1- مفهوم الصراط

الصراط هو  الطريق الواضح . ويوصف الصراط في القرآن الكريم بالمستقيم ، أي الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه والمراد به طريق الحق، وهو المعارف الصالحات كلها من اعتقاد وعمل .

2- كلمة الصراط

       في

   القرآن الكريم

وردت كلمة (الصراط) وصيغها في القرآن الكريم (٤٥) مرة. والصيغ التي وردت، هي:

– المصدر

ورد  ٤٥ مرة

﴿ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَٰذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾

آل عمران: ٥١

وجاء (الصراط المستقيم) في القرآن الكريم تعبيرًا عن.

1- منهج الإسلام المتمثل بعبادة الله تعالى وحده

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾

الأنعام: ١٦١

﴿ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَٰذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾

آل عمران: ٥١

إن الله الذي أدعوكم إليه هو وحده ربي وربكم فاعبدوه، فأنا وأنتم سواء في العبودية والخضوع له، وهذا هو الصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فيه.

2- الصراط بمعنى الطريق

في خطاب موجه من النبي شعيب إلى قومه

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾

الأعراف: ٨٦

ولا تقعدوا بكل طريق تتوعدون الناس بالقتل، إن لم يعطوكم أموالهم، وتصدُّون عن سبيل الله القويم من صدَّق به عز وجل، وعمل صالحًا، وتبغون سبيل الله أن تكون معوجة، وتميلونها اتباعًا لأهوائكم، وتنفِّرون الناس عن اتباعها.

3- حقيقة الصراط المستقيم

المتأمل في آيات القرآن الكريم، يجد أن كلمة الصراط المستقيم قد وسعت كل شيء أحبه الله لعباده، وقد بين الله تعالى حقيقة الصراط المستقيم في آيات عديدة من كتابه ، منها

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا  وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ  وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ . وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

الأنعام : 151- 153

أي هذا الذي بينا طريق ربك، والذي ارتضاه لنفسه دينا وجعله مستقيما لا عوج فيه. ووحد لفظ الصراط، وجمع السبل المخالفة له، وهذا لأن الطريق الموصل إلى الله واحد، وهو ما بعث به رسله وأنزل به كتبه، لا يصل إليه أحد إلا من هذه الطريق .

قال الله تعالى:

﴿ وَهَٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ﴾

الأنعام: ١٢٦

أن الصراط المستقيم، هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه ، وهو طريق الله الذي نصه لعباده على ألسن رسله وجعله موصلا لعباده إليه، ولا طريق لهم إليه سواه، بل الطرق كلها مسدودة إلا هذا، وهو إفراده بالعبودية و بالطاعة، فلا يشرك به أحدا في عبوديته .

4- الله الهادي إلى الصراط المستقيم

من أسماء الله الحسنى الهادي، فهو الذي يهدي ويرشد عباده إلى جميع المنافع، وإلى دفع المضار، ويعلمهم ما لا يعلمون، ويهديهم لهداية التوفيق والتسديد، ويلهمهم التقوى، ويجعل قلوبهم منيبة إليه منقادة لأمره.

قال الله تعالى:

﴿ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ﴾

الفرقان: ٣١

أي: وكفى ربك- أيها الرسول الكريم – هاديا يهدى عباده إلى ما تقتضيه حكمته ومشيئته، وكفى به سبحانه نصيرا لمن يريد أن ينصره على كل من عاداه.

أجل ما يحصل عليه العبد أن يهديه الله إلى الصراط المستقيم، وهذه أكبر نعمة ينعم بها الهادي سبحانه على من يشاء من عباده، ولذلك كان وجوبا على العبد أن يسأل ربه الهداية في كل ركعة من صلاته

قال الله تعالى:

﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾

الفاتحة: ٦

أي: دلنا وأرشدنا، ووفقنا للصراط المستقيم، وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله، وإلى جنته، وهو معرفة الحق والعمل به .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

هود: ٥٦

أي: إن ربي على طريق الحق، يجازي المحسن من خلقه بإحسانه، والمسيء بإساءته، لا يظلم أحدًا منهم شيئًا، ولا يقبل منهم إلا الإسلام والإيمان به . وهوالذي

أ – يهدي رسله عليهم السلام

إلى الصراط المستقيم

ولقد هدى الله تعالى رسله عليهم الصلاة والسلام وثبتهم على الصراط المستقيم .

قال الله تعالى:

﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ . وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ  وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ . وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

الأنعام: ٨٣-٨٨

أي: وسددناهم فأرشدناهم إلى طريق غير معوج، وذلك دين الله الذي لا عوج فيه، وهو الإسلام الذي ارتضاه الله ربنا لأنبيائه، وأمر به عباده.

– عن نبيه الكريم

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾

الأنعام: ١٦١

﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا . لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا

الفتح: ١-٢

فأمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، أن يقول ويعلن بما هو عليه من الهداية إلى الصراط المستقيم: الدين المعتدل المتضمن للعقائد النافعة، والأعمال الصالحة، والأمر بكل حسن، والنهي عن كل قبيح .

– عن هدايته لموسى وهارون عليهما الصلاة والسلام

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ . وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ. وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ . وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ . وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ

الصافات: ١١٨

أي: دللناهما على طريق الحق عقلا وسمعا، وأمددناهما بالتوفيق والعصمة، وتشبيه الدلائل الحقة بالطريق المستقيم واضح.

ب – يهدي عباده المؤمنين

إلى الصراط المستقيم

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

الحج: ٥٤

هدى الله تعالى لعباده المؤمنين إلى الصراط المستقيم، يعني أن يهديهم إلى الحق واتباعه، ويوفقهم لمخالفة الباطل واجتنابه .

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ

المائدة: ١٥-١٦

يا أهل الكتاب من اليهود والنصارى، قد جاءكم رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يبيِّن لكم كثيرًا مما كنتم تُخْفونه عن الناس مما في التوراة والإنجيل، ويترك بيان ما لا تقتضيه الحكمة. قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين: وهو القرآن الكريم. يهدي الله بهذا الكتاب المبين من اتبع رضا الله تعالى، طرق الأمن والسلامة، ويخرجهم بإذنه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، ويوفقهم إلى دينه القويم.

ت – يهدي من يشاء إلى

الصراط المستقيم

الله تعالى يسدد من يشاء من خلقه ويرشده إلى الطريق القويم على الحق الذي لا اعوجاج فيه

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

الأنعام: ٣٩

﴿ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

البقرة: ١٤٢

﴿ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

البقرة: ٢١٣

والخلاصة أن الله تعالى رسم حدود الصراط المستقيم وبين معالمه وتولى أمر الهداية إليه بواسطة الذين اصطفاهم واجتباهم من الأنبياء والمرسلين وورثتهم من العلماء العاملين.

5- الهداية

   إلى

الصراط المستقيم

أولًا: الداعون إلى الصراط المستقيم

لا يمكن أن يتحقق اتباع منهج الله إلا بالدعوة إليه، ولذلك فقد دعا الله إلى اتباع صراطه، فرسم حدود الصراط المستقيم وبين معالمه وتولى أمر الهداية إليه، بواسطة الذين اصطفاهم واجتباهم من الرسل، وما أنزل من الكتب التي فيها الأوامر الصريحة بتوحيده وتقواه وطاعته . فالداعون إلى الصراط المستقيم ، هم

1- الله تعالى بنفسه

فهو الذي يدعو عباده إلى طاعته وتقواه التي هي طريق الجنة، وينهاهم عن معصيته ومخالفة أمره التي هي طريق النار والعذاب

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ  ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

الأنعام: ١٥٣

﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

يونس: ٢٥

يهدي من يشاء من خلقه فيوفقه لإصابة الطريق المستقيم، وهو الإسلام الذي جعله جل ثناؤه سببًا للوصول إلى رضاه، وطريقًا لمن ركبه وسلك فيه إلى جنانه وكرامته.

وقال مخاطبًا رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى:

﴿ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾

الفتح: ٢

و على لسان رسل الله

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا ﴾

إبراهيم: ١٢

– في المنافقين

قال الله تعالى:

﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا . وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا . وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾

النساء: ٦٦-٦٨

2- الرسل

ودعا إلى الصراط المستقيم الأنبياء والمرسلون الذين هم خيار الخلق وأشرف العباد، فإن الله تعالى اصطفى من عباده خيارهم ليكلفهم بالدعوة إلى صراطه المستقيم وتبليغ دينه

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

الأنبياء: ٢٥

﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾

النحل: ٣٦

﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾

النساء: ١٦٥

إبراهيم عليه الصلاة والسلام في دعوته لأبيه إلى الصراط السوي

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ﴾

مريم: ٤٣

عن دعوة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم إلى الصراط المستقيم

﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

قال الله تعالى:

المؤمنون: ٧٣

أي: وإنك يا محمد لتدعو هؤلاء المشركين من قومك إلى دين الإسلام، وهو الطريق القاصد والصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فيه .

3- الكتب

وأنزل الكتب التي فيها الأوامر الصريحة بتوحيده وتقواه وطاعته، كما أنه سبحانه وتعالى نصب الأدلة والبراهين من مخلوقاته وآياته على أنه الرب الخالق المدبر المتصرف في هذا الكون، والإله الحق الذي يجب أن تصرف جميع أنواع العبادة له سبحانه دون ما سواه.

– عن القرآن الكريم

قال الله تعالى:

﴿ وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

الشورى: ٥٢

وهذه الهداية يراد بها الدعوة والإرشاد إلى طريق الخير، والمعنى: وإنك لتهدى بذلك النور من تشاء هدايته إلى الحق القويم. ثم فسر هذا الصراط

قال الله تعالى:

﴿ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾

الشورى: ٥٣

أي: هذا الطريق هو الطريق الذي شرعه الله مالك السموات والأرض والمتصرف فيهما، والحاكم الذي لا معقب لحكمه.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَٰذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾

الزخرف: ٦١

أي: وإن القرآن ليعلمكم بقيام الساعة، ويخبركم عنها وعن أهوالها، فلا تشكن فيها واتبعوا هداي، فهذا الذي أدعوكم إليه هو الصراط المستقيم الذي لا عوج فيه وهو الموصل إلى الحق .

ثانيًا: صفات المهتدين

من صفات المهتدين على صراط الله المستقيم ، ما يلي:

1- الاعتصام بالله تعالى

من صفات المهتدين على صراط الله المستقيم: اعتصامهم بالله تعالى وبكتابه، وتمسكهم به

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

آل عمران: ١٠١

﴿  فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾

النساء: ١٧٥

فالاعتصام بالله والتوكل عليه هو العمدة في الهداية، والعدة في مباعدة الغواية، والوسيلة إلى الرشاد، وطريق السداد، وحصول المراد.

2- اتباع القرآن الكريم

من صفات المهتدين على صراط الله المستقيم: اعتصامهم بالقرآن الكريم ، وتمسكهم به

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

المائدة: ١٥-١٦

3- شكر النعم

من صفات أهل الهداية: شكرهم للنعم التي يمن الله تعالى بها عليهم،

– عن إبراهيم عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

النحل: ١٢٠-١٢١

فعلم أن الإيمان بالله والشكر لنعمه وطاعة العبد لربه وعبادته من أعظم المؤهلات لاصطفائه بهذه الهداية الخاصة.

4- الإخبات لله سبحانه

من صفات المهتدين على الصراط المستقيم عدم الاعتراض لأمر الله تعالى والانقياد لحكمه والإذعان لشرعه.

قال الله تعالى:

﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ  وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

الحج: ٥٤

وليعلم أهل العلم الذين يفرقون بعلمهم بين الحق والباطل أن القرآن الكريم هو الحق النازل من عند الله عليك أيها الرسول، لا شبهة فيه، ولا سبيل للشيطان إليه، فيزداد به إيمانهم، وتخضع له قلوبهم. وإن الله لهادي الذين آمنوا به وبرسوله إلى طريق الحق الواضح، وهو الإسلام ينقذهم به من الضلال.

فهذه بعض صفات أهل الاستقامة على الصراط المستقيم ذكرها الله تعالى في كتابه للعمل بها والسير على منهج أهلها من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

ثالثًا: ثمرات الهداية إلى الصراط المستقيم

تضمنت آيات الكتاب المبين صنوف الثمار التي يتلقاها من نعم بالهداية إلى الصراط المستقيم ، ومن ذلك ما يلي:

أ- في الدنيا

1- الهداية إلى الحق

فالإيمان يورث أهله هداية الدلالة والبيان، وهداية التوفيق والإلهام

قال الله تعالى:

﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ  وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

الحج: ٥٤

الله تعالى يسدد عباده المؤمنين إلى الطريق القويم الذي لا اعوجاج فيه، قال الله تعالى:

﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ  وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

البقرة: ٢١٣

والمعنى: والله يسدد من يشاء من خلقه، ويرشده إلى الطريق القويم على الحق الذي لا اعوجاج فيه، كما هدى الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، لما اختلف الذين أوتوا الكتاب فيه بغيًا بينهم، فسددهم لإصابة الحق والصواب فيه.

قال الله تعالى:

﴿ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ ﴾

الحج: ٢٤

فهداهم ربهم في الدنيا إلى طريق الرب الحميد، وطريقه: دينه دين الإسلام الذي شرعه لخلقه وأمرهم أن يسلكوه.

فتبين أن أحق الناس بالهداية هم أهل الإيمان وهذه الثمرة من أعظم وأجل الثمار التي يجنيها المؤمن في هذه الحياة.

2- الحياة الطيبة

قال الله تعالى:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً  وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

النحل: ٩٧

هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا؛ وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى من ذكر أو أنثى من بني آدم، وقلبه مؤمن بالله ، بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا، وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة .

3- السعة في الرزق

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾

الجن: ١٦

وأنه لو سار الكفار على طريقة الإسلام، ولم يحيدوا عنها لأنزلنا عليهم ماءً كثيرًا، ولوسَّعنا عليهم الرزق في الدنيا .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾

المائدة: ٦٦

ولو أنَّهم عملوا بما في التوراة والإنجيل، وبما أُنْزِل عليك أيها الرسول – وهو القرآن الكريم – لرُزِقوا من كلِّ سبيلٍ، فأنزلنا عليهم المطر، وأنبتنا لهم الثمر، وهذا جزاء الدنيا.

ب – في الآخرة

1- تحقيق الأمن

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

الأحقاف: ١٣

إن الطاعة حصن الله الأعظم، من دخله كان من الآمنين من عقوبات الدنيا والآخرة .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾

فصلت: ٣٠

تنزل الملائكة عليهم بهذه البشارات يشمل ما يكون في حياتهم عن طريق إلهامهم بما يشرح صدورهم، ويطمئن نفوسهم، كما يشمل تبشيرهم بما يسرهم عند موتهم وعند بعثهم.

2- دخول الجنة

أهل الصراط المستقيم يكرمهم الله تعالى بجنته

قال الله تعالى:

﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾

النساء: ١٧٥

فهذه نماذج من الثمار التي وعد الله بها أهل الاستقامة على الصراط المستقيم، والمقصود هنا ذكر طرف من هذا النعيم الذي ينعم به أهل الاستقامة في الحياة الآخرة.

6 – الإعراض

     عن

 الصراط المستقيم

أولًا: الصادون عن الصراط المستقيم

لم يكتف أعداء الصراط المستقيم برفض الدعوة إليه، بل سعوا جاهدين إلى صد الناس عن اتباع ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، وتنفير الناس منها، ومن هؤلاء:

١-  إبليس

أخبر الله تعالى عن إبليس بتوعده وتعهده ببذل غاية جهده في إضلال بني آدم، والترصد لهم، كما يترصد قطاع الطرق للسائرين فيها، فيصدهم، ويحاول بكل وسيلة أن يصرفهم عن الصراط المستقيم، ولن يتكاسل عن العمل على إفسادهم وإضلالهم.

قال تعالى :

﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ . ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾

الأعراف: ١٦-١٧

ورد الله تعالى عليه

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ هَٰذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ . إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾

الحجر: 41-٤٢

فالصراط هو الذي يسلكه عباد الله المخلصون، وليس لإبليس سلطان على أحد ممن سلك هذا السبيل، واستقام على هذا الصراط؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد أوجب على نفسه حراسة المستقيمين عليه، من كيد الشيطان وإغوائه.

٢ – الكافرون

الكفار هم ممن أغواهم الشيطان عن صراط الله المستقيم، فانتهجوا نهجه، فجعلوا من أنفسهم حواجز مانعة عن وصول الدين القويم إلى الناس.

– عن نهي شعيب عليه السلام قومه

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾

الأعراف: ٨٦

ولا تقعدوا بكل طريق تتوعدون الناس بالقتل، إن لم يعطوكم أموالهم، وتصدُّون عن سبيل الله القويم من صدَّق به عز وجل، وعمل صالحًا، وتبغون سبيل الله أن تكون معوجة، وتميلونها اتباعًا لأهوائكم، وتنفِّرون الناس عن اتباعها.

– عن السلوك الذي اتخذه كفار قريش مع النبي صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى:

﴿ هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ﴾

الفتح: ٢٥

أنهم كانوا يصدون عن سبيل الله، ويصدون عن المسجد الحرام أيضًا.

٣ – أهل الكتاب

من طبيعة الكفرة من أهل الكتاب: الصد عن الصراط المستقيم، وغرضهم ابتغاء سبيل الله معوجة

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾

آل عمران: ٩٩

فسبيل الله هو الطريق المستقيم. وما عداه عوج غير مستقيم، وحين يصد الناس عن سبيل الله وحين يصد المؤمنون عن منهج الله، فإن الأمور كلها تفقد استقامتها، والموازين كلها تفقد سلامتها، ولا يكون في الأرض إلا العوج الذي لا يستقيم

4- المنافقون

يسلك المنافقون نفس مسلك أعداء الدين من الكفرة المشركين، فيحاولون بشتى الطرق الصد عن صراط الله المستقيم، فعن حالهم إن دعو إلى تحكيم شرع الله ودينه، ليكون هو الحكم الفصل في الخصومات

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ﴾

النساء: ٦١

وإذا نُصح هؤلاء، وقيل لهم: تعالوا إلى ما أنزل الله، وإلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وهديه، أبصَرْتَ الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، يعرضون عنك إعراضًا.

ثانيًا: صفات المعرضين

بين الله صفات المعرضين عن الصراط المستقيم، الصادين عنه؛ من أجل أن يتميزوا ويعرفوا ويحذر كيدهم ومكرهم، ويتقي شرهم، فمن هذه الصفات:

١ – العدول عن الصراط المستقيم

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾

المؤمنون: ٧٣-٧٤

فسبب تنكبهم وابتعادهم عن دين الإسلام هو عدم إيمانهم بالآخرة، فالقلب الذي لا يعمره الإيمان بلقاء الله والجزاء يوم القيامة صاحبه ضد كل خير ومعروف ولا يؤمل منه بسبب كفره بالآخرة.

٢ – التيه في الضلال والغواية

من صفات المعرضين عن الصراط المستقيم أنهم تائهين في غيهم وضلاهم .

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾

إبراهيم: ٣

٣ – الكسب الحرام

فالمال نعمة من نعم الله على العبد، وجعل الله طرقًا مشروعة لكسبه وإنفاقه، وحرم أكل الأموال بالباطل، ونهى عن البخل به وعدم الإنفاق منه في سبيل الله.

قال الله تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾

التوبة: ٣٤

٤ – الحلف بالأيمان الكاذبة

إن هذه الصفة ملازمة للمنافقين المعرضين عن الصراط المستقيم .

قال الله تعالى:

﴿ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

المنافقون: ٢

إنما جعل المنافقون أيمانهم التي أقسموها سترة ووقاية لهم من المؤاخذة والعذاب، ومنعوا أنفسهم، ومنعوا الناس عن طريق الله المستقيم، إنهم بئس ما كانوا يعملون .

5- البطر والرياء

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾

الأنفال: ٤٧

أي: عليكم أن تمتثلوا ما أمرتم به وتنتهوا عما نهيتم عنه،ولا تكونوا مثل المشركين الذين خرجوا من بلدهم كبرًا ورياءً؛ ليمنعوا الناس عن الدخول في دين الله. والله بما يعملون محيط لا يغيب عنه شيء.

ثالثًا: جزاء المعرضين

مما لا شك فيه أن المعرضين عن الصراط المستقيم قد ناصبوا الله العداء ، فلا بد أن تكون عاقبة أمرهم خسرًا، ويذوقوا السوء والعذاب في الدنيا والآخرة بسبب ما قدمـت أيديهـم من ظلم وفتنة، وسنقف على وعيد الله بهم من خلال الآيات نفسها المتعلقة بجريمة الإعراض، وذلك فيما يلي:

1- ضنك المعيشة وعدم الهناء

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ. قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا . قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا  وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ  ﴾

طه: ١٢٤- 126

أخبر الله أن من أعرض عن ذكره وهو الهدى الذي من اتبعه لا يضل ولا يشقى بأن له معيشة ضنكا ، وكذلك يترك في العذاب وينسى فيه كما ترك العمل بالآيات.

٢ – استحقاقهم العذاب

فقد توعد الله المعرضين عن سبيل الله حيث تهددهم الله بذلك في أكثر من آية.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾

النحل: ٩٤

ولا تجعلوا من الأيمان التي تحلفونها خديعة لمن حلفتم لهم، فتهلكوا بعد أن كنتم آمنين، كمن زلقت قدمه بعد ثبوتها، وتذوقوا ما يسوؤكم من العذاب في الدنيا؛ بما تسببتم فيه مِن مَنْع غيركم عن هذا الدين لما رأوه منكم من الغدر، ولكم في الآخرة عذاب عظيم.

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ ﴾

النحل: ٨٨

الذين جحدوا وحدانية الله ونبوتك -أيها الرسول- وكذَّبوك، ومنعوا غيرهم عن الإيمان بالله ورسوله، زدناهم عذابا على كفرهم وعذابًا على صدِّهم الناس عن اتباع الحق؛ وهذا بسبب تعمُّدهم الإفساد وإضلال العباد بالكفر والمعصية.

٣ – حبوط الأعمال

الذين جحدوا توحيد الله وآياته، وعبدوا غيره، وصدوا غيرهم عن دين الإسلام، بنهيهم عن الدخول فيه، أبطل الله ثواب أعمالهم وأحبطها وجعلها ضائعة، ولم يجعل لها ثوابًا ولا جزاء في الآخرة.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَىٰ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ ﴾

محمد: ٣٢

﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾

محمد: ١

4- حمل الأوزار في يوم القيامة والخلود في النار

بين الله تعالى جزاء المعرضين عن القرآن الكريم

قال الله تعالى:

﴿ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا . مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا . خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا  ﴾

طه: ٩٩-١٠1

وقد أعطيناك من عندنا ذكرا، وهو القرآن المجيد، لتتذكر به على الدوام، وكل من كذب به وأعرض عن اتباعه، فلم يؤمن به، ولا عمل بشرائعه وأحكامه، وابتغى الهدى في غيره، فإن هذا المعرض يتحمل إثما عظيما، ويتعرض لعقوبة ثقيلة يوم القيامة .

 

Share This