مفهوم الشهوات في القرآن الكريم

1- مفهوم الشهوات

الشهوات هي ميل النفس إلى ما تريده والسعي إلى إشباع ذلك الميل.

2- كلمة الشهوات 

       في

  القرآن الكريم

وردت كلمة الشهوات وصيغها في القرآن الكريم 13مرة . والصيغ التي وردت، هي:

– الفعل الماضي

ورد  مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ ﴾

الأنبياء: 102

– الفعل المضارع

ورد 7 مرات

قال الله تعالى :

﴿ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴾

فصلت: 31

– إسم مفرد

ورد  مرتين

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ ﴾

الأعراف : 81

– إسم جمع

ورد 3 مرات

قال الله تعالى :

﴿ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾

النساء : 27

وجاءت الشهوات في القرآن الكريم بمعني نزوع النفس إلى ما تريده .

3- أنواع الشهوات

         فى

     القرآن الكريم

هناك شهوات في كل من الأتى :

أولا- الشهوات فى الدنيا

الشهوات التي تسعى النفس دائما للحصول عليها فى الدنيا ، هي

أ – الشهوات المادية

أخبر القرآن الكريم عن الشهوات المادية الرئيسية للإنسان ورتبها كما يلي:

قال الله تعالى:

 ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ )

آل عمران 14

الأية السابقة ذكرت أنواع الشهوات و هي تشمل الشهوة الجنسية  والبنون والمال والزينة والجاه .

ب – شهوة أن يولد له الذكور

وهناك أيضا من  يشتهي أن يولد له الذكور

قال الله تعالى:

 ( وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ )

النحل: 57

أى انهم ( يشتهون ) أن يرزقهم الله جل وعلا بالذكور ، ثم ينسبون لله جل وعلا البنات .

ج – شهوة الشذوذ الجنسى

أتت إشارة الى الشذوذ الجنسى كشهوة ضمن الشهوة الجنسية .

– عن قوم لوط

قال الله تعالى:

( إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ )

الاعراف: 81

( وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ. أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ )

النمل: 54 – 55

ب – الشهوات المعنوية

كحب الناس الرفعة عمن حولها وتميزها على أقرانها، وأن تُحمد على أفعالها وترتفع منزلتها في عيون الآخرين.

– عن فرعون

وهذا مثال على ما تعمله السلطة في نفوس محبيها

قال الله تعالى :

( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي )

القصص : 38

ثانيا – الشهوات فى الآخرة

فهناك (شهوات ) يتمناها الناس فى الآخرة  وهي تشمل شهوات أصحاب النار و شهوات أصحاب الجنة  .

أ- أصحاب النار

يشتهى أصحاب النار الخروج منها ليعملوا صالحا غير الذين كانوا يعملون

قال الله تعالى:

 ( وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ )

سبأ:  53

وحيل بين الكفار وما يشتهون من التوبة والعودة إلى الدنيا ليؤمنوا .

ب – أصحاب الجنة

فى المقابل فإن أصحاب الجنة لهم فيها كل ما  تشتهيه  أنفسهم

قال الله تعالى :

 ( لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ )

الانبياء: 102- 103

ويجب أن يكون معلوما أن نعيم الجنة لا يمكن تخيله بمداركنا الأرضية .

قال الله تعالى :

( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )

السجدة: 17

لذا يأتى التعبير عنها أحيانا بالمجاز ـ ومنه التشبيه

قال الله تعالى:

( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ )

محمد: 15

وبالتالى فإن لمفردات النعيم فى الجنة أسماء ( تتشابه ) مع التى كان يعرفها أهل الجنة فى الدنيا، ولكنها ليست مما كانوا يعرفون فى الدنيا ، فالفرق هائل بين مُتعة زائلة لجسد زائل فان ومتعة خالدة لأصحاب الجنة الذين سيعيشون فيها خالدين

قال الله تعالى:

 ( وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )

البقرة: 25

تقول لهم الملائكة فى تبشيرهم لكم فى الجنة كل ما تشتهون وكل ما تتمنون .

قال الله تعالى:

( نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ )

فصلت: 30 – 32

وعن تمتعهم فى الجنة بكل ما تشتهيه أنفسهم

قال الله تعالى:

( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ . يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ  )

الزخرف: 70-71

ومنها الفاكهة واللحم والخمر

قال الله تعالى:

 ( وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ )

الطور: 22 -23

( وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ )

الواقعة: 21

( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ . وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ . كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ . إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ  )

المرسلات: 41- 44

هى أسماء تتشابه مع الأسماء التى نعرفها ، ولكنها ليست من التى نعرفها .

4 – الحكمة من الشهوات

الشهوة قوة دافعة داخل الإنسان،، ومن ثم يمكننا تشبيه الشهوات بمثابة المحرك فى السيارة، والعقل بمثابة عجلة القيادة، والشرع بمثابة الطريق، فمهمة الشهوات الحركة، ومهمة العقل إبقاء المركبة على الطريق، والشرع هو الطريق تعتمد على طريقة التعامل معها، وإما أن تكون الشهوة سلماً نرقى به إلى أعلى عليين، أو دركات نهوى بها إلى أسفل سافلين ، ومن هنا يبرز المعنى الإيجابى للشهوات، ودائماً وأبداً حينما نتحدث عن الأوامر والنواهى، نجد إنها متعلقة بالشهوات، متعلقة بشهوة النساء، وشهوة المال، فتكاد معظم الأحكام الفقهية تنصب على هذين الحقلين الكبيرين، إذاً يمكننا القول إن الشهوات حيادية، وسلم نرقى بها أو دركات نهوى بها، وهى تتوقف على كيفية استخدامها. وعلى أى حال فالشهوات هى المحرك لعجلة الحياة .

5 – معني كلمة زين

إنَّ الشَّهوة غريزة مزروعة في الإنسان من الله تعالى ، مثل شهوة النِّكاح، وشهوة الأكْل، وشهوة المال، وغير ذلك من الشَّهوات، وتتفاوت درجةُ هذه الشَّهوة من إنسانٍ لآخرَ. . وقد تم تزيين تلك الشَّهوات للإنسان أي تحسينها لهم، ولكن من المزين لتلك الشَّهوات ؟ ، يخبرنا القرآن الكريم إن التزيين يمكن أن يكون  ..

أولا – تزيين من الله تعالي

فكلمة ﴿ زُيِّنَ ﴾ تعطينا فاصلاً بين المتعة التى يحلها الله ، وبين المتعة التي لا يرضاها .

أ- من يجد الله فيه خيرا

قال الله تعالى:

﴿ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ﴾

الحجرات: 7

ولكن الله حبب إليكم الإيمان وحسَّنه في قلوبكم، فآمنتم، وكرَّه إليكم الكفرَ بالله والخروجَ عن طاعته، ومعصيتَه .

ب – من يعمل سيئا

قال الله تعالى:

﴿  زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ ﴾

النمل : 4

﴿ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ﴾

الأنعام : 108

حسَّنَّا لهم أعمالهم السيئة، فرأوها حسنة عقوبة لهم على سوء اختيارهم .

فسنة الله تعالى واضحة ، فيضل الله من يشاء الضلال ، ويهدي من يشاء الهدي .

قال الله تعالى:

﴿ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾

إبراهيم : 4

ثانيا – الشيطان

المتعة التى لا يرضاها الله، فهذا من شغل الشيطان .

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾

الحجر: 39

قال إبليس: ربِّ بسبب ما أغويتني وأضللتني لأحسِّنَنَّ لذرية آدم معاصيك في الأرض، ولأضلنهم أجمعين عن طريق الهدى .

قال الله تعالى:

﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾

البقرة : 212

حسَّن الشيطان للذين جحدوا وحدانية الله الحياةُ الدنيا وما فيها من الشهوات والملذات .

قال الله تعالى:

﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ ﴾

الرعد : 33

﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ﴾

العنكبوت : 38

حسَّن الشيطان للكفار قولهم الباطل وصدَّهم عن سبيل الله.

ثالثا – أهل السوء

قال الله تعالى:

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾

النساء: 27

والله يريد أن يتوب عليكم، ويتجاوز عن سيئاتكم، ويريد الذين يسيرون خلف ملذاتهم، أن تبعدوا عن طريق الاستقامة بُعدًا شديدًا.

6 – المقارنة بين شهوات

الدنيا ونعيم الآخرة

تذكر الأيات المقارنة بين شهوات الدنيا ونعيم الآخرة فى الجنة للمتقين .

قال الله تعالى:

( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ . قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ )

آل عمران: 14-15

قل – أيها الرسول-: أأخبركم بخير مما زُيِّن للنَّاس في هذه الحياة الدنيا، لمن راقب الله وخاف عقابه جنات تجري من تحت قصورها وأشجارها الأنهار، خالدين فيها، ولهم فيها أزواج مطهرات من الحيض والنفاس وسوء الخلق، ولهم أعظم من ذلك: رضوان من الله. هذا هو الفارق بين الشهوات الدنيا ومتاعها الذى زين لنا الشيطان أن نتنازع حولها وبين شهوات الجنة ومتاعها الذى لا يمكن لنا تخيل متعته . وكل فرد له الحرية فى الاختيار . وهو إختيار وإختبار .

7- الشهوات بين

الحلال والحرام

قال الله تعالى:

( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ )

آل عمران: 14

فهذا التزيين- التحسين والتحبيب – من الله على وجه الابتلاء والاختبار .

قال الله تعالى:

﴿ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ﴾

الأنعام: 165

﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾

التغابن: 15

فمن أخذ منها بقدر ما أبيح له ولم يتعد حدود ما شرع الله تعالى نال السعادة في الآخرة، وتمتع بها في الحياة الدنيا.

قال الله تعالى :

﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾

الشورى: 36

فإن طغى وتجاوز الحد أصبحت هذه الشهوات من السيئات

قال الله تعالى:

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾

مريم: 59

فهؤلاء آثروا المعصية على الطاعة، وساروا في طريق الشهوات، وأعرضوا عن طريق الطاعات؛ فهم خلَف سوء.

قال الله تعالى:

( وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً  )

النساء: 27

والله يريد أن يتوب عليكم، ويتجاوز عن خطاياكم، ويريد الذين ينقادون لشهواتهم وملذاتهم أن تنحرفوا عن الدين انحرافًا كبيرًا.

قال الله تعالى:

﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾

التوبة : 55

فلا تعجبك -أيها النبي- أموال هؤلاء المنافقين ولا أولادهم، إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الحياة الدنيا بالتعب في تحصيلها وبالمصائب التي تقع فيها، حيث لا يحتسبون ذلك عند الله، وتخرج أنفسهم، فيموتوا على كفرهم بالله ورسوله.

وأخيرا ..

فالإسلام لم يدع لقتل الشهوات؛ إذ إن بها دوام الحياة واستمرارها، ولكن دعا إلى أن تكون تحت السيطرة.

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ ﴾

الأعراف: 32

قل – أيها الرسول- لهم : مَن الذي حرَّم عليكم التمتع بالحلال الطيب من رزق الله تعالى ؟

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ ﴾

الأعراف : 33

قل – أيها الرسول – لهم: إنما حَرَّم الله القبائح من الأعمال، ما كان منها ظاهرًا، وما كان خفيًّا .

8 – أسباب الانجرار

وراء الشهوات

إنّ معرفة أسباب الانجرار وراء الشهوات يساعد على تربية الشهوات وعلاجها. ومن هذه الأسباب نذكر الآتي:

1- ضعف الإيمان

إنّ الإيمان بالله عزّ وجلّ هو الضمانة والوقاية من المعصية، فكلّما ضعف إيمان العبد كان أكثر جرأة على محارم الله عزّ وجلّ .

قال الله تعالى:

﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّ ﴾

مريم : 59

2- رفيق السوء

أنّ النفس المائلة إلى الشرور تميل إلى طبع رفيق السوء سريعاً وتسكن إليه وتسعدّ لصدور ما يصدر عنه من الأمور المنكرة ، وعلى العكس إذا كان الرفيق زاهداً متورعاً متديناً. ولقد حذر الله تعالى من ذلك .

قال الله تعالى:

( وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا )

النساء : 27

ويريد الذين ينقادون لشهواتهم وملذاتهم أن تنحرفوا عن الدين انحرافًا كبيرًا مثلهم .

3- إتباع هوى النَّفس

هوى النَّفس هو كلُّ ما قد تميل إليه النَّفس من الحرام والمعاصي والمآثم التي تغضب الله تعالى منها ولا يرضى عنها .

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾

القصص : 50

ولا أحد أكثر ضلالا ممن اتبع هواه بغير هدى من الله .

قال الله تعالى:

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ ﴾

النازعات :40- 41

والله – سبحانه – جعل أجر وثواب من تمكّن من ضبط نفسه وزجرها عن ذلك الجنّة والفوز بها . ويُقصَد بضبط النَّفس عن الشهوات قدرة النَّفس على التّحكُّم بقوَّة الشَّهوة والمحافظة على التوسط والاعتدال فيها .

9- ثمرات ضبط النَّفس

عن الشهوات

هناك العديد من الثمرات والفوائد المتحقّقة بضبط النَّفس عن الشهوات، ومنها ما يأتي:

1- الفلاح في الدنيا والآخرة

حيث إنّ حفظ المؤمنين والمؤمنات لِفروجهم عن كل ما حرّمه الله -تعالى- ونهى عنه كالزنا واللواط والاقتصار على ما أحلّه الله – تعالى- لهم من إتيان الأزواج فقط من أسباب فلاحهم في الدنيا والآخرة .

قال الله تعالى:

( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ )

المؤمنون: 1-5.

2- الامتثال لأمر الله تعالى وطاعته

فقد أمر الله تعالى نساء المؤمنين بالسِّتر والحِشمة وارتداء الحجاب الذي يخلو من مظاهر الزينة والتبرّج

قال الله تعالى:

( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ )

النور: 31

3-  نيل المغفرة والأجر العظيم

فقد أشار الله تعالى إلى أسباب مغفرة الذنوب ونيل الأجر العظيم والتي منها حفظ الفرج عن الحرام .

قال الله تعالى:

( وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّـهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّـهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا )

الأحزاب : 35

4 – نيل الجنّة والفوز بها

حيث جعل الله تعالى أجر مَن ضبط نفسه عن الشهوات الفوز بالجنة ونعيمها .

قال الله تعالى:

( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى )

النازعات: 40-41

10- الصيام وضبط شهوات النفس

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

البقرة : 183

نجد أن أعظم شهوتين للإنسان هما شهوتا الطعام والنساء، فبالطعام يحيا الإنسان ويستمر فى تواجده على الأرض، وبالنساء يكون التناسل الذى يحفظ النوع البشرى من الانقراض، وهناك شهوات أخرى، لكنها بالتبعية تصب فى هاتين الشهوتين الرئيستين وتنطلق منهما مثل شهوة المال وشهوة المنصب والرئاسة وشهوة الجاه والحسب وشهوة التزيُّن والعُجْب وشهوة الرياء، فبالمال والسلطان يستطيع أن يبلغ الإنسان درجات متفاوتة فى إشباع هذه الشهوات.

ومن ثم أراد الشارع الحكيم أن يدرب المسلم على ضبط شهوات نفسه ففرض عليه الامتناع عن الطعام والنساء من خلال الصيام لفترة محدودة من اليوم والليلة لمدة شهر هو شهر رمضان، بل وحببه إلى فعل ذلك ثلاثة أيام على الأقل من كل شهر وهى الليالى القمرية، لماذا؟ لأن فى هذا الامتناع حكمة تنادينا قائلة: إنكم امتنعتم عن الحلال المباح، فيجب أن تستحوا من الله عز وجل ـ وتمتنعوا عن الحرام من باب أولى، إذ لا يعقل أن نمتنع عن الحلال ثم نقترف الحرام، وبهذا الابتعاد عن أهواء النفس وشهواتها، ووسوسة الشيطان يمثل الصيام رافداً هاماً من أهم روافد الطاقة الروحية، لما فيه من وقفٍ لعوائد النفس وانطلاقها فى ملذاتها .

 

Share This