1- مفهوم الشريعة

هي ما شرعه الله لعباده المؤمنين من أحكام وقواعد ونظم لإقامة الحياة العادلة وتصريف مصالح الناس وأمنهم في العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات ونظم الحياة، في شعبها المختلفة لتنظيم علاقة الناس بربهم وعلاقاتهم بعضهم ببعض وتحقيق سعادتهم في الدنيا والآخرة.

2- الأمر بتباع الشريعة

قَال الله تعالى:

﴿  ثمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

الجاثية:  18

أمر الله تعالى رسوله بتباع الشريعة ، و عدم إتباع أهواء الجاهلين بشرع الله الذين لا يعلمون الحق .

3- مصادر الشريعة

آن القر آن الكريم هو أساس الدين ومصدر التشريع فيه ، وهو حجة الله البالغة على خلقه في كل عصر، وهو أول مصدر من مصادر التشريع الإسلامي يجب أن يلجأ إليه العالم للبحث عن حكم الله في أي مسألة . والقرآن الكريم هو الفرقان بين الحق والباطل، و بين الحلال والحرام و بين الخير والشر، و بين الهدى والضلال .

قَال الله تعالى:

﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ﴾

النحل: 89

4- خصائص الشريعة

ومن أهم هذه الخصائص ما يلي:

1- إلهيية المصدر

إن مصدر الشريعة وحي من الله تعالى .

قَال الله تعالى:

﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

النحل: 44

فالله عز وجل هو العليم الخبير الذي يعلم بأحوال العباد

قَال الله تعالى:

﴿  أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾

الملك: 14

2- ازدواجية الجزاء

تعني ازدواجية الجزاء في الشريعة أنّ الثواب والعقاب يشمل الدنيا والآخرة ليس كالأحكام الوضعية التي يتوقّف فيها الجزاء على الدنيا، وهذا لا يجعل للجزاء هيبة في قلوب الناس، فمتى استطاعوا الهروب منه فسيزول عنهم ولن يُفكروا بالجزاء الآخروي، أمّا في دين الإسلام فالأمر مختلف فهيبة العقوبة وأنّ الله تعالى سُيحاسب الناس على ما قدموه من أعمال في الدنيا له أثر كبير في الإقدام على فعل الخير والإحجام عن الشر والظلم.

قَال الله تعالى:

﴿ أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾

البقرة: 77

﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ . ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾

الغاشية: 25- 26

3- الشمول

تمتاز أحكام الشريعة الإسلامية عن القوانين الوضعية بأنها شاملة لكل مناحي الحياة الإنسانية، وتنظم جميع النشاط الإنساني . وهي تتناول علاقات الإنسان الثلاث، علاقته بربه ، وعلاقته بنفسه ،  وعلاقته بمجتمعه لأن أحكام  هذا الفقة جاءت للدين والدنيا ، و لأنه  دين ودولة وعام للبشرية  . ولذلك جاءت أحكام هذا الفقة تنظم كل ما يصدر عن الإنسان المكلف من أقوال وأفعال وتصرفات.

قَال الله تعالى:

﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ﴾

النحل: 89

4- المرونة

إن أحكام  الشريعة الإسلامية في دائرة المعاملات تتسم بالمرونة والصلاحية للتطبيق الدائم، وذلك لأنها تقوم على المبادئ والقواعد الخالدة التي تتعلق بتحقيق مصالح الناس الثابتة التي لا تتغيرو لا تتبدل على مر الدهور والعصور، كقاعدة التر اضي التي تبنى عليها العقود ، وقواعد ضمان الضرر ، وحماية حقوق الإنسانية بقمع الإجر ام والجريمة. ثم إن أحكام هذه الشريعة  تتسم بالمرونة التي يمكن أن تر اعي جميع الأعر اف والمصالح ووسائل الحياة مهما تغيرت.

قَال الله تعالى:

﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ﴾

النمل 78

5- تضمن مصلحة الفرد وتحفظ المجتمع

الشريعة راعت مصلحة الفرد والجماعة، بشكل متوازن، ولم يجعل إحداهما تطغى على المصلحة الأخري ، وعند التعارض تُقدم مصلحة الجماعة  بشرط التعويض العادل للفرد ورفع الظلم عنه. كما أنه عند تعارض مصلحة شخصين فإنه يُقدم مصلحة من يصيبه أكبر الضررين .

قَال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾  

المائدة 50

6- ارتباطها بالأخلاق وقيامها على العقيدة

فأحكام الشريعة تختلف عن القانون في ارتباطها بقواعد الأخلاق والمثل العليا، ورعاية الفضيلة. لأن الغاية من تطبيق أحكامها والعمل بمقتضاها سعادة الإنسان في الدارين. أما أحكام القانون الوضعي ، فغايته المحافظة على النظام العام واستقر ار المجتمع وان كان على حساب  إهدار بعض القيم الخلقية والدينية.

قَال الله تعالى:

﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

آل عمران 164

7- اليسر ورفع الحرج

إن رفع الحر ج والمشقة عن الناس في التكاليف والواجبات الشرعية  أمر بُنيت عليها أحكام الشريعة وخصوصا في أحكام المعاملات والعبادات.

قَال الله تعالى:

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾

البقرة: 286

﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾

الحج: 78

﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾

البقرة:  185

8- مخاطبة العقل والقلب معًا

إنّ الشريعة تُخاطب العقل وتُبيّن له كثير من العلل والأسباب التي كانت وراء الأحكام الشرعية، وتدعوه للتأمل والتفكّر في الآيات الشرعية والكونية؛ حتّى ينقاد راغبًا مُطيعًا ويمتثل للأوامر وينتهي عن المناهي .

قَال الله تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾

البقرة : 164

أما الفطرة الإنسانية فهي تميل لفعل الأشياء طواعيةً واختيارًا وليس إجبارًا، كما أنّ الأحكام الشرعية متلائمة مع هذه الفطرة وتُراعي دوافع الإنسان ورغباته ولا تكبت هذه الرغبات وإنّما تضع لها أحكامًا مناسبة تضمن مصلحة الفرد وتحفظ المجتمع.

قَال الله تعالى:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

الروم: 30

﴿ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴾

الزخرف: 27

6 – أحكام الشريعة

وهذه الأحكام تشمل نوعين ، وهما

الأول – أحكام العبادات

مما يُقصد به تنظيم علاقة الإنسان بربه من إيمان وعباده وطاعة وشكر وغير ذلك.

قَال الله تعالى:

﴿ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾

البقرة:  62

﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾

الإسراء: 23

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ ﴾

النساء: 59

﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ﴾

التغابن: 16

﴿ قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ﴾

الأحقاف: 15

الثاني- أحكام المعاملات

وهي التي تنظم علاقات الناس بعضهم ببعض سواء كانوا أفراد أم جماعات من عقود وتصرفات وعقوبات وغير ذلك. وهذه الأحكام تشمل ما يلي:

1- أحكام عقود المعاملات

من بيع واجارة وهبة واعارة ورهن وشركة وغير ذلك مما يقصد بها تنظيم العلاقات المالية بين  الناس.

قَال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ﴾

البقرة : 282

﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾

البقرة : 275

2- أحكام الأحوال الشخصية

من زواج وطلاق ونفقة ونسب وميراث ووصايا وغير ذلك .

قَال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾

البقرة:  231

﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾

النساء: 11

3- الأحكام الجنائية

وهي الأحكام التي تتعلق بما يصدر عن الإنسان المكلف من جرائم ، وما يستحق عليها من عقوبات ، ويقصد بها حفظ حياة الناس وأموالهم وأعراضهم ويقصد بها حفظ الأمن .

قَال الله تعالى:

﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ﴾

النور: 2

﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا ﴾

المائدة : 38

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ﴾

البقرة : 178

4- الأحكام الدستورية

وهي التي تنظم علاقة الحاكم بالمحكومين وتقرير ما للأفر اد من حقوق وما عليهم من واجبات وهي ما نسميه بنظام الحكم.

قَال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾

النساء: 58

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾

النساء: 59

5- الأحكام الدولية

وهي الأحكام التي تتعلق بتنظيم علاقة الدولة الإسلامية بغيرها من الدول في حالتي السلم والحرب، وعلاقة غير المسلمين المواطنين بالدولة بالمسلمين. وتشمل أحكام الجهاد والمعاهدات .

قَال الله تعالى:

﴿ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾

الحجرات: 13

﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ ﴾

النحل: 91

6- أحكام المرافعات

وهي الأحكام التي تتعلق بالقضاء والدعوى وطرق الإثبات أمام القضاء،ويقصد بها تنظيم السلطة القضائية وتنظيم الإجراءات لإقامة العدالة بين الناس وفي المجتمع.

قَال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾

البقرة : 283

﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ﴾

المائدة : 49

7- الأحكام الاقتصادية والمالية

وهي الأحكام التي تتعلق بحقوق الأفر اد المالية ، والتز اماتهم وما ينشأ عنها ويتصل بها من أحكام. ، وتشمل الأحكام المالية التي تنظم علاقة الأغنياء و الفقراء المالية. والعلاقات المالية التي بين الدولة  والأفراد. وتشمل حقوق الدولة المالية. وتنظم موارد بيت المال ونفقاته. ولذا فهي تشمل أيضا أموال الدولة العامة والخاصة.

قَال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ  وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾

التوبة: 60

﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

البقرة : 188

﴿ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ﴾

الأعراف: 85

8- أحكام الأخلاق

وهي المحاسن والمساوئ أو الصفات والتصرفات المحمودة التي يجب أن يتحلى بها الإنسان المؤمن، والصفات والتصرفات المذمومة التي يجب أن يتجنبها لتشيع بين الناس صلات التعاون والتراحم والمحبة والوفاء .

قَال الله تعالى:

﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾

لقمان : 14

قال الله تعالى:

 ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾

الأحزاب : 58

﴿ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾

الحجرات : ١١

7- الشريعة الواحدة

   والمتعددة

الشريعة تشتمل على العقيدة والعبادات والمعاملات والأخلاق

قال الله تعالى:

 ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ﴾

الشورى 13-14

فالآية تتكلم عن الشريعة الواحدة وهي العقيدة والأخلاق، فهذه لا تختلف بين الأمم. أما المعاملات والعقوبات فتختلف عبر العصور والحضارات .

قال الله تعالى:

﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾

المائدة : 48

لكن العرف – مع هذا- جرى على استعمال الشريعة بمعنى آخر أضيقَ من معنى الدين، فأطلقها على الأحكام العملية ، فتكون بهذا المعنى مرادفة للفقه ؛ ولهذا شاع تسمية الكليات التي تدرس علوم الفقه بكليات الشريعة، وقد بدأت هذه التسمية في مصر، ثم سرت منها إلى بلدان العالم الإسلامي.

8 – الفرق بين الشريعة والفقه

هناك مجموعة من الفروق بين الشريعة والفقه تتمثّل بالآتي:

– الشريعة هي الدين المُنَزَّل من عند الله تعالى، أما الفقه فهو فهم المجتهدين لتلك الشريعة، فإذا أصاب العلماء الحق في فهمهم كان الفقه موافقًا للشريعة من هذه الحيثية، وإذا أخطأوا لم يخرج اجتهادهم عن الفقه، وإن كان ليس من الشريعة حتمًا.

– لفظ الشريعة أعمّ وأشمل من لفظ الفقه؛ فالشريعة تشمل جميع الأحكام التي هي: الأحكام العقائديّة، والأحكام الأخلاقيّة، والأحكام العمليّة، أمّا لفظ الفقه فهو يَشمل الأحكام العمليّة فقط.

– أحكام الشريعة صواب لا خطأ فيها، وأحكام الفقه التي استنبطها الفقهاء قد يدخلها الخطأ الناتج من فهمهم،

– الفقه قد يعالج مشكلات المجتمع في زمان أو مكان بعلاج يمكن ألا يصلح لمشكلات زمان أو مكان آخر، بخلاف الشريعة الكاملة لكل زمان ومكان.

9- معنى تطبيقِ الشّريعةِ

تطبيقِ الشّريعةِ هو إقامةُ الدّين والعملُ به، أصولِه وفروعِه، عقائدِه وشعائره، عباداته ومعاملاته، قِيَمه وأخْلاقه…

قال الله تعالى:

 ( أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ )

الشورى13

أن أقيموا الدِّين أي: أمرَكم أن تُقيموا جَميعَ شرائعِ الدّين أصوله وفروعه، تقيمونَه بأنفُسِكم، وتَجتهدون في إقامتِه على غيركم، وتعاونون على البر والتّقوى ولا تَعَاونونَ على الإثم والعدوان. ولا تَتَفرَّقوا فيه، أي: ليحصُل منكم الاتِّفاق على أصول الدّين وفروعهِ .

غير أنّه في العُقود الأخيرةِ يمكنُ لأيِّ مراقبِ ومُلاحِظٍ مُهْتَمٍّ، أن يرصُد بسُهولةٍ، ويكتشِفَ بِيُسرٍ، وجود تحريفٍ كبيرٍ لمَفهوم تطبيق الشّريعة ، حيثُ زاغ به بعض النّاس عن المقصود به، وحصروه في أضيق أبوابه،وهو اختزال الشريعة كلِّها، في أضْيق أبوابها، وهو بابُ الحُدود الشّرعية والعقوبات الجنائية!

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾

المائدة : 49

إن الشريعة (أي الدين) في جوهرها تقتضي، فضلا عن الالتزام بالطقوس والعبادات، أن يقدم المسلم المثل الحسن. وذلك من خلال الالتزام بالقيم الإنسانية النبيلة، ورعاية الأسرة وخدمة المجتمع، والتزام التسامح، واحترام حقوق المرأة وحقوق الأطفال، والدفاع عن الحرية ، واحترام كرامة الإنسان والحياة الإنسانية، وحب العمل والمعرفة. والتضحية في سبيل كل ذلك. مئات الآيات القرآنية تكرس تعاليم الدين بهذا المعنى، لكن الغريب ألا تجد أثرا لذلك في مطالب أنصار تطبيق الشريعة.

Share This