1- مفهوم العجب

العجب هو حالة تصيب الإنسان من الاستعظام والذهول عند رؤيته لشيء خرج عن العادة والمألوف.

2- العجب

      في

الاستعمال القرآني

وردت كلمة عجب في القرآن بصيغ متعددة، بلغت(٢٧) مرة. والصيغ التي وردت عليها هي:

– الفعل الماضي

ورد ١١ مرة

قال الله تعالى:

﴿ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ﴾

الصافات:١٢

– الفعل المضارع

ورد ٨ مرات

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾

الرعد:٥

– صيغة المبالغة

ورد مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾

ص:٥

– المصدر

ورد ٥ مرات

قال الله تعالى:

﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ ﴾

يونس:٢

– الصفة المشبهة

ورد  مرتين

قال الله تعالى:

﴿ قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ﴾

هود:٧٢

وجاء العجب في الاستعمال القرآني على وجهين:

1- الاستعظام

قال الله تعالى:

﴿ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ﴾

الصافات: ١٢

أي: عجبت من إنكارهم البعث لشدة تحققك بمعرفته.

2- الكريم الشريف

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ﴾

الجن: ١

أي: كريمًا شريفًا.

3- الألفاظ ذات الصلة

– الذهول

الذهول هو حالة تورث حزنًا ونسيانًا ناتجة عن العجب.

– العُجب

العجب هو عبارة عن تصور استحقاق الشخص رتبة لا يكون مستحقًا لها

4- أساليب التعجب

      في

القرآن الكريم

استخدم القرآن الكريم أساليب كثيرة يمكن فهم معنى التعجب منها . وقد يتم التعبير عن التعجب باستخدم

1- أسلوب النداء

قال الله تعالى:

( قَالَ يَا بُشْرَىٰ هَٰذَا غُلَامٌ )

يوسف 19

 ( يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ )

يس 30

2- أسلوب الاستفهام

يستخدم أسلوب الاستفهام في معنى التعجب بمختلف أدواته

أ – بأداة الهمزة

قال الله تعالى:

( قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا  )

هود: 72

 ( أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ )

يس 31

ب – استخدام  (هل)

قال الله تعالى:

(هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا )

الإنسان 1

 ( هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ )

الفجر 5

( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ )

الغاشية 1

ت – (ما) الاستفهامّية

قال الله تعالى:

 (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ . عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ )

النبأ 1- 2

( فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا )

النازعات 43

– وقد تستعمل (كيف)

قال الله تعالى:

( فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ )

آل عمران 25

( فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ )

محمد  27

( فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ )

القمر 16

– وباستعمال (أيْ)

قال الله تعالى:

( لأيّ يوم أُجِلّتْ )

المرسلات 12

( مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ )

عبس 18

– باستعمال كلمة (ما) فقط

في الدلالة على التعجب من دون ذكر الفعل

قال الله تعالى:

 ( وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ )

الواقعة 27

( وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ )

الواقعة 41

( الْحَاقَّةُ . مَا الْحَاقَّةُ )

الحاقة 1- 2

( الْقَارِعَةُ . مَا الْقَارِعَةُ )

القارعة 1- 2

( فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ )

سورة الواقعة 8

( وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ )

الواقعة 9

– استعمال مادة (عجب)

قال الله تعالى:

( إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ )

هود 72

( وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا )

الكهف 63

( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا )

الجن 1

– الصيغ السماعية

وقد يتم فهم أسلوب التعجب من الصيغ السماعية

 ( قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا  )

الإسراء 93

وفي هذه الآية جاء التعجب بصيغة (سبحان) بأداة الاستفهام (هل).

( فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ )

الواقعة 91

وبذلك فان المفهوم من الأمثلة السابقة ان القرآن الكريم استخدم تراكيب التعجب التي يمكن فهمها من خلال السياق في العبارة .

5- صور التعجب

        في

 القرآن الكريم

التعجب له صور كثيرة ومتعددة في القرآن الكريم، منها ما يكون في العقائد، ومنها ما يكون في الأمور الخارقة للعادة، ومنها ما يكون في الأخلاق والأعمال.

أولًا: صور التعجب في مسائل العقيدة

١ – التعجب من وحدانية الله تعالى

قال الله تعالى:

﴿ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾

ص: ٥

كيف يصيِّر الآلهة الكثيرة إلهًا واحدًا؟ إنَّ هذا الذي جاء به ودعا إليه لَشيء عجيب.

٢ – التعجب من عبادة غير الله

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾

المائدة: ٧٦

أستخدم مَا لإنكار واقعهم والتعجيب مما وقع منهم، وتوبيخهم على جهلهم وغفلتهم ، والمعنى قل – أيها الرسول- لهؤلاء الكفرة: كيف تشركون مع الله من لا يَقْدِرُ على ضَرِّكم، ولا على جَلْبِ نفع لكم؟ والله هو السميع لأقوال عباده، العليم بأحوالهم.

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ . وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾

الصافات: ٩٥-٩٦

أي: قال لهم موبخا ومؤنبًا ومتعجبًا: أتعبدون أصناما أنتم تنحتونها وتقطعونها من الحجارة أو من الخشب بأيديكم، وتتركون عبادة الله تعالى الذي خلقكم وخلق الذي تعملونه من الأصنام وغيرها.

٣ – التعجب من بشرية الرسل

قال الله تعالى:

﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾

التغابن: ٦

يبين سبحانه الأسباب التي أدت إلى سوء عاقبة الكافرين، وما أصابهم من هلاك ودمار، أنهم كانت تأتيهم رسلهم بالآيات البينات، وبالمعجزات الواضحات، الدالة على صدقهم، فما كان من هؤلاء الأقوام إلا أن أعرضوا عن دعوة الرسل، وقال كل قوم منهم لرسولهم على سبيل الإنكار والتكذيب والتعجب: أبشر مثلنا يهدوننا إلى الحق والرشد؟!!، فما كان منهم إلا الكفر بسبب هذا القول الفاسد.

٤ – التعجب من نزول الوحي على البشر

قال الله تعالى:

﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ ﴾

يونس: ٢

أبلغ الجهل وسوء التفكير بمشركي مكة ومن على شاكلتهم، أن كان إيحاؤنا إلى رجل منهم يعرفهم ويعرفونه لكي يبلغهم الدين الحق، أمرًا عجبًا، يدعوهم إلى الدهشة والاستهزاء بالموحى إليه صلى الله عليه وسلم حتى لكأن النبوة في زعمهم تتنافى مع البشرية، إن الذي يدعو إلى العجب حقًّا هو ما تعجبوا منه؛ لأن الله تعالى اقتضت حكمته أن يجعل رسله الى الناس من البشر؛ لأن كل جنس يأنس لجنسه، وينفر من غيره، وهو سبحانه أعلم حيث يجعل رسالته.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا  ﴾

الإسراء: ٩4

وما منع الكفارَ من الإيمان بالله ورسوله وطاعتهما، حين جاءهم البيان الكافي من عند الله، إلا قولهم جهلا وإنكارًوتعجبا: أبعث الله رسولا من جنس البشر؟

٥ – التعجب من كون الرسول من القوم أنفسهم

قال الله تعالى:

﴿ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ﴾

ص: ٤

وعجِب هؤلاء الكفار مِن بعث الله إليهم بشرا منهم؛ ليدعوهم إلى الله ويخوَّفهم عذابه، وقالوا: إنه ليس رسولا بل هو كاذب في قوله، ساحر لقومه ، لأنه يأتينا بخوارق لم نألفها، وكذاب فيما يسنده إلى الله عز وجل من أنه سبحانه أرسله إلينا.

٦ – التعجب من البعث بعد الموت

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ﴾

الرعد: ٥

وإن تعجب – أيها الرسول- من عدم إيمانهم بعد هذه الأدلة فالعجب الأشدُّ من قول الكفار: أإذا متنا وكنا ترابا نُبعث من جديد؟ أولئك هم الجاحدون بربهم الذي أوجدهم من العدم .

٧- التعجب من أحداث الساعة

قال الله تعالى:

﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا . وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا . وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا ﴾

الزلزلة:  1- 3

وقال كل إنسان على سبيل الدهشة والحيرة والتعجب، أي شيء حدث للأرض، حتى جعلها تضطرب هذا الاضطراب الشديد.

٨ – التعجب من القرآن المعجز

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ﴾

الجن: ١

أي: قل يا محمد صلى الله عليه وسلم للناس، إن الله تعالى قد أخبرك عن طريق أمين وحيه جبريل: إن جماعة من الجن قد استمعوا إليك وأنت تقرأ القرآن، فقالوا- على سبيل الفرح والإعجاب بما سمعوا-: إنا سمعنا من الرسول صلى الله عليه وسلم قرآنًا عجبًا، أى: إنا سمعنا قرآنا جليل الشأن، بديع الأسلوب، عظيم القدر، ووصفهم للقرآن بكونه قرآنًا عجبًا يهدي إلى الرشد يدل على تأثرهم به تأثرًا شديدًا، وعلى إعجابهم العظيم بنظمه المتقن، وأسلوبه الحكيم، ومعانيه البديعة، ولذا أعلنوا إيمانهم به بدون تردد.

قال الله تعالى:

﴿ أَفَمِنْ هَٰذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ﴾

النجم: ٥٩

والاستفهام في هذه الآية للإنكار والتوبيخ، أي: أفمن هذا القرآن وما اشتمل عليه من هدايات وتشريعات تتعجبون، وتنكرون كونه من عند الله تعالى .

ثانيًا: صور التعجب في الأمور الخارقة للعادة

١ – الإنجاب عن عقم وكبر

قال الله تعالى :

﴿  قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ. قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ﴾

هود: ٧٢-٧٣

أي: قالت بدهشة وعجب عند ما سمعت بشارة الملائكة لها بالولد وبولد الولد: يا للعجب أألد وأنا امرأة عجوز، قد بلغت سن اليأس من الحمل منذ زمن طويل، وزوجي شيخًا كبيرًا متقدمًا في السن، وقد رد عليها الملائكة بقولهم أتستبعدين على قدرة الله تعالى أن يرزقك الولد وأنت وزوجك في هذه السن المتقدمة؟ لا أنه لا ينبغي لك أن تستبعدي ذلك، لأن قدرة الله لا يعجزها شيء، فالاستفهام هنا المراد به إنكار تعجبها واستبعادها البشارة، وإزالة أثر ذلك من نفسها إزالة تامة.

قال الله تعالى:

﴿ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا . قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ﴾

مريم:  7- 8

قال زكريا عليه السلام مخاطبًا ربه بعد أن بشره بابنه يحيى: يا رب كيف يكون لي غلام، وحال امرأتي أنها كانت عاقرًا في شبابها وفي شيخوختها، وحالي أنا أنني قد بلغت من الكبر عتيًّا، أي: قد تقدمت في السن تقدمًا كبيرًا.

٢ – الإنجاب من غير زوج

قال الله تعالى:

﴿ قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا . قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ﴾

مريم: ٢٠- 21

هذا رد مريم عليها السلام على جبريل عليه السلام عندما جاء ليخبرها بأنه سيهب لها بإذن الله عز وجل غلامًا زكيًّا، فتقول مريم عليها السلام في تعجب شديد كيف يكون لي غلام، والحال أنى لم يمسني بشر من الرجال عن طريق الزواج الذي أحله الله تعالى، ولم أك في يوم من الأيام زانية ؟!قال لها المَلَك: هكذا الأمر كما تصفين من أنه لم يمسسك بشر، ولم تكوني بَغِيًّا، ولكن ربك قال: الأمر عليَّ سهل؛ وليكون هذا الغلام علامة للناس تدل على قدرة الله تعالى، ورحمة منَّا به وبوالدته وبالناس، وكان وجود عيسى على هذه الحالة قضاء سابقًا مقدَّرًا، مسطورًا في اللوح المحفوظ، فلا بد مِن نفوذه.

٣ – قصة أصحاب الكهف

قال الله تعالى:

﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ﴾

الكهف: ٩

اعلم أن القوم تعجبوا من قصة أصحاب الكهف، وسألوا عنها الرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل الامتحان، فقال تعالى:  لا تحسبن ذلك عجيبا فإن آياتنا كلها عجب؛ فإن من كان قادرًا على خلق السموات والأرض، وعلى تزيين الأرض بما عليها من نبات وحيوان ومعادن، ثم يجعلها بعد ذلك صعيدا جرزًا خالية من الكل، كيف يستبعد من قدرته وحفظه ورحمته حفظ طائفة من الناس مدة ثلاثمائة سنة وأكثر في النوم؟!

٤ – حوت موسى ويوشع عليهما السلام .

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ﴾

الكهف: ٦٣

قال له خادمه: أتذكر حين لجأنا إلى الصخرة التي استرحنا عندها؟ فإني نسيت أن أخبرك ما كان من الحوت، وما أنساني أن أذكر ذلك لك إلا الشيطان، فإن الحوت الميت دبَّتْ فيه الحياة، وقفز في البحر، واتخذ له فيه طريقًا، وكان أمره مما يُعْجَبُ منه.

ثالثًا: صور التعجب في الأخلاق والأعمال

١ – التعجب من ارتكاب الفواحش

قال الله تعالى:

﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ . أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾

النمل: ٥٤-٥٥

قال لوط عليه السلام لقومه متعجبًا من فعلهم أتأتون الفاحشة التي لم يسبقكم إليها أحد، وهي إتيان الذكور دون الإناث، وأنتم تبصرون بأعينكم أنها تتنافى مع الفطرة السوية حتى بالنسبة للحيوان الأعجم فأنتم ترون وتشاهدون أن الذكر من الحيوان لا يأتي الذكر، وإنما يأتي الأنثى، حيث يتأتى عن طريقها التوالد والتناسل وعمارة الكون . أإنكم لتصبون شهوتكم التي ركبها الله تعالى فيكم في الرجال دون النساء اللاتي جعلهن الله تعالى محل شهوتكم ومتعتكم .

٢-  التعجب من مخالفة القول العمل

قال الله تعالى:

﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾

البقرة: ٤٤

كيف يليق بكم يا معشر اليهود، وأنتم تأمرون الناس بأمهات الفضائل، وألوان الخيرات، أن تنسوا أنفسكم، فلا تأتمروا بما تأمرون به غيركم، وأنتم مع ذلك تقرؤون توراتكم، وتدركون أي عقوبة أليمة لمن يأمر الناس بالخير وينسى نفسه، أفلا عقل لكم يحبسكم عن هذا السفه الذي ترديتم فيه، ويحذركم من سوء عاقبته .

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾

الصف: ٢-٣

والاستفهام في هذه الآية للإنكار والتوبيخ والتعجب من الذي يقول قولًا لا يؤيده فعله؛ لأن هذا القول إما أن يكون كذبًا، وإما أن يكون خُلفًا للوعد، وكلاهما يبغضه الله تعالى .

6 – أنواع الإعجاب

الإعجاب له أنواع متعددة، كالإعجاب بالأقوال والإعجاب بالهيئات والإعجاب بالكثرة.

1- الإعجاب بالأقوال

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴾

البقرة: ٢٠٤

وبعض الناس يعجبك كلامهم ، ويعجبك بيانهم، ويحسن عندك مقالهم، فأنت معجب بكلامهم الحلو الظاهر ، المر الباطن ، الذي يريد به حظًّا من حظوظ الدنيا لا الآخرة ، ويحلف مستشهدًا بالله على ما في قلبه من محبة الإسلام، وفي هذا غاية الجرأة على الله، وهو شديد العداوة والخصومة للإسلام والمسلمين.

2- الإعجاب بالهيئات

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ  ﴾

البقرة: ٢٢١

أي: ولأنثى رقيقة مؤمنة مع ما بها من الرق وقلة الجاه والجمال خير في التزوج بها من امرأة حرة مشركة ولو أعجبتكم بجمالها ونسبها وغير ذلك من منافع دنيوية، لأن ما يتعلق بالمنافع الدينية يجب أن يقدم على المنافع الدنيوية، ولأن الزواج ارتباط روحي بين قلبين، ومن العسير أن يتم هذا الترابط بين قلب يخلص لله في عبادته، وقلب لا يدين بذلك.

قال الله تعالى:

﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾

الحديد: ٢٠

هذه الحياة الدنيا حالها وصفتها ومثلها كمثل مطر أعجب الكفار، وَرَاقَهُمْ وَسَرَّهُمْ ما ترتب على هذا المطر، من نبات جميل نبت من الأرض بعد هطول الغيث عليها، ثم يجف وييبس بعد خضرته، ثم يكون فتاتًا هشيمًا متكسرًا متحطمًا بعد يبسه، تعصف به الرياح.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ﴾

المنافقون: ٤

وإذا رأيت- أيها الرسول الكريم- هؤلاء المنافقين، أعجبتك أجسامهم، لكمالها وحسن تناسقها، وإن يقولوا قولا حسبت أنه صدق؛ لفصاحته، وأحببت الاستماع إليه لحلاوته، فهم أجسام تعجب، وأقوال تغري بالسماع إليها، ولكنهم قد خلت قلوبهم من كل خير، وامتلأت نفوسهم بكل الصفات الذميمة .

3- الإعجاب بالكثرة

قال الله تعالى:

  ﴿ قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ﴾

المائدة: ١٠٠

أي: لا يستوي في ميزان الله ولا في ميزان العقلاء الخبيث والطيب، حتى ولو كان الفريق الخبيث كثير المظهر، براق الشكل، تعجب الناظرين هيئته فلا تغتر به أيها العاقل، ولا تؤثر في نفسك كثرته وسطوته؛ فإنه مهما كثر وظهر وفشا، فإنه سيئ العاقبة، سريع الزوال، لذته تعقبها الحسرة، وشهوته تتلوها الندامة، وسطوته تصحبها الخسارة والكراهية .

قال الله تعالى:

﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾

التوبة: ٢٥

أي: ويوم غزوة حنين، وهو اليوم الذي راقتكم فيه كثرتكم فاعتمدتم عليها حتى قال بعضكم: لن نغلب اليوم من قلة، ولكن هذه الكثرة التي أعجبتم بها لم تنفعكم شيئًا من النفع في أمر العدو، بل انهزمتم أمامه في أول الأمر، وضاقت في وجوهكم الأرض مع رحابتها وسعتها بسبب شدة خوفكم، ثم وليتم الكفار ظهوركم منهزمين لا تلوون على شيء.

 

Share This