1- مفهوم الصُّحبةُ

فالصُّحبةُ هي التقاءٌ في زمانٍ واحدٍ وفي مكانٍ واحدٍ دون أن تعني بالضَّرورة التَّجانسَ والانسجام بين المُتصاحِبَيْن .

2- كلمة الصحبة

      في

القرآن الكريم

وردت كلمة (صحب) في القرآن الكريم (١٠٦) مرات. والصيغ التي وردت، هي:

– الفعل المضارع

وردت  مرتين

قال اللهُ تعالى :

﴿ قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ﴾

الكهف:٧٦

– فعل الأمر

وردت  مرة واحدة

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾

لقمان:١٥

– اسم الفاعل

وردت ١٠٣ مرة

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ ﴾

النساء:٣٦

وجاءت الصحبة في القرآن الكريم بمعناها اللغوي الدال على الملازمة.

3- الكلمات ذات الصلة

     بكلمة الصحبة

– الرفقة

هي الصحبة في السفر أو غيره .

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ﴾

النساء: 69

– الصداقة

الصداقة هي صدق المودة والنصيحة، ، وذلك يختص بالإنسان دون غيره ، فكل صديق صاحب، وليس كل صاحب صديقًا.

قال اللهُ تعالى :

﴿ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ . وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾

الشعراء: 100- 101

– الأخوة

الأخوة هي مشاركة الآخر في الولادة من الطرفين، أو من أحدهما أو من الرضاع. ويستعار في كل مشارك لغيره في القبيلة، أو في الدين، أو في صنعة، أو في معاملة أو في مودة، وفي غير ذلك من المناسبات .

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ ﴾

القصص: 34

– القرين

القرين  هو المقرون بآخر والمصاحب، والزوج، والقرين يكون في الخير والشر، وكل إنسان معه قرين، فقرينه من الملائكة يأمره بالخير ويحثه عليه، وقرينه من الشياطين يأمره بالشر ويحثه عليه .

قال اللهُ تعالى :

﴿ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَٰكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾

ق: 27

– العشرة

العِشرة هي المخالطة مع الصاحب أوالزوج

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾

الشعراء: 214

4- أنواع الصُّحبَةُ

      في

  القرآن الكريم

وَرَدَ أنواع من الصُّحبَةُ في القرآن الكريم في كثيرٍ من الآيات ، ومنها

أ – الصَّاحِبة في حق

اللهُ تعالى

الصَّاحبةُ مفهومٌ عامٌّ دالٌّ على الحياة المُشتَركة التي تربط بين المرأة والرَّجُل سواء أكانت تلك العلاقةُ بزواجٍ وفق الأُسس الشرعيَّة أو بغيرها . فكُلُّ زواجٍ هو صُحبَةٌ لكنَّ العكسَ غيرُ صحيح. وأنه تعالَتْ عظمة ربنا وجلاله ، ما اتخذ صَّاحبةُ ولا ولدًا.

قالُ اللهُ تعالى:

( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )

الأنعام: 101

( وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً )

الجِنّ: 3

وفي الآيتين السَّابقتين نجد لفظَ الصَّاحِبة لا “الزَّوجة” لأنَّ اللهَ تعالى ليسَ بَشَراً مثلَنا، فلو أرادَ وَلَداً لاتّخذَ صاحِبةً له اصطفاءً من خلقِه.

ب – الصَّاحِبة في حق البَشر

ويتكرَّرُ لّفظِ الصَّاحِبة في الآيتين التَّاليتين لكنَّه مرتبطٌ بالبَشر هذه المرَّة ، بما يعَني الزوجيَّةً .

قالُ اللهُ تعالى:

( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ )

عَبَسَ :  34 -36

( يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ )

المَعَارِج :  11 – 12

لم يُطلق القرآنُ الكريمُ وصفَ الزَّوجة على امرأةُ نوح أو امرأةُ لوطٍ لأنَّ الزوجيَّةً تقتضي التَّجانسَ التَّام بين الزَّوجين، بينما لا تقتضي الصُّحبةُ مثلَ ذلك التَّجانس لذلك قال القرآنُ عنهما: امرأة لوط وامرأة نوح . فكانتْ امرأةُ نوح صاحبةً له لكنَّها لم تنتفعْ بتلك الصُّحبة، وكانت امرأةُ لوطٍ كذلك صاحبةً له لكنَّها لم تنتفعْ بتلك الصُّحبة

قالُ اللهُ تعالى:

﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ  كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴾

التحريم: 10

ت – الصَّاحِبُ بالجَنبِ

تعني هذه العبارةُ الشَّخصَ القريبَ مِنَّا مُرافِقاً لنا سواءً أكان ذلك في عملٍ أو في سَفَرٍ أو في أيِّ مكانٍ آخر

قالُ اللهُ تعالى:

( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )

التَّوْبة: 40

( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ )

يُوسُف: 39

( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ )

يُوسُف: 41

( قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً )

الكَهْف: 76

( وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً )

الكَهْف: 34

( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً )

الكَهْف: 37

نلاحظُ من الآيتين الأخيرتين أنَّ الصُّحبةَ بين الرَّجُلين المذكورين لمْ تَنفِ حقيقةَ أنَّ أحدَهما كان مؤمِناً بالله بينما كَفَرَ الآخرُ بخالقه.

نستطيعُ القولَ إذاً أنَّ الصُّحبةَ بين كيانين لا تُفيدُ المدحَ أو الذمَّ لكنَّها كلمةٌ مُحايدةٌ، فقد يكونُ الصَّاحبُ جيِّداً وقد يكون خلافَ ذلك.

وتؤكِّدُ ذلك أيضاً الآيةُ التي تتحدَّث عن وجوب مُصاحَبَة الوالِدَين بالإحسان مع وجوبِ عدمِ طاعتهما فيما يُغضِبُ الله، أي أنَّ عدمَ التزامهما بذاتهما بطاعة الله ليس مُبرِّراً لترك صُحبتهما بالإحسان من الأولاد .

قالُ اللهُ تعالى:

( وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )

لُقْمان: 15

ونحنُ مُطالَبون بالإحسانِ إلى الصَّاحِبِ بالجَنبِ ولو لم نتّفق فكريَّاً معه بنصِّ الآية التَّالية .

قالُ اللهُ تعالى:

( وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً )

النِّساء: 36

3- كلُّ رسولٍ هو صاحبٌ لبني قومه

قالُ اللهُ تعالى:

 ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )

إبراهيم: 4

كلُّ رُسل الله مكثوا طويلاً في أقوامهم وتحدَّثوا بلسانهم فكانوا أصحاباً لبني قومِهم، ويستوي في هذه الصُّحبة مَن آمَنَ برسالتهم ومَن لم يؤمن بها، وقد أطلقَ اللهُ تعالى لفظَ (الصُّحبة )على العلاقة التي ربطتْ بين النَّبييِّن وبين أفراد بني قومهم المؤمنين منهم والكافرين على حدٍّ سواء كما يظهرُ في الآيات التَّالية:

1- عن أصحاب رسول الله عليه السَّلام

قالُ اللهُ تعالى:

( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ )

الأعراف 184

( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ )

سبأ 46

( مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى )

النَّجم 2

( وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ )

التَّكوير 22

وبهذا المعنى فإنَّ كلَّ أفراد قوم خاتم النَّبيِّين هم أصحابُه دونَ تمييزٍ في هذا المُصطلح بين أبو لهب وأبو بكر الصِّدِّيق مَثَلاً.

ويؤكِّدُ كتابُ الله أنَّ أكثرَ قومِ رسول الله قد رفضوا رسالةَ الله إليهم ولم يسمعوا بقول صاحبِهم عليه السَّلام

قالُ اللهُ تعالى:

( لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ )

يس 7

( بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ )

فُصِّلتْ 4

( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ )

يُوسُف 103

2- عن أصحاب صالِح عليه السَّلام

والذي عَقَرَ ناقةَ صالِح الذي أُرسِلَ إلى قومِ ثمود هو واحدٌ من بني قومِه، أي من أصحاب رسول الله صالح عليه السَّلام .

قالُ اللهُ تعالى:

( فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ )

القَمر 29

فالصُّحبةُ إذاً هي التقاءٌ في زمانٍ واحدٍ وفي مكانٍ واحدٍ دون أن تعني بالضَّرورة التَّجانسَ والانسجام بين المُتصاحِبَيْن .

قالُ اللهُ تعالى:

( قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ )

الأنعام71

 ( فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ )

الذَّاريات 59

أي أنَّ الَّذين ظَلَموا سيلقَوْنَ مع الذين اشتركوا معهم ولازموهم في ظُلمهم ذاتَ الجزاء.

3- عن أصحاب موسى عليه السَّلام

قالُ اللهُ تعالى:

( فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ )

الشُّعراء 61

يُطلِقُ اللهُ تعالى لفظَ الصُّحبة على كلِّ مَنْ خرَجَ من بني إسرائيل مع موسى عليه السَّلام، لكنَّ أولئك الأصحاب هم الَّذين قالوا لموسى بعد ذلك:

قالُ اللهُ تعالى:

 ( يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ )

الأعراف 138

وهمُ الَّذين عبدوا العِجلَ وحكمَ اللهُ عليهم بأن يتيهوا في الأرض:

قالُ اللهُ تعالى:

( قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ )

المائِدة 26

أي أنَّ صُحبتَهم مع موسى عليه السَّلام لم تجنِّبهمَ الضَّلال والفُسقَ بعد ذلك.

ج – أصحابُ الجَنَّة و

أصحابُ النَّار

إنَّ أكثرَ لفظٍ من مشتقّات الصُّحبةِ وَرَدَ في كتاب الله هو لفظُ”أصحاب”، وغالباً ما ارتبطتْ هذه المُفردةُ بالجنَّةِ ومرادفاتها أو النَّار ومرادفاتها تبعاً لِما يستحقُّه الإنسانُ بعد موته من مرافقة النَّعيمٍ أو الجحيمٍ، ونذكرُ من تلك الآيات

قال اللهُ تعالى :

( وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )

البَقَرَة: 39

( وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )

البَقَرَة: 82

( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ )

البَقَرَة: 119

( فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ )

الواقِعة: 8

( وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ )

الواقِعة: 9

( وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ )

الواقِعة: 41

أطلَقَ اللهُ تعالى لفظَ أصحاب على كلٍّ من أهل الجنَّة وأهل النَّار للدَّلالة على شدَّة التصاق وملازمة كلٍّ من الفريقين لِما سيحصده نتيجةً لأعماله في الدُّنيا.

د – مُصاحبَةُ الجَمَاد أو

المخلوقات غير البشريَّة

لم يخرُج القرآنُ الكريم بمُصطلح الصُّحبة عن معناه اللُّغوي وهو  التقاءٌ بين كيانين في زمانٍ واحد ومكانٍ واحد دون أن يعني ذلك بالضَّرورة الانسجامَ والتوافقَ بين الكيانين. و الصُّحبةُ مع المخلوقات غير البشريَّة نجدُ مثالَها في الأتى ..

1- أصحابُ القُبور

قال اللهُ تعالى :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ )

الممتَحِنة: 13

أصحابُ القُبور هُمُ الَّذين لازموا القبورَ بعد موتهم.

2- أصحابُ الكهف

قال اللهُ تعالى :

( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً )

الكهف: 9

أصحابُ الكهف هُمُ الَّذين لازموا الكهف .

3- أصحابُ القرية

قال اللهُ تعالى :

( وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ )

يس: 13

والقومُ الذين يعيشون في أيَّة قريةٍ هم أصحابُ تلك القرية .

4- أصحابُ الحِجر

قال اللهُ تعالى :

 ( وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ )

الحِجر: 80

فرسولُ الله صالح عاشَ في بلدةٍ تُدعى الحِجر

5- أصحابُ مَدْين

قال اللهُ تعالى :

( أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وِأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )

التَّوبة: 70

وكانَ شُعيب رسولاً في قومه في بلدةٍ تُسمّى مَدْين

6- أصحابُ الأَيْكة

قال اللهُ تعالى :

( وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ )

الحِجر 78

ويُسبغُ اللهُ تعالى وصفَ الصُّحبة على علاقة العبوديَّة التي كانت بين قوم شعيب وبين الأشجار المُسمّاة الأَيْكة .

7 – أصحابُ الرَّسِّ

قال اللهُ تعالى :

( وَعَاداً وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً  )

الفُرقان: 38

ونجدُ مثلَ هذا المعنى في الآية التي تتحدَّث عن القومِ الَّذين عاشوا بجوار بئرٍ كبيرةٍ (رس )

8- أصحابُ الجنَّة

قال اللهُ تعالى :

( إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ )

القَلَم:   17

أصحابُ الجنَّة همُ الّذين لازموا الأرضَ الزِّراعيَّة التي وهبها اللهُ لهم، وينطبقُ هذا الوصفُ على كلِّ صاحِبِ عمل.

9- أصحابُ الأُخدود

قال اللهُ تعالى :

( قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ )

البُرُوج : 4

أصحابُ الأُخدود هُمُ الَّذين لازموا الحُفرةَ التي تضطرمُ ناراً بعد أن أُلقوا بها. كما يفهم أنهم الذين ألقوا المؤمنين فيه فتكون الصحبة بمعنى الملكية الملازمة.

10-  أصحابُ الأعراف

قال اللهُ تعالى :

 ( وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ )

الأعراف:  48

أي أنَّ ملازمتَهم لذلك المكان المرتفع جعلتْهم من أصحابه.

11- أصحابُ الطَّريق المستقيم

قال اللهُ تعالى :

 ( قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى )

طه: 135

والَّذي يسيرُ على الطَّريق المستقيم الذي خطَّه القرآن يُصبح من أصحاب هذا الطَّريق .

12- أصحابُ السَّفينة

قال اللهُ تعالى :

( فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ )

العنكبوت:  15

ووَصَفَ اللهُ مَنْ صَعَد مع نوح عليه السَّلام إلى السَّفينة بأنَّهم أصحابُها لأنَّهم أمضَوا بعضَ الوقت على ظهرها .

13- أصحابُ السَّبت

قال اللهُ تعالى :

 ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً )

النِّساء: 47

رَبَطَ اللهُ تعالى في هذه الآية بين طائفةٍ معتديةٍ على أمره من بني إسرائيل وبين الزَّمن “السَّبت” الذي كانوا يعتدون فيه على أمر الله لهم.

14- صاحب الحوت

قال اللهُ تعالى :

( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ )

القَلَم:  48

والمقصودُ بصاحب الحوت في هذه الآية هو يُونُس عليه السَّلام لأنَّه لازمَ الحوتَ مُجبراً لفترةٍ من الزمن.

15- أصحابُ الفيل

قال اللهُ تعالى :

( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ )

الفيل:  1

أصحابُ الفيل هم الذين رافقوا الفِيَلة لفترةٍ من الزمن كانوا يريدون خلالها هدمَ الكعبة .

5 – عاقبة الصحبة

       في

  الدنيا والآخرة

أن الصحبة الصالحة تورث الخير والبركة لمن لازم أهل الصلاح، والصحبة السيئة تورث الشر والضياع لمن لازم أهل السوء والفساد، أما في الآخرة فلها عواقبها ونتائجها بحسب ملازمة الشخص.

أولًا – عاقبة الصحبة الصالحة

فمن لازم أهل الاستقامة والصلاح في الدنيا كانت العاقبة في الآخرة كالآتي:

1- دوام تلك الصحبة والمودة

فمن كانت صحبته في الله تعالى، وفي سبيله، فإنها دائمة بدوامه.

قال الله تعالى:

﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾

الزخرف :٦٧

الأصدقاء على معاصي الله في الدنيا يتبرأ بعضهم من بعض يوم القيامة، لكن الذين تصادقوا على تقوى الله، فإن صداقتهم دائمة في الدنيا والآخرة.

2- النجاة من فزع ذلك اليوم

يقول الله جل وعلا لعباده المتقين المتحابين في الله عز وجل المجتمعين على طاعته .

قال الله تعالى:

﴿ يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ﴾

الزخرف :٦٨

فالمحبة الصادقة الصافية في الله تعالى ينتج عنها ذهاب الفزع والخوف والحزن يوم القيامة .

٣ – البشرى بدخول الجنة

يقال لهؤلاء المتقين المتحابين في الله جل وعلا على سبيل البشرى

قال الله تعالى:

﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ﴾

الزخرف :٧٠

الذين آمنوا بآياتنا وعملوا بما جاءتهم به رسلهم، وكانوا منقادين لله ربِّ العالمين بقلوبهم وجوارحهم، يقال لهم: ادخلوا الجنة أنتم وقرناؤكم المؤمنون تُنَعَّمون وتُسَرُّون.

4- شفاعة الصاحب

ورد في محكم التنزيل آيات تدل على أن المؤمن يشفع لصاحبه يوم القيامة .

قال الله تعالى:

﴿ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ . وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾

الشعراء:١٠٠-١٠١

فلا أحدَ يشفع لنا، ويخلِّصنا من العذاب، ولا مَن يَصْدُق في مودتنا ويشفق علينا. فلا أحدَ يشفع لنا، ويخلِّصنا من العذاب، ولا مَن يَصْدُق في مودتنا ويشفق علينا. يعلمون أن الصديق إذا كان صالحًا نفع، وأن الحميم إذا كان صالحًا شفع .

ثانيًا: عاقبة الصحبة السيئة

ومن لازم أهل الشر والفساد في الدنيا كانت العاقبة في الآخرة كالآتي:

1- العداوة والبغضاء

فكل صداقة في غير الله تعالى تنقلب يوم القيامة عداوة؛ لأنها صداقة زائفة، ومحبة مبنية على تحصيل المصالح الدنيوية وجلب المنافع العاجلة .

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾

العنكبوت :٢٥

فأخلاء الباطل، وصحبة السوء الذين يجتمعون على معصية الله عليهم أن يحذروا هذا اللقاء .

2- الحسرة والندم

أن ندم الظالم الذي فارق الحق، وأطاع خليله وقرينه السيء، الذي كان سببًا في هلاكه وبعده عن الحق، وكان كذلك سببًا في حصول الندم والحسرة له يوم القيامة.

قال الله تعالى:

﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا . يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا .  لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾

الفرقان :٢٧-٢٩

3- التلهف والتأسف على فقد الشفيع

قال الله تعالى:

﴿ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ . وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾

الشعراء:١٠٠-١٠١

ثم قالوا ذلك على جهة التلهف والتأسف حين رأوا شفاعة الملائكة والأنبياء والعلماء نافعة في أهل الإيمان عمومًا، وشفاعة الصديق في صديقه خاصة .

4- طريق إلى النار

فكما أن الصحبة الصالحة طريق إلى الجنة، فالصحبة السيئة طريق إلى النار.

قال الله تعالى:

﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ . مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ ﴾

الصافات:٢٢-٢٣

وقد أخبر الحق تبارك وتعالى عن صاحب من أهل الإيمان، وقرين كان شريك له، وما كان بينهما من الصحبة، وما نتيجة هذا الصحبة لو أنه أطاع صاحبه وشريكه.

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ . يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ . أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ . قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ . فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ . قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ . وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾

الصافات:٥١-٥٧

فالمؤمن في هذه الآية لم يطع صاحبه وصديقه الملازم له، فكان من الفائزين، ولو صدقه لكان من الهالكين، وقد أقسم هذا الصاحب المؤمن كما في هذه الآيات على ذلك .

6 – مفهوم صحابة النبي

       في

   القرآن الكريم

أرسى القرآنُ الكريم قاعدةً للتفاضُل بين النَّاس، لم تكن تلك القاعدة على أساس التقاء ورؤية الصَّالحين بل على أساس الالتزام بأمر الله القائم على التَّقوى .

قال اللهُ تعالى :

( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )

الحُجُرات : 13

ولو كانت رؤيةُ الصَّالحين كافيةً بحدِّ ذاتها لانتفعتْ منها امرأةُ نوح عليه السَّلام الذي عمَّرَ مئات السِّنين ولانتفعتْ بها امرأةُ لوط التي هلَكَتْ فيمَنْ هَلَكَ من قومه.

لم يصفِ اللهُ تعالى الَّذين اتَّبعوا نبيَّه الخاتم بأنَّهم أصحابُ رسول الله، ولم يُثنِ اللهُ تعالى إلَّا على الأفعال والصِّفات التي تتَّسقُ مع محتوى كتابه دون اهتمامٍ بمَنْ فعلَها، وجَعَل تعالى مناطَ التَّفاضل والتَّمايز بين النَّاس هو التَّقوى والعمل الصَّالح.

قال اللهُ تعالى :

 ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا )

الأحزاب: 35

( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )

التَّوبة : 100

 ( لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ )

الحَشْر: 8

طبقا لمذهبُ أهل السُّنَّة والذي عليه الجماعة من أئمَّة هذه الأُمَّة فالصَّحابة كلُّهم عُدُول . أولياءُ الله تعالى وأصفياؤه وخيرتُه من خلقه بعد أنبيائه ورسله .

قال اللهُ تعالى :

 ( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ )

الجُمُعة : 11

 ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ )

آل عِمران : 155

لا شكَّ أنَّ الَّذين تَوَلَّوا في ذلك الوقت هم أصحابُ رسول الله، ويقول اللهُ إنَّ الشَّيطان قد استزلَّهم فزلَّوا ثمَّ عَفَا اللهُ تعالى عنهم.

قال اللهُ تعالى :

( وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )

التَّوبة: 106

 ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا )

النِّساء : 94

( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ )

التَّوبة: 101

كُلُّ متطلَّبات الصُّحبة اجتمعتْ في هؤلاء المنافقين الَّذين لا يعلمُهم إلَّا الله .

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾

التوبة : 107

فهم ممَّن رأى رسولَ الله وكانوا يدَّعون بأنَّهم مؤمنون برسالته وكانوا يجالسونه . فحالَ الصَّحابة كحال غيرهم فيلزم البحثُ عن عدالتهم.

تحوَّل مُصطلحُ الصَّحابة إذاً من معناه اللُّغويِّ القرآنيِّ إلى مُصطلحٍ دينيٍّ يعتبر أقوالَ الصَّحابة وممارساتِهم حجَّةً على المسلمين الذين جاؤوا من بعدهم لأنَّ أولئك الصَّحابة معصومون من الكذب والزَّلل.

طغى الرِّجالُ إذاً على النُّصوص وأصبحَ الحقُّ يُعرفُ بالرِّجال لا بالنُّصوص، وانقسمتْ هذه الأمَّةُ إلى جماعاتٍ متناحرةٍ اخترعت مذاهبَ حلَّت محلَّ الإسلام وأصبحَ الحديثُ عن أخطاء السَّابقين جريمةً كبيرةً تستوجبُ العِقاب وآلَ أمرُ هذه الأمَّة بالنتيجة إلى ما نراه اليوم من تقديسٍ للأخطاء وعضٍّ عليها بالنواجذ وهجرٍ لكتاب الله تعالى .

قال اللهُ تعالى :

 ( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا )

الفُرقان: 30

الخاتمة:

لا يجوزُ لأحدٍ اختراعُ مصطلحٍ في الحياة الدِّينيَّة ما لم يكن ذلك المُصطلَحُ متوافقاً مع مبادئ كتاب الله، ولم يُعطِ اللهُ الحقَّ لأحدٍ في القول بعِصمة شخصٍ أو مجموعةٍ من الأشخاص أو بتفضيلهم على غيرهم لمجرَّد أنَّهم رأوا النَّبيَّ عليه السَّلام أو بقبول رواياتهم المنسوبة للنَّبيِّ دون تمحيصٍ لها على ضوء كتاب الله، فما وافقَ من تلك المرويَّات كتابَ الله نأخذ به وما خالفَ كتابَ الله نتركه ولو كان رواتُه مِن أكثر النَّاس التصاقاً برسول الله، فالحقُّ يُعرفُ على ضوء كتاب الله ولا يُعرَفُ بقول الرِّجال، ولا كتابَ ولا قولَ قاضٍ على كتاب الله.

 

Share This