مفهوم العطاء في القرآن الكريم

1- مفهوم العطاء

العطاء هو عبارة عن كل نفع أو ضر یصل من الغیر إلى الغیر

قال اللهُ تعالى :

﴿ هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

ص: ٣٩

هذا المُلْك العظيم والتسخير الخاص عطاؤنا لك يا سليمان، فأعط مَن شئت وامنع مَن شئت، لا حساب عليك.

2- كلمة العطاء

       في

القرآن الكريم

وردت كلمة (العطاء) وصيغها في القرآن الكريم 14  مرة  .  والصيغ التي وردت عليها هي:

– الفعل الماضي

ورد  6 مرات

قال اللهُ تعالى :

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ ﴾

الليل:٥

– الفعل المضارع

ورد  ٣ مرات

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ﴾

الضحى:٥

– المصدر

ورد  ٥ مرات

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾

هود:١٠٨

وجاء العطاء في القرآن الكريم بمعني الإعطاء والإنالة والمناولة

قال اللهُ تعالى :

﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾

التوبة: ٢٩

3- الكلمات ذات الصلة

     بكلمة العطاء

– الرزق

الرزق هو العطاء الجاري دنيويًّا كان أم أخرويًّا

قال اللهُ تعالى :

﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ﴾

الإسراء: 30

– الجود

الجود هوكثرة العطاء من غير سؤال ، وهي صفة عكس البخل .

– البذل

البذل هوإعطاء عن طيب نفس ، وذلك نقيض المنع .

4 – مصادر العطاء

       في

 القرآن الكريم

ينقسم العطاء في القرآن الكريم إلي الأتي

أولا- العطاء الإلهي

أن أعظم درجات العطاء الذي لا حدود له، والذي لا يكون ابتغاء عوض هو من صفات الخالق (جل وعلا) . وقد دلت آيات العطاء في القران الكريم على ان المعطي الحقيقي، ومسبب اسباب العطاء والرزاق الاول هو اﷲ تعالى، وكل من عداه فهم مسخرون لإيصال نعمة اﷲ الى عباده. تحدث القرآن الكريم عن العطاء الإلهي، في النقاط الآتية:

أولًا: تفرد الله عز وجل بالعطاء

– عن موسى عليه السلام وهو يصف عطاء الربوبية

قال اللهُ تعالى :

﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ ﴾

طه: ٥٠

يخبرتعالى أن موسى عليه السلام قال في رده على فرعون: يا فرعون ربنا وربك هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي أعطى كل مخلوق من مخلوقاته، وكل شيء من الأشياء، الصورة التي تلائمه، والهيئة التي تتحقق معها منفعته ومصلحته، ثم هداه إلى وظيفته التي خلقه من أجلها، وأمده بالوسائل والملكات التي تحقق هذه الوظيفة.

ثانيًا: العطاء الدنيوي

عطاء الله لا يحصى ولا يعد، وفي هذه الأسطر يتم الحديث عن أهم العطاء الدنيوي للإنسان.

1- نعمة الخلق

قال اللهُ تعالى :

﴿ هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا . إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾

الإنسان: ١-٢

من أعظم النعم التي أنعم الله عز وجل بها على الإنسان نعمة الخلق، ففي الآيتين السابقتين يذكر الله عز وجل الإنسان بأنه جاء عليه وقت غير محدد من الزمان، لم يكن هذا الإنسان في ذلك الحين من الدهر شيئًا مذكورًا من بين أفراد جنسه، وإنما كان شيئًا غير موجود إلا في علم الله عز وجل، ثم أوجده سبحانه بعد ذلك من نطفة فعلقة فمضغة، ثم أنشأه سبحانه بعد ذلك خلقًا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين.

قال اللهُ تعالى :

﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴾

النحل: ٤

في هذه الآية يذكر الحق تعالى الإنسان كيف خلقه من نطفه عندما كان في أول أمره، ثم خلق النطفة في الرحم، وتطورت تلك النطفة إلى أن أخرجه بشرًا سويًّا، أخرجه رجلًا كاملًا.

قال اللهُ تعالى :

﴿ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾

الرعد: ١٦

أي: هو الخالق لكل شيء في هذا الكون، وهو سبحانه الواحد الأحد الفرد الصمد، القهار لكل ما سواه، والغالب لكل من غالبه.

2- الرزق

قال اللهُ تعالى :

﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾

يونس: ٣١

المعنى : قل يا محمد لهؤلاء المشركين: من الذي يرزقكم من السماء بالأمطار وما يتولد عنها، ومن الأرض وما يخرج منها من نباتات وأشجار، وغير ذلك مما تخرجه الأرض.

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾

هود: ٦

المعنى: وما من شيء يدب على الأرض، إلا على الله تعالى غذاؤه ومعاشه، فضلًا منه سبحانه وكرمًا على مخلوقاته.

قال اللهُ تعالى :

﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾

الذاريات: ٥٨

أي: إن الله عز وجل هو الرزاق ولا رازق سواه، وكل رزق إنما هو رازقه، وما من عطاءٍ إلا وهو الذي أعطاه .

ثالثًا: العطاء الأخروي

هناك آيات تحدثت عن عطاء الله عز وجل في الآخرة، في حق النبي صلى الله عليه وسلم، والأنبياء بشكل عام، وفي حق المؤمنين.

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَىٰ . وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ﴾

الضحى: ٤-٥

يبشر الحق تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن الدار الآخرة وما أعده الله له فيها من نعيم لا يحيط به وصف، خير له من دار الدنيا التي أعطيناه فيها ما أعطيناه فيها من نبوة وكرامة ومنازل عالية، وخلق كريم .

وفي موضع آخر نجد التعبير القرآني قد تحدث عما أعده الله عز وجل لأنبيائه أيضًا.

قال الله تعالى:

﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ﴾

مريم: ٥٨

أي: ومن جملة من أنعم الله عليهم، أولئك الذين هديناهم إلى طريق الحق واجتبيناهم واخترناهم لحمل رسالتنا ووحينا، فهنا نرى أن الله تعالى قد جمع لهؤلاء المنعم عليهم جملة من المزايا منها: أعمالهم الصالحة، ومناقبهم الحميدة التي سبق الحديث عنها، ومنها: كونهم من نسل هؤلاء المصطفين الأخيار، ومنها أنهم ممن هداهم الله تعالى واصطفاهم لحمل رسالته.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ﴾

النساء: ٦٩

والمعنى: ومن يطع الله بالانقياد لأمره ونهيه، ويطع الرسول في كل ما جاء به من ربه فأولئك المطيعون مع الذين أنعم الله عليهم بالنعم التي تقصر العبارات عن تفصيلها وبيانها، وأولئك المتصفون بتمام الطاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، يكونون يوم القيامة في صحبة الأنبياء الذين أرسلهم الله مبشرين ومنذرين فبلغوا رسالته ونالوا منه سبحانه أشرف المنازل.

قال الله تعالى:

﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾

هود: ١٠٨

وأما الذين رزقهم الله السعادة ، وهم أتباع الرسل، فمأواهم الجنة،  ماكثين فيها أبدًا، مدة دوام السماء والأرض، بمشيئة الله تعالى، عطاءً غير منقطع ولا ممنوع، ولكنه ممتد إلى غير نهاية.

رابعا – أقسام العطاء الإلهي

ينقسم العطاء الإلهي إلى قسمين، عطاء عام لجميع الخلائق، وعطاء خاص يكون لبعض الناس كالأنبياء والمرسلين والمؤمنين، وسيتم الحديث عن ذلك في النقاط الآتية:

أ – العطاء العام

وهذا العطاء یكون للخلائق جميعًا. ولذلك فان اﷲ تبارك وتعالى یمد بعطائه في الدنیا أهل طاعته ، وأهل معصیته، حتى الكافرین به والجاحدین له .

قال الله تعالى:

﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا . وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا . كُلًّا نُمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾

الإسراء:١٨-٢٠

يمد ربك يا محمد كلا الفريقين من مريدي العاجلة، ومريدي الآخرة، الساعي لها سعيها وهو مؤمن في هذه الدنيا من عطائه، فيرزقهما جميعا من رزقه إلى بلوغهما الأمد، واستيفائهما الأجل ما كتب لهما، ثم تختلف بهما الأحوال بعد الممات، وتفترق بهما بعد الورود المصادر، ففريق مريدي العاجلة إلى جهنم مصدرهم، وفريق مريدي الآخرة إلى الجنة مآبهم.

فالعطاء هنا هو تمكين العبد من الفعل ومنحه القدرة والاستطاعة، كل على حسب رزقه وقضاء الله وقدره، وإن الله تبارك وتعالى یمد بعطائه في الدنيا أهل طاعته، وأهل معصیته، حتى الكافرین به والجاحدین له، فهذا النص یفسر الظاهرة المشهودة في دنیا الناس، فبین أن الله تبارك وتعالى یمد عباده بالعطاء غیر المحظور، أي: الذي لا تستطیع منعه قوة غیر قوة الله. فهو یمد أهل الدنیا الذین یریدون العجلة، ولكن مالهم في الآخرة من نصیب، بل لهم فیها العذاب جزاء كفرهم وعصیانهم، ویمد بعطائه طلاب الآخرة، ویدخر لهم العطاء الأَجَلَّ الأعظم یوم القیامة، فیمنحهم بذلك عطاء الدنیا وعطاء الآخرة، فضلًا منه وكرمًا .

أما عطاء الدنیا فمشمول بقانون الابتلاء، الذي یخضع له المؤمنون والكافرون على سواء، وأما عطاء الآخرة فهو عطاء الفضل العظیم، الذي یحرم من یحرم منه ضمن قانون الجزاء.

قال الله تعالى:

﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ . خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ . وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾

هود: ١٠6- 108

2- العطاء الخاص

كاستجابةالدعاءوتحقیق مطلب الأنبیاء والصالحین من الأولیاء، ومن ذلك الدعاء والعطاء

أ- تسخير الرياح والجن لسليمان عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ . فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ . وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ . وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ . هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

ص: ٣٥ -٣٩

من العطاء الخاص لسليمان عليه السلام أن الله تعالى سخر له الريح تجري بأمره حيث يريدها؛ كما سخر له شياطين الجن منهم البناء الذي يقوم بالبناء للدور والمصانع، ومنهم الغواص في أعماق البحر لاستخراج اللآلئ، ومنهم من إذا عصاه وتمرد عليه جمع يديه إلى عنقه بصفد ووضعه تحت الأرض.

– استجابة دعوة زكريا عليه السلام برزقه الولد

وكذلك في دعاء نبي الله زكریا عليه السلام فحقق الله مطلبه وأعطاه ما یتمناه

قال الله تعالى:

﴿ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا . إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا . قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا . وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا . يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا . يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ﴾

مريم: 2 -٧

يجتهد زكريا عليه السلام في الدعاء بأن يرزقه الله الولد، لا من أجل شهوة دنيوية، وإنما من أجل مصلحة الدين والخوف من تضييعه وتبديله والحرص على من يرثه في علمه ونبوته، ويكون مرضيًّا عنده عز وجل .

3- عطاء المؤمنين في الآخرة

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا . حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا . وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا . وَكَأْسًا دِهَاقًا . لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا . جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ﴾

النبأ: ٣1- 36

بعد أن سرد الله عز وجل ما أعده لعباده المتقين من نعيم، يبين أن هؤلاء المتقين كوفئوا مكافأة صادرة من ربك على سبيل العطاء، أي: الإحسان والتفضل، حتى شبعوا واكتفوا .

ثانيًا – العطاء الإنساني

العطاء الإنساني إحدى الفضائل الإنسانية التي تعني البذل والتضحية ، ويكون ذلك بعدم التقيد بحب الذات فقط، وإنما حب الآخرين أيضا ، كما يعني التجرد من الأنانية والتملكﹼ، وتفضيل البذل على الاحتكار، فالمال ﹰ بالنسبﹸ للشخص المعطاء وسيلة لا هدف ، وبالتالي لا تسيطرعليه الأهواء وحب المال، وإنما حب مساعدة الآخرين من خلال هذا المال . ويشمل العطاء الإنساني المجالات الآتية

1- العطاء من النفس

فالجواد یعطي من جاهه ، ویعطي من عطفه وحنانه، ویعطي من حلو كلامه وابتسامته وطلاقة وجهه، ویعطي من وقته وراحته، ویعطي من سمعه وإ صغائه، ویعطي من حبه ورحمته، ویعطي من دعائه وشفاعته.. وهكذا إلى سائر صور العطاء من النفس . والبخیل یبخل بأي شيء من ذلك .

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ . وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ . وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ . وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ . عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ﴾

التكوير 10- 14

وإذا صحف الأعمال عُرضت، وإذا السماء قُلعت وأزيلت من مكانها، وإذا النار أوقدت فأضرِمت، وإذا الجنة دار النعيم قُرِّبت من أهلها المتقين، إذا وقع ذلك، تيقنتْ ووجدتْ كلُّ نفس ما قدَّمت من خير أو شر.

قال الله تعالى:

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى . وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى . وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى . وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى ﴾

الليل: 5- 11

فأمَّا من بذل من ماله واتقى الله في ذلك، وصدَّق بـ”لا إله إلا الله” وما دلت عليه، وما ترتب عليها من الجزاء، فسنرشده ونوفقه إلى أسباب الخير والصلاح ونيسِّر له أموره. وأما مَن بخل بماله واستغنى عن جزاء ربه، وكذَّب بـ”لا إله إلا الله” وما دلت عليه، وما ترتب عليها من الجزاء، فسنُيَسِّر له أسباب الشقاء، ولا ينفعه ماله الذي بخل به إذا وقع في النار.

2- العطاء بالروح بالحياة

كمن يضحي بنفسه في سبيل الله، أو يضحي بنفسه لينقذ غريقا، فيموت المنقذ، وغير ذلك من سبل التضحية بالروح، وأعلاها ما كان في الجهاد؛ لإعلاء كلمة الله،

فالمجاهد المقاتل في سبیلﷲ ، یجود بحیاته لا علاء كلمة اﷲ ونصرة دینه، ابتغاء مرضاة ربه. والذي یؤثر أخاه بشربةا الماء، وهو على وشك الهلاك ، لینقذ أخاه من الموت ، یضحي ویجود بحیاته من أجل غیره

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ  وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ  ﴾

التوبة: ١١١

الآية الكريمة ترغيب للمؤمنين في الجهاد، وقد بولغ في ذلك على وجه لا مزيد عليه، حيث عبر عن قبول الله تعالى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم التي بذلوها في سبيله تعالى وإثابته إياهم بمقابلتها الجنة بالشراء على طريقة الاستعارة التبعية. ثم جعل المبيع – الذي هو العمدة والمقصد في العقد – أنفس المؤمنين وأموالهم، والثمن – الذي هو الوسيلة في الصفقة – الجنة.

ومن الأمور العظيمة في هذا المجال من العطاء هو إيثار الغير على نفسك

قال الله تعالى :

﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

الحشر: ٩

والإيثار معناه: أن يؤثر الإنسان غيره على نفسه، على سبيل الإكرام والنفع. والخصاصة: شدة الحاجة، وأصلها من خصاص البيت، وهو ما يبقى بين عيدانه من الفرج والفتحات، أى: إن من صفات الأنصار أنهم كانوا يقدمون في النفع إخوانهم المهاجرين على أنفسهم، ولو كانوا في حاجة ماسة، وفقر واضح إلى ما يقدمونه لإخوانهم المهاجرين.

3- العطاء من العلم والمعرفة

المعطاء في هذا المجال هو الذي لا یدخر عنده علمًا ولا معرفة عمن یحسن الانتفاع بذلك، والبخیل هو الذي یحتفظ بمعارفه وعلومه لنفسه، فلا ینفق منها لمستحقیها، ضَنًّا بها ورغبة بالاستئثار.

قال الله تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ  وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ  إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾

المائدة: ٦٧

وبعض البخلاء بعطاء العلم إذا بذلوا منه شیئا فإنما یبذلون منه بقدر، كأنهم یخشون النفاد، مع أن المعارف والعلوم تربو بالعطاء، فهي تزید ولا تنقص؛ إلا أن دافع البخل في نفوسهم یجعلهم یضنون حتى في الأمور التي تزید ولا تنقص، فسوابق أوهام نفوسهم – التي سیطر علیها أن العطاء ینقص من الأشیاء التي یمتلكونها – هي التي جعلت نفوسهم تمتنع عن عطاء العلم وتبخل به، دون أن تنیر أجواء نفوسهم المظلمة بصیرة واعیة، أو تخفف من غواء أنانیتهم الضیقة أخلاق كریمة فاضلة.

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴾

البقرة: ١٥٩

أي: إن الذين يخفون عن قصد وتعمد وسوء نية ما أنزل الله على رسله من آيات واضحة دالة على الحق، ومن علم نافع يهدى إلى الرشد، من بعد ما شرحناه وأظهرناه للناس في كتاب يتلى، أولئك الذين فعلوا ذلك يطردهم الله من رحمته، ويدعو عليهم بالطرد من رحمة الله لكتمانهم لما أمر الله بإظهاره .

4- العطاء من المال

ناهيك عن عظيم قدره وثوابه عند الله سبحانه وتعالى الذي وعد المنفقين في نواحي الخير بنماء رزقهم .

قال الله تعالى :

( مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )

البقرة: 245

المال هو كل ما یمتلك الإنسان من أشیاء ینتفع بها، كالذهب والفضة، والخیل، والأنعام، والحرث، وكل مأكول، أو مشروب، أو ملبوس، أو مركوب، أو مسكون، إلى غیر ذلك من أشیاء یصعب إحصاؤها.

قال الله تعالى :

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾

آل عمران: ١٤

فالعطاء من المال في سبيل الله من أعظم القربات إلى الله عز وجل، ولقد امتدح الله تعالى الذين يجودون بأموالهم في سبيل الله تعالى في آيات كثيرة من القرآن الكريم.

قال الله تعالى :

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾

البقرة: ٢٦١

مثل صدقة الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله، كمثل حبة ألقيت في أرض طيبة، أصابها الغيث، فخرجت الحبة على هيئة زرع قوي جميل فأنبتت في الوقت المناسب لإنباتها سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، فهنا نرى أن الله عز وجل قد شبه حال الصدقة التي يبذلها المؤمن في سبيل الله فيكافئه الله تعالى عليها بالثواب العظيم، بحال الحبة التي تلقى في الأرض النقية فتخرج عودًا مستويًا قائمًا قد تشعب إلى سبع شعب، في كل شعبة سنبلة، وفي كل سنبلة مائة حبة.

وفي هذا التشبيه ما فيه من الحض على العطاء في وجوه الخير، ومن الترغيب في فعل البر ولا سيما النفقة في الجهاد في سبيل الله .

قال الله تعالى :

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ ﴾

الليل: ٥-٧

فأما من أعطى حق الله تعالى، بأن أنفق من ماله في وجوه الخير: كإعتاق الرقاب، ومساعدة المحتاجين واتقى المحارم والمعاصي، وأيقن بالخصلة الحسنى، وهي الإيمان بكل ما يجب الإيمان به، أو أيقن بالملة الحسنى، وهي ملة الإسلام، أو بالمثوبة الحسنى وهي الجنة، فسنهيئه للخصلة التي توصله إلى اليسر والراحة وصلاح البال، بأن نوفقه لأداء الأعمال الصالحة التي تؤدي إلى السعادة.

5- عطاء النصیحة

،فالإنسان الجواد كریم النفسلا یبخل على أخیه الإنسان بأي نصیحة تنفعه في دینه أو دنیاه ، بل یعطیه نصحه الذي ینفعه مبتغیا به وجه اﷲ تعالى .

قال الله تعالى :

﴿ وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ﴾

القصص: 20

وجاء رجل من آخر المدينة يسعى، قال يا موسى: إن أشراف قوم فرعون يتآمرون بقتلك، ويتشاورون، فاخرج من هذه المدينة، إني لك من الناصحين المشفقين عليك.

ولذلك كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أول الأركان الأساسیة ، التي تقوم علیه الدعوة إلى اﷲ ، وحمایة المجتمع المسلم من الانحراف والنهي عن المنكر من النصیحة، وهو عطاء فیه تضحیة، إذ قد یعرض صاحبه لما یكره من قبل الناس .

6- عطاء الوقت

فإن أعطيت من وقتك فأنت تمنح جزءا من عمرك؛ فإن كان لبر والدين أو زيارة مريض أو عمل خيري أو غير ذلك من رقائق الأعمال؛ فإن الله سيضاعف لك العطاء مضاعفة الوهاب ويهبك من العطايا ما لم تكن تحسبه، ويظلك في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله؛ سبحانه هو الكريم ذو الجلال والإكرام

قال الله تعالى :

( وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )

المزمل: 20

5- أداب العطاء

         في

  القرآن الكريم

للعطاء في القرآن الكريم الكثير  من الأداب التي يجب مراعتها منها  الأتي

1- عدم المن والأذى

قال الله تعالى :

﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

البقرة: ٢٦٤

الذين يخرجون أموالهم في أنواع الخير، ثم لا يتبعون ما أنفقوا من الخيرات مَنّاً على مَن أعطَوه ولا أذى بقول أو فِعْلٍ يشعره بالتفضل عليه، لهم ثوابهم العظيم عند ربهم، ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه من أمر الآخرة، ولا هم يحزنون على شيء فاتهم في هذه الدنيا.

2- الأنفاق من الحلال الطيب

قال الله تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ  وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ﴾

البقرة: ٢٦7

يا من آمنتم بي واتبعتم رسلي أنفقوا من الحلال الطيب الذي كسبتموه ومما أخرجنا لكم من الأرض، ولا تقصدوا الرديء منه لتعطوه الفقراء .

3- عدم إنتظارعوضً ولا ثناءً

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾

الإنسان: 9

إنما نحسن إليكم ابتغاء مرضاة الله، وطلب ثوابه، لا نبتغي عوضًا ولا نقصد حمدًا ولا ثناءً منكم.

6- ثمرات العطاء على الفرد والمجتمع

للعطاء فوائد وثمرات فردية واجتماعية عظيمة، ذكر الباحث أهمها:

1- تطهير النفس وتزكيتها من الأنانية

قال الله تعالى :

﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾

الشمس: ٧ -١٠

أي: أفلح من طهر نفسه من أدناس الرذائل الخلقية والسلوكية، وخاب من غمسها في هذه الأدناس، ومن هذه الرذائل المدنسة للنفس الإنسانية الشح والأنانية المفرطة المقيتة، ولذلك سميت الزكاة بهذا الاسم، فهي مطهرة للنفوس من دنس الشح والبخل والأنانية المفرطة، وهي أيضًا مطهرة للمال من الحقوق المتعلقة به للفقراء والمساكين.

قال الله تعالى :

﴿ فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّىٰ . لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى . الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ . وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى . الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ ﴾

الليل: ١٤ -١٨

وهذه التزكية لا تكون إلا بمخالفة أهواء النفس وشهواتها، وقضية مخالفة أهواء النفوس يمكن أن تكون بتحويل ذكي فيه ارتقاء وشيء من المشقة عند الصعود، ولكن في هذا الارتقاء الشاق لذات لا يظفر بها من اتبعوا أهواء نفوسهم، المنحدرين إلى أدناس الأخلاق وقبائح السلوك، مما يجدون فيه بعض متع زائلة منغصة بالأكدار والآلام.

٢ – يعود الفرد على الإيثار

ويتضح ذلك من خلال الأية  التالية

قال الله تعالى :

﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

الحشر: ٩

إن تربية النفوس على حب العطاء إقامة سد واق يمنع الأنفس عن الجنوح الخطير في مجال حب التملك والأثرة، فإنه متى جنحت النفس هذا الجنوح الخطير كان حب التملك غاية بنفسه، وليس مجرد وسيلة لتحقيق منافع الحياة ومصالحها، وعندئذ يستأثر بالإنسان داء الجمع والمنع، حتى يعيش حياته كلها جَمَّاعًا للمال، دون أن ينتفع بما يجمع منه، ثم تأخذ يد المنون فتعزله عن وظيفة حارس صندوق أو خازن مال، ليلقى حسابه العسير على ما جمع ومنع، فلا هو انتفع ولا هو نفع.

٣ – التعاون على البر والتقوى

قال الله تعالى :

﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ  إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾

المائدة: ٢

ندب الله تعالى إلى التعاون بالبر، وقرنه بالتقوى له، لأن في التقوى رضا الله، وفي البر رضا الناس، ومن جمع بين رضا الله ورضا الناس فقد تمت سعادته وعمت نعمته ، فالعطاء هو أحد أنواع البر بين الناس.

إن اكتساب العطاء يولد في الفرد شعورًا بأنه جزء من الجماعة وحب التعاون، وليس فردًا منعزلًا عنهم إلا في حدود مصالحه ومسئولياته الشخصية، فهو بهذا الشعور النبيل يجد نفسه مدفوعًا إلى مشاركتهم في عواطفهم مشاركة وجدانية ومشاركة مادية، فيفرح لفرحهم، ويحزن لحزنهم، ويتألم عندما يتألمون، وينشرح صدره إذا وجدهم منشرحين، ويساهم معهم في الأعمال العامة، ويعين منهم ذا الحاجة بجسمه، أو ماله، أو شفاعته في الحق، أو عواطفه ومشاعره وتعبيراتها.

٤-  التعود على نيل درجة البر ورضا الرحمن عز وجل

قال الله تعالى :

﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾

آل عمران: ٩٢

فالعطاء بشتى أنواعه – لاسيما العطاء مما يحب الإنسان – يوصله إلى رضا الرحمن تبارك وتعالى، والمعنى: لن تنالوا حقيقة البر، ولن تبلغوا ثوابه الجزيل الذي يوصلكم إلى رضا الله، وإلى جنته التي أعدها لعباده الصالحين، إلا إذا بذلتم مما تحبونه وتؤثرونه من الأموال وغيرها في سبيل الله.

Share This