1- مفهوم الصدق

الصدق هو استواء السّرّ والعلانية والظّاهر والباطن بألّا تكذّب أحوال العبد أعماله، ولا أعماله أحواله.

2- كلمة الصدق

      في

  القرآن الكريم

وردت كلمة (صدق) وصيغها في القرآن الكريم (١٣٠) مرة. والصيغ التي وردت، هي:

– الفعل الماضي

ورد 22 مرة

قال الله تعالى:

﴿ هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ﴾

يس :٥٢

– الفعل المضارع

ورد ٣ مرات

قال الله تعالى:

﴿ نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ ﴾

الواقعة :٥٧

– المصدر

ورد ١٦ مرة

قال الله تعالى:

﴿ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ ﴾

الإسراء:٨٠

– اسم الفاعل

ورد ٨١ مرة

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾

الحديد:١٨

﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ﴾

مريم:٥٤

– الصفة المشبهة

وردت  مرتين

قال الله تعالى:

﴿ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ . وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾

الشعراء١٠٠-١٠١

– صيغة المبالغة

وردت ٦ مرات

قال الله تعالى:

﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ ﴾

يوسف:٤٦

وجاء الصدق في القرآن بمعني مطابقة الخبر للواقع بحسب اعتقاد المتكلم، والإخبار عن الشيء على ما هو به، نقيض الكذب، ويكون في الأقوال والأفعال والأحوال.

3- الأمر بالصدق

      في

  القرآن الكريم

الصدق هو أهم خلق قد يتحلى به الإنسان ، و قد أمر الله تعالى بالصدق .

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

التوبة:١١٩

﴿ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾

محمد:٢١

﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ  أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾

الزمر:٣٣

4- الصدق مع الله

إن الله جل وعلا خلق عباده وأمرهم أن يتقوه في السر والعلانية،وأن يصدقوا معه في أقوالهم وأفعالهم ،وفي أمورهم كلها .فمن أراد النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة بإذن الله،فعليه بالصدق مع الله جل جلاله بقلبه وعمله

قال الله تعالى:

( فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم )

محمد :21

وقد أمر الله سبحانه أهل الإيمان أن يكونوا مع الصادقين

قال الله تعالى:

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

التوبة: 119

وقد أمر الله تعالى رسوله: أن يسأله أن يجعل مدخله ومخرجه على الصدق .

قال الله تعالى:

﴿ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا  )

الإسراء: 80

وبشر عباده بأن لهم عنده قدم صدق ومقعد صدق

قال الله تعالى:

﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾

يونس: 2

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾

القمر: 54- 55

الصدق مع الله هو مُطابقة أفعالِ المُسلِم وأحوالِ نفسه لمُقتضى دين الله اعتقادًا وعملًا ، وأنْ تسير في حياتك على ما أمرك الله به .

قال الله تعالى:

 ( لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ )

البقرة 177

5- الصَّادِقِينَ

     فى

القرآن الكريم

وصف القرآن الكريم الكثير بالصدق ، منهم

أولًا: إسناد الصدق إلى الله تعالى

لقد وصف الله تعالى ذاته القدسية بالصدق في آيات كثيرة، وتمثل ذلك في جانبين رئيسيين:

١ – قوله صدق

فكل ما نزل به الوحي، وأخبر به عن الخالق عز وجل من أمور الدنيا والآخرة هو الصدق الذي لا ريب فيه.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾

النساء:٨٧

ولا أحد أصدق من الله حديثًا ، فيما أخبر به عن الحساب والثواب والعقاب يوم القيامة ، فلا تشكوا في صحته، ولا تمتروا في حقيقته .

وشهد الله سبحانه وتعالى على صدق كلامه،

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾

النساء:١٢٢

﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ﴾

آل عمران:٩٥

٢-  صدقه في الوعد والوعيد

إن التصديق بوعد الله ووعيده ثابت في القرآن الكريم  وقد أقسم الله تعالى في عدة آيات على تحقيق ما يوعد به الناس ، منها

قال الله تعالى :

﴿ وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا . فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا . فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا . فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا. إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ . وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ ﴾

الذاريات:١-٦

أقسم الله تعالى بالرياح المثيرات للتراب، فالسحب الحاملات ثقلا عظيمًا من الماء، فالسفن التي تجري في البحار جريًا ذا يسر وسهولة، فالملائكة التي تُقَسِّم أمر الله في خلقه. إن الذي توعدون به- أيها الناس- من البعث والحساب لكائن حق يقين، وإن الحساب والثواب على الأعمال لكائن لا محالة.

ووعد الله تحقق ، فعن أهل الجنة

قال الله تعالى :

﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾

الزمر:٧٤

وقال المؤمنون: الحمد لله الذي صدَقنا وعده الذي وعدَنا إياه على ألسنة رسله، وأورثَنا أرض الجنة نَنْزِل منها في أيِّ مكان شئنا، فنِعم ثواب المحسنين الذين اجتهدوا في طاعة ربهم.

ووعيد الله تحقق ، فعن أهل النار

قال الله تعالى :

﴿ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ﴾

يس:٥٢

قال المكذبون بالبعث نادمين: يا هلاكنا مَن أخرجنا مِن قبورنا؟ فيجابون ويقال لهم: هذا ما وعد به الرحمن، وأخبر عنه المرسلون الصادقون.

2- ما جاء في القرآن الكريم الصدق

والقرآن الكريم هو كلام الله تعالى ذكره وكل ما جاء في القرآن الكريم هو الحق والصدق، فقد نزل مصدقًا لنفسه ولغيره من الكتب السماوية المنزلة قبله.

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾

المائدة:٤٨

وأنزلنا إليك -أيها الرسول- القرآن، وكل ما فيه حقّ يشهد على صدق الكتب قبله، وأنها من عند الله، مصدقًا لما فيها من صحة، ومبيِّنًا لما فيها من تحريف، ناسخًا لبعض شرائعها .

قال الله تعالى:

( أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ . فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ )

الطور  33 -34

بل أيقول هؤلاء المشركون، اختلق محمد القرآن من تلقاء نفسه؟ بل هم لا يؤمنون، فلو آمنوا لم يقولوا ما قالوه. فليأتوا بكلام مثل القرآن، إن كانوا صادقين- في زعمهم- أن محمدًا اختلقه.

3- الصدق صفة الأنبياء

إن أعظم صفات الرسل الصدق؛ لأنهم المبلغون عن الله وحيه، والمرسلون بشرعه إلى خلقه، وكيف لا يتصفون بالصدق؟ فلزم أن يكون الصدق ملازمًا لهم في الأفعال والأقوال، وهذا ما حكاه الله سبحانه وتعالى عنهم في عدة مواضع من القرآن الكريم .

– في حق إبراهيم عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ﴾

مريم:٤١

– في حق إسماعيل عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ﴾

مريم:٥٤

– في حق إدريس عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ﴾

مريم:٥٦

– في حق إسحق ويعقوب عليهما السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا . وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ﴾

مريم:٤٩-٥٠

– في حق يوسف عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ ﴾

يوسف:٤٦

ووصفه بالصدق باعتراف امرأة العزيز

قال الله تعالى:

﴿ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾

يوسف:٥١

– في حق الرسول صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى:

﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ .مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ . وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ﴾

النجم:1-٤

أقسم الله تعالى بالنجوم إذا غابت، ما حاد محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق الهداية والحق، وما خرج عن الرشاد، بل هو في غاية الاستقامة والاعتدال والسداد، وليس نطقه صادرًا عن هوى نفسه. ما القرآن إلا وحي من الله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

4- الصدق صفة الصالحين

إن الله تعالى وصف عباده المؤمنين بصفات عديدة وخصال حميدة، ومن أعظمها صفة الصدق.

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

التوبة:١١٩

يا أيها الذين آمنوا ، امتثلوا أوامر الله واجتنبوا نواهيه في كل ما تفعلون وتتركون، وكونوا مع الصادقين في أَيمانهم وعهودهم، وفي كل شأن من شؤونهم.

ووصف الله سبحانه وتعالى الصحابة بالصدق

قال الله تعالى:

﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾

الحشر:٨

وكذلك يُعطى من المال الذي أفاءه الله على رسوله الفقراء المهاجرون، الذين اضطرهم كفار “مكة” إلى الخروج من ديارهم وأموالهم يطلبون من الله أن يتفضل عليهم بالرزق في الدنيا والرضوان في الآخرة، وينصرون دين الله ورسوله بالجهاد في سبيل الله، أولئك هم الصادقون الذين صدَّقوا قولهم بفعلهم.

6- مجالات الصدق

       في

  القرآن الكريم

الدين الإسلامي يفرض على المسلم أن يكون صادقًا مع الله وصادقًا مع الناس وصادقًا مع نفسه ، الصدق يدخل في مجالات كثيرة نذكر منها الآتي:

1- صدق النية والإرادة

ينبغي على الإنسان حينما يقوم بأي عمل في هذه الحياة، أن يعقد النية مع الله، وأن يكون صادقًا في ابتغاء مرضات الله تبارك وتعالى لكي يكون عمله مقبولًا وله ثماره الطيبة.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾

البينة:٥

وهذا الصدق له متعلق بالإخلاص، بمعنى أنه لا يكون له باعث للعمل إلا رضا الله سبحانه وتعالى .

2- الصدق في الفعل

هو أن يُطابق فعل الشخص اعتقاده وكلامه

قال الله تعالى:

( إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ )

الحجرات  15

وقد نهى الله عن اختلاف القول مع العمل

قال الله تعالى:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ )

الصف : 2

إن الصدق في العمل والالتزام به من أخلاق المؤمنين الصادقين.

قال الله تعالى:

﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾

الأحزاب:٢٣

وإن الله تعالى بالأعمال بصير، لا يخفى عليه شيء منها، وسيجازي عليها

قال الله تعالى:

﴿ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾

فصلت 40

والصدق يكون في إتقان العمل الذي يقوم به المسلم، بأداء الأعمال والحقوق إلى أصحابها كاملة، فلا بخس ولا غش ولا خداع ولا ظلم، بل يؤدي عمله على خير وجه، فيحسن إلى نفسه فلا يلحقه تبعه من عمله، ويحسن إلى الآخرين بتوفيتهم حقوقهم .

3- الصدق في القول

الصدق في الأقوال يستوجب من المسلم أن يحفظ لسانه، فلا يتكلم إلا بصدق ولا ينطق إلا الحق، فأحسن الكلام ما صدق فيه قائله، وانتفع به سامعه .

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾

الصف:٢-٣

ونهى الله تبارك وتعالى عن مخالفة القول للعمل

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾

الأحزاب:٧٠

يا أيها الذين آمنوا  ، اعملوا بطاعته، واجتنبوا معصيته؛ لئلا تستحقوا بذلك العقاب، وقولوا في جميع أحوالكم وشؤونكم قولا مستقيمًا موافقًا للصواب خاليًا من الكذب والباطل.

قال الله تعالى:

﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾

الأنعام:١٤٤

فلا أحد أشد ظلمًا ممن اختلق على الله الكذب؛ ليصرف الناس بجهله عن طريق الهدى.

4- الصدق في الوعد

إن الصدق في الوعد وفي العهد من الفضائل الخلقية التي يتحلى بها المؤمنون ، وأمر الله سبحانه وتعالى بالوفاء بالعهود والمواثيق في آيات كثيرة ، منها

قال الله تعالى:

﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ﴾

الإسراء:٣٤

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾

المائدة:١

﴿ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾

الأنعام:١٥٢

﴿ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾

البقرة:١٧٧

﴿ بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾

آل عمران:٧٦

﴿ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾

البقرة:٢٧

﴿ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾

التوبة:٧٧

ويوحي تفسير الآيات السابقة، بأن الوفاء بالعهد هو جزء لا يتجزأ عن الإيمان بالعقيدة الإسلامية، لذلك فالمسلم يلتزم بالعهد سواء كان مبرمًا مع عدو أو صديق، ولا يجوز التلاعب به، فليس العهد من باب مصلحة المعاهد متى شاء أوفى به، ومتى شاء نقضه على حسب المصلحة، وإنما العهد يتعلق بالتعامل مع الله، فينبغي الوفاء به متى أبرمه الإنسان دون النظر إلى من عقد معهم العهد، طالما هم يستقيمون على العهد،

قال الله تعالى:

﴿ كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ  إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾

التوبة:٧

5- صدق الظاهر مع الباطن

إن الصدق يعني مطابقة الظاهر للباطن، والأفعال للأقوال، بحيث توافق الأفعال الأقوال، فلا يبطن غير ما يظهر، ولا يخبر بغير ما وقع، ولا يقول ما لا يفعل . فالمسلم صادق الحال لا يظهر خلاف ما يبطنه، ولا يتظاهر بما ليس فيه من التقوى والإخلاص .

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾

الصف 2- 3

يا أيها الذين  آمنوا  ، لِمَ تَعِدون وعدًا، أو تقولون قولا ولا تفون به؟! وهذا إنكار على مَن يخالف فعلُه قولَه. عَظُم بغضًا عند الله أن تقولوا بألسنتكم ما لا تفعلونه.

قال الله تعالى:

﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾

آل عمران 188

في الآية وعيد شديد لكل آت لفعل السوء معجب به، ولكل مفتخر بما لم يعمل، ليُثنيَ عليه الناس ويحمدوه.

7- فضل الصدق

أن للصدق فوائد جليلة وثمرات عظيمة وعديدة يجنيها الصادق بصدقه، ويسعد بهذا الخلق العظيم في الدنيا والآخرة، وهي

أ- في الدنيا

١-  الصدق دليل على الإيمان والتقوى

إن الاتصاف بفضيلة الصدق يعد صفة من صفات المؤمنين المتقين، فقد أخبر الله تعالى عن أهل البر وأثنى عليهم بأحسن أعمالهم من الإيمان والإسلام والصدقة والصبر ثم وصفهم بأنهم أهل الصدق

قال الله تعالى:

﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾

البقرة: ١٧٧

فليس فعل الخير وعمل الصالح محصورًا في أن يتوجه الإنسان في صلاته جهة المشرق أو المغرب، ولكن البر الصحيح هو الإيمان بالله واليوم الآخر، وأخذ النص القرآني يعدد صفاتهم التي تتبع الإيمان، إعطاء المال على محبته للمحتاجين وتفقد اليتامى ومساعدة ابن السبيل المسافر المنقطع عن ماله وأهله، وإعطاء السائل وتخليص الأسرى والأرقاء بالفداء، والمحافظة على إقامة الصلاة وإخراج الزكاة لمستحقيها، ويوفون بالعهود ولا يخلفون الوعود، ووصفهم بأنهم صابرون أمام الشدائد وحين القتال في سبيل الله وذيل النص القرآني أي أهل هذه الأوصاف هم الذين صدقوا في إيمانهم وأولئك هم الكاملون في التقوى .

٢ – الصدق دليل على البراءة من النفاق

لقد قسم الله تعالى الناس إلى صادق ومنافق

قال الله تعالى:

﴿ لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ  إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾

الأحزاب:٢٤

فالإيمان أساسه الصدق، والنفاق أساسه الكذب، فلا يجتمع كذب وإيمان إلا وأحدهما يطرد الآخر، ومن هنا كان الاستمساك بالصدق في كل شأن من شئون الحياة، وتحريه في كل قضية، وإبرازه في كل حكم بين الناس، فالصدق دعامة أساسية في خلق المسلم، وصفة ثابتة في سلوكه

3– الخلِّاص من الشدائد في الدنيا

عن قصة إبراهيم الخليل عليه السلام حين صدق الله في تنفيذ الرؤيا بذبح ولده .

قال الله تعالى :

﴿ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ . وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ . وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ. سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ . كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾

الصافات: ١٠٤-١٠٧

ونادينا إبراهيم في تلك الحالة العصيبة: أن يا إبراهيم، قد فعلتَ ما أُمرت به وصَدَّقْتَ رؤياك، إنا كما جزيناك على تصديقك نجزي الذين أحسنوا مثلك، فنخلِّصهم من الشدائد في الدنيا والآخرة.

ب – فى الأخرة

1- النجاه من أهوال يوم القيامة

فقد أخبر الله تعالى أنه لا ينفع العبد وينجيه من العذاب إلا صدقه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم في يوم القيامة.

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ  ﴾

المائدة:١١٩

2- عِظَم القَدْر

فالذي يتحلى بالصدق يَعْظُم قَدْرُهُ، وتعلو منزلته  فيجعله الله تعالى بعد منزلة النبوة

قال الله تعالى :

﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ﴾

النساء:٦٩

3- الصدق عاقبته خير

قال الله تعالى:

﴿ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾

محمد : 21

فلو صدقوا الله في الإيمان والعمل لكان خيرًا لهم من المعصية والمخالفة.

٤ – دخول الجنة

أثنى الله على الصادقين بأنهم هم المتقون أصحاب الجنة، جزاء لهم على صدقهم .

قال الله تعالى:

( هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )

المائدة 119

( وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ. لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ. لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ )

الزمر 33- 35

 

 

Share This