعالى:

﴿ِ إذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ . وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ . وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ . وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ﴾

الانفطار 1-4

ورغم ما حدث من بعثرة محتويات القبوروإختلاط ما فيها ، فأنه سبحانه وتعالى قادر على أن يبعث من فى القبور للحساب والجزاء.

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾

الحج:٧

أما الأماكن التي سيبعثهم الله تعالى يوم القيامة منها فهي الأجداث

قال الله تعالى:

 ( ونفخ فى الصور فإذا هم من الأجداث الى ربهم ينسلون )

يس : 51

( خشعا أبصرهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر )

القمر : 7

 (  يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم الى نصب يوفضون )

المعارج : 43

نلاحظ بشكل واضح من الآيات ان الخروج يوم القيامة يكون من الأجداث وليس من القبور . ونلاحظ أن الآيات هنا لم تتحدث عن موتى ، بل تحدثت عن أحياء ، لأنهم في آية يس ينسلون ، وفي آية القمر يخرجون وأبصارهم خاشعة ، وفي آية المعارج يخرجون سراعاً ، وهذا يعني أن الأجداث لم تعد قبوراً .

فأين القبر الذي سيخرج منه ذلك الذي مات غريقاً في بحر او نهر وأكلت جسده الأسماك ؟

فأين القبر الذي سيخرج منه ذلك الذي مات في البرية وأكلت جسده الوحوش وطيور السماء ونثرت تراب عظامه رياح الصحراء ؟

فأين القبر الذي سيخرج منه ذلك الذي مات في مجتمع يحرق اجساد موتاه وينثر رمادها في الهواء او في الأنهار ؟

من خلال هذه التساؤلات نكتشف ان الأجداث لا تعني القبور …

قال الله تعالى:

( وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ)

الانفطار 4

﴿ أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ ﴾

العاديات 9

اذاً واضح أيضاً من هذه الآية ان قبور الدنيا سوف تتلاشى وتبقى ( الأجداث ) مبعثرة ومختلطة بتراب الارض أينما وُجدت . وعن كيفية الخروج من تلك الأجداث.

قال الله تعالى :

( وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ . وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ . رِّزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَٰلِكَ الْخُرُوجُ )

ق 9-11

واضح من الآية ان كيفية الخروج من الأجداث هي كما تنبت الجنات وحبوب الحصيد وغيرها من النباتات عندما ينزل عليها الماء من السماء . ونحن نعلم ان الارض مليئة بذرات صغيرة جداً من البذور التي تنبت منها الأشجار عندما يهطل المطر عليها . اذاً فالأجداث هي ذرات متناهية الصغر من خلايا الجسد ينبت منها كل انسان مات في الحياة الدنيا وحيثما كانت تلك الذرة ينبتها الله وينسل منها جسد المبعوث .

قال الله تعالى :

( وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا . ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا )

نوح 17- 18

والله أنشأ أصلكم من الأرض إنشاء، ثم يعيدكم في الأرض بعد الموت، ويخرجكم يوم البعث إخراجًا محققًا.

قال الله تعالى :

﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ ﴾

طه 55

من الأرض خَلَقْناكم – أيها الناس -، وفيها نعيدكم بعد الموت، ومنها نخرجكم أحياء مرة أخرى للحساب والجزاء.

9- مسألة عذاب

  القبر ونعيمه

مسألة عذاب القبر ونعيمه تشغل بال كثير من الناس، وقد دار حولها كثير من النقاشات واختلفت حولها الآراء ما بين مثبت ونافٍ.

فالمثبت يستشهد بكمٍّ من الأحاديث والروايات التي تثبت وقوع النعيم والعذاب في القبر، وكذلك يستشهدون بآيات من كتاب الله تعالى يرون أنها دليل لهم.

أمَّا الفريق النافي فيراها قضية تتناقض مع مقتضيات العقل والمنطق، الذي يقول أن الميت بمجرد خروج النفس منه يكون قد فقد الشعور والحس، ومع مرور الوقت يتحول الجسد إلى جيفة ثم إلى تراب.

سوف نعرض أدلة الفريق المثبت من القرآن لحسم هذا الخلاف والجدل حول القضية، ولن نتعرض للروايات؛ بما أن الآيات القرآنية هي الخط الفاصل في جميع القضايا الخلافية.

أدلة من يقول بعذاب القبر ونعيمه:

أولا- نعيم القبر

يستشهدون عليه بالأية الأتية

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًاۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ . فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

آل عمران:  169-170

إذا جئنا إلى الآية التي يثبتون بها نعيم القبر، نجد بعض التساؤلات تطرح نفسها:

– فهل قال تعالى أن من قتلوا في سبيله ﴿أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ أم قال (أحياء عندكم في قبورهم يرزقون) ؟

– وهل ذكر لنا الله أن القبور هي مكان الرزق والفرح والبشارة ؟ وأنهم برغم تحلل أجسادهم ما زلوا فيها يفرحون ويستبشرون؟!

– وإذا كانوا بأجسادهم قبل بلائها ينعَّمون، فماذا بعد أن تُبلى الأجساد وتصبح ﴿تُرَابًا وَعِظَامًا﴾!

فالمتدبر للآية الكريمة يجدها تتحدث عمن قُتل في سبيل الله دون غيرهم، وأن الله سبحانه اختصهم بما لم يختص به أحدًا من الأموات؛ وذلك لأنهم هم الذين قدموا أنفسهم وبذلوا وباعوا حياتهم الدنيا واشتروا حياة الآخرة، فكافأهم ربهم بأن جعل نفوسهم في الجنة تنعم وتستبشر بمن لم يلحق بهم، ونهانا أن نقول عليهم أنهم أموات .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِنْ لَا تَشْعُرُونَ  ﴾

البقرة 154

ثانيا – أما عذب القبر

فيرون أنه جاء في آيات قرآنية عديدة ، منها

1- الأية الأولي

قال الله تعالى:

﴿ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ. النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾

غافر 45- 46

الأية لا تتحدث عن عذاب في القبر، لأنه لا عذاب إلا بعد حساب، والحساب سيكون في الآخرة، إنما في حياتة البرزخية فسيعرض عليه ما ينتظرة في الآخرة نتيجة أعماله ، فإن كان صالحًا يعرض عليه الثواب فيسر به  ، وإن كان غير ذلك يعرض عليه العذاب فيشقي به .

2- الأية الثانية

قال الله تعالى:

( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ )

الأنعام 93

ولو أنك أبصرت – أيها الرسول- هؤلاء المتجاوزين الحدَّ وهم في سكرات الموت لرأيت أمرًا هائلا والملائكة الذين يقبضون أرواحهم باسطو أيديهم  إليهم بالضرب والتعذيب يقولون لهم تعنيفا أخرجوا أنفسكم، اليوم تهانون غاية الإهانة، كما كنتم تكذبون على الله، وتستكبرون عن اتباع آياته والانقياد لرسله.

3- الأية الثالثة

قال الله تعالى:

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

السجدة 21

ولنذيقن هؤلاء الفاسقين المكذبين من العذاب الأدنى من البلاء والمحن والمصائب في الدنيا قبل العذاب الأكبر يوم القيامة، حيث يُعذَّبون في نار جهنم؛ لعلهم يرجعون ويتوبون من ذنوبهم.

4- الأية الرابعة

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ﴾

البروج 10

إن الذين حرقوا المؤمنين والمؤمنات بالنار؛ ليصرفوهم عن دين الله، ثم لم يتوبوا، فلهم في الآخرة عذاب جهنم لكفرهم، ولهم عذاب آخرلإحراقهم المؤمنين وذلك في الآخرة .

5- الأية الخامسة

قال الله تعالى:

﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾

إبراهيم: 27

يثبِّت الله الذين آمنوا بما جاء به من القرآن في الحياة الدنيا، وعند مماتهم بالخاتمة الحسنة، ويضل الله الظالمين عن الصواب في الدنيا والآخرة، ويفعل الله ما يشاء من توفيق أهل الإيمان وخِذْلان أهل الكفر والطغيان.

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

النحل 102

قل لهم – أيها الرسول – ليس القرآن مختلَقًا مِن عندي، بل نَزَّله جبريل مِن ربك بالصدق والعدل؛ تثبيتًا للمؤمنين .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ﴾

الإسراء 74

ولولا أن ثبَّتناك على الحق، وعصمناك عن موافقتهم، لَقاربْتَ أن تميل إليهم ميلا قليلا من شدة احتيالهم وإلحاحهم، ورغبتك في هدايتهم.

6- الأية السادسة

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَٰلِكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

الطور 47

وإن لهؤلاء الظلمة عذابًا يلقونه في الدنيا قبل عذاب يوم القيامة من القتل والسبي وغير ذلك، ولكن أكثرهم لا يعلمون أن هذ االعذاب سوف ينزل بهم.

7- الأية السابعة

قال الله تعالى:

﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾

التوبة 101

ومن القوم الذين حول (المدينة) أعراب منافقون، ومن أهل (المدينة) منافقون أقاموا على النفاق، وازدادوا فيه طغيانًا، بحيث يخفى عليك -أيها الرسول- أمرهم، نحن نعلمهم، سنعذبهم مرتين: فى الدنيا ، ثم يُرَدُّون يوم القيامة إلى عذاب عظيم في نار جهنم.

وإذا جئنا لقوله تعالى ﴿سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ﴾ فالسؤال هنا: هل عذاب القبر يُعد عذابًا دنيويًا؟ أم أخرويًا؟ أليست القبور بل الموت نفسه هو أول منازل الآخرة؟!

فلو كان العذاب الأول في الدنيا، والثاني في القبر، ما قيل ﴿ثُمَّ يُرَدُّونَ﴾ لأنهم بالفعل قد ردوا إلى ربهم بموتهم، فالآية الكريمة واضحة أن هاتين المرتين ستكونان في الدنيا بدليل بقية الآية نفسها ﴿سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾

وبالعودة كذلك إلى كتاب الله تعالى سوف ندرك كيف يكون عذابهم مرتين؟

1- فالعذاب الأول خلال حياتهم الدنيا، بدليل قوله تعالى عنهم في نفس سياق الآيات في السورة نفسها

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾

التوبة 85

– والعذاب الثاني في الدنيا لحظة الموت كما تبين من قبل.

وإذا تأملنا الآيات التي إستدل بها على عذاب القبر ونعيمة ، لم يأتِ للقبر الذي تُبلى فيه الأجساد أي ذكر من قريب أو بعيد فيها.

 

 

 

Share This