1- مفهوم العزة

العزة صفة تفيد حصول الفوقية والغلبة لله سبحانه وتعالى وعباده الصالحين على أعدائهم.

2- كلمة العزة

      في

 القرآن الكريم

وردت كلمة العزة وصيغها في القرآن الكريم ١٢٠ مرة. والصيغ التي وردت عليها هي:

– الفعل الماضي

ورد مرتين

قال الله تعالى:

﴿ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ ﴾

يس:١٤

– الفعل المضارع

ورد مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ﴾

آل عمران:٢٦

– المصدر

ورد  12مرة

قال الله تعالى:

﴿ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾

النساء:١٣٩

– الصفة المشبهة

ورد 99 مرة

قال الله تعالى:

﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

البقرة:٢٠٩

– أفعل التفضيل

ورد 4 مرات

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ ﴾

هود:٩٢

– اسم

ورد مرتين

قال الله تعالى:

﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾

المائدة:٥٤

وجاءت العزة في الاستعمال القرآني على ستة أوجه:

1- المنعة

قال الله تعالى:

﴿ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾

النساء:١٥٨

يعني: منيعًا.

-2 العظمة

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾

ص:٨٢

يعني: فبعظمتك

3- الحمية

قال الله تعالى:

﴿ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ﴾

ص:٢

يعني: في حمية.

4- الغلظة

قال الله تعالى:

﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾

المائدة:٥٤

يعني: غلظاء عليهم.

5- الشدة

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾

فاطر:١٧

يعني: بشديد.

6- القوة

قال الله تعالى:

﴿ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ ﴾

يس:١٤

يعني: فقويناهما بثالث.

3- الكلمات ذات الصلة

     بكلمة العزة

أ – القوة

القدرة علي الفعل .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾

الأنفال 52

العزة دليل على القوة، فلا يعقل أن يكون الإنسان عزيزًا دون أن يكون قويًّا.

ب – الشدة

المبالغة في وصف الشيء بالصلابة

قال الله تعالى:

﴿ قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ ﴾

النمل 33

العزة دليل على الشدة ، فالإنسان لا يكون عزيزًا إلا إذا كانت فيه صلابة على الحق.

– الغلبة

هو قهر العدو . و الغلبة مظهر من مظاهر العزة

قال الله تعالى:

﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾

آل عمران 160

– الرفعة

ارتفاع القدر والمنزلة و المكانة.

قال الله تعالى:

﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾

المجادلة 11

ويرفع مكانة أهل العلم درجات كثيرة في الثواب

4- من لهم العزة

         في

  القرآن الكريم

قدعرض القرآن الكريم من لهم العزة بأسلوب مميز ، وتفصيل ذلك فيما يأتي:

أولاً – العزة لله عز وجل جميعًا

فمن أسماء الله تعالى اسم (العزيز)

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾

الحشر:٢٣

العزيز هو الذي يقل وجود مثله، وتشتد الحاجة إليه، ويصعب الوصول إليه، فما لم يجتمع عليه هذه المعاني الثلاثة لم يطلق عليه اسم العزيز.

وقد وصف الله تعالى نفسه بالعزة ، فقد تفرد بها دون غيره، وليست لأحد سواه

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾

يونس:٦٥

فإن الله تعالى هو المتفرد بالقوة الكاملة والقدرة التامة في الدنيا والآخرة،

قال الله تعالى:

﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾

فاطر:١٠

ومن يطلب القوة والمنعة والرفعة فإنها تكون بعبادة الله تعالى وطاعته، فبالله عز وجل يكون عز الدنيا والآخرة .

قال الله تعالى:

﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا ﴾

مريم :٨١

واتخذ المشركون آلهة يعبدونها من دون الله؛ طلبًا للمنعة والقوة أيضًا،

قال الله تعالى:

﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾

الصافات:١٨٠

فهو سبحانه نزه ذاته العلية عما وصفه به المشركون مما لا يليق بجلاله وكماله، ثم أضاف الرب إلى العزة؛ ليفيد اختصاصه بها، كأنه قال: ذو العزة.

تفرد الله تعالى بمقومات العزة دون غيره، وليست لأحد سواه، ومن الأمثلة على هذه المقومات الآتي:

أ – تفرده بالخلق

فالله عز وجل هو الخالق لكل شيء في هذا الكون، وهذه المخلوقات كلها التي تتجلى فيها قدرته عز وجل وعظمته قد أوجدها من عدم.

قال الله تعالى :

  ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ . وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾  

إبراهيم :١٩-٢٠

ألم تعلم أيها المخاطب – والمراد عموم الناس- أن الله أوجد السموات والأرض على الوجه الصحيح الدال على حكمته، وأنه لم يخلقهما عبثًا، بل للاستدلال بهما على وحدانيته، وكمال قدرته، فيعبدوه وحده، ولا يشركوا به شيئًا؟ إن يشأ يذهبكم ويأت بقوم غيركم يطيعون الله. وما إهلاككم والإتيان بغيركم بممتنع على الله، بل هو سهل يسير.

ب – تفرده بالإحياء بعد الإماتة

فقد أنكر المشركون أمر البعث، فبين الله تعالى في كثير من الآيات أنه قادر على ذلك. وأن الإحياء بعد الإماتة أهون عليه من الخلق .

قال الله تعالى :

  ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

الروم:٢٧

ت – تفرده بالتصوير في الأرحام

وهذا أمر قد تفرد الله تعالى به كما تفرد بالخلق والإحياء بعد الإماتة،

قال الله تعالى :

﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

آل عمران: ٦

فقد أخبر الله تعالى عن تصويره للبشر في أرحام أمهاتهم على الكيفية التي يشاؤها جل جلاله من حسن وقبح، وسواد وبياض، وطول وقصر، وسلامة وعاهة إلى غير ذلك ، وهذا دليل على وحدانيته عز وجل، ولا يقدر على ذلك إلا العزيز الذي لا يغالب، والحكيم بخلقه وشؤونهم.

ث – تفرده بالنصر

قال الله تعالى :

﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾

آل عمران:١٢٦

والمعنى: أن نصر المؤمنين لا يكون إلا من عند الله عز وجل على خلاف ما كان يعتقد المشركون من أن الآلهة هي التي تمدهم بالنصر في حروبهم ومعاركهم .

ج – تفرده بتأليف القلوب

قال الله تعالى :

﴿ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ  إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

الأنفال:٦٣

فالله تعالى له جميع صفات الكمال، فألف بين قلوب المؤمنين ، وعلل سبحانه فعله ذلك؛ لأنه عزيز حكيم، فلولا عزته التي غلبت كل شيء، وحكمته التي أتقن بها كل ما يريد بحيث لا يستطيع أحد أن يغير مما أراد الله تعالى شيئًا لما تآلف المؤمنون فيما بينهم بعدما كانت تثور الفتن بينهم، فتغلي لها الصدور حتى يقتتلوا.

ح – تفرده بالهداية

قال الله تعالى :

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

إبراهيم:٤

أي: إن من لطف الله تعالى أن أرسل الرسل بلسان الأقوام الذين بعثوا إليهم؛ ليتمكنوا من فهم ما يدعونهم إليه، وحينئذٍ يقيم عليهم الحجة، فيضل الله تعالى من لم يرد الهداية، ويهدي من يشاء ممن اختصه برحمته فيهديه؛ وذلك لأنه هو العزيز الذي من عزته أن انفرد بأمر الهداية والضلال، ومن حكمته أنه لا يضع هدايته ولا إضلاله إلا في المحل اللائق به.

خ – تفرده بالقضاء

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ﴾

النمل:٧٨

إن الله تعالى سوف يقضي بين الناس وغيرهم بالحق الذي يحكم به أو بحكمته العلية، فهو العزيز الذي لا يرد حكمه وقضاؤه، ومن عزته تفرده بالقضاء، كما أنه عليمٌ بجميع الأشياء التي من جملتها ما يقضي به.

د – تفرده بالرزق والعطاء

قال الله تعالى :

﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾

الشورى:١٩

فالله تعالى كثير اللطف بهم، وبالغ الرأفة لهم، ويرزق من يشاء من أنواع الرزق، وإن كان يرزق كل نفس، لكنه فاوت بين المرزوقين في الرزق في القلة والكثرة لحكمة لا يعلمها إلا هو عز وجل. وهو القوي العظيم القوة، والباهر القدرة، والعزيز الذي من عزته انفرد بأمر الرزق والعطاء.

ثانيًا – العزة لكتاب الله

لقد وصف الله عز وجل نفسه بأنه عزيز، وعليه فإن كل ما يصدر عنه جل جلاله يستمد العزة من عزته تعالى، فالقرآن الكريم هو كلام الله تعالى .

قال الله تعالى:

﴿ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾

الزمر:١

ولذلك فهو يتصف بالعزة أيضًا.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ﴾

فصلت :٤١

وإن هذا الذكر لكتاب عزيز بإعزاز الله إياه، وحفظه من كل من أراد له تبديلًا أو تحريفًا، أو تغييرًا .

ثالثا – العزة لرسوله صلى الله عليه وسلم

بما أن الله جل جلاله قد وصف نفسه بأنه عزيز، فإن كل ما يصدر عنه من أفعال فهو يتصف بالعزة أيضًا، ومن جملة أفعاله عز وجل أنه بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين، وعليه فإن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم يتصف بالعزة .

قال الله تعالى:

﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

المنافقون:٨

وعزة الرسول صلى الله عليه وسلم متمثلةٌ في إظهار دينه على سائر الأديان الموجودة على الأرض.

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾

التوبة: 33

رابعا – العزة للمؤمنين

إن الله تعالى لما ذكر العزة الحقيقية حصرها فيه جل جلاله، وفي رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي المؤمنين .

قال الله تعالى:

﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾

المنافقون:٨

ففي هذه الآية يبين الله عز وجل أن العزة لله تعالى بقهره لأعدائه، وكذلك لرسوله صلى الله عليه وسلم بإظهاره دينه على الأديان كلها، وكذلك للمؤمنين أيضًا بنصر الله تعالى لهم على أعدائهم .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾

الحج:٤٠

وعزة المؤمنين تتمثل في نصر الله تعالى إياهم على أعدائهم

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

آل عمران:١٣٩

هذا وقد نهى الله سبحانه وتعالى المؤمنين عن الهوان والحزن، ووصفهم بأنهم هم الأعلون .

فهذه العزة للمؤمنين تكون في اتباعهم لشرع الله تعالى، وتنفيذه في أمور حياتهم ، فالإيمان الذي به عزة المسلمين هو الإيمان الذي يولد عملًا صالحًا ، وبعدًا عن كل ما حرم الله تعالى ، فهذا هو الإيمان الحقيقي. وهذا الإيمان هو الذي تكون به العزة والرفعة والكرامة .

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ﴾

المائدة:٥٤

يا أيها الذين آمنوا من يرجع منكم عن دينه، ويستبدل به دين أ خر ، فلن يضرُّوا الله شيئًا، وسوف يأتي الله بقوم خير منهم يُحِبُّهم ويحبونه، رحماء بالمؤمنين أعزة – أشدَّاء – على الكافرين، يجاهدون أعداء الله، ولا يخافون في ذات الله أحدًا.

5- طلب العزة

من غير الله تعالى

1- دوافعها

أ- الكفر

دوافعها الكبر والعناد

قال الله تعالى:

﴿ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ﴾

ص: ٢

أن الكافرون في عزة وحمية واستكبار عن قبول الحق والإيمان به، فهم دائمًا يخالفون الحق ويعاندونه  .

قال الله تعالى:

﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا ﴾

مريم:٨١

وقد بين الله تعالى أن هؤلاء الكفار يعتزون بما يعبدونه من دونه سبحانه ، ليكونوا لهم أنصارًا وشفعاء ينقذونهم من عذاب الله تعالى في الآخرة .

قال الله تعالى:

﴿ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾

النساء:١٣٩

فالنصرة والعزة والقوة جميعها لله تعالى وحده في الدنيا والآخرة ولا ينالها إلا أولياؤه.

ب – النفاق

قال الله تعالى:

﴿ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا . الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾

النساء 138-139

المنافقين الذين يوالون الكافرين، ويتخذونهم أعوانًا لهم، ويتركون ولاية المؤمنين، ولا يرغبون في مودتهم. أيطلبون بذلك النصرة والمنعة عند الكافرين؟ إنهم لا يملكون ذلك، فالنصرة والعزة والقوة جميعها لله تعالى وحده.

ج –  التكبر

وسببة عزة الغنى وزينة الحياة الدنيا و العجب بالنفر والحسب .

– عن العجب بالنفر والحسب وسببة

قال الله تعالى:

﴿ قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ . قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾

هود: ٩١-٩٢

هذه الآية هي رد القوم على نبيهم شعيب عليه السلام، لما دعاهم إلى التوحيد، وأمرهم بالمعروف ونهاهم عما كانوا يفعلون من منكرات ، أن القوم قالوا: لا نفهم يا شعيب صحة ما تقول ، ولا قوة لك ولا عز لك بيننا، وإنك لا تقدر على الامتناع منا إن أردنا أن نلحق بك مكروهًا، ولولا عشيرتك ورهطك لقتلناك رجمًا، وحينئذٍ أنت لا تعز علينا حتى نكرمك من القتل، ونرفع عنك الرجم، وإنما يعز علينا رهطك؛ لأنهم من أهل ديننا وملتنا، فرهطك هم الأعزة علينا ولذلك أنكر شعيب عليه السلام عليهم هذه العزة المذمومة التي كان دافعها العجب بالنسب والكثرة والنفر .

– عن عزة قارون بماله

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ﴾

القصص:٧٦

فقارون بغى عليهم بالكبر والتعزز برؤية زينة نفسه، وقد أعطاه الله تعالى من الأموال المدخرة ما يثقل على الجماعة الكثيرة من الرجال أصحاب القوة حمل مفاتيح صناديقها،

– في حق سحرة فرعون

قال الله تعالى:

﴿ فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ ﴾

الشعراء:٤٤

فاستعان هؤلاء السحرة بعزة عبد عاجز ضعيف، ولكنه تجبر فأصبح في صورة ملك له جنود، كما أنه استخف قومه وأطاعوه، فغرتهم هذه الزينة وهذه الأبهة، ولم يعلموا حقيقة الأمر التي لم تصل بصائرهم إليها

2- عواقبها

اقتضت حكمة الله جل جلاله أن من طلب العزة في غير جانب الله تعالى أذله الله تعالى؛ وذلك …

– في الدنيا

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ . كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ ﴾

القمر:٤١-٤٢

ففرعون وقومه لما كذبوا نبيهم موسى عليه السلام والآيات التي أيده الله تعالى بها، استحقوا بذلك غضب الله تعالى عليهم، فأهلكهم في الدنيا، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر.

ب – في الآخرة

–  العذاب الشديد

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾

آل عمران:٣-٤

توعد الله عز وجل الذين كفروا بعدما بين الآيات ووضحها، فلم يبق عليها لبس أو إشكال- بالعذاب الشديد الذي لا يقدر قدره، ولا يدرك وصفه، فهو سبحانه قوي لا يعجزه شيء، وهو ذو انتقام ممن عصاه.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ  وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾

البقرة:٢٠٦

7- علاج العزة المذمومة

قدمت النصوص القرآنية مجموعة من الآيات التي تحمل علاجًا لمن يتصفون بهذا الخلق المذموم، وهي متمثلة فيما يأتي:

1- تقوية الإيمان بالله والتوكل عليه

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

الأنفال:٤٩

﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ﴾

الشعراء:٢١٧

أن تقوية الإيمان بالله سبحانه وتعالى والتوكل عليه من أهم نقاط علاج العزة المذمومة لأصحاب النفوس الضعيفة، فإذا قوي إيمانهم وتوكلوا على الله تعالى حق التوكل، أمدهم الله تعالى بالعزة والغلبة .

2- بيان حقيقة الدنيا وزينتها وسرعة زوالها

قال الله تعالى:

﴿ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

الأنفال:٦٧

أيها المؤمنون إنكم تريدون عرض الدنيا من مال ومتاع ، ولكن الله تعالى يريد لكم زينة الآخرة، وما أعده سبحانه للمؤمنين وأهل ولايته في جنان النعيم ؛ لأن الله تعالى عزيز لا يقهر ولا يغلب، كما أنه حكيم في تدبيره أمر خلقه .

3- بيان ضعف الولاء لغير الله وانقطاعه

قال الله تعالى:

﴿ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا . الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾

النساء: 138- 139

فالله تعالى يبشر هؤلاء المنافقين-على سبيل التهكم-وهم الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، فيبشرهم بأقبح بشارة، وهي العذاب الأليم الموجع، وذلك بسبب اتخاذهم الكافرين أولياء عن طريق محبتهم ومعاونتهم ونصرتهم، في حين تركوا ولاية المؤمنين، فما الذي دفعهم إلى ذلك؟ هل يبتغون العزة ويطلبونها عندهم؟ فإن العزة الحقيقية لله جل جلاله، وفي موالاته تعالى وموالاة المؤمنين.

8 – آثار العزة وعواقبها

لاشك أن للعزة المحمودة آثارًا في الدنيا وفي الآخرة، وللعزة المذمومة عواقب وخيمة في الدنيا وفي الآخرة، سنتعرف على أهم الآثار وأهم العواقب لكلا النوعين في النقاط الآتية:

أولًا: آثار العزة المحمودة في الدنيا

إن العزة المحمودة تظهر آثارها في الدنيا، وذلك من خلال النقاط الآتية:

1- علو الهمة والثبات على الحق

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ . فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ﴾

النمل:٧٨-٧٩

يجب على المؤمن المضي في طريق الحق والثبات عليه، حتى يمده الله تعالى بالنصر المؤزر.

2- الصبر على الشدائد

إن العزة التي كان يتمتع بها إبراهيم عليه السلام جعلته يثبت على الحق الذي آتاه الله تعالى إياه، فلم يجزع لما لاقاه من قومه في طريق دعوتهم إلى الحق؛ بل صبر وتحمل في سبيل الله تعالى الكثير والكثير.

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

العنكبوت:٢٦

قرر إبراهيم عليه السلام ترك هذه الأرض السوء التي عليها قومه، وأن يهاجر إلى الأرض المباركة في الشام وقال إبراهيم: إني تارك دار قومي إلى الأرض المباركة وهي “الشام”، ، وعلل هجرته بقوله إن الله تعالى العزيز القادر على هدايتهم، والحكيم بتدبير شؤون خلقه.

3- التمسك بهدايات القرآن الكريم

إن الله تعالى ذكر حال المهتدين الموفقين من عباده، وهم أهل العلم

قال الله تعالى:

﴿ وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾

سبأ:٦

فإنهم يرون فيما أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم من القرآن الكريم، وما اشتمل عليه من الأخبار أنه الحق، وما سواه مما خالفه أو ناقضه فهو باطل، كما أنهم يرون في أوامره ونواهيه أنه يهدي إلى صراط العزيز الحميد .

4- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله

ذكر الله تعالى أن العزة التي يتمتع بها المؤمنون في الدنيا جعلتهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولا يخافون فيه لومة لائم.

قال الله تعالى:

﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

التوبة:٧١

ومن آثار هذه العزة في الدنيا أيضًا الجهاد في سبيل الله عز وجل

قال الله تعالى:

﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ  وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾

الحديد:٢٥

فإن من جملة ما أنعم الله تعالى به على عباده خلقه الحديد، إذ علم الله تعالى الناس صنعته، وجعله رادعًا لمن أبى الحق وعانده بعد أن أقام عليه الحجة، كما أن فيه منافع للناس في كثير من أمور حياتهم، ومنها صناعة أدوات الحرب من آلات وأسلحة وغير ذلك؛ لتكون قوة رادعة يستخدمها المسلمون في تنفيذ أحكام الشريعة فيما بينهم، ولجهاد الأعداء الذين يعتدون على حرمات الدين والبلاد، ويعرقلون انتشار الإسلام على وجه الأرض.

ثانيًا: آثار العزة المحمودة في الآخرة

تظهر آثار العزة المحمودة في الآخرة من خلال النقاط الآتية:

1- مغفرة الذنوب

قال الله تعالى:

﴿ لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَٰلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾

الفتح:٥

ليدخل الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري مِن تحت أشجارها وقصورها الأنهار، ماكثين فيها أبدًا، ويمحو عنهم سيِّئ ما عملوا، فلا يعاقبهم عليه، وكان ذلك الجزاء عند الله نجاة من كل غم، وظَفَرًا بكل مطلوب.

2- استحقاق رضوان الله تعالى

قال الله تعالى:

﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾

التوبة:٧١-٧٢

فهؤلاء المؤمنون الذين يتصفون بالعزة المحمودة، ويتصفون بالأوصاف الواردة في الآية من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فأولئك يستحقون الرحمة من الله تعالى، كما أنه عز وجل وعدهم – ووعده حق منجز لا محالة- بجنات تجري من تحتها الأنهار، ومنازل يسكنونها ، كما أنهم يستحقون رضوان الله تعالى، فرضوانٌ يسيرٌ منه عز وجل أكبر من كل الذي أعطاهم إياهم من نعم في الآخرة، فذلك هو الفوز العظيم.

3- جنات الخلد والنعيم المقيم

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ . خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

لقمان:٨-٩

فذكر الله تعالى نعيم المؤمنين في الآخرة، حيث أعد لهم جنات النعيم الخالد الدائم الذي لا ينتهي، فهذا وعد الله جل جلاله النافذ لا محالة، وكان قد وعدهم به في الدنيا، وها هو سبحانه في الآخرة ينفذ لهم ما وعد به، فهو العزيز الحكيم كامل القدرة يعذب المعرض، ويثيب المقبل، كامل العلم، يفعل الأفعال كما ينبغي، فلا يعذب من يؤمن، ولا يثيب من كفر، فهو حكيم يضع الفعل المناسب اللائق في مكانه المناسب.

ثالثًا: عواقب العزة المذمومة في الدنيا

تتجلى عواقب العزة المذمومة في القرآن الكريم من خلال النقاط الآتية:

1- اتباع الهوى والشهوات

إن من كانت عزته لغير الله تعالى، فعزته مذمومة ينتج عنها أنه سوف يكون عرضةً لاتباع الهوى والشيطان.

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ . فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ  ﴾

البقرة:٢٠٨-٢٠٩

يا أيها الذين آمنوا ، ادخلوا في جميع شرائع الإسلام، عاملين بجميع أحكامه، ولا تتركوا منها شيئًا، ولا تتبعوا طرق الشيطان فيما يدعوكم إليه من المعاصي. إنه لكم عدو ظاهر العداوة فاحذروه. فإن انحرفتم عن طريق الحق، من بعد ما جاءتكم الحجج الواضحة من القرآن والسنة، فاعلموا أن الله عزيز في ملكه لا يفوته شيء، حكيم في أمره ونهيه، يضع كل شيء في موضعه المناسب له.

2- الفرقة والتنازع والفشل

فالعزة والأنفة التي يتمتع بها المشركون استكبارًا وعنادًا عن قبول الحق قادت بهم إلى الفرقة والنزاع والفشل.

قال الله تعالى:

﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴾

الأحزاب:٢٥

وردَّ الله أحزاب الكفر عن “المدينة” خائبين خاسرين مغتاظين، لم ينالوا خيرًا في الدنيا ولا في الآخرة، وكفى الله المؤمنين القتال بما أيدهم به من الأسباب. وكان الله قويًا لا يُغالَب ولا يُقْهَر، عزيزًا في ملكه وسلطانه.

رابعًا: عواقب العزة المذمومة في الآخرة

تبرز أهم عواقب العزة المذمومة في الآخرة من خلال ما يأتي:

1- الخلود في نار جهنم

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾

النساء:٥٦

2- الخوف والتخاذل والانهيار عند الشدائد

أخبر الله تعالى أن المشركين اتخذوا الأصنام والأوثان لتعزهم وتقويهم وتنصرهم وتمدهم بالمال والولد والنعم في الدنيا، ولتكون لهم منعةً من عذاب الله تعالى في الآخرة .

قال الله تعالى:

﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا . كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ﴾

مريم:٨١ – 82

واتخذ المشركون آلهة يعبدونها من دون الله؛ لتنصرهم، ويعتزوا بها. ليس الأمر كما يزعمون، لن تكون لهم الآلهة عزًا، بل ستكفر هذه الآلهة في الآخرة بعبادتهم لها، ، وستكون عونًا عليهم في العذاب، فهؤلاء المشركون عبدوا الآلهة لتكون عزًّا لهم في الآخرة، فصارت عونًا عليهم في العذاب، فوجدوا عكس ما طلبوا.

ونخلص من هذا إلى أن العزة المذمومة قادت أصحابها إلى أمورٍ لا تحمد عقباها في الآخرة من استحقاقهم لغضب الله عز وجل، والعذاب الشديد المؤلم، بالإضافة إلى خلودهم في النار أبد الآبدين.

 

Share This