مفهوم السخرية في القرآن الكريم

 

1- مفهوم السخرية

السخرية هى الاستهانة والتحقير، والتنبيه على العيوب والنقائص، على وجه يضحك منه، وقد يكون ذلك بالمحاكاة في القول والفعل، وقد يكون بالإشارة والإيماء .

2- كلمة السخرية  

    في

القرآن الكريم

وردت كلمة السخرية في القرآن الكريم 4 مرات. والصيغ التي وردت هي:

– الفعل المضارع

ورد 3مرات

قال الله تعالى:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ )

الحجرات :11

– اسم الفاعل

ورد مرة واحدة

قال الله تعالى:

( فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي )

المؤمنون : 110

وجاءت كلمة السخرية في  القرآن الكريم بمعني التنبيه على العيوب والنقائص، على وجه يضحك منه، وقد يكون ذلك بالمحاكاة في القول والفعل، وقد يكون بالإشارة والإيماء .

3- الكلمات ذات الصلة

    بكلمة السخرية

– الاستهزاء

هو تحقير المستهزأ به و إهانتة  .

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ )

التوبة: 66

– الخوض

هو الشروع في الكلام عن الأخرين بالباطل

قال الله تعالى:

﴿  وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ﴾

التوبة :65

إنما كنا نتحدث بكلام لا قصد لنا به .

– التنابز

التنابز بالألقاب هو كل لقب يكره المسلم أن ينادى به و التي يسوء الشخص سماعها .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ﴾

الحجرات: 11

–  اللمز

اللمزهو إغتاب الناس بالطعن والعيب فيهم .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾

الحجرات: 11

– الضحك

الضحك عليهم :هوالاستهانة بالأخرين ، والاستصغار لهم .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ ﴾

المطففين: 29

– الهمز

الهمز هو الطعن في الناس بشدة وعنف، بغير حقٍّ وبما ليس فيهم.

قال الله تعالى:

﴿ وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ﴾

الهمزة: 1

﴿ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴾

القلم: 11

– اللعب

هو نشاط لا يهدف إلى غاية أو نتيجة .

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ﴾

الأنعام : 32

4 – النهي عن السُّخْرِية

             في

     القرآن الكريم

إن الله عمَّ بنهيه المؤمنين عن أن يسخر بعضهم من بعض بجميع معاني السخرية، فلا يحل لمؤمن أن يسخر من مؤمن لا لفقره ولا لشكله ولا لغير ذلك

قَال الله تعالى:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )

الحجرات : 11

وقَد عدّ الله تعالى السخرية والاستهزاء من أخلاق المنافقين؛ فهي صفة ملازمة لهم، ولا يليق بمسلم التَخَلُّق بأخلاق المنافقين .

قال الله تعالى:

( يَحْذرُ المُنَافِقونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ  )

التوبة : 64

 5- أنواعٌ السخرية

         في

    القرآن الكريم

وللسخرية أنواعٌ وأشكال عدّة، منها

1- الاستهزاء بالله تعالى

ومن الاستهزاء بالله تعالى وَصْفُه بما لا يليق به سبحانه.

أ- السخرية بما أمر به

قال الله تعالى:

﴿ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾

الزمر: 56

يا حسرتى على ما ضيَّعت في الدنيا من العمل بما أمر الله به، وقصَّرت في طاعته وحقه، وإن كنت في الدنيا لمن المستهزئين بأمر الله وكتابه ورسوله والمؤمنين به.

ب – وصفه بما لا يليق بجلاله وعظمته

كمن يصفه بالعجز والتقصير، والبخل، والظلم، وغير ذلك مما لا يليق بجلال الله وعظمته وفضله وعطائه.

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ  )

المائدة : 64

﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا ﴾

آل عمران: 181

لقد سمع الله قول اليهود الذين قالوا: إن الله فقير إلينا يطلب منا أن نقرضه أموالا ونحن أغنياء. سنكتب هذا القول الذي قالوه .

2- السخرية من القرآن الكريم

هوالطعن في آياته، وأحكامها ووصفها بالنقص والعجز

قال الله تعالى:

﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾

التوبة: 65

﴿ وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً ﴾

الكهف: 56

وما نبعث الرسل إلى الناس إلا ليكونوا مبشرين بالجنة لأهل الإيمان والعمل الصالح، ومخوِّفين بالنار لأهل الكفر والعصيان، ومع وضوح الحق يخاصم الذين كفروا رسلهم بالباطل تعنتًا؛ ليزيلوا بباطلهم الحق الذي جاءهم به الرسول، واتخذوا كتابي وحججي وما خُوّفوا به من العذاب سخرية واستهزاء.

3- السخرية من البعث

قال الله تعالى:

﴿ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ  . وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ . وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ . وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ . أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ . أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ ﴾

الصافات: 12 – 17

بل عجبتَ – أيها الرسول- من تكذيبهم وإنكارهم البعث، وأعجب من إنكارهم وأبلغ أنهم يستهزئون بك، ويسخرون من قولك. وإذا ذكِّروا بما نسوه أو غَفَلوا عنه لا ينتفعون بهذا الذكر ولا يتدبَّرون. وإذا رأوا معجزة دالَّة على نبوَّتك يسخرون منها ويعجبون. وقالوا: ما هذا الذي جئت به إلا سحر ظاهر بيِّن. أإذا متنا وصِرْنا ترابًا وعظامًا بالية أإنا لمبعوثون من قبورنا أحياء، أو يُبعث آباؤنا الذين مضوا من قبلنا؟ وقالوا: ما هذا الذي جئت به إلا سحر ظاهر بيِّن. أإذا متنا وصِرْنا ترابًا وعظامًا بالية أإنا لمبعوثون من قبورنا أحياء، أو يُبعث آباؤنا الذين مضوا من قبلنا؟ قل لهم -أيها الرسول-: نعم سوف تُبعثون، وأنتم أذلاء صاغرون.

4 – السخرية من الأنبياء والرسل

وهذه عادة الظالمين في كَلّ قومٍ أُرسل إليهم نبيٌّ من عند الله سبحانه، أن يكْفروا به ويكذّبوه، ويستهزؤوا به، ويصفوه بصفاتٍ لا تليق بمقام النبوة والرسالة، وهو أشرف خلق الله، اصطفاه عليهم ليبلغهم رسالاته.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا. إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا  ﴾  

الفرقان :41-42

وإذا رآك هؤلاء المكذبون – أيها الرسول – استهزؤوا بك قائلين: أهذا الذي يزعم أن الله بعثه رسولا إلينا؟ إنه قارب أن يصرفنا عن عبادة أصنامنا بقوة حجته وبيانه، لولا أن ثَبَتْنا على عبادتها، وسوف يعلمون حين يرون ما يستحقون من العذاب: مَن أضل دينًا أهم أم محمد؟

5- السخرية مَن الصلاة

يستهزئون بالصلاة، ويصدون الناس عنها، ويضحكون ممن يقيمها ويحافظ عليها.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلونَ ﴾

المائدة: 58

وإذا أذَّن مؤذنكم -أيها المؤمنون- بالصلاة سخر اليهود والنصارى والمشركون واستهزؤوا من دعوتكم إليها؛ وذلك بسبب جهلهم بربهم، وأنهم لا يعقلون حقيقة العبادة.

6- السخرية مَن عموم الناس

ومن ذلك الاستهزاء بخِلْقَة الناس، وأشكالهم، وصورهم، مع علمهم بأنّ الله -تعالى- هو من صورهم على هذه الهيئة . ولقد سجل القرآن الكريم عاقبة الساخرين والمستهزئين من المؤمنين، وأخبر بانعكاس الوضعية يوم القيامة بصورة يصبح الساخرون موضع سخرية واستهزاء من طرف عباده المستضعفين في هذه الدنيا .

قال الله تعالى:

 ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاء لَضَالُّونَ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ )

المطففين: 29-34

6 – عاقبة السخرية

السخرية من الناس عاقبتها وخيمة في الدنيا والآخرة، في الدنيا قد يبتلى الساخر بمثل ما سخر به، وفي الآخرة عذاب الله .

1- عدم الفلاح

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ . فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ . إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾

المؤمنون: 109- 111

2- التوعّد بالويل والثبور

قال الله تعالى:

 ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ )

الهمزة: 1

شر وهلاك لكل مغتاب للناس، طعان فيهم.

3-  العذاب الأليم

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾

التوبة: 79

ومع بخل المنافقين لا يَسْلَم المتصدقون من أذاهم؛ فإذا تصدق الأغنياء بالمال الكثير عابوهم واتهموهم بالرياء، وإذا تصدق الفقراء بما في طاقتهم استهزؤوا بهم، وقالوا سخرية منهم: ماذا تجدي صدقتهم هذه؟ سخر الله من هؤلاء المنافقين، ولهم عذاب مؤلم موجع.

4- ندم الساخر على ما قدمت يداه

قال الله تعالى:

﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾

الزمر: 56

وأطيعوا ربكم وتوبوا إليه حتى لا تندم نفس وتقول: يا حسرتى على ما ضيَّعت في الدنيا من العمل بما أمر الله به، وقصَّرت في طاعته وحقه، وإن كنت في الدنيا لمن الساخرين بأمر الله وكتابه ورسوله والمؤمنين به.

5- اكتساب الإثم والذنب

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً ﴾

الأحزاب: 58

والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بقول أو فعل من غير ذنب عملوه، فقد ارتكبوا أفحش الكذب والزور، وأتوا ذنبًا ظاهر القبح يستحقون به العذاب في الآخرة.

وآخيرا يجب أن نتذّكر قول الله عز وجل

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾

الحجرات: 13

Share This