1- مفهوم الغلو

مجاوزة الحد المشروع في الدين بتعدي الحد الذي أمر الله به، بالزيادة عليه أو التشديد فيه .

قَال الله تعالى:

( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ )

المائدة:٧٧

أي: لا تجاوزوا الحد في اتباع الحق.

2- كلمة الغلو

      في

  القرآن الكريم

وردت كلمة غلو وصيغها في القرآن الكريم مرتين فقط. والصيغ التي وردت هي:

– الفعل المضارع

ورد  مرتين

قَال الله تعالى:

﴿  يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ﴾

النساء:١٧١

وجاء الغلو في القرآن الكريم بمعني الإفراط ومجاوزة الحد.

3- الكلمات ذات الصلة

   بكلمة الغلو

– الطغيان

الطغيان هو مجاوزة القدر والحد الواجب؛ ويصاحبه – غالبًا – استعلاء وتكبر والتجبر كتكبر وطغيان فرعون.

قَال الله تعالى:

﴿ اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ ﴾

طه: 43

– البغي

هو طلب الاستعلاء بغير حق بقصد الظلم وقصد الفساد

قَال الله تعالى:

﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ﴾

القصص: 76

– الوسطية

الوسطية هي العدل والطريق الأوسط الذي تجتمع عنده الفضيلة ، فالشجاعة وسط بين التهور والجبن، والاعتدال في النفقة وسط بين الإسراف والتقتير أو البخل.

قَال الله تعالى:

﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾

البقرة: 143

4 – نهى الله تعالى عنه

قَال الله تعالى:

( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ )

النساء 171

( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ )

المائدة 77

5- أضرار الغلو

للغلو في الدين أضرار كثيرة بينها القرآن الكريم وهذه الأضرار،هي

1- تشويه صوره الدين، وتنفير للناس منه

الغلو ضلال عن الحق، وقول على الله بغير علم، وابتداع في الدين، وتشويه لصورته، وتنفير للناس منه.

قَال الله تعالى:

 ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ )

المائدة 77

بين الله تعالى في هذه الآية أن هذا الغلو من أهل الكتاب إنما هو ضلال وقول بغير الحق وابتداع لا ينطلق من شرع الله؛ وإنما ينطلق من اتباع الهوى والتقليد بغير بينة.

2- تفريق الأمة وإضعاف قوتها

ذم القرآن التفرق ونهى عنه وبين سوء عاقبته

قال الله تعالى:

﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾

الأنفال:٤٦

ومما لا شك فيه أن اعتقاد طائفة من الناس أنهم قد اختصوا بفهم زائد في الدين فإن ذلك سيؤدي بلا شك إلى تفريق الأمة وتمزيقها بين من يتبع هؤلاء الخارجين على أهل العلم وأولي الأمر، وبين من يتمسك بما عليه سواد الأمة، وهذا التفرق والتشرذم مما يضعف قوة الأمة ويذهب قوتها

3- إيقاع الناس في الحرج

يحدث هذا عندما يدعي طائفة من الناس  أن ما هم عليه من الغلو هو الدين الحق، فحينئذ قد يشعر غير القادرين على متابعة هؤلاء الغلاة – وهم جمهور الأمة وسوادها الأعظم – بالحرج ظنا منهم أنهم واقعون في التقصير، والحق أن الغلاة هم الخارجون على الشرع، وهم أولى بالحرج وأحق به ولا حرج على من سلك سبيل القصد والتوسط والاعتدال.

قال الله تعالى:

﴿ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ﴾

البقرة:١٣7

فإنْ آمنوا بمثل الذي آمنتم به، مما جاء به الرسول، فقد اهتدوا إلى الحق، وإن أعرضوا فإنما هم في خلاف شديد .

4- استحلال الدماء والأموال

وإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار

يترتب على الغلو آثار عديدة منها استحلال دماء الناس وأموالهم بناء على اعتقاد كفرهم .

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾

البقرة:٢٠٥

حيث الكراهية الشديدة للآخر المخالف في العقيدة كراهية تخرج عن حد الكراهية لأجل الكفر؛ بل تتعدى ذلك إلى كراهية الخلق والرغبة في التعجيل بهم إلى النار عن طريق القتل وإزهاق الأرواح، دون تأن بهم لهدايتهم أو لإتاحة الفرصة لهم لرؤية سماحة الإسلام التي تغري باعتناقه والدخول فيه أو حسن الظن بأهله.

6 – أنواع الغلو

الغلو في الدين يأخذ أشكالا متعددة ، منها

1- الغلو في الشعائر

قَال الله تعالى:

( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا)

الحديد: 27

وابتدعوا رهبانية بالغلوِّ في العبادة ما فرضناها عليهم، بل هم الذين التزموا بها من تلقاء أنفسهم، قَصْدُهم بذلك رضا الله، فما قاموا بها حق القيام  .

2- الغلو في التَحرْيْمْ

لقَد أمر الله تعالى فى العَديد مَن الأياتَ بعَدم الغلو في التَحرْيْمْ ، مَنها

قَال الله تعالى:

( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ )

الأعراف: 32

قل – أيها الرسول- مَن الذي حرم عليكم اللباس الحسن الذي جعله الله تعالى زينة لكم؟ ومَن الذي حرَّم عليكم التمتع بالحلال الطيب من رزق الله تعالى؟

قَال الله تعالى:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ )

المائدة: 87

يا أيها الذين آمنوا لا تحرِّموا طيبات أحلَّها الله لكم من المطاعم والمشارب ونكاح النساء، فتضيقوا ما وسَّع الله عليكم .

قَال الله تعالى:

( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا )

القصص: 77

والتمس فيما أتاك الله من الأموال ثواب الدار الآخرة، بالعمل فيها بطاعة الله في الدنيا، ولا تترك حظك من الدنيا، بأن تتمتع فيها بالحلال دون إسراف، وأحسن إلى الناس بالصدقة، كما أحسن الله إليك بهذه الأموال الكثيرة .

3- الغلو في ر جال الدِينِ

قَال الله تعالى:

( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ )

التوبة: 31

اتخذ اليهودُ والنصارى العلماءَ والعُبَّادَ أربابًا يُشَرِّعون لهم الأحكام، فيلتزمون بها ويتركون شرائع الله .

4- الغلو في الأنبياء والصالحين

قَال الله تعالى:

( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ )

التوبة: 30

لقد أشرك اليهود بالله عندما زعموا أن عزيرًا ابن الله. وأشرك النصارى بالله عندما ادَّعوا أن المسيح ابن الله. وهذا القول اختلقوه من عند أنفسهم .

5 – الغلو في التِراث

قَال الله تعالى:

( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ )

المائدة: 77

قل – أيها الرسول- للنصارى: لا تتجاوزوا الحقَّ فيما تعتقدونه من أمر المسيح، ولا تتبعوا أهواءكم، كما اتَّبع اليهود أهواءهم في أمر الدين، فوقعوا في الضلال، وحملوا كثيرًا من الناس على الكفر بالله، وخرجوا عن طريق الاستقامة الى طريق الغَواية والضلال.

6- الابتداع في الدين وإحداث أموراً ليست منه

قَال الله تعالى:

( وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ )

النحل: 116

ولا تقولوا – أيها المشركون- للكذب الذي تصفه ألسنتكم: هذا حلال لِما حرَّمه الله، وهذا حرام لِما أحَلَّه الله؛ لتختلقوا على الله الكذب بنسبة التحليل والتحريم إليه، إن الذين يختلقون على الله الكذب لا يفوزون بخير في الدنيا ولا في الآخرة.

7- الغلو بتكفير المسلمين بغير حق، واستحلال دمائهم وأموالهم بذلك

قَال الله تعالى:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )

المائدة: 105

يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ألزموا أنفسكم بالعمل بطاعة الله واجتناب معصيته، وداوموا على ذلك وإن لم يستجب الناس لكم، فإذا فعلتم ذلك فلا يضركم ضلال مَن ضلَّ إذا لزمتم طريق الاستقامة، وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر، إلى الله مرجعكم جميعًا في الآخرة، فيخبركم بأعمالكم، ويجازيكم عليها.

قَال الله تعالى:

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )

الحج: 17

إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إنَّ الله يفصل بينهم جميعًا يوم القيامة فيدخل المؤمنين الجنة، ويدخل الكافرين النارإن الله على كل شيء شهيد، شهد أعمال العباد كلَّها، وأحصاها وحفظها، وسيجازي كلا بما يستحق جزاء وفاقًا للأعمال التي عملوها.

7- أسباب الغلو

للغلو أسباب عديدة ، منها

1- اتباع الهوي

قال الله تعالى :

﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾

المائدة:٧٧

نلاحظ في الأية  أن الله تعالى ربط بين الغلو واتباع الهوى

2- اتباع خطوات الشيطان

لا شك أن أهم أسباب الغلو بجميع أنواعه هو اتباع الشيطان؛ فهو الذي يزين الباطل لأتباعه، وهو الذي يأمر الناس بالسوء والفحشاء والضلال في العقيدة بأن يقولوا على الله ما لا يعلمون.

قال الله تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ . إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

البقرة:١٦٨-١٦٩

فقد أخبر ربنا سبحانه أن من أهم أسباب الغلو اتباع الشيطان فهو الذي يتدرج بالمرء خطوة خطوة نحو الضلال حتى يوقعه في الكفر بأن يتقول على الله ما لا يعلم.

3- الجهل

الجهل هو سبب كل بلاء وسبب كل مظاهر الغلو في حياتنا ، فالخروج على المسلمين بتكفيرهم وتقتيلهم ونحو ذلك إنما هو راجع إلى الجهل بالضبط الشرعي للأمر، وتشديد النصوص في أمر تكفير المسلم، واستحلال ماله ودمه.

وكذلك الغلو في الأولياء والصالحين بعبادتهم من دون الله إنما يرجع للجهل بما يجب نحوهم من المحبة والاقتداء دون اعتقاد قدرتهم عل التصرف في الأمور، وغيره من العقائد الفاسدة التي أورثها الجهل بالعقيدة الصحيحة.

وقد بين القرآن الكريم أن هذا الجهل كان هو السبب الأعظم في ضلال من ضل من الأمم السابقة، وفيما وقعو فيه من شرك بالله تعالى.

قال الله تعالى:

﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ . إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

الأعراف:١٣٨-١٣٩

فظهر من الآية أن سبب غلو بني إسرائيل في عبادة تلك الأصنام إنما كان بسبب جهلهم عظمة الله وجلاله، وما يجب أن ينزه عنه من الشريك والمثيل.

4- التقليد

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ . وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً  صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾

البقرة 170- 171

فالجهل وتقليد الآباء هو ما أوقعهم فيما هم فيه من الغلو وغير ذلك من صنوف الشرك.

5- الخوض في المتشابهات

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾

آل عمران:٧

فبين ربنا سبحانه أن سبب ضلال هؤلاء إنما جاء من قبل خوضهم في المتشابه: إما ابتغاء الفتنة، وإما ابتغاء تأويله، وهذا غالب حال أهل الغلو.

8- مظاهر الغلو

للغلو مظاهر عديدة كلها تدل على التشدد والمغالاة والتطرف والانحراف عن وسطية الإسلام السمحة ؛ فمن ذلك

1- التكفير

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾

البقرة:١١٣

فأخبر سبحانه أن كل واحد من الفريقين يكفر الآخر، وينكر ما معه من الحق، وهذا من الغلو الذي شابههم فيه أصحاب الفرق المبتدعة من المسلمين؛ حيث يتبرأ كل فريق من مخالفيه؛ وإن كانوا من أهل الملة يشاركونهم في أصول الدين وقواعده، وهذا من الظلم الواضح البين.

2- الابتداع في الدين

لما كان أهل الغلو هم الذين غالوا فانحرفوا عن سواء السبيل وقصده، وعن الصراط المستقيم الذي أمروا بلزومه لزمهم بذلك أن يكونوا من أهل البدع في الدين.

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ  ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

الأنعام:١٥٣

فالصراط المستقيم هو سبيل الله الذي دعا إليه ، والسبل هي سبل الاختلاف الحائدين عن الصراط المستقيم، وهم أهل البدع،

قال الله تعالى:

﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾

النحل:٩

فالسبيل القصد هو طريق الحق، وما سواه جائرٌ عن الحق؛ أي: عادلٌ عنه، وهي طرق البدع والضلالات .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾

الأنعام:١٥٩

3- الاعتداء على الناس وأموالهم

فهم يعتدون على جميع الناس، غلوا منهم وتشددا ورغبة في الانتقام منهم، وتعجيل عقوبتهم بدلا من الصبر على دعوتهم والترفق بهم لهدايتهم .

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ . وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ  وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾

البقرة:٢٠٥- 206

وإذا كانوا كذلك مع الناس جميعا فإنهم لشططهم وغلوهم تجدهم مع أهل الإسلام أشد غلوا وعداوة .

4- ادعاء العلم والتدين

المبتدعة يدعون لأنفسهم علما لدنيا باطنيا يتميزون به عن الأمة؛ وذلك حتى لا يكون لأحد عليهم حجة؛ لأن العلم الظاهر الذي أنزله الله على رسوله وجعل فيه الحجة – لا يشهد لهم في شيء مما هم عليه من الباطل، وهم لا يستجيبون لما جاء به الله ورسوله فيما لا يوافق أهواءهم؛ وأخبر تعالى أنه لا يمنع من اتباع الهدى إلا اتباع الهوى، وأن عدم الاستجابة للهدى دليل على اتباع الهوى.

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ  وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾

القصص: 49- ٥٠

لذا لجئوا – كذبا وزورا منهم وافتراء على الله ورسوله – إلى ادعاء علم مؤداه أن الله تعالى قد اختصهم به دون خلقه جميعا بما في ذلك رسوله .

5- الغلو في محبة وتعظيم وطاعة غير الله

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ﴾

البقرة:١٦٥

ومع هذه البراهين القاطعة يتخذ فريق من الناس من دون الله أولياء يجعلونهم نظراء لله تعالى، ويعطونهم من المحبة والتعظيم والطاعة، ما لا يليق إلا بالله وحده.

قال الله تعالى:

﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ﴾

البقرة:١٦٦

وبين ما يؤول إليه أمرهم في الآخرة من تبرؤ المتبوعين من أتباعهم، وما آل إليه أمرهم من العذاب والحسرات التي لا تنقضي، والأمنيات الباطلة بأن يعودوا إلى الدنيا فيتبرئوا من هؤلاء المتبوعين كما تبرئوا منهم .

9- علاج الغلو

ذكر في القرآن الكريم العديد من الخطوات لعلاج الغلو؛ نذكر منها

1- ترك اتباع الهوى والتجرد لطلب الحق

نهى الله تعالى في كتابه في نصوص كثيرة عن اتباع الهوى.

قال الله تعالى:

﴿ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَنْ تَعْدِلُوا ﴾

النساء:١٣٥

﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾

الجاثية:٢٣

وأخبر الله تعالى أن عدم الاستجابة للهدى دليل على اتباع الهوى.

قال الله تعالى:

﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ  ﴾

القصص:٥٠

2- ترك التقليد بغير دليل

ترك التقليد بغير بينة أصل مكين من أصول الهداية في القرآن الكريم؛ ومن أجل ذلك نعى الله على أولئك الغلاة الذين يتبعون آباءهم أو علماءهم أو أحبارهم ورهبانهم أو سادتهم ورؤساءهم دون هدى من الله.

قال الله تعالى:

﴿ وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ . قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴾

الزخرف: 23

فبين الله تعالى في هذه الآيات أن الاتباع بغير هدى من الله يفضي بصاحبه إلى الشرك بالله؛ لأن مرجعه إلى الإشراك في محبة الله تعالى.

3- ترك التكلم بغير علم

من وسائل الهداية كذلك لترك الغلو ترك التكلم بغير علم

قال الله تعالى:

﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ﴾

الأنعام:٥٠

فالنبي صلى الله عليه وسلم أمره الله تعالى أن يخبر محاوريه بذلك، ويبين لهم أنه لا يتكلم بشيء من قبل نفسه بل يتبع ما يوحى إليه.

قال الله تعالى:

﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾

الأنعام: ١٤٤

فعظم سبحانه إثم من يحل أو يحرم من قبل نفسه فيضل الناس بغير علم. ولذا أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحاج محاوريه بسؤالهم عن دليل قولهم .

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ﴾

الأنعام:١٤٨

4- ترك الأخذ بمجرد الظن والشك

قال الله تعالى:

﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا . بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾

النساء:١٥7-١٥٨

فنعى الله سبحانه على أهل الكتاب اعتقادهم قتل المسيح وصلبه بمجرد الظن دون بينة يكونون بها على يقين من أمرهم.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴾

الأنعام:١١٦-١١٩

﴿ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ﴾

يونس:٣٦

بين الله تعالى أن ضلال أكثر الناس من الغلاة إنما هو بسبب اتباع الظن، واتباع الهوى بغير دليل ولا بينة.

5- الالتزام بالقرآن الكريم

الالتزام بالقرآن الكريم هو سبيل النجاة من الغواية ومن كل غلو وإفراط أو تفريط

قال الله تعالى:

﴿ ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾

البقرة: 2

ذلك القرآن هو الكتاب العظيم الذي لا شَكَّ أنه من عند الله، فلا يصح أن يرتاب فيه أحد لوضوحه، ينتفع به المتقون بالعلم النافع والعمل الصالح وهم الذين يخافون الله، ويتبعون أحكامه.

6- سؤال أهل العلم

يجب على كل من التبس عليه شيء في دين الله تعالى أن يسأل عنه أهل العلم المشهورين العاملين به.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

الأنبياء:٧

7- محاورة الغلاة والرد على شبهاتهم

قرر قال تعالى مبدأ الحوار والجدال مع أهل الكتاب بالتي هي أحسن

قَال الله تعالى:

﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾

العنكبوت:٤٦

ومعلمًا المؤمنين ما ينصحون به أهل الكتاب في محاورتهم

قَال الله تعالى:

﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾

المائدة:٧٧

وإذا كان ذلك مع المخالف من أهل الملل الأخرى فلا شك أنه مع الموافق في الدين والعقيدة أولى وأنجع، وقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالتناصح والتشاور والتخاطب بالتي هي أحسن

قَال الله تعالى:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ  فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾

آل عمران:١٥٩

﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾

الإسراء:٥٣

ولا شك أنه لا بديل للحوار الجاد الذي تصدق فيه النوايا ؛ وذلك أن الحوار هو المتنفس الطبيعي لإخراج ما تكظمه الصدور، ومن ثم فإن انقطاع الحوار يؤدي حتما إلى الانفجار الرافض لتكميم الأفواه أو صمم الآذان عن الاستماع إلى الآخر ومحاورته وتفهمه .

8- الاعتبار بحال الغلاة والمخالفين للقرآن الكريم ومصيرهم

ينبغي على أهل العلم أن يلفتوا هؤلاء الغلاة للاعتبار بحال ومآل من سبقهم من الغلاة والمخالفين في القرآن الكريم ؛ فيتأملون ما نزل بأهل الكتاب قبلهم من سخط الله وغضبه بسبب غلوهم، وكيف كان التشديد سببا لتشديد الله عليهم

قَال الله تعالى:

﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾

المائدة 13

9- استثمار الوقت بالعمل الصالح

وذلك أن من أسباب وقوع الغلاة فيما هم فيه من الغلو والتشديد والتنطع ما يعانيه البعض منهم من فراغ يحدو بعضهم إلى زيادة التعمق فيما لا يجب عليه، والبحث عما لم يوجب ربنا علينا علمه من المتشابه، أو الميل إلى المزيد من التعبد بما لم يأت به الشرع، ونحو ذلك مما هو من آفة فراغ العقول.

قَال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾

المائدة 101

يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء من أمور الدين لم تؤمروا فيها بشيء، كالسؤال عن الأمور غير الواقعة، أو التي يترتب عليها تشديدات في الشرع، ولو كُلِّفتموها لشقَّتْ عليكم .

10- البيئة الصالحة التي ينشر فيها العدل

والحق ويؤخذ على يد الظالم

بعد كل ما سبق، وقبل كل ما سبق تأتي قيمة البيئة الصالحة؛ فلا شك أن من أسباب انتشار الغلو ما يعانيه الغلاة من شعور بالتناقض بين ما ينبغي أن يكون في مجتمعاتهم من معاني الإسلام السامية وبين ما هو واقع فعلا من مخالفات جسيمة تعم كافة المجالات والمستويات؛ فينشأ لديهم من جراء ذلك ردة فعل عنيفة تدعوهم إلى المبالغة في كل ما فرط فيه أبناء مجتمعاتهم، حتى يؤول أمرهم إلى الغلو والتشدد واعتياد ذلك في كل شيء من قول أو فعل أو اعتقاد.

قَال الله تعالى:

﴿ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ﴾

الأعراف:٥٨

 

Share This