1- مقدمة

إن طبيعة الإنسان في هذه الحياة الدنيا تتقلب من صحة إلى مرض , ومن عافية إلى بلاء , ومن فرح إلى حزن , والسعيد حقاً من جمع بين ثلاث خصال : الشكر في حال النعم , والصبر في حال البلاء , والاستغفار حيال الذنوب .

2- مفهوم الغم  

الغم أمرا ينقبض القلب معه، ويكون لوقوع ضرر قد كان، أو توقع ضرر يكون، أو توهمه.

– في اهل أحد

قال الله تعالى:

( ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ )

آل عمران 154

ثم كان من رحمة الله بالمؤمنين المخلصين أن ألقى في قلوبهم من بعد ما نزل بها من همٍّ وغمٍّ اطمئنانًا وثقة في وعد الله، وكان من أثره نعاس غَشِي طائفة منهم، وهم أهل الإخلاص واليقين .

3- كلمة الغم

     في

 القرآن الكريم 

وردت كلمة الغم وصيغها في القرآن الكريم (٧) مرات. والصيغ التي وردت هي:

– المصدر

ورد 6 مرات

قال الله تعالى:

﴿ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ ﴾

آل عمران:١٥٣

– الاسم

ورد مرة واحدةً

قال الله تعالى:

﴿ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ﴾

يونس:٧١

وجاء الغم في القرآن بمعني الكرب أو الحزن يحصل للقلب بسببٍ ما،

قال الله تعالى:

﴿ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ﴾

يونس:٧١

وذلك من الغم؛ لأن الصدر يضيق به .

4 – الألفاظ ذات الصلة بالغم

– الهم

هو الانشغال بالتفكير في الأمور التي قد تحدث بشكل غير سار، كأن تفكر مثلا أنك ستفقد عملك، أو أنك ستفقد شيئا يهمك أو شخصا عزيزا عليك، و كلما زاد تفكيرك بالامر زاد همك، رغم انه لم يحدث شيء بعد.

– الحزن

الحزن هو احد المشاعر الإنسانية، و هو شعور يصيب الإنسان بعد حدوث أمر غير سار له، مثل وقوع مكروه ، أو فوات محبوب في الماضي

– الكرب

أن الكرب تكاثف الغم مع ضيق الصدر

قال الله تعالى :

﴿ وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴾

الأنبياء: ٧٦

– السرور

حالة نفسانية تعرض عند حصول اعتقاد وعلم أو ظن لحصول شيء لذيذ ، والسرور خلاف الحزن.

5 – الشعور بالغم من طبيعة البشر

وقد ذكر القرآن الكريم إن المرء يتقلب في أحوال مختلفة منها ما يدعو إلي الحزن ، و منها ما يدعو إلي السرور .

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا . إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ﴾

المعارج 19- 20

إن الإنسان جُبِلَ على الجزع ، إذا أصابه المكروه والعسر فهو كثير الجزع والأسى .

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ ﴾

النجم 43

وأنه سبحانه وتعالى أضحك مَن شاء في الدنيا بأن سرَّه، وأبكى من شاء بأن غَمَّه.

قال الله تعالى:

 ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ )

البلد :4

لقد خلقنا الإنسان في شدة وعناء من مصائب الدنيا وشدائدها.

وقد نص القرآن الكريم على أن أنبياء الله عليهم السلام أصابهم الغم

– عن أيوب عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾

الأنبياء 83

– عن يونس عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾

الأنبياء :٨٨

– عن النبي صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى:

﴿  فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾

فاطر:٨

أي: قاتل نفسك

قال الله تعالى:

﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾

الكهف:٦

﴿َ  لعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾

الشعراء:٣

أي: لعلك مهلك

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحزن لإصرار المشركين على عنادهم وكفرهم الذي فيه هلاكهم .

– عن يعقوب عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ . قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ . قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ . يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾

يوسف:٨٤-٨٧

ومما هو صورة جلية للحزن ما قصه القرآن الكريم من خبر نبي الله يعقوب عليه السلام الذي أصابه من فراق ابنه يوسف ثم أخيه بنيامين حزن عظيم بلغ به حدا فقد معه بصره .

ودلت الآيات على أن أنبياء الله عليهم السلام ومنهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قد أصابهم الغم، وما ذلك إلا لأنهم بشر يصيبهم ما يصيب البشر.

6 – النهي ما ينتج عن الحزن

     من أقوال وأفعال

قص القرآن الكريم أن يعقوب عليه السلام أصابه غم وحزن عظيم لشدة ما نزل به من البلاء حتى بدا ذلك على بدنه وفعله وقوله ، على أن البكاء من الحزن أمر فطري فلا يجب أن نستغرب صدوره من نبي .

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ ﴾

النجم 43

وأنه سبحانه وتعالى أضحك مَن شاء في الدنيا بأن سرَّه، وأبكى من شاء بأن غَمَّه.

قال الله تعالى:

﴿ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾

فاطر :٨

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ  ﴾ 

آل عمران : ١٣٩

وعليه فيكون النهي ليس متوجهًا إلى الحزن نفسه، بل إلى ما يعقبه وينتج عنه من أقوال وأفعال.

7 – جعل أسباب الغم للإختبار

قال الله تعالى:

﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾

العنكبوت 2

خلق الله العباد وجعلهم يبتلون ويمتحنون ليميز الخبيث من الطيب، وليعلم المجاهدين والصابرين ومن يخافه بالغيب، وليختبرهم أيهم أحسن عملا؛ فالخير والشر يصيب الناس جميعًا في هذه الحياة الدنيا ليس يسلم منه أحد.

قال الله تعالى:

﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾

الأنبياء:٣٥

كل نفس ذائقة الموت لا محالة مهما عُمِّرت في الدنيا. وما وجودها في الحياة إلا ابتلاء بالتكاليف أمرًا ونهيًا، وبتقلب الأحوال خيرًا وشرًا، ثم المآل والمرجع بعد ذلك إلى الله – وحده – للحساب والجزاء.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾

البقرة:١٥٥-١٥٦

ولنختبرنكم بشيء يسير من الخوف، ومن الجوع، وبنقص من الأموال بتعسر الحصول عليها، أو ذهابها، ومن الأنفس: بالموت أو الشهادة في سبيل الله، وبنقص من ثمرات النخيل والأعناب والحبوب، بقلَّة ناتجها أو فسادها. وبشِّر -أيها النبي- الصابرين على هذا وأمثاله بما يفرحهم ويَسُرُّهم من حسن العاقبة في الدنيا والآخرة.

8 – أسباب الغم

لا شك أن هناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى إصابة الإنسان بالهموم ولعلنا نجمل ذلك فيما يلي:

1- الغم بسبب المعاصي والذنوب

ومن الغموم التي تدخل في حصول مكروه أو توقع حصوله، ما يكون ناشئًا عن المعاصي، كالغموم التي تصيب المذنب بعد ذنبه، مثل الذي يحدث في غم من أصاب دمًا حرامًا، أو غم الزانية بحملها، وهو داخل ضمن عموم المصائب التي هي أثر للمعاصي .

فقال الله تعالى:

﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾

الشورى:٣٠

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ .  وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾

الزلزلة:٧-٨

وظاهر هذه النصوص أن المصائب عقوبات على الذنوب والمعاصي والآثام.

2- الغم بسبب فقد مايشتهيه الإنسان

الحزن يتولد من مفارقة الإنسان ما يحبه من المال والجاة والعافية والسعة وحسن الحال؛ ولهذا جعل الله سبحانه وتعالى مفارقة المشتهيات من أعظم العقوبات .

قال الله تعالى:

﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ  ﴾

سبأ:٥٤

3- الغم بسبب مصائب الدنيا وابتلاءاتها

وهذا لا يكاد يخلو منه إنسان ، ومن ذلك الغموم الحاصلة بسبب مصائب الدنيا، كالأمراض المزمنة والخطيرة، وعقوق الأبناء وتسلط الزوجة، واعوجاج الزوج.

قال الله تعالى:

 ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾

البلد:4

لقد خلقنا الإنسان في شدة وعناء من مكابدة الدنيا. ومن الغموم مايلى ..

4 – الهم بسبب الدَّين

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ﴾

البقرة 282

الدَّين من الحق الذي وصانا الله بحفظة ، فالدَّين همٌ بالليل ومذلة بالنهار،

5 –  الهم بسبب التفكير في المستقبل

ومن الغموم ما يكون بسبب الخوف من المستقبل وما يخبئه الزمان، كغموم الأب بذريته من بعده، وخاصة إذا كانوا ضعفاء وليس لديه ما يخلفه لهم.

قال الله تعالى:

﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ ﴾

النساء 4

ولْيَخَفِ الذين لو ماتوا وتركوا من خلفهم أبناء صغارًا ضعافًا خافوا عليهم الظلم والضياع، فليراقبوا الله في أعمالهم .

6 – الهم بسبب التهمة الباطلة

فإن العبد إذا كان بريئا واتهم بالباطل فإن ذلك يسبب له الهم والحزن

– عن مريم البتول

قال الله تعالى:

﴿ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا ﴾

مريم :23

يا ليتني متُّ قبل هذا اليوم، وكنت شيئًا لا يُعْرَف، ولا يُذْكَر، و ذلك بسبب ما أصابها من الغم والهم حين حملت بغير زوج ، فحين يكون المرء صادقا ويتهمه الناس بالكذب يركبه الهم والضيق حتى يثبت للناس صدقة .

وهكذا تتنوع الغموم والهموم.

7 – وسائل النجاة من الغم

وإذا كانت حياة الإنسان عرضة للهموم , والغموم , والأحزان , والأكدار , فإن هذا يوجب علينا أن نسعى إلى إزاحة هذه الهموم والأحزان ما أمكننا ذلك بالسعي في أسباب انشراح الصدر ومنها:

1- كثرة الاستغفار

عن قول هود عليه السلام لقومه

قال الله تعالى:

﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ ﴾

هود52

عن قول صالح عليه السلام لقومه

قال الله تعالى:

  ﴿ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ﴾

هود: 61

2- المداومة على الأعمال الصالحة

إن المداومة على العمل الصالح سبب لحياة سعيدة مطمئنة، ولو كان قليل المال .

قال الله تعالى:

﴿ مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ﴾

النحل:97

3- ذكر الله

ومما يدل على أن ذكر الله سبب تطمئن القلوب به وتستأنس

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾

الرعد: 28

ويهدي الذين تسكن قلوبهم بتوحيد الله وذكره فتطمئن، ألا بطاعة الله وذكره وثوابه تسكن القلوب وتستأنس.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا  ﴾

طه:124

أي ضنكاً في الدنيا، فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره بل صدره ضيق حرج لضلاله وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك .

قال الله تعالى:

﴿ ۚ فَوَيۡلٞ لِّلۡقَٰسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ ﴾

الزُّمَر:22

فويل وهلاك للذين قَسَتْ قلوبهم، وأعرضت عن ذكر الله .

4- التفكر في نعم الله

مهما وقع للإنسان من الهموم والغموم , لو تأمل الإنسان نعم الله عليه لوجدها تغمره من أعلى رأسه حتى أخمس قدميه .

قال الله تعالى:

 ﴿ وَأَسۡبَغَ عَلَيۡكُمۡ نِعَمَهُۥ ظَٰهِرَةٗ وَبَاطِنَةٗۗ ﴾ 

لقمان:20

صحة في بدن , وأمن في وطن , وغذاء , وكساء , وماء , وهواء , وعينان , وأذنان , ولسان , وشفتان , ويدان , ورجلان , أنت تبصر وغيرك أعمى , وأنت تسمع وغيرك أصم , و جلدك حسن , ومنظرك حسن , وغيرك أبرص وأجذم , وأنت تعقل وغيرك مجنون ومعتوه .

قال الله تعالى:

﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَظَلُومٞ كَفَّارٞ ﴾

إبراهيم:34

إنك في نعم كثيرة , وأنت لا تدري , ثم تعيش مهموماً مغموماً حزيناً كئيباً , قف وتأمل , وفكر وإشكر , ولا تكون ممن قال الله فيهم

قال الله تعالى:

﴿ يَعۡرِفُونَ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا ﴾

النحل:83

5- الدعاء

بالدعاء تتحقق الآمال , وتتيسر الأمور , وتُقضى الحاجات , وتُفرج الكربات , فينبغي للعبد أن يُلح على الله عز وجل بالدعاء حتى يستجيب له

قال الله تعالى:

﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ  ﴾

الأنبياء 83- 84

واذكر – أيها الرسول – عبدنا أيوب، إذ ابتليناه بضر وسقم عظيم في جسده، وفقد أهله وماله وولده، فصبر واحتسب، ونادى ربه عز وجل أني قد أصابني الضر، وأنت أرحم الراحمين، فاكشفه عني. فاستجبنا له دعاءه، ورفعنا عنه البلاء، ورددنا عليه ما فقده من أهل وولد ومال مضاعفًا، فَعَلْنا به ذلك رحمة منَّا، وليكون قدوة لكل صابر على البلاء، راجٍ رحمة ربه، عابد له.

6- قراءة القرآن بتدبر

إن تلاوة القرآن وتدبره من أسباب انشراح الصدر ؛ لما فيه من القصص التي تبين مقدار الابتلاء الذي ابتلي به الأنبياء , والصالحين , فمهما كان بلاءك فإنك لم تبتلى مثل بلاء يوسف عليه السلام الذي رماه أخوته في البئر , ثم باعوه بثمن بخس , ثم كانوا سبباً في غربته , وبُعده عن أهله , ثم تعرضه لفتنة امرأة العزيز .

قال الله تعالى:

﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾

الإسراء 82

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾

يونس 57

7- التوكـل على الله

اعتمد على ربك، وفَوِّضْ جميع أمورك إليه، وحسبك به حافظًا لمن توكل عليه وأناب إليه.

قال الله تعالى :

﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾

الأحزاب 3

8- الصبر والصلاة

أمر القرآن الكريم المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما أمر بني إسرائيل بأن يستعينوا على ما نزل بهم من البلاء بالصبر والصلاة،

– مخاطبا بني إسرائيل

قال الله تعالى :

﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ .  الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾

البقرة:٤٥-٤٦

– مخاطبا نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى :

﴿ فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا  وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ ﴾

طه:١٣٠

فأمره جل ثناؤه في نوائبه بالفزع إلى الصبر والصلاة .

– مخاطبا المؤمنين

قال الله تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ . وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِنْ لَا تَشْعُرُونَ  ﴾

البقرة:١٥٣-١٥٤

وهو ما يؤكد أن هذه الوصية الإلهية قد توجهت إلى المؤمنين من أتباع جميع أنبياء الله عليهم السلام.

9- التوبة من الذنوب

إن الذنوب , والمعاصي سبب لضيق الصدر , ولكي يحقق الإنسان السعادة عليه بالبعد عن الذنوب والمعاصي ؛ لتتحقق له السعادة في الدنيا والآخرة ؛ لأنه ما نزل بلاء إلا بذنب , ولا يرفع إلا بتوبة .

قال الله تعالى :

﴿ ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ ﴾

الروم:41

10- الإعراض عن وسوسة الشيطان

إن الشيطان يسعى جاهداً لتحزين الإنسان , وبث الخوف والحزن في قلبه ؛ ليقعده عن العمل الصالح , ويشغله بالهموم والوساوس .

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾

المجادلة:10

فعلى المؤمن أن يعرض عنه ولا يستجيب لوسوسته حتى لا تثقل عليه نفسه وتغتم بأمور كثير منها سراب وأوهام .

11- تذكر حقيقة الدنيا

إن المؤمن يعرف حقيقة هذه الدنيا , وسرعة زوالها , وأنها ممر , وليست مقر , وأنها فانية , فيهون عليه ما يلاقيه من الهم , والغم فيها .

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ﴾

غافر:39

﴿ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾

التوبة :38

12- الرضا بالقضاء والقدر

قال الله تعالى :

﴿ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ ﴾

التغابن:11

إن القناعة بما قسمه الله للعبد هو عين السعادة والرضا , وعنوان الأنس والسكينة ؛ لأنه عندما يرضى بما قسمه الله له من مسكن , وموهبة , وعلم , ومال فإن نفسه تسكن , وتطمئن , ويخرج من الشقاء , والعذاب الذي يعيشه في داخل نفسه , وهذا منطق القرآن , أشكر الله لأن قضاء الله لك خيرعلي كل حال .

قال الله تعالى :

﴿ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ  وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

البقرة : 216

13- حسن الظن بالله

ومما يزيد حسن الظن بالله التأمل في سير الأنبياء , وكيف أن الله عز وجل رعى يوسف في البئر , وموسى عليه السلام في بيت فرعون , ورزق زكريا عليه السلام بعد عقم , وحمى إبراهيم عليه السلام من النار , وحفظ محمد صلى الله عليه وسلم وهو في الغار , ورعى أم إسماعيل وهي في واد غير ذي زرع , فلن يعجزه شئ سبحانه .

قال الله تعالى :

﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾

الزمر 36

13- انتظار الفرج من الله

قال الله تعالى :

﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾

الطلاق: 7

هذا وعد منه تعالى، ووعده حق، لا يخلفه .

قال الله تعالى :

﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾

الشرح: 5- 6

إن مع الضيق والشدة يسرًا؛ أي: سعةً وغنًى، ثم كرر فقال: إن مع العسر يسرًا، وهذا التكرير تأكيد للكلام .

 

Share This