1- مفهوم الرّضا

الرّضا هو طيب نفس الإنسان بما يصيبه أو يفوته مع عدم السّخط ، والرضوان هو الرضى الكثير.

2- كلمة الرضا

      في

القرآن الكريم

وردت كلمة (الرضا) وصيغها في القرآن الكريم (٧٣) مرة . والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

ورد  ٢٣  مرة

قَال الله تعالى:

﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾

المائدة: ١١٩

– الفعل المضارع

ورد  ٢٣  مرة

قَال الله تعالى:

﴿ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَىٰ عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾

التوبة: ٩٦

-اسم الفاعل

ورد  ٤  مرات

قَال الله تعالى:

﴿ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ﴾

الحاقة: ٢١

-اسم المفعول

ورد  مرتين

قَال الله تعالى:

﴿ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾

مريم: ٥٥

– صيغة المبالغة

ورد مرة  واحدة

قَال الله تعالى:

﴿ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾

مريم: ٦

– مصدر

ورد  ٢٠  مرة

قَال الله تعالى:

﴿ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ ﴾

آل عمران: ١٦٢

وجاء الرضا في القرآن الكريم بمعني هو ضدّ مفهومِ السَّخَطِ والاعتراض

قال الله تعالى:

﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾

محمد: ٢٨

أي: وكرهوا ما يرضيه عنهم.

3- كلمات ذات الصلة

   بكلمة الرضا

-التسليم

التسليم هو الانقيادٌ لأوامر الله تعالى وأحكامه، والإذعان لما يصدر من الحكمة الالهية، وما يصيبه من الحوادث والنوائب ظاهرًا وباطنًا، وقبول كل ذلك من غير إنكار بالقلب واللسان، وهو مرتبة فوق الرضا.

قال الله تعالى:

﴿ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴾ 

الأحزاب: 22

– المحبة

هو ميل الإنسان للشيء وغلبته على قلبه.

قال الله تعالى:

﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾

الفجر: 20

– اليقين

هو العلم و زوال الشك ، وربما كان الرضا ثمرة لليقين.

قال الله تعالى:

﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾

الحجر:99

– السخط

الكراهية للشّيء، وعدم الرّضا به .

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ﴾

التوبة: 58

4- أقسام الرِّضا

   في

القرآن الكريم

ينقسم الرِّضا إلى  الأتي :  رضا من العبد بالله، ورضا من الله عن العبد،

أولا- رضا الله تعالى

لقد ذكر القرآن الكريم أن رضا الله تعالى هو أكبر الجزاء وأعظم النعيم في الجنة، وهو الغاية التي ليس وراءها غاية، وسوف نذكر ذلك في النقاط الآتية:

1- رضا الله غاية

ذكر القرآن الكريم أن العبادات والصدقات والجهاد وغيرها من الأعمال يجب أن يبتغي بها العبد رضا الله تعالى وحده.

قَال الله تعالى:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾

البقرة: ٢٠٧

﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾

النساء: ١١٤

﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ  وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾

البقرة: ٢٦٥

وقد ذكرت الآيات أنه يجب على المؤمن أن يبتغي بعمله مرضات الله تعالى في كل أفعاله وأقواله؛ من صلاة وصيام وصدقة وجهاد في سبيل الله وإصلاح ذات البين، وغيرها من أفعال الخير، وفيها تحذير من الرياء والنفاق، فيجب على كل مؤمن أن يكون رضا الله غايته في كل عمل يعمله

2- رضا الله جزاء

ذكر القرآن الكريم أن رضا الله أعظم جزاء للمؤمن

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾

المائدة: ١١٩

﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

المجادلة: ٢٢

بينت هذه الآيات أن جزاء المؤمنين على صدقهم وإيمانهم، وأعمالهم الصالحة، ومجاهدة أعدائه، وعدم ولايتهم، بأن رضي الله عنهم فأرضاهم، فرضوا عنه، فإن منزلة الرضا أكبر الأجر وأعظم الجزاء الذي أعده الله تعالى لعباده المؤمنين .

قال الله تعالى:

﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾

البينة: ٨

فمن رضي عن اللّه فقد رضي اللّه عنه ، فجعل أحد الرضاءين مقرونًا بالآخر

قال الله تعالى:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾

التوبة: ٧٢

وقد ذكرت الآيه أن رضوان الله تعالى هو الغاية العظيمة التي ليس وراءها غاية ، فقد رفع الله الرضا فوق جنات عدن ،  وهو الجزاء الكبير والفوز العظيم .

3- من رضا الله عنهم

إن الله تعالى رضي عن أنبيائه وعن المؤمنين وعن الأعمال الصالحة، والشفاعة لمن يشاء من عباده الصالحين ، وسوف نذكر هذا في النقاط الآتية:

أ – رضاه عن الرسل والانبياء

إن النبوة درجة عظيمة يعطيها الله تعالى لمن رضي له هذه المرتبة، وارتضاه من بين عباده، ومنتهى درجة العبد أن يكون راضيًا مرضيًّا عند ربه، وهو مطلوب الأنبياء عليهم السلام .

– عن زكريا عليه السلام

وقد ذكر القرآن زكريا عليه السلام ، وهو يسأل ربه ذكرًا صالحًا، ويكون وليًّا من بعده مرضيًّا عند الله وعند خلقه، وراضيًا بتقدير الله،

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا . يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾

مريم: ٥-٦

واستجاب الله دعوته

– عن إسماعيل عليه السلام

وذكر الله تعالى إسماعيل وأنه ارتضاه للنبوة والرسالة

قال الله تعالى:

﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا . وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾

مريم: ٥٤-٥٥

– عن موسى عليه السلام

وذكر القرآن شوق موسى عليه السلام إلى رضى الله

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَىٰ . قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ ﴾

طه: ٨٣-٨٤

– عن سليمان عليه السلام

وسليمان عليه السلام يستعين بربه؛ ليمكنه من شكر نعمته عليه وعلى والديه، ويستعين ربه كذلك؛ ليوفقه إلى عمل صالح يرضاه، وهو يشعر أن العمل الصالح توفيق ونعمة أخرى من الله

قال الله تعالى:

﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾

النمل: ١٩

ب – رضاه بدين الاسلام

بين القرآن الكريم إكمال الله تعالى للمؤمنين دينهم الذي ارتضى لهم بالقرآن، وإتمام نعمته عليهم بالإسلام .

قال الله تعالى:

﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾

المائدة: ٣

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ ﴾

النور: ٥٥

إن الله تعالى أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بأن دين الإسلام، هو الدين المرضي عند الله تعالى.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾

آل عمران: ٨٥

فارضوه أنتم لأنفسكم، فإنه الدين الذي رضيه الله وأحبه وبعث به أفضل رسله الكرام، وأنزل به أشرف كتبه.

ت – رضاه عن المؤمنين

بين القرآن الكريم رضا الله تعالى عن المؤمنين.

قال الله تعالى:

﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾

الفتح: ١٨

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ . جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴾

البينة: ٧-٨

يخبر تعالى عن رضاه عن المؤمنين ، وسبب رضاه ما علمه عنهم من صدق الإيمان في قلوبهم، وطاعتهم لله ولرسوله، وأعمالهم الصالحة.

ث – رضاه عن الأعمال الصالحة

ذكر القرآن الكريم رضا الله تعالى عن الأعمال الصالحة .

قال الله تعالى:

﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾

النمل: ١٩

﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

الأحقاف: ١٥

وفي الآيات إشارة إلى أن العمل المرضي الذي يحبه الله تعالى هو غاية ومطلب الإنسان الصالح السوي، وفيها دعوة لكل مؤمن أن يبادر بالأعمال الصالحة المرضية عند الله تعالى، فرضى الله هو الغاية التي يتطلع إليها، وهو وحده الرجاء الذي يأمل فيه.

ج – الرضا عن المشفوع له

بين القرآن الكريم أن الشفاعة لا تقع إلا بإذن الله لمن رضي عنه، وأن هؤلاء المأذون لهم بالشفاعة لا يشفعون إلا لمن كان الله تعالى راضيًا عنه بإيمانه وعمله الصالح.

قال الله تعالى:

﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾

الأنبياء: ٢٨

﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ ﴾

النجم: ٢٦

أخبر تعالى عن ملائكته أنهم لا يشفعون لأحد إلا أن يرتضيه الله عز وجل

د-  الرضا عن أهل الجنة

بين القرآن الكريم رضا الله تعالى عن أهل الجنة، وأن الفوز بالرضوان أعلى وأعظم وأجل وأكبر مما هم فيه من النعيم.

قال الله تعالى :

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾

التوبة: ٧٢

﴿ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴾

البينة: ٨

﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَٰلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾

آل عمران: ١٥

﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ . ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً . فَادْخُلِي فِي عِبَادِي . وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾

الفجر: ٢٨

وعد الله المؤمنين والمؤمنات بالله ورسوله جنات تجري من تحتها الأنهار ماكثين فيها أبدًا، لا يزول عنهم نعيمها، ومساكن حسنة البناء طيبة القرار في جنات إقامة، ورضوان من الله أكبر وأعظم مما هم فيه من النعيم. ذلك الوعد بثواب الآخرة هو الفلاح العظيم.

4- من لم يرضى الله عنه

إن الله تعالى لم يرض لعباده الكفر والفسوق والعصيان

أ- لا يرضى لعباده الكفر

بيّن الله تعالى أنه لا يرضى لعباده الكفر

قال الله تعالى:

﴿ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ﴾

الزمر: ٧

فالكفر والشرك لا يرضاه الله سبحانه وتعالى، بل إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب لمحاربة الكفر والشرك والقضاء عليهما.

ب-لا يرضى بالفسوق

ذكر القرآن الكريم أن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين.

قال الله تعالى:

﴿ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَىٰ عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾

التوبة:  ٩٦

والفاسقين هم الخارجين عن طاعة الله ، وهو خروجهم عن ما رضيه الله لهم من الإيمان والطاعة، إلى ما يغضبه من الشرك، والنفاق، والمعاصي

ت -لا يرضى   بالأعمال والأقوال السيئة

يخبر الله تعالى عن  صفة من صفات المنافقين، وهي تبييت ما لا يرضى من القول.

قال الله تعالى:

﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴾

النساء: ١٠٨

أخبر الله تعالى أن من صفات هؤلاء الخونة: أنهم يستترون من الناس عند اجتراحهم الآثام إما حياء وإما خوفًا من ضررهم، ولا يستترون من الله ولا يستحيون منه بتركها؛ لضعف إيمانهم؛ إذ الإيمان يمنع من الإصرار وتكرار الذنب، ولا تقع الخيانة من صاحبه إلا عن غفلة أو جهالة عارضة لا تدوم، فمن يعلم أن الله يراه لابد أن يترك الذنب والخيانة؛ حياء منه تعالى وخوفًا من عقابه .

ثانيا – رضا العباد

إن الرضا من العباد مطلوب شرعًا سواء كان ذلك الرضا عن الله وقضائه وقدره، أو كان رضا بعضهم عن بعض، وينقسم رضا العباد إلى قسمين؛ قسم محمود وقسم مذموم، وسوف يتم تناول ذلك في النقاط الآتية:

1- الرضا المحمود

أ – الرضا عن الله

أخبر الله تعالى عن رضاه عن المؤمنين ورضاهم عنه.

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾

المائدة: ١١٩

﴿ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ  أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

المجادلة: ٢٢

﴿ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴾

البينة: ٨

فمن أحسن الرضا عن الله جازاه الله بالرضا عنه، فقابل الرضا بالرضا، وهذا غاية الجزاء ونهاية العطاء

قال الله تعالى:

﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾

التوبة: ١٠٠

رضا العبد عن الله أن لا يكره ما يجري به قضاؤه، ورضا الله عن العبد هو أن يراه مؤتمرًا بأمره ومنتهيًا عن نهيه، وأرضاه: أعطاه ما يرضى به، وترضّاه: طلب رضاه .

ب – الرضا بقدر الله

بين القرآن الكريم أن من صفات المؤمنين الرضا بقدر الله، وعدم الاعتراض عليه

قال الله تعالى:

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾

البقرة: ١٥٥-١٥٧

أخبر الله تعالى عباده أنه سوف يبتليهم بنقص من الأموال والأنفس والثمرات، ثم أخبر بما لهم عند الله تعالى عند الصبر على هذه الشدائد في طاعة الله تعالى، فقضاء الله كله خير وعدل وحكمة، يجب الرضا به كله.

ت – الرضا بحكم الله

إن الرضا بحكم الله تعالى واجب شرعًا

قال الله تعالى:

﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾

النساء: ٦٥

أقسم تعالى في هذه الآية الكريمة بنفسه الكريمة المقدسة، أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، ثم ينقاد لما حكم به ظاهرًا وباطنًا ويسلمه تسليمًا كليًّا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة، وهذه حقيقة الرضا بحكمه

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

النور: ٥١

فيجب على العبد أن يكون راضيًا به بلا حرج، ولا منازعة ولا معارضة، ولا اعتراض.

2- الرضا المذموم

أ – الرضا بالأقوال الباطلة

ذم الله تعالى قومًا رضوا بالأقوال الباطلة

قال الله تعالى:

﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ. وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ ﴾

الأنعام: ١١٢-١١٣

أخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أنه جعل له أعداء يخالفونه ويكذبونه ويعادونه، كما جعل ذلك لكل نبي تقدم قبله، فلا يهولنه ذلك، وأخبر سبحانه أن هؤلاء الأعداء هم شياطين من الإنس وشياطين من الجن، والشيطان كل عاتٍ متمرد من الجن والإنس، قالوا: وشياطين الإنس أشد تمردًا من شياطين الجن؛ لأن شيطان الجن إذا عجز عن إغواء المؤمن الصالح وأعياه ذلك استعان على إغوائه بشيطان الإنس؛ ليفتنه، ومن صفات هؤلاء الشياطين أنهم يدعون الناس إلى ضلالهم وكفرهم، وأنهم يزينون الأعمال القبيحة لبني آدم ويغرونهم بها على المعاصي، وأن هذا بمشيئة الله، وأن الله تعالى لو شاء لمنع الشياطين من إلقاء الوسوسة إلى الإنس والجن، ولكن الله يمتحن من يشاء من عباده بما يعلم أنه الأجزل له في الثواب إذا صبر على المحنة .

ب – الرضا بالقعود عن الجهاد

ذم الله تعالى قومًا رضوا بالتخلف عن الجهاد

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ . رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴾

التوبة: ٨٦-٨٧

وقد بين تعالى أن الأغنياء من هؤلاء المنافقين، إذا أنزل الله سورة فيها الأمر بالجهاد، استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في التخلف عن الجهاد والخروج معه لقتال أعداء الله من المشركين، ورضوا أن يكونوا في منازلهم كالنساء اللواتي ليس عليهن فرض الجهاد، فهن قعود في وبيوتهن، وقد كانت الرجولة تفترض فيهم أن يهبوا للقتال، لكنهم ارتضوا لأنفسهم ضعف النساء والأطفال.

قال الله تعالى:

﴿ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَىٰ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ﴾

التوبة: ٨٣

فإنْ رَدَّك الله -أيها الرسول- مِن غزوتك إلى جماعة من المنافقين الثابتين على النفاق، فاستأذنوك للخروج معك إلى غزوة أخرى بعد غزوة (تبوك) فقل لهم: لن تخرجوا معي أبدًا في غزوة من الغزوات، ولن تقاتلوا معي عدوًا من الأعداء؛ إنكم رضيتم بالقعود أول مرة، فاقعدوا مع الذين تخلفوا عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ت – الرضا بالدنيا وزينتها

ذم الله تعالى قومًا رضوا بالدنيا

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ . أُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

يونس: ٧-٨

إن الذين لا يطمعون في لقائنا في الآخرة للحساب، وما يتلوه من الجزاء على الأعمال لإنكارهم البعث، ورضوا بالحياة الدنيا عوضًا عن الآخرة، وركنوا إليها، والذين هم عن آياتنا الكونية والشرعية ساهون. أولئك مقرُّهم نار جهنم في الآخرة؛ جزاء بما كانوا يكسبون في دنياهم من الآثام والخطايا.

ث – الرضا عن المنافقين

قال الله تعالى:

﴿ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْۖ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَىٰ عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾

التوبة: ٩٦

يحلف لكم -أيها المؤمنون- هؤلاء المنافقون كذبًا؛ لتَرضَوا عنهم، فإن رضيتم عنهم -لأنكم لا تعلمون كذبهم- فإن الله لا يرضى عن هؤلاء وغيرهم ممن استمروا على الفسوق والخروج عن طاعة الله ورسوله.

قال الله تعالى:

﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ ﴾

التوبة: ٦٢

يحلف المنافقون الأيمان الكاذبة، ويقدمون الأعذار الملفقة؛ ليُرضُوا المؤمنين، والله ورسوله أحق وأولى أن يُرضُوهما بالإيمان بهما وطاعتهما، إن كانوا مؤمنين حقًا.

ج – الرضا المشروط بالمنفعة

أخبر الله تعالى عن حال المنافقين، وأن رضاهم وسخطهم لأنفسهم لا للدين وما فيه صلاح أهله .

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ . وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ﴾

التوبة: ٥٨-٥٩

ومن المنافقين مَن يعيبك في قسمة الصدقات، فإن نالهم نصيب منها رضوا وسكتوا، وإن لم يصبهم حظ منها سخطوا عليك وعابوك.

ثالثا – رضا بين العباد

إن الرضا في المعاملات بين الناس ، مبدأ من المبادئ الأساسية في الإسلام وسنذكر بعض المعاملات القائمة على التراضي، وهي ما يأتي:

1- الرضا بالمهر

إذا وجب المهر بين الزوجين وعلم فلا بأس أن يقع فيه التراضي بعد ذلك بين الرجال والنساء في تركه كله أو بعضه أو الزيادة عليه.

قال الله تعالى:

﴿ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾

النساء: ٢٤

فما استمتعتم به منهن بالنكاح الصحيح، فأعطوهن مهورهن، التي فرض الله لهن عليكم، ولا إثم عليكم فيما تمَّ التراضي به بينكم، من الزيادة أو النقصان في المهر، بعد ثبوت الفريضة.

2- الرضا بقسمة الصدقات

قال الله تعالى:

﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ﴾

التوبة 59

ولو أن هؤلاء الذين يعيبونك في قسمة الصدقات رضوا بما قسم الله ورسو له لهم، وقالوا: حسبنا الله، سيؤتينا الله من فضله، ويعطينا رسوله مما آتاه الله، إنا نرغب أن يوسع الله علينا، فيغنينا عن الصدقة وعن صدقات الناس. لو فعلوا ذلك لكان خيرًا لهم وأجدى.

3- الرضا بالشهادة

ذكر القرآن الكريم أن من شرط الشاهد أن يكون عدلًا مرضيًّا عنه.

قال الله تعالى :

﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ﴾

البقرة: ٢٨٢

واطلبوا شهادة رجلين مسلمَيْن بالِغَيْن عاقلَيْن من أهل العدالة. فإن لم يوجد رجلان، فاطلبوا شهادة رجل وامرأتين ترضون شهادتهم، حتى إذا نَسِيَتْ إحداهما ذكَّرتها الأخرى، وعلى الشهداء أن يجيبوا مَن دعاهم إلى الشهادة، وعليهم أداؤها إذا ما دعوا إليها .

4- الرضا بالتجارة

نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضًا بالباطل.

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾

النساء: ٢٩

يا أيها الذين آمنوا ، لا يحل لكم أن يأكل بعضكم مال بعض بغير حق، إلا أن يكون وَفْقَ الشرع والكسب الحلال عن تراض منكم، ولا يقتل بعضكم بعضًا فتهلكوا أنفسكم بارتكاب محارم الله ومعاصيه. إن الله كان بكم رحيمًا في كل ما أمركم به، ونهاكم عنه.

5- الرضا بفسخ العقود

ذكر القرآن الكريم فسخ العقود بالرضا

قال الله تعالى:

﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ  وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ﴾

البقرة: ٢٣٣

وعلى الوالدات إرضاع أولادهن مدة سنتين كاملتين لمن أراد إتمام الرضاعة، ويجب على الآباء أن يكفُلوا للمرضعات المطلقات طعامهن وكسوتهن، على الوجه المستحسن شرعًا وعرفًا؛ لأن الله لا يكلف نفسًا إلا قدر طاقتها، ولا يحل للوالدين أن يجعلوا المولود وسيلة للمضارة بينهما، ويجب على الوارث عند موت الوالد مثل ما يجب على الوالد قبل موته من النفقة والكسوة. فإن أراد الوالدان فطام المولود قبل انتهاء السنتين فلا حرج عليهما إذا تراضيا وتشاورا في ذلك؛ ليصلا إلى ما فيه مصلحة المولود.

5- من ثمار رضا

  العبد عن ربه

وللرضا ثمرات إيمانية كثيرة وافرة تنتج عنه، يرتفع بها الراضي إلى أعلى المنازل، فيصبح راسخاً في يقينه، ثابتاً في اعتقاده، وصادقاً في أقواله وأعماله وأحواله.

أ – دليل على كمال الإيمان

قَال الله تعالى:

( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ )

الفتح 29

ب – الفوز بالجنّة

قَال الله تعالى:

( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )

التوبة 100

ت – النّجاة من النّار

قَال الله تعالى:

( أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ )

آل عمران 162

ث – مظهر من مظاهر صلاح العبد وتقواه

قَال الله تعالى:

( وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا 0 وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا  )

مريم 55

ج – الوعد بالبشرى في الآخرة

قَال الله تعالى:

( وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )

التوبة 72

د- دليل حسن ظنّ العبد بربّه

قَال الله تعالى:

( الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ 0 فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ )

آل عمران 174

و- الهْدايةً

قَال الله تعالى:

( يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ )

المائدة 16

Share This