1- مفهوم الصيام

الصيام هو التعبد لله تعالى بالإِمساك عن الطعام والشراب والجماع، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

قَال الله تعالى:

﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾

البقرة: ١٨٧

2- كلمة الصيام

      في

في القرآن الكريم

وردت كلمة صوم وصيغها في القرآن الكريم (١٤) مرة. والصيغ التي وردت، هي:

– الفعل المضارع

ورد مرتين

قَال الله تعالى:

﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

البقرة:١٨٤

– المصدر

ورد ١٠مرات

قَال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ  ﴾

البقرة:١٨٣

– اسم الفاعل

ورد مرتين

قَال الله تعالى:

﴿ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ ﴾

الأحزاب:٣٥

وجاء الصيام في القرآن الكريم على وجهين:

1- الصيام الشرعي المعروف

قَال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

البقرة: ١٨٣

2- الصمت

قَال الله تعالى:

﴿ فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ﴾

مريم: ٢٦

أي: سكوتًا.

3- وجوبه

الصيام هوفريضة فرضها الله على عباده

قَال الله تعالى:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ  )

البقرة 183

4- مواقيته

قَال الله تعالى:

( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ  )

البقرة 187

وكلوا واشربوا حتى يتبَيَّن ضياء الصباح من سواد الليل، بظهور الفجر الصادق، ثم أتموا الصيام بالإمساك عن المفطرات إلى دخول الليل بغروب الشمس .

5 – أنواع الصيام

إن الله سبحانه وتعالى شرع لعباده عبادة الصيام، والصيام أنواع ، ومنه

أولًا: صوم رمضان

صيام شهر رمضان فرض من الله تبارك وتعالى على عباده

قَال الله تعالى:

(  شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ  )

البقرة 185

شهر رمضان الذي ابتدأ الله فيه إنزال القرآن في ليلة القدر؛ هداية للناس إلى الحق، فيه أوضح الدلائل على هدى الله، وعلى الفارق بين الحق والباطل. فمن حضر منكم الشهر وكان صحيحًا مقيمًا فليصم نهاره.

ثانيًا: صوم الكفارات

الكفارات هي ما أوجبه الله تعالى على من أتى شيئًا منهيًا عنه، أو قصر في مأمور به  . وسميت الكفارة بهذا الاسم؛ لأنها تكفر الذنوب وتسترها، فالحكمة من الكفارة تكفير للذنوب والسيئات التي تقع من العبد، والكفارات أنواع، هي:

١ – كفارة القتل الخطأ

لشناعة القتل جعل الله تبارك وتعالى للقاتل عقوبة رادعة، فمن قتل عمدًا قتل قصاصًا، ومن قتل خطًا فإنه يلزمه الدية والكفارة، والكفارة هنا مغلظة هي تحرير رقبة مؤمنة مع الدية إلا أن يعفو فإن الدية تسقط لكن الكفارة لابد أن يأتي بها، فإن لم يستطع تحرير الرقبة فإن عليه أن يصوم شهرين متتابعين.

قَال الله تعالى:

﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾

النساء: ٩٢

فكفارة قتل الخطأ تحرير رقبة مؤمنة فإن لم يستطع فصيام شهرين متتابعين، ومن قطع التتابع لعذر كمرض فإنه يستأنف ولا يعيد، بخلاف من قطع من غير عذر فإنه يجب عليه أن يعيد من جديد.

2- كفارة من لم يجد الهدي في الحج، ومن أحصر أو حلق رأسه

قَال الله تعالى:

﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ  تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾

البقرة: ١٩٦

بين الله تبارك وتعالى أن من أحرم بالحج أو العمرة فأحصر فلا يتحلل حتى ينحر هديه ومن لم يجد الهدي فإنه يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى بلده، وكذلك من كان به أذىً في رأسه أو مرضًا فإن له أن يحلق رأسه ويفتدي .

٣ – كفارة من قتل صيدًا متعمدًا وهو محرم في الحرم

قَال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾

المائدة: ٩٥

يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا صيد البر، وأنتم محرمون بحج أو عمرة، أو كنتم داخل الحرم ومَن قتل أيَّ نوعٍ من صيد البرِّ متعمدًا فجزاء ذلك أن يذبح مثل ذلك الصيد من بهيمة الأنعام: الإبل أو البقر أو الغنم، بعد أن يُقَدِّره اثنان عدلان، وأن يهديه لفقراء الحرم، أو أن يشتري بقيمة مثله طعامًا يهديه لفقراء الحرم لكل مسكين نصف صاع، أو يصوم بدلا من ذلك يوما عن كل نصف صاع من ذلك الطعام، فَرَضَ الله عليه هذا الجزاء؛ ليلقى بإيجاب الجزاء المذكور عاقبة فِعْله. والذين وقعوا في شيء من ذلك قبل التحريم فإن الله تعالى قد عفا عنهم، ومَن عاد إلى المخالفة متعمدًا بعد التحريم، فإنه مُعَرَّض لانتقام الله منه. والله تعالى عزيز قويٌّ منيع في سلطانه، ومِن عزته أنه ينتقم ممن عصاه إذا أراد، لا يمنعه من ذلك مانع.

٤ – كفارة اليمين

من حلف على شيء فحنث فيها لزمته الكفارة، وكفارة اليمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، خيرهم بين هذين الأمرين الإطعام أو الكسوة أو تحرير الرقبة، فمن لم يستطع فعليه أن يصوم ثلاثة أيام

قَال الله تعالى:

﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

المائدة: ٨٩

٥ – كفارة الظهار

الظهار الأصل فيه قول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي. والظهار هذا سماه الله تبارك وتعالى زورًا؛ وذلك لأنه شبه زوجته بأمه .

قَال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾

المجادلة: ٢

ثم بين الله تبارك وتعالى ما يلزم من ظاهر من زوجته ثم أراد أن يعود إليها من الكفارة .

قَال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ . فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا  ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾

المجادلة: ٣-٤

فمن لم يجد منكم ممن ظاهر من امرأته رقبة يحررها، فعليه صيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا؛ والشهران المتتابعان هما اللذان لا فصل بينهما بإفطار في نهار شيء منهما إلا من عذر.

ثالثًا: صوم التطوع

إن من رحمة الله تبارك وتعالى بعباده أن شرع لهم بعد كل فريضة نافلة من جنسها؛ لتكون جابرة لما يعتريها من النقص والقصور، ومن ذلك الصيام، فقد شرع الله تبارك وتعالى بعد فريضة صيام رمضان نوافل متعددة، لكن لم يرد في كتاب الله تعالى ما يدل على نوافل الصيام صراحة، وإنما يدخل ذلك ضمن فعل الخيرات

قَال الله تعالى:

﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

البقرة: ١٨٤

وقال حاثًا على المسارعة والمسابقة إلى فعل الخيرات

قَال الله تعالى:

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾

البقرة: ١٤٨

5- حكم الصيام ومقاصده

أن الله تبارك وتعالى شرع فريضة الصيام، لحكم ومقاصد عظيمة فيما يلي نعرض لبعض هذه الحكم، التي ذكر الله سبحانه بعضها في كتابه، فمنها:

1- حصول التقوى

أبان الله تبارك وتعالى في كتابه العظيم هذه الحكمة وهذا المقصد في كتابه الكريم

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

البقرة: ١٨٣

إن الصيام من أكبر أسباب التقوى؛ لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه، فالصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع وغير ذلك مما تميل إليها نفسه، متقربًا بذلك إلى الله، راجيًا بتركها، ثوابه، فهذا من التقوى، فالتقوى هي التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية، ولو تلك التي تهجس في البال، والمخاطبون بهذا القرآن يعلمون مقام التقوى عند الله، ووزنها في ميزانه. فهي غاية تتطلع إليها أرواحهم. وهذا الصوم أداة من أدواتها، وطريق موصل إليها.

وإن الناظر في كتاب الله يلحظ ما أعده الله لهم للمتقين من الأجر العظيم والثواب الكبير

قال الله تعالى:

﴿ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾

آل عمران: ١٣٣

﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾

القلم: ٣٤

2- تزكية النفس وإبعادها عن الشهوات

من مقاصد هذه العبادة الجليلة أن فيها تزكية للنفس وتهذيب لها وتنقية من الرذيلة بالتعود على كبح جماح النفس ، و مقاومة شهواتها

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾

فاطر 18

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾

الشمس 9

قد فاز مَن طهَّرها ونمَّاها بالخير

3- كفارة لبعض الذنوب والسيئات

تكفير لبعض الذنوب والسيئات التي تقع من العبد، ومثال علي ذلك كفارة الحنث في اليمين

قَال الله تعالى:

﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

المائدة: ٨٩

6 – أصحاب الأعذار في الفطر

الله تبارك وتعالى خلق الخلق، وهو أعلم بهم وبما يمرون به من أحوال، من صحة ومرض، يسبب له عدم الاستطاعة للعبادة، أو يسبب له الوقوع في مشقة، ففرض عليهم الصيام ، وبما أن الإنسان قد يقع في عذر يمنعه من الصيام، فستناول الحديث عن أعذار الفطر ، وهي كالتالي:

1- المسافر والمريض

بمعنى أن الله سبحانه وتعالى فرض على عباده صيام رمضان فمن كان مسافرًا أو مريضًا فيجوز أن يفطر ويصوم فيما بعد .

قال الله تعالى:

﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ  وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾

البقرة: ١٨٤

2- كبير السن

وخفف الله سبحانه وتعالى عن الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام يفطر، ويتصدق عن كل يوم إطعام مسكينًا

قال الله تعالى:

﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

البقرة : 184

وعلى الذين يتكلفون الصيام ويشقُّ عليهم مشقة غير محتملة كالشيخ الكبير، والمريض الذي لا يُرْجَى شفاؤه، فدية عن كل يوم يفطره، وهي طعام مسكين، فمن زاد في قدر الفدية تبرعًا منه فهو خير له، وصيامكم خير لكم -مع تحمُّل المشقة- من إعطاء الفدية، إن كنتم تعلمون الفضل العظيم للصوم عند الله تعالى.

3- من لحقه الجوع والعطش الذي يخشي الهلاك بسببه

فالذي لحق به الجوع والعطش وهو صائم الذي يخشى الهلاك بسبب ذلك فله أن يفطر

قال الله تعالى:

﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾

التغابن: ١٦

﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾

البقرة: ١٩٥

ويحرم الصوم إن خافت الحامل، أو المرضع على نفسها أو ولدها الهلاك.

7- قضاء الصوم

إن الله تبارك وتعالى فرض على من أفطر في رمضان لعذر ما أن يقضيه فيما بعد .

قال الله تعالى:

( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَوَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ )

البقرة 185

فمن حضر منكم الشهر وكان صحيحًا مقيمًا فليصم نهاره. ويُرخَّص للمريض والمسافر في الفطر، ثم يقضيان عدد تلك الأيام. يريد الله تعالى بكم اليسر والسهولة في شرائعه، ولا يريد بكم العسر والمشقة، ولتكملوا عدة الصيام شهرًا .

8 – جزاء الصائمين

إن الله تبارك وتعالى كريم جواد يعطي على القليل الكثير، يضاعف الأجر لعباده، يعمل العبد العبادة فيثيبه رب العالمين الأجر الكبير، فالحسنة بعشر أمثالها ثم تضاعف إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم؛ فإنه له سبحانه ويجزي عليه بالأجر العظيم.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾

الأحزاب: ٣٥

فالله سبحانه وتعالى جمع أصحاب هؤلاء الصفات ثم قال في آخر الآية: هيأ لهم منه لذنوبهم مغفرة وأجرًا عظيمًا وهو الجنة .

Share This