مفهوم الطّعام في القرآن الكريم

1- مفهوم الطّعام

الطعام هو اسم جامع لكل ما يؤكل ، سواء كان مما أحلّه الله عز وجل لعباده أو مما لم يحلّه لهم.

2- كلمة الطعام

        في

   القرآن الكريم

وردت كلمة (طعم) في القرآن الكريم ٤٨ مرة . والصيغ التي وردت كالآتي:

– الفعل الماضي

ورد 5 مرات

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ ﴾

قريش:٤

– الفعل المضارع

ورد 12 مرة

قال الله تعالى:

﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾

الإنسان:٨

– فعل الأمر

ورد  مرتين

قال الله تعالى:

﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾

الحج:٢٨

– المصدر

ورد ٢٨ مرة

قال الله تعالى:

﴿ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ﴾

البلد:١٤

– اسم الفاعل

ورد مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ ﴾

الأنعام:١٤٥

وجاء الطعام في القرآن على أربعة أوجه:

1- كل ما يطعم منه

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ ﴾

قريش:٤

2- السمك

قال الله تعالى:

﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ ﴾

المائدة:٩٦

3- الذبائح

قال الله تعالى:

﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾

المائدة: ٥

أي: ذبائحهم.

4 – الشراب

قال الله تعالى:

﴿ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي ﴾

البقرة:٢٤٩

أي: ومن لم يشربه.

3- الكلمات ذات صلة

    بكلمة الطعام

– الأكل

هو تناول الطعام، وقد يطلق ويراد به الطعام نفسه.

قال الله تعالى:

﴿ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ﴾

الرعد: 4

– الغذاء

هو موادٌّ تؤخذ عن طريق الفم ؛ للإبقاء على الحياة والنمو، حيث تمد الجسم بالطاقة، وتبني الأنسجة، وتعوض التالف منها .

– الشراب

الشراب هو كل مائع يشرب؛ سواء كان ماءً أو غير الماء.

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ ﴾

النحل: 10

4 – الله تعالى هو

 المطعم لخلقه

لقد خلق الله عز وجل الخلق، وتكفّل سبحانه برزقهم والعناية بهم؛ فهو وحده سبحانه يطعمهم ويسقيهم، وهو سبحانه يرزقهم ويهديهم

قال الله تعالى:

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ﴾

الروم: 40

أولًا – تنزيه الله تعالى عن الحاجة للطعام

إنّ الله عز وجل ليس محتاجًا من عباده أن يطعموه، أو أن يرزقوه، سبحانه وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا، وليس محتاجًا من عباده أن يرزقوا خلقه؛ بل ليس محتاجًا إليهم ليرزقوا أنفسهم؛ فهو سبحانه قد تكفّل برزقهم ومعاشهم، وبرزق الخلق أجمعين .

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُۗ ﴾

الأنعام: ١٤

﴿ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ .إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾

الذاريات :57-58

فلا ينبغي للعبد أن يتّخذ وليًّا إلا الله وحده لا شريك له؛ فإنّه فاطر السموات والأرض؛ خلقهما وأبدعهما على غير مثال سبق، وهو من يطعم الخلق ويرزقهم، وهو الرزاق المتفضّل على الخلق أجمعين، وهو سبحانه منزّه عن الطعام والشراب؛ فلا يحتاج لطعام ولا لشراب، ولا يحتاج لأحدٍ من خلقه، ومن كانت هذه صفاته فهو الإله الحقّ، الذي لا إله غيره، ولا معبود بحقٍ سواه.

ثانيًا – الطعام نعمة إلهية تستوجب الشكر

لا شكّ بأنّ إطعام الله عز وجل لخلقه ولعباده نعمة عظيمة منه سبحانه عليهم، ولولا إطعام الله عز وجل للخلق ورزقه لهم لفنيت حياتهم، وانعدم وجودهم؛ فحياة الخلق أجمعين إنّما هي من الحيّ القيوم، ومعاشهم وقوام أمرهم إنما هو بإطعام الله عز وجل ورزقه لهم. وقدر الله عز وجل في الأرض أقواتها، للناس والبهائم  في أربعة أيام لا تزيد ولا تنقص .

قال الله تعالى:

﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ﴾

فصلت : 10

والعبد الشاكر لربّه عز وجل يستشعر دائمًا نعم الله عز وجل عليه، ويقابل تلك النعم بالشكر والثناء على المنعم سبحانه

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾

الأعراف :10

﴿ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾

البقرة: 172

فمن الواجب على العباد الذين يتمتعون بنعمة إطعام الله عز وجل لهم أن يقابلوا تلك النعم بالشكر الجميل والثناء الحسن على المنعم المتفضل على خلقه وعباده، ولا ينبغي أن يشركوا به سواه؛ فإنّ غاية الظلم أن يشرك العبد بربّه، وأن يعبد معه سواه .

ثالثًا – التحليل والتحريم لا ينبغي إلا لله عز وجل

إنّ من عقيدة أهل الإيمان أنّهم يؤمنون بأنّ التحليل والتحريم حقٌّ خالصٌ لله عز وجل، فهو سبحانه خالق الخلق، ربّ العالمين، يعلم ما يصلح عباده، وهو أحكم الحاكمين

قال الله تعالى:

﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾

الأعراف: ٥٤

ولقد أنكر الله عز وجل على عباده أن يتخذوا مشرّعًا غيره سبحانه

قال الله تعالى:

﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ﴾

الشورى: ٢١

وأنكر عز وجل على من يحلّلون ويحرّمون بأهوائهم

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ﴾

يونس: ٥٩

وقال جل ذكره ناهيًا عباده عن التحليل والتحريم من غير علم من الله عز وجل، ومبينًا جزاء من فعل ذلك الذنب العظيم:

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ﴾

النحل: ١١٦

وعلى هذا فلا ينبغي للعباد أن يحللوا أو يحرموا إلا بما جاء في شرع الله عز وجل، فالحلال ما أحله الله عز وجل، والحرام ما حرّمه الله تعالى، وليس لأحد في هذا الأمر من شيء .

5- الرسل بشر يأكلون الطعام

إنّ الله عز وجل قد أرسل الرسل والأنبياء لهداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، يدعونهم إلى عبادة ربّهم، مبشرين ومنذرين

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

الأنبياء: ٢٥

﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾

النساء: ١٦٥

وكان من حكمة الله عز وجل ورحمته بعباده أن اصطفى هؤلاء الرسل والأنبياء من بين البشر، ولم يجعلهم من الملائكة أو خلقًا آخر؛ وذلك لأنّ الرّسول إذا كان من جنس من أرسل إليهم كان أقدر على حمل الرسالة، وأعلم بحال المرسل إليهم .

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ ﴾

النحل: ٤٣

وكانوا جميعًا يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، ويسعون في قضاء حوائجهم كغيرهم من البشر

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ  ﴾

الفرقان: ٢٠

وهذا كلّه لا ينقص من قدرهم، ولا يقلل من شأنهم، ولا يخدش رسالتهم التي بعثهم الله عز وجل بها؛ إذ الرّسل والأنبياء بشر كسائر البشر، إلا أنّ الله عز وجل قد اصطفاهم بإنزال وحيه عليهم، وبتكليفهم بحمل رسالته، وتبليغ دعوته.

ولقد أنكر الله عز وجل على الكافرين المعاندين حينما عجبوا من كون الرسول المرسل إليهم بشر مثلهم، وأنكروا أن يرسل الله عز وجل إليهم بشرٌ يأكل الطعام كما يأكلون، ويمشي في الأسواق للبيع والشراء وابتغاء المعاش كما يمشون

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ﴾

الفرقان: ٧

ولقد ردّ الله عز وجل على تلك الشبهة الباطلة، وكذّب من قال بها، وبيّن سبحانه أنّ الرسل يأكلون، ويمشون في الأسواق، ويتزوجون، ويولد لهم، وأنّهم من جملة البشر؛ إلا أنّه فضلهم بوحيه ورسالته .

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ﴾

الفرقان: ٢٠

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ﴾

الرعد: ٣٨

فلو كان في الأرض ملائكة يسكنوها مطمئنين لكان الرسول إليهم من الملائكة؛ ليقع الإفهام، وأمّا البشر فلو بعث إليهم ملكٌ لنفرت طبائعهم من رؤيته، ولم تحتمله أبصارهم، ولا تجلدت له قلوبهم .

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا ﴾

الإسراء: ٩٥

وبهذا فإنّ أكل الرسل عليهم السّلام للطعام ليس نقصًا فيهم ولا عيبًا؛ بل هذه طبيعتهم كغيرهم من البشر، ولا يعتبر أكلهم للطعام متناقضًا مع كونهم رسلٌ من الله عز وجل.

6 – أنواع الأطعمة

       في

  القرآن الكريم

لقد ذكر الله عز وجل في كتابه العزيز أصنافًا عديدةً من الأطعمة؛ حيث ذكر سبحانه أصنافًا من الفاكهة؛ كالأعناب، والرمان، والنخيل، والتين، والثمرات، وذكر سبحانه الحبّ، والزيتون، والأبّ، والعسل، واللّبن، وأصنافًا من اللحوم، كلحوم الطير، والأنعام، ولحوم ما أخرج من البحر، وغير ذلك من الأطعمة. ومن تأمل فيما ذكر من الأطعمة في كتاب الله عز وجل يجد أنّ الله عز وجل قد ذكر تلك الأطعمة على سبيل الأتي

أ – تعداد نعمه سبحانه على عباده

ودعوتهم إلى التفكر والـتأمل

قال الله تعالى:

﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾

الرعد: ٤

ب – على سبيل التشريع

لبيان ما أباح سبحانه لعباده، وما حرّم عليهم من الأطعمة

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

الأنعام: ١٤٥

ت – على سبيل بيان طعام أهل الجنّة

قال الله تعالى:

﴿ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ . لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ﴾

الواقعة: 32 – ٣٣

وهنا نقف على أنواع الأطعمة في القرآن الكريم من حيث الحلّ والحرمة، والتعرف على شيء من حكمة الباري سبحانه في التحليل والتحريم.

أولًا – الأطعمة المباحة

إنّ من رحمة الله عز وجل بعباده، وعظيم فضله عليهم أن خلق لهم أصنافًا متنوعةً من الأطعمة والأغذية والأشربة؛ وأن جعل عامّة ما خلق لعباده من الطعام حلالًا طيبًا، وأمر سبحانه عباده أن يأكلوا منه، ويشكروا ربّهم عليه.

قال الله تعالى:

﴿ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾

البقرة: ١٧٢

﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ﴾

المائدة: ٤

﴿ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا ﴾

المائدة: ٨٨

﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ﴾

المؤمنون: ٥١

والطيبات يراد بها  كلّ ما أحلّ الله عز وجل لعباده من الطعام والشراب، فطاب بتحليل الله عز وجل له، والطيبات أيضًا هي ما يستطاب ويستلذ من مباحات المأكل والفواكه.

ولما أحلّ الله عز وجل لعباده الطيبات؛ فإنّه سبحانه نهاهم أن يحرّموا على أنفسهم شيئًا من تلك الطيبات التي أحلّها لهم .

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ﴾

المائدة: ٨٧

فليس لأحد من المسلمين أن يتعدّ حدود الله عز وجل، بتحريم شيء على نفسه مما أحل الله لعباده المؤمنين من الطيبات .

ثانيًا:الأطعمة المحرّمة

لقد حرّم الله عز وجل بعض الأطعمة وبعض الأشربة على عباده، ولا شكّ أنّ لهذا التحريم حكمًا عظيمةً أرادها الله عز وجل؛ قد يظهر للعباد بعضها، ويخفى عليهم بعضها الآخر، فإنّه سبحانه يشرع لعباده ما يصلحهم، وهو سبحانه أعلم بما ينفعهم

قال الله تعالى:

﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾

الملك: ١٤

وقد بيّن الله عز وجل المحرمات من الأطعمة

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

الأنعام: ١٤٥

وبين تفصيل تلك المحرمات في الآية التالية

قال الله تعالى:

﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ﴾

المائدة: ٣

ونلاحظ في الأطعمة المحرّمة أنّها إمّا محرمة لذاتها؛ كلحم الخنزير، والدم المسفوح، وكل ذي ناب من السباع وغيرها، وهذه المحرمات مستقذرة في ذاتها، وإمّا أن تكون تلك الأطعمة في الأصل حلالًا، ثم عرض عليها ما جعلها محرّمة؛ كالميتة، والمنخنقة، والموقوذة..، فهذه المحرمات إنّما حرّمت لما طرأ عليها من الموت دون تذكية شرعية.

ثالثًا: حكمة التحليل والتحريم

إنّ ممّا لا شك فيه أنّ تحليل الله عز وجل لكثيرٍ من الأطعمة، وتحريمه لبعضها ينطوي على كثيرٍ من الحكم التي أرادها الله عز وجل؛ وقد يظهر للعباد بعض هذه الحكم، ويخفى عليهم بعضها، وإنّ الله عز وجل يتصرّف في ملكه كيف شاء، ويشرع لعباده ما يريد .

قال الله تعالى:

﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾

الأنبياء: ٢٣

ولا ينبغي للعبد أن يقول: لم أحلّ الله هذا الطعام وحرّم ذاك؟ بل الواجب على العبد أن يسلم لأمر الله عز وجل وهو مطمئن البال، واثق بربّه العليم الحكيم سبحانه وتعالى، وبعد ذلك إن ظهر له شيء من حكم التحليل والتحريم فحسن، وإن لم يظهر له فإنّه لا يعترض على أمر الله عز وجل؛ بل يسلّم ويطيع.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾

الأحزاب: ٣٦

7- الإطعام

    في

القرآن الكريم

إنّ الحديث عن الإطعام ممّا لا ينبغي أن يغفل عنه ؛ فلقد ذكر الإطعام في القرآن الكريم مرارًا، وبيّن الله عز وجل قيمة الإطعام وأهميته، وبيّن فضل المطعمين، وأنواع الإطعام ، وفي ذلك تنبيه على أهمية الإطعام في دين الله عز وجل. لقد أخبر القرآن الكريم بأنّ إطعام الطعام للمساكين والفقراء والأسرى المحتاجين ، هو من ..

أ – خصال عباد الله المخلصين

قال الله تعالى:

﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾

الإنسان: 8- ٩

وقد جعله الله سبحانه من الأمور التي بها يجوز العبد العقبة الكبرى

ب – أسباب النجاة يوم القيامة ، وموصل للفلاح

قال الله تعالى:

﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ . فَكُّ رَقَبَةٍ . أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ . يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ . أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ﴾

البلد: ١١ – ١6

ت – أسباب عدم  الوقوع في العذاب يوم القيامة

قال الله تعالى:

﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ . قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ . وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ﴾

المدثر: ٤٢ – ٤٤

– سببًا لذمّ الله لهم

فقد قرن الله عز وجل عدم الحضّ على طعام المسكين مع الكفر بالله، والتكذيب بالدين.

قال الله تعالى:

﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ . فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ . وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾

الماعون: ١ – ٣

وفي النقاط الآتية بيان لأصناف المطعمين، وأنواع الإطعام وشروطه.

أولًا – أصناف المُطْعَمين

لقد بيّن الله عز وجل أنّ في المجتمع أصنافًا من الناس يستحقون الإطعام، ويقدمون على غيرهم في ذلك؛ لأنّهم أشدّ حاجة للطعام، بسبب ما ابتلاهم الله عز وجل من فقرٍ أو يتمٍ أو حاجةٍ، ومعلومٌ أنّ العمل الصالح يكون أعظم إذا ما كان نفعه أكبر. ومن تتبع آيات الكتاب العزيز يجد أنّ الله عز وجل وجّه المطعمين إلى توجيه إطعامهم إلى الأصناف الآتيةٍ من الناس:

1- المساكين

وهم أكثر من أمر الله عز وجل بإطعامهم في القرآن الكريم، وأغلب الآيات التي ذكرت الإطعام إنّما جعلته للمساكين، والمساكين جمع مسكين، والمسكين هو الذي لا شيء له .

وقد أخبر الله عز وجل أنّ في إطعام هؤلاء المساكين منفعة كبيرة للعبد يوم القيامة؛ إذ بهذا العمل الصالح تقتحم العقبة، وتنال الجنة

قال الله تعالى:

﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ . فَكُّ رَقَبَةٍ . أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ . يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ . أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ﴾

البلد: ١١ – ١٦

وقد جعل الله عز وجل للمساكين حظًّا وافرًا من الإطعام، إذ إنّ كثيرًا من الكفارات إنّما هي طعامٌ يصرف للمساكين

– كفارة اليمين

بإطعام عشرة مساكين

قال الله تعالى:

﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ﴾

المائدة: ٨٩

– كفارة من ظاهر زوجته

عليه إطعام ستين مسكينًا

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ . فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ﴾

المجادلة: ٣- ٤

– فدية الإفطار في رمضان

قال الله تعالى:

﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ  وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾

البقرة: ١٨٤

– كفارة قتل صيد البر

وهو محرم فعليه كفارة طعام مساكين

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ ﴾

المائدة: ٩٥

2- اليتامى

ولا يخفى حال اليتيم من ضعف وعوز، وفقدان للمعيل؛ فكانت الوصية باليتامى عظيمة في كتاب الله عز وجل، ومن الوصية بهم أنّ الله عز وجل حثّ على إطعامهم ورعايتهم؛ بل وجعل ذلك من عظيم القربات، وأجلّ الطاعات .

قال الله تعالى:

﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ . فَكُّ رَقَبَةٍ . أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ . يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ﴾

البلد: ١١ – ١5

3- الأسرى

ولقد ذكر الله عز وجل إطعامهم رفقًا بحالهم، فالأسير محبوس، ممنوع من أهله وماله، وهو في ضعف وحاجة، فكان في إطعامه الفضل والطاعة،

قال الله تعالى:

﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾

الإنسان : ٨

4- البائس الفقير

لقد أمر الله عز وجل بإطعام هذا الصّنف من الناس ،وذلك من ما  يذبح أو ينحر تقربًا إلى الله عز وجل من الهدي والأضاحي .

قال الله تعالى:

﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾

الحج: ٢٧- ٢٨

والمراد بالبائس الفقير في الآية: من كان شديد الفقر، عظيم الحاجة، وقد وصفه الله بالفقير بعد وصفه بالبائس لمزيد إيضاح وبيان.

5- القانع والمعتر

وقد أمر الله عز وجل بإطعامهم من البدن التي تذبح هديًا أو أضحية

قال الله تعالى:

﴿ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ﴾

الحج: ٣٦

أنّ القانع هو الذي يسأل الناس، والمعتر هو الذي لا يسأل.

ثانيًا – شروط الإطعام

إنّ الإطعام عبادة لله عز وجل، يتقرب بها العبد لربّه سبحانه وتعالى، ومن المعلوم أنّ لأيّ عبادة من العبادات التي ينال بها رضا الله عز وجل شرطين:

1- الإخلاص لله عز وجل

وقد بيّن الله عز وجل أنّ الإطعام الذي ينال صاحبه الأجر والمثوبة هو ما كان خالصًا لوجهه الكريم، ولم يكن فيه شرك أو رياء، فلقد مدح الله عز وجل من يطعمون المساكين واليتامى ابتغاء وجه الله عز وجل، لا يطعمونهم طلبًا للشكر والثناء من الناس .

قال الله تعالى:

﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾

الإنسان: ٨-٩

2- الأ يمان بالله واليوم الآخر

بين الله تعالى أنّ العمل الصالح لا ينفع العبد إذا لم يكن معها إيمان بالله عز وجل.

قال الله تعالى:

﴿ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ . يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ . أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ . ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ . أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ﴾

البلد: ١4- ١٨

ومعلوم أنّ العمل الصالح لا بدّ أن يكون مقرونًا بالإيمان؛ إذ العمل الصالح من غير المؤمن لا ينفع، ولا يقبل الله عز وجل من الكافرين عملًا صالحًا .

ثالثًا – أنواع الإطعام

لقد ذكر القرآن الكريم أصنافًا من الإطعام، فذكر الإطعام المطلق للفقراء والمساكين والأسرى، وذكر الإطعام من الهدي والأضاحي، وذكر الإطعام في الفدية والكفارات، وذكر الإطعام ضيافة، وفيما يأتي بيان أنواع الإطعام في القرآن الكريم .

1- الإطعام المطلق

والمراد بذلك الإطعام في أيّ وقت، ولأيّ صنف من أصناف الناس ؛ ولا شكّ أنّ هذا الإطعام المطلق مراتب ودرجات؛ فكلّما كانت حاجة المطعم للطعام أشدّ، كان ذلك الإطعام أفضل وأجلّ، وقد مدح الله المطعمين في وقت الجوع والمسغبة

قال الله تعالى:

﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾

الإنسان: ٨-٩

فمعنى على حبّه: أي في حال محبتهم لهذا الطعام وشهوتهم له.

وهذا النوع من الإطعام – الإطعام المطلق- قد ذمّ الله عز وجل الممتنعين عنه، وأخبر سبحانه أنّ الامتناع عنه سبب من أسباب الوقوع في العذاب يوم القيامة .

قال الله تعالى:

﴿ عَنِ الْمُجْرِمِينَ . مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ . قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ . وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ﴾

المدثر: ٤١ – ٤٤

وذمّ الله عز وجل من لا يحضّ على هذا الإطعام

قال الله تعالى:

﴿ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ . كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ . وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾

الفجر: ١٧ – ١٨

2- الإطعام في الكفارات

وهو إطعام واجب على من وجب عليه ذلك، كمن حنث في يمينه ولم يشأ أن يعتق رقبة، أو أن يكسو عشرة مساكين، فهذا يجب عليه أن يطعم عشرة مساكين إلا أن يكون عاجزًا عن ذلك فعليه صيام ثلاثة أيام.

قال الله تعالى:

﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

المائدة: ٨٩

3- الإطعام في الفدية

وقد جعل الله عز وجل هذا النوع من الإطعام واجبًا أيضًا، فمن أفطر في رمضان لكبر سنٍّ أو مرض لا يرجى برؤه، وجب عليه إخراج الفدية؛ طعام مسكين عن كلّ يوم أفطره.

قال الله تعالى:

﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

البقرة: ١٨٤

4- الإطعام ضيافة

فإنّ من شعائر الإسلام إكرام الضيف، ومن أهم صور الإكرام تقديم الطعام والشراب، وقد أخبر الله عز وجل عن كرم ضيافة إبراهيم عليه السلام لضيفه.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ . فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ ﴾

هود: ٦٩- ٧٠

لقد ظنّ إبراهيم عليه السلام أنّ رسل الله عز وجل من الملائكة الكرام ضيفان من البشر، فما كان منه إلا الإسراع في إكرامهم، والتعجل في إعداد الطعام لهم، وقد ذكر الله عز وجل ذلك في كتابه مدحًا لإبراهيم الخليل عليه السلام، وبيانًا لمناقبه وفضله، وحثًّا للعباد على التأسي به، والسير على خلقه.

بيّن القرآن الكريم فضيلة إطعام الطعام، وأنّ تلك الفضيلة يشترط لها الإخلاص لله عز وجل، وأن تكون مقرونة بالإيمان -كغيرها من الأعمال الصالحة-، وبيّن القرآن أصناف المطعمين، وأكّد على حقّ المساكين واليتامى، وبيّن أنّ الإطعام له أنواع وصور متعددة، وكلّما كان الطعام المقدم محتاجًا إليه، كان جزاؤه أعظم.

8 – طعام الآخرة

إنّ المتتبع لآيات القرآن الكريم التي تحدّثت عن الطعام يجد أنّ كثيرًا من هذه الآيات قد تحدّثت عن طعام الآخرة؛ حيث يخبر الله عز وجل في آيات عدّة من كتابه العزيز عن طعام أهل الجنة، ويصف لعباده ما أعدّ للمتقين منهم من طعام ناعم، وأكلٍ دائم، ويخبر سبحانه عن طعام أهل النار، ويصف لعباده ما أعدّ للمجرمين من طعام أثيم، وشراب من حميم.

أولًا- طعام أهل الجنة

لقد أخبر الله عز وجل في مواضع كثيرة من كتابه العزيز عمّا أعدّ لعباده المتقين من نعيم مقيم في الجنّة، فأخبر سبحانه عن طعامهم وشرابهم، وأخبر عن مساكنهم وبيوتهم، وأخبر عن أزواجهم وخدمهم، وأخبر عن لباسهم وحليّهم، وأخبر حتى عن كؤوسهم وصحافهم، وفي هذا كلّه ترغيب للعباد في جنّة الرحمن، وتشويق لهم للدار الآخرة، وتحفيز لهم على الجد والاجتهاد في الطاعة والعبادة لنيل ذلك الجزاء العظيم، والفوز بذلك الفوز الكبير.

فمن إخبار الله عز وجل عن طعام الجنّة أنّه سبحانه ذكر دوام ذلك الطعام، وأنّه لا ينقطع، ولا يمنع؛ بل هو يسير المنال، قريبٌ ممن اشتهاه.

قال الله تعالى:

﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا ﴾

الرعد: ٣٥

ومعنى دوام طعام أهل الجنة في هذه الآية: أنّه لا ينقطع أبدًا، ولا تنقطع لذته؛ فلا تزيد بجوع، ولا تملّ من شبع.

  • وعن فاكهة الجنة

قال الله تعالى:

﴿ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ . لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ﴾

الواقعة: ٣٢- ٣٣

فثمار الجنة وفاكهتها دائمة؛ لا تنقطع في حين دون حين أو إذا جنيت ولا تمنع من أحد إذا أريدت ؛ إنّما هي مطلقة لمن أرادها، قريبة لمن اشتهاها

ولقد أخبر الله عز وجل عن ثمار الجنّة أنّ قطوفها دانية مذللة لأهلها في كل وقت ومكان .

قال الله تعالى:

﴿ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ . قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ﴾

الحاقة: ٢٢- ٢٣

إنّها ثمار في رؤوس أشجارها؛ ولكنها مذللة لأصحابها؛ يقطفونها يانعة ناضجة متى اشتهوها.

قال الله تعالى:

﴿ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا ﴾

الإنسان: ١٤

لقد أخبر الله عز وجل أنّ لأهل الجنّة فيها ما تشتهيه الأنفس من المآكل والمشارب، وأصناف الأطعمة والفواكه.

قال الله تعالى:

﴿ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ . وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ﴾

الواقعة: ٢٠- ٢١

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ . وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ . كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

المرسلات: ٤١ – ٤٣

﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

الزخرف: ٧١

وقد أباح الله عز وجل لأهل الجنّة أن يتناولوا من خيراتها وألوان طعامها وشرابها ما يشتهون

قال الله تعالى:

﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾

الحاقة: ٢٤

لقد أخبر الله عز وجل أنّ ثمار الجنّة كثيرة عظيمة

قال الله تعالى:

﴿ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾

الزخرف: ٧٢- ٧٣

ومن كثرة ثمار الجنة يظنّ أهلها -كلما رزقوا منها رزقًا- أنّهم قد رأوها من قبل، فإذا هي أنواعٌ جديدةٌ متشابهةٌ في شكلها ولونها، مختلفةٌ في طعمها وريحها.

قال الله تعالى:

﴿ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ﴾

البقرة: ٢٥

وعلى كثرة ثمار الجنة وفاكهتها إلا أنّها لا تشبه ما في الدنيا من ثمار، وليس بين ثمار الجنّة وثمار الدنيا من الشبه إلا في الاسم، أمّا الحقيقة والطعم والرائحة فثمار الجنة تعظم ثمار الدنيا بما لا يعلمه إلا الله عز وجل.

ومن خصائص ثمار الجنة أنّ لكلّ فاكهةٍ منها نوعين

قال الله تعالى:

﴿ فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ ﴾

الرحمن: ٥٢

وذلك من جميع أصناف الفواكه، كلّ صنف له لذة ولون ليس للنوع الآخر،

و أهل الجنة فيتنعمون بأنواع المآكل والمشارب وهم آمنون من كل هذا التنغيص.

قال الله تعالى:

﴿ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ ﴾

الدخان: ٥٥

فهم آمنون من فقدها وقلتها، وآمنون من ضررها وعاقبتها، وآمنون من حبس نفوسهم عنها لعلة من العلل؛ فالجنة ليس فيها مرض ولا قلة، ولا فقر ولا ضرر على أهلها مما يأكلون ويشربون.

إنّ كلّ هذا النعيم من الطعام والشراب جعله الله عز وجل لأهل الجنة؛ يتنعمون به، ويتلذذون به، وليس طعامهم هذا وشرابه عن شعور بالجوع أو العطش؛ بل هو نعيم وسرور ما بعده سرور .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ . وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ ﴾

طه: ١١٨ – ١١٩

وحكمة ذلك أنّ الله تعالى عرفهم في الجنة بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا، وزادهم على ذلك ما لا يعلمه إلا الله عز وجل .

ثانيًا- طعام أهل النار

وكما أخبر الله سبحانه عن نعيم الجنّة وطعامها؛ فإنّه سبحانه قد أخبر عن عذاب النار وأهوالها، وبيّن سبحانه ما فيها من سموم وحميم، وطعام الأثيم، وخزي وعذاب أليم؛ ليكون العباد على بيّنة، وليجنّب العقّال منهم أنفسهم عن ذلك العذاب قبل أن يأتي وقت لا ينفع فيه الندم.

فأمّا طعام أهل النار فقد أخبر الله عز وجل بأنّه ليس لهم طعام إلا

أ – الضريع

هو من نبت ذي شوك لاصق بالأرض، وهو مِن شر الطعام وأخبثه

قال الله تعالى:

﴿ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ ﴾

الغاشية: ٦

وقد وصف الله عز وجل طعام الضريع الذي أعدّه سبحانه لأهل النار

قال الله تعالى:

﴿ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ﴾

الغاشية: ٧

وذلك لبيان أنّ ذلك الطعام كلّه ضرر، لا نفع فيه أبدًا

ب – الغسلين

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ ﴾

الحاقة: ٣6

وليس له طعام إلا مِن صديد أهل النار .

أنّ المعنى في الآيتين أنّهم لا طعام لهم أصلًا؛ لأنّ الضريع لا يصدق عليه اسم الطعام، ولا تأكله البهائم -فضلًا عن الآدميين-، وكذلك الغسلين ليس من الطعام في شيء؛ فمن طعامه الضريع لا طعام له، ومن طعامه الغسلين كذلك، ويكون التعبير بهذا الأسلوب من باب المبالغة. ومنه قولهم: فلان لا ظل له إلا الشمس، ومرادهم. لا ظل له أصلًا.

ت – شجرة الزقوم

وقد أخبر الله عز وجل عنها في غير موضع من كتابه العزيز، من ذلك

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ . طَعَامُ الْأَثِيمِ . كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ . كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ﴾

الدخان: ٤٣ – ٤٦

إنّها لشجرة شنيعة المنظر، فظيعة المظهر، مرّة المذاق، وهي شجرة خلقها الله في نار جهنم، وسمّاها الشجرة الملعونة، فإذا جاع أهل النار التجؤوا إليها فأكلوا منها، فغلت في بطونهم كما يغلي المهل، وهو النحاس المذاب وكل طعامٍ يأكله أهل النار يجمع عليهم مرارة الطعام وغصته .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا . وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا ﴾

المزمل: ١٢- ١٣

والغصة هي التي يعلق بها الطعام في الحلق؛ فلا يسهل عليه دخوله إلى الجوف، ولا يسهل خروجه عنه للتخلص منه، وفي هذا غاية الألم وغاية العذاب.

والخلاصة أنّه لا طعام لأهل النار إلا الضريع والغسلين والزقوم، وكلّ ذلك ما هو إلا عذاب فوق العذاب، ليس فيه من خصال الطعام الطيّب شيء؛ فيا قبح طعم ما يأكلون! ويا بشاعة ما يطعمون؛ لا تستسيغه أذواقهم، ولا تقبله ألسنتهم، ومن شدّة ما هم فيه من آلام الجوع ومرارة الطعم يتمنّون الموت فلا يموتون، بل يزدادون عذابًا فوق عذابهم .

قال الله تعالى:

﴿ مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ . يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾

إبراهيم: ١٦- ١٧

نعوذ بالله العظيم من النار وما فيها من طعام ذي غصة وعذاب أليم.

وبعد الحديث عن طعام أهل الجنّة وطعام أهل النّار فإنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ إخبار الله عز وجل عن ذلك في سياق الحديث عن نعيم الجنّة وعذاب النّار فيه أعظم النفع للعباد؛ إذ فيه الترغيب العظيم في نعيم الجنّة، والتنفير الشديد من عذاب النّار، وإذا ما علم العبد ما أعدّ الله سبحانه لعباده الطائعين من النعيم، وعلم ما أعدّ الله عز وجل للعصاة من العذاب الأليم فإنّه سيسعى سعيًا حثيثًا للفوز بذلك النعيم، وللنجاة من ذلك العذاب الأليم.

9- الطعام وعبادة التفكر

إنّ التفكر في خلق الله عز وجل، وفي آياته وآلائه عبادة قلبية عظيمة؛ يزيد بها الإيمان، وتطمئن بها النفس، ويستنير بها القلب، ولقد حثّ الله عز وجل عباده بأن ينظروا في آياته، ويتفكروا في خلقه، وذلك في مواضع عديدة من الكتاب العزيز .

قال الله تعالى:

﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

يونس: ١٠١

﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ . وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ . تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ﴾

ق: ٦ – ٨

ولقد مدح الله عز وجل عباده الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

آل عمران: ١٩٠- ١٩١

وختمت آيات عديدة من كتاب الله عز وجل بقول الله تعالى

قال الله تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَار إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

الرعد: ٣

وقد ذم الله عز وجل من لا يعتبر بمخلوقاته وآياته الدالّة على ربوبيته وألوهيته .

قال الله تعالى:

﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾

يوسف: ١٠٥

وآيات الله عز وجل مبثوثة في مخلوقاته؛ في أرضه وسمائه؛ فالكون كلّه كتاب مفتوح، جعله الله تبارك وتعالى دليلًا قاطعًا، وبرهانًا ساطعًا على وحدانيته وعظمته، يقف العاقل فيه على صنع الله .

قال الله تعالى:

﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾

النمل: ٨٨

منبهًا عباده إلى بعض آياته وعظيم مخلوقاته

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾

البقرة: ١٦٤

وإنّ في الطعام الذي خلقه الله عز وجل، وجعله غذاءً نافعًا للإنسان لآياتٍ باهراتٍ تدلّ على عظمة الخالق سبحانه، وبديع صنعه، وعظيم فضله على عباده، والعبد المؤمن كلّما أكل طعامًا أذهب جوعه، وأقام صلبه، وأمدّه بالقوة والنشاط زاد شعوره بعظيم نعم الله عز وجل عليه، وكلّما تأمّل في أصناف الأطعمة، وألوان الطيبات التي أحلّها الله عز وجل لعباده زاد يقينه بالله، وزادت معرفته لربّه، وازدادت خشيته ومهابته للخالق بديع السماوات والأرض.

ولقد أمر الله عز وجل الإنسان أمرًا صريحًا بأن يتفكر ويتأمل في طعامه؛ ليصل بهذا التفكر إلى الإيمان الراسخ بعظمة الخالق وألوهيته

قال الله تعالى:

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ . أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا . ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا. فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا . وَعِنَبًا وَقَضْبًا . وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا . وَحَدَائِقَ غُلْبًا . وَفَاكِهَةً وَأَبًّا . مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾

عبس: ٢٤ – ٣٢

فليتأمل الإنسان أولًا في الماء النازل من السماء، من الذي خلقه وأنزله؟ وهل يقدر أحدٌ غير الله أن ينزله إلى الأرض على هذا الوجه الذي يحصل به النفع؛ رشًّا صغيرًا رقيقًا حتى تروى به تدريجًا، من غير أن يحصل به هدم ولا غرق، وهل يقدر أحدٌ غير الله أن يشق الأرض، ويخرج منها النبات؟ وهل يقدر أحدٌ غير الله أن يخرج السنابل والثمار من ذلك النبات؟ وهل يقدر أحد غير الله أن ينمي حبّه وينقله من طور إلى طور حتى ينضج ويكون صالحًا للغذاء والقوت؟ ومن يقدر على إنبات الثمار والعنب والزيتون والنخيل؟ ومن خلق الحدائق وجعل فيها أصناف الفواكه؟ لا يقدر على شيء من ذلك إلا الله، الواحد الأحد .

قال الله تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾

الأنعام: ٩٩

ولينظر الإنسان إلى الحبّة إذا وضعت في الأرض؛ ينشق أعلاها وأسفلها؛ فيخرج من أعلاها النبتة الصاعدة، ويخرج من أسفلها الجذور الضاربة في الأرض، والحبّة واحدة، والتربة واحدة، والماء واحد.

فمن الذي سيّرها؟ ومن الذي يرعاها ؟

ومن الذي جعل منها غذاءً للإنسان والدّواب ؟

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّىٰ . كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَىٰ ﴾

طه: ٥٣- ٥٤

ومن عجيب آيات الله عز وجل في خلق الطعام والغذاء أنّه سبحانه يخرج من التربة الواحدة، والتي تسقى بماء واحد، يخرج منها سبحانه أصناف الثمار، وألوان الطعام، فلينظر الإنسان وليتأمل فيما يخرج من قطع الأرض المتجاورة، ليرى زروعًا مختلفةً، وزهورًا يانعةً، وفاكهةً كثيرةً متنوعةً، وثمارًا عديدة، ولكلّ صنف منها طعمٌ مختلفٌ، ولونٌ متباينٌ، وحجمٌ متفاوتٌ، ولكلّ صنف منها خصائصه ومنافعه وفوائده، فسبحان من أبدعها، وسبحان من يرعاها.

قال الله تعالى:

﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾

الرعد: ٤

إنّ من تأمّل في تلك الآيات، وتفكّر في تلك الجنات وتنوع ثمارها وأكلها علم بأنّ لها صانعًا حكيمًا، قادرًا مدبرًا، لا يعجزه شيء، ولا تخفى عليه خافيه، له سبحانه آياتٌ بيناتٌ في خلقه تدلّ على ربوبيته وقدرته، وتشهد بوحدانيته.

ومن آيات القرآن الكريم التي تدعو العباد للتفكر فيما خلق الله عز وجل لهم من خيرات وطيبات

قال الله تعالى:

﴿ وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ . وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ . وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾

النحل: ٦٥ – ٦٧

إنّها آياتٌ عظيمةٌ من آيات الله عز وجل؛ يخرج سبحانه اللبن الخالص، ناصع البياض، طيّب الرائحة من بين الفرث والدم؛ فليس عليه لون الدم، ولا رائحة الفرث؛ بل هو خالصٌ من الكدر، سائغٌ للشاربين، يروى من العطش، ويشبع من الجوع، ويشهد بعظمة الخالق سبحانه .

إنّ الطعام الذي يأكله الإنسان مليء بالآيات والعبر؛ فلو تأمل الإنسان في تنوع الأطعمة واختلافها لوجد منها الرطب ومنها اليابس، ومنها الحلو ومنها المالح، ومنها ما ينبت صيفًا ومنها ما ينبت شتاءً، ومنها الكبير ومنها الصغير، ومنها اللين ومنها القاسي، ومنها ما يؤكل نيًا ومنها ما يحتاج للطبخ، ومنها ما يؤكل للغذاء ومنها ما يؤكل للتفكه، ومنها ما يناسب الإنسان في الصيف فينبته الله عز وجل صيفًا، ومنها ما يحتاجه الإنسان في الشتاء فينبته الله عز وجل شتاءً، فسبحان الخالق ما أعظمه، وما أعظم منّه وفضله على عباده، ولا يسع المؤمن حين يتأمل في تلك الآيات البيّنات إلا أن يقول كما قال ربّ العالمين

قال الله تعالى:

﴿ هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

لقمان: ١١

 

Share This