مفهوم العرش في القرآن الكريم

1- مفهوم العرش

إن كلمة العرش بالنسبة للبشرلها معنيين

أ- مادى حسى

أى الكرسى الذى يجلس عليه الحاكم ، كما يقال ” ثل عرش فلان ” كناية عن ذهاب ملكة .

– فى قصة ملكة سبأ

قال الله تعالى :

( إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ )

النمل: 23

﴿ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ . فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ  وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ﴾

النمل: 41- 42

وقصة يوسف عليه السلام

قال الله تعالى :

 ( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ )

يوسف: 100

العرش هنا بمعني كرسي الملك .

ب – مفهوم معنوى

استعمال كلمة العرش بالنسبة لله جل وعلا لا تأتى بالمعنى المادى من الجلوس والتربع ، ولكن بالمعنى المعنوى ،أى التحكم والسيطرة. وعرش الرحمن يعنى سيطرته على كل العوالم من السماوات والارض وما بينهما وسائر المخلوقات والموجودات والأشياء.

لو تأملنا الآيات التي تذكر استواء الله تعالى على عرشه فإننا نجد ذلك بعد ذكر خلق السماوات والأرض!!

قال الله تعالى :

( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ )

الأعراف: 54

( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ )

يونس: 3

( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ )

الرعد: 2

( الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ )

الفرقان: 59

( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ )

السجدة: 4

( هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ )

الحديد: 4

العرش في الآيات السابقة بمعني التحكم والسيطرة  علي مكان الحكم و هو الملكوت .

قال الله تعالى :

( اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ )

النمل: 26

الله الذي لا معبود يستحق العبادة سواه، هو رب هذا المُلك العظيم . وحين ننظر للكون بتفكر وتعظيم فسوف نفهم معنى( رب العرش العظيم) وسنفهم معنى الآيات التالية..

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ . قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ . قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ ﴾

المؤمنون:  84- 89

قل لهم: لمن هذه الأرض ومَن فيها إن كان لديكم علم؟.سيعترفون حتمًا بأنها لله، هو خالقها ومالكها، قل لهم: ألا يكون لكم في ذلك تذكُّر بأنه قادر على البعث والنشور؟ قل مَن رب السموات السبع ورب العرش العظيم، الذي هو أعظم المخلوقات وأعلاها؟سيقولون حتمًا: هو الله، فقل لهم: أفلا تخافون عذابه إذا عبدتم غيره؟قل: مَن مالك كل شيء ومَن بيده خزائن كل شيء، ومَن يجير مَنِ استجار به، ولا يقدر أحد أن يُجير ويحمي مَن أراد الله إهلاكه، ولا يدفع الشر الذي قدَّره الله، إن كنتم تعلمون ذلك؟سيجيبون: بأن ذلك كلَّه لله، قل لهم: كيف تذهب عقولكم وتُخْدَعون وتُصْرفون عن توحيد الله وطاعته، وتصديق أمر البعث والنشور؟

2- كلمة العرش

        في

  القرآن الكريم

وردت كلمة العرش في القرآن الكريم (٢6) مرة. ومعاني كلمة العرش التي وردت هي:

1- عرش الرحمن سبحانه وتعالى

ورد 21 مرة

قال الله تعالى:

( اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ )

النمل: 26

– عرش ملكة سبأ

ورد 4 مرات

قال الله تعالى:

( إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ )

النمل: 23

– عرش يوسف عليه السلام

ورد  مرة واحدة

قال الله تعالى:

( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ )

يوسف: 100

3 – حملة العرش

أ- فى هذه الدنيا

إن الذى يقوم بتصريف عرش الرحمن الحالى أو هذا الكون الحالى هم الملائكة التى تحمل أوامر الله جل وعلا  ، ومنها الأتي

1- النزول بالرسالات السماوية

ومن الأمر الالهى التشريعات التى نزلت بها الرسالات السماوية ، وكان يحملها جبريل وملائكة معه لينذروا الناس من مجىء يوم القيامة ولقاء الرحمن  .

قال الله تعالى :

( رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ )

غافر: 15

2- الاستغفار للمؤمنين

قال الله تعالى :

( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ )

غافر: 7

3- تسجيل الأعمال

قَال الله تعالى:

( إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ . مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) 

ق:  17- 18

﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾

الزخرف: 80

ورسلنا الملائكة الكرام الحفظة يكتبون عليهم كل ما عملوا.

4- قبض الأرواح

قال الله تعالى :

( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ )

السجد: 11

( إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ )

الأنعام: 61

حتى إذا نزل الموت بأحدهم قبض روحَه الملائكة الموكلون بقبض الأرواح ، وهم لا يضيعون ما أُمروا به.

5- تثبيت المؤمنين

قال الله تعالى :

﴿ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ ﴾

آل عمران : 124

6 – حراسة ابن آدم

قَال الله تعالى:

( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ )

الرعد 11

لله تعالى ملائكة يتعاقبون على الإنسان من بين يديه ومن خلفه، يحفظونه بأمر الله من الجن وغيرهم

هذا بعض ما نعلم  عن مهام حمله عرش الرحمن

ب – فى الآخرة

عرش الرحمن فى الآخرة تكون السلطة المطلقة فيه لله جل وعلا ، إذ تنتهى حرية البشر فى الحركة وفى العمل ، ويتعين عليهم مواجهة نتيجة أعمالهم فى الدنيا ، وبعد الحساب يدخل الخاسرون الى جهنم لا يستطيعون منها فرارا .

قال الله تعالى :

( وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ )

الحج: 19 – 22

 ( كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ )

الفجر: 21 – 23

ويكون وقودها أصحابها ، ويتم خلق ملائكة جدد من نوعية مختلفة تناسب التعذيب ، اى غلاظ شداد لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .

قال الله تعالى :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )

التحريم: 6

وهنا يختلف الوضع عن ملائكة عرش الرحمن فى الدنيا الذين سيتعرضون للمساءلة لوجود قدر من الحرية أعطاه الله جل وعلا لهم  .

قال الله تعالى :

( وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )

الزمر: 75

أى إن عرش الرحمن فى الآخرة يستلزم ملائكة أكثر ووظائف جديدة ليتم فيها التحكم المطلق لرب العزة فى البعث والحشر والعرض والحساب ونعيم الجنة و عذاب جهنم .

قال الله تعالى :

( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ )

الحاقة 13 – 18

أن من سيقوم بحمل مسئولية عرش الرحمن فى اليوم الآخرسيكونون ثمانية .

4 – صفات عرش الله

للعرش أوصاف كثيرة وصفه بها ربُّنا في كتابه، ومن هذه الأوصاف بأنه

– المجيد

قال الله تعالى :

﴿ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ ﴾

البروج : 15

صاحب العرشِ المجيدُ الذي بلغ المنتهى في الفضل والكرم .

– العظيم

قال الله تعالى :

﴿ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾

التوبة : 129

وهو رب العرش العظيم، الذي هو أعظم المخلوقات.

– الكريم

قال الله تعالى :

﴿ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾

المؤمنون: 116

– يُحمَل

قال الله تعالى :

﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ ﴾

غافر: 7

الذين يحملون عرش الرحمن من الملائكة ومَن حول العرش ممن يحف به منهم، ينزِّهون الله عن كل نقص، ويحمَدونه بما هو أهل له، ويؤمنون به حق الإيمان .

– مخلوق

قال الله تعالى :

﴿ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾

التوبة: 129

إشارة إلى أن العرش مربوب، وكل مربوب مخلوق.

– بأنه يَستوي عليه

قال الله تعالى :

﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾

طه: 5

استواءً يَلِيق بجلاله وعظمته، لا يشبه استواء المخلوقين.

5  – استواؤه على العرش

لو تأملنا الآيات التي تذكر استواء الله على عرشه فإننا نجدها تعنى كمال السيطرة والإدارة لله على الملكوت السماوات والأرض ..

قال الله تعالى:

( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ )

السجدة 4 – 5

الاستواء عل العرش هنا يعنى أنه وحده المهيمن لذا فليس لنا غيره من ولىّ ولا نصير. إنه يدير عن طريق الملائكة أمور هذا العرش ما بين السماء والأرض .

قال الله تعالى:

( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )

الاعراف: 54

 ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ )

الرعد: 2

الاستواء على العرش هنا يعنى تحكمه فى حركة الأجرام السماوية وأنه له الخلق وله أيضا الأمر ، فهو وحده الخالق للكون وهو وحده صاحب الأمر فيه. والأمر يأتي في اللغة بمعنى السلطة والإدارة والتحكم ومنه قولنا وليّ الأمر. ومعنى يدبر الأمر: هو الملك والتصرف (= السلطة والإدارة).

قال الله تعالى:

( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ )

الحديد : 4 -6

الاستواء على العرش هنا يركّز على علمه التام بكل ما يحدث فى عرشه وملكوته بحيث يكون حاضرا وشهيدا علينا أينما كنا ، واليه مرجع الأمور، وهو عليم بذات الصدور .

قال الله تعالى:

 ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )

طه: ٥

فمعنى استواء الله على عرشه أي كمال السيطرة والإدارة لله تعالى على السماوات والأرض . وبهذا يظهر أن عرش الله تعالى هو سلطانه وحكمه ونفوذه وقدرته .

6 – عرشه على الماء

قال الله تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾

هود : 7

هذه الآية الكريمة هي الوحيدة في القرآن الكريم التي أخبرت عما كان عليه الحال قبل خلق السماوات والأرض ، وهو إن الماء أول شيء خلقه الله وكان مقام عرشه وحكمه عليه.

قال الله تعالى:

( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ )

الأنبياء: 30

لفظ (وجعلنا) يفيد تحويل الوظيفة والهدف. وهو يختلف عن لفظ (وخلقنا) الذي يفيد الإيجاد من العدم ، فالماء بعد خلقه استخدم لوجود العرش عليه، ثم تحولت وظيفته إلى استخدام مكوناته لخلق الكون .

ولما لم يكن هناك إلا الماء الذي خلقه الله تعالى قبل أن يخلق السماوات والأرض، فمن الطبيعي أن يكون سلطانه على الماء، الذي هو منشأ الحياة، كما بين تعالى هذه الحقيقة

قال الله تعالى:

 ( وجعلنا من الماء كل شيء حي )

الأنبياء: 30

وتبين المعارف الفيزيائية الحديثة  أن المادة الأولية التي خلق منها الله سبحانه وتعالى الكون هي الماء، فالمجرات والنجوم والأجرام السماوية تكونت من أحد عنصريه وهو (الهيدروجين)، وسخر المولى جل وعلا العنصر الآخر (الأكسجين) لتنفس الكائنات الحية، ودخل الماء بصفاته المعروفة الكاملة في تركيب أجسام كل الكائنات الحية.

قال الله تعالى:

( وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء )

النور: 45

والماء الذي عليه عرش الرحمن تبارك وتعالى اسمه في القرآن الكريم (الماء)، وقد جاء بأداة التعريف (الألف واللام)، فزاد ذلك في ثبوت حقيقة اللفظ المعروفة لدى الناس بأنه الماء الذي نعرفه، وليس (ماء) آخر نجهل كنهه.

7- الكرسى

كما أننا نقول عن الحاكم  جلس على كرسى الحكم  ، فالله تعالى يستعمل اسلوب اللغة البشرية لكى يفهم الناس المراد بمدركاتهم ، ولذا فإن الكرسى هو بمعنى الملكوت .

– عن ملك النبى سليمان

قال الله تعالى :

 ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ )

ص: 34

يستعمل رب العزة لفظ الكرسى بمعنى ملكوته

قال الله تعالى :

( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ )

البقرة : 255

أي أن ملكوته احاط بجميع اجزاء الكون ، فلا يشذّ عنه شيء .

8- مصير العرش

  في يوم القيامة

قال الله تعالى :

( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ .  وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً. فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ. وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ. وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ  عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ  )

الحاقة : 13 – 17

تخبرنا الأيات السابقة عن الصورة التي سوف ينتهي بها الملكوت . فإذا كان كمال السيطرة والإدارة لله تعالى على السماوات والأرض هو العرش كما ذكرنا سابقا ، فماذا سوف يحمل الملائكة الثمانية في يوم القيامة ؟؟

قال الله تعالى :

﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾

إبراهيم : 48

في يوم القيامة تُبَدَّل هذه الأرض بأرض أخرى ، وكذلك تُبَدَّل السموات بغيرها، وتخرج الخلائق من قبورها أحياء ظاهرين للقاء الله الواحد القهار، المتفرد بعظمته وأسمائه وصفاته وأفعاله وقهره لكل شيء.

 

Share This