مفهوم الشَهِيدٌ فى القرآن الكريم

 

1- مفهوم الشَهِيدٌ

الشهيد هو‏ ‏ الحاضر أو الشاهد الذي يبين ما  رأى أو سَمِع أو عَلِم، فيخرج ما رآه أو سَمِعه أو عَلِمه من السرِّ إلى العَلن، ومن الْخَفاء إلى الظهور.

قال الله تعالى:

( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ )

‏‏ البقرة‏ : 282

‏( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ‏ )

‏ النور: ‏4

﴿ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ﴾

المائدة : 117

كلُّ الأياتَ السَابقة تَحملُ معنى التمكين والإحاطة بما هو واقع تحت المشاهدة.

ولكن قد غلبَ لفظ (الشهيد) في لسان الشريعة على مَن يُقْتل مجاهِدًا في سبيل الله، ولكن مَن ينظُر في القرآن الكريم، يجد أنَّ لفظ (شهيد) لَم يردْ في المواضع التي أورده فيها القرآن بهذا المعنى الذي يدلُّ على الاستشهاد في سبيل الله، بل نرى القرآن الكريم قد آثَر لفظ (القتْل) على لفظ الاستشهاد عند ذِكْر القتال، والقتْل في سبيل الله كما في الأيات التالية :

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾

البقرة: 154

ولَم يَجِئ النظم القرآني بلفظ (يستشهد) بدلاً عن لفظ (يقتل)، الذي جاء عليه النظم القرآني. ومثل هذا

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾

آل عمران: 169

﴿ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾

آل عمران: 157

﴿ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾

النساء: 74

﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ﴾

التوبة: 111

وهكذا نرى الآيات القرآنية تتوارَد على لفظ (القتْل)، ولا نجد موضعًا واحدًا جاء فيه لفظُ استشهاد بدلاً عن لفظ القتْل.

2-  الشهادة والشهداء

        في

   القرآن الكريم

مجالات الشهادة والشهداء متعددة، وواجب أداء الشهادة يتسع ليشمل الجميع ..

أولا- شهادة الله تعالى

هى علم الله تعالى المحيط بكل شَيْءٍ

قال الله تعالى:

﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ﴾

الأنعام : 73

وهو سبحانه الذي يعلم ما غاب عن حواسكم – أيها الناس – وما تشاهدونه

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنْتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾

المائدة : 117

أى لا تخفى عليك خافية في الأرض ولا في السماء

قال الله تعالى:

﴿ وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴾

البقرة : ٢٠٤

و يعلم الله ما في قلبه من شديد الخصومة لك ولأتباعك لعداوته لك

قال الله تعالى:

﴿ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعْمَلُونَ ﴾

آل عمران : ٩٨

قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله- القرآن – والله شهيد على صنيعكم

ثانيا – شهادة ملائكته

هى شهادة الملائكة المقربين على تفرد الله تعالى بالخلق والأمر

قال الله تعالى:

﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ  ﴾

آل عمران :  18

شهد الله أنه المتفرد بالإلهية، وقَرَنَ شهادته بشهادة الملائكة وأهل العلم، على أجلِّ مشهود عليه، وهو توحيده تعالى وقيامه بالعدل .

ثالثا – شهادة الأنبياء

هى شهادة الأنبياء  والرسل على أقوامهم

قال الله تعالى:

﴿ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ ﴾ 

المائدة : 117

قال عيسى عليه السلام: يا ربِّ ما قلتُ لهم إلا ما أوحيته إليَّ، وأمرتني بتبليغه من إفرادك بالتوحيد والعبادة، وكنتُ على ما يفعلونه -وأنا بين أظهرهم- شاهدًا عليهم وعلى أفعالهم وأقوالهم .

قال الله تعالى:

﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا  ﴾

النساء:  41

فكيف يكون حال الناس يوم القيامة، إذا جاء الله من كل أمة برسولها ليشهد عليها بما عملت، وجاء بك – أيها الرسول- لتكون شهيدًا على أمتك أنك بلغتهم رسالة ربِّك .

رابعا – شهادة الأمة الإسلامية

شهادة الأمة الإسلامية على الناس

قال الله تعالى:

 ﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ  ﴾

البقرة :  143

﴿ لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾

الحج : 78

ليكون خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم شاهدًا عليكم بأنه بلَّغكم رسالة ربه، وتكونوا شهداء على الأمم أن رسلهم قد بلَّغتهم بما أخبركم الله به في كتابه .

قال الله تعالى:

﴿  أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾

البقرة : ١٣٣

أكنتم أيها اليهود  شُهَدَاءَ  ﴿حاضرين ﴾ حين جاء الموتُ يعقوبَ، إذ جمع أبناءه وسألهم ما تعبدون من بعد موتي؟ قالوا: نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهًا واحدًا، ونحن له منقادون خاضعون.

خامسا – شهادة الناس بعضهم على بعض

هى شهادة الناس بعضهم على بعض في الحقوق التي تكون بينهم

قال الله تعالى:

‏( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فأجلدوهم ثمانين جلدة‏ )

‏ النور: ‏4

﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ  فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ  ﴾

البقرة : ٢٨٢

﴿ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ  وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ﴾

البقرة : ٢٨٢

﴿ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾

البقرة : ٢٨٣

والناظر في الأيات السابقة لا يفهم منها ما يتبادر إلى أذهان الكثيرين من أن معنى الشهادة هو الموت في سبيل الله… فذلك ذكره القرآن الكريم في كثير من الأيات بلفظ الذي يُقَتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ .

قال الله تعالى:

( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ )

آل عمران : 169

 ( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ )

البقرة : 154

أما الذي سوف يذكرِ في الأيات التالية فتفسيره كما يلي..

قال الله تعالى:

﴿ وإنَّ منكم لمن لَّيُبطِّئَن فإنَ اَصابتكم مصيبة قالَ قدَ اَنعمَ اللهُ عليَّ إذْ لَـمَ اَكن مَّعهم شهيدا ﴾

النساء : 72

وإنَّ منكم لمن ليتأخرن عن القتال كالمنافقين فإن أصابتكم مصيبة – كقتل وهزيمة – قال قد أنعم الله علىَّ إذ لم أكن معهم شهيدا – حاضرا- فأقتل.

قال الله تعالى:

‏( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ‏ )

‏ النساء :‏69

ومن يستجب لأوامر الله تعالى وهدي رسوله فأولئك الذين عَظُمَ شأنهم وقدرهم، فكانوا في صحبة مَن أنعم الله تعالى عليهم بالجنة من الأنبياء والصديقين الذين كمُل تصديقهم اعتقادًا وقولا وعملا والشهداء وهم الذين يؤيدون الحق بالشهادة لأهله بأنهم محقون ويشهدون على أهل الباطل أنهم مبطلون، ودرجتهم تلي درجة الصديقين .

قال الله تعالى:

﴿ إن يَّمسسكم قَرْحٌ فقد مسَّ القومَ قرْحٌ مثلُه وتلك الاَيَّامُ نُداوِلُـها بين الناس ولِيَعلمَ اللهُ الذين ءامنوا ويتَّخِذَ منكم شهداء ﴾

آل عمران : 140

إن يصبكم – أيها المؤمنون- جراح أو قتل فقد إصاب الكفار مثله وتلك الأيام يُصَرِّفها الله بين الناس يوماً لفرقة ويوماً لأخرى ليتعظوا و ليميز الله الذين أخلصوا في إيمانهم من غيرهم ويتخذ منكم شهداء- وهو من الشهادة على الناس بالمعنى الذي جاء في الأية  التالية .

قال الله تعالى:

﴿ لتكونوا شهداء على الناس ﴾

البقرة : 143

3 – الشهداء فى الآخرة

الشهداء فى الآخرة هم الذين يشهدون على أقوامهم بتبليغ الحق .

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ كَذِباً أُوْلَـَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىَ رَبّهِمْ وَيَقُولُ الأشْهَادُ هَـَؤُلآءِ الّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىَ رَبّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ ﴾

هود: 18

ولا أحد أظلم ممن اختلق على الله كذبًا، أولئك سيعرضون على ربهم يوم القيامة؛ ليحاسبهم على أعمالهم، ويقول الأشهاد من الملائكة والنبيين وغيرهم: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم في الدنيا قد سخط الله عليهم، ولعنهم لعنة لا تنقطع؛ لأن ظلمهم صار وصفًا ملازمًا لهم.

قال الله تعالى:

﴿ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلّ أُمّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مّنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىَ هَـَؤُلاَءِ وَنَزّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لّكُلّ شَيْءٍ ﴾

النحل: 89

واذكر – أيها الرسول- حين نبعث يوم القيامة في كل أمة من الأمم شهيدًا عليهم، هو الرسول الذي بعثه الله إليهم من أنفسهم وبلسانهم، وجئنا بك -أيها الرسول- شهيدًا على أمتك، وقد نَزَّلْنا عليك القرآن توضيحًا لكل أمر يحتاج إلى بيان، كأحكام الحلال والحرام، والثواب والعقاب، وغير ذلك، وليكون هداية من الضلال، ورحمة لمن صدَّق وعمل به، وبشارة طيبة للمؤمنين بحسن مصيرهم.

قال الله تعالى:

﴿ وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِـيءَ بِالنّبِيّيْنَ وَالشّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾

الزمر: 69

وأضاءت الأرض يوم القيامة إذا تجلى الحق جل وعلا للخلائق لفصل القضاء، ونشرت الملائكة صحيفة كل فرد، وجيء بالنبيين والشهود على الأمم؛ ليسأل الله النبيين عن التبليغ وعما أجابتهم به أممهم، كما تأتي أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لتشهد بتبليغ الرسل السابقين لأممهم إذا أنكرت هذا التبليغ، فتقوم الحجة على الأمم، وقضى ربُّ العالمين بين العباد بالعدل التام، وهم لا يُظلمون شيئًا بنقص ثواب أو زيادة عقاب.

Share This