مفهوم الرِّقّ في القرآن الكريم

1-  مفهوم الرِّقّ

العُبُودِيَّة أو الرِّقّ مصطلح يُشير إلى حالة امتلاك إنسان لإنسان آخر، ويطلق على المالك مسمّى السَّيِّد وعلى المملوك مسمّى العَبْد أو الرقيق. وكان الرقيق يباعون في أسواق النخاسة أو يشترون في تجارة الرقيق .

2- مصادر الاسترقاق

كانت العبودية متفشية في الحضارات القديمة لدواعٍ اقتصادية واجتماعية من خلال الاتي ..

– العجز عن سداد الدين

أن يصير المدين عبدا للدائن إذا لم يتمكن من الوفاء بدينه .

– الاسر من خلال الإغارات على مواطنهم

– الأسر فى الحروب والغزوات

3- كيف عالج الإسلام

   قضية الرق

ظهر الإسلام في عصر كان نظام الرق فيه دِعامةً ترتكِز عليها جميع نواحي الحياة الاقتصادية، وتعتمد عليها جميع فروع الإنتاج في مختلف أمم العالم، فلم يكن من الإصلاح الاجتماعي في شيء أن يحاول مشرِّع تحريمه تحريمًا باتًّا لأول وهلة؛ لأن محاولة كهذه كان من شأنها أن تُعرِّض أوامر الشرع للمخالَفة والامتهان.

لذلك أقرَّ الإسلام الرق، ولكنه أقرَّه في صورة تؤدي هي نفسها إلى القضاء عليه بالتدريج بدون أن يُحدِث ذلك أي أثرٍ سيئ في نظام المجتمع الإنساني، بل بدون أن يشعر أحد بتغيُّر في الحياة، والوسيلةُ التي ارتضاها للوصول إلى هذه الغاية من أحكم الوسائل، وأبلغها أثرًا، وأصدقها نتيجة، وهي تتلخَّص في مسلكين:

أولا – تضييق مصادر الرق

اتخذ الإسلام بعض الوسائل لتضييق الروافد التي تمد الرق وتُغذِّيه وتكفُل بقاءه، بل عمل على تجفيفها تجفيفًا كاملاً… على النحو الآتي ..

1- الرق للعجز عن سداد الدين

كان الرُّومانيون ومِن قبلِهم العبرانيون يَحكمون بالعُبودية عند عجْزُ المُعْسِر عن الوفاء بالدَّيْنِ، رفض الإسلام الرِقَّ لِهذا السبب رفضًا حاسِمًا، ، بل رصَد من الزكاة المفروضة سهْمًا لازمًا لسداد دُيون المُعسرين

قَال الله تعالى:

( وإن كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ وأن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لكمْ إن كُنتم تَعلَمُونَ )

البقرة : 280

وإن كان المدين غير قادر على السداد فأمهلوه إلى أن ييسِّر الله له رزقًا فيدفع إليكم مالكم، وإن تتركوا رأس المال كله أو بعضه وتضعوه عن المدين فهو أفضل لكم، إن كنتم تعلمون فَضْلَ ذلك، وأنَّه خير لكم في الدنيا والآخرة.

2- خطف الأحرار

وكان الخطف إلى القرن الماضي مَصدرًا هائلًا للاستعباد، وجاء الإسلام ليمنع هذا ولم يعد هناك إلا

القتال دفاع عن النفس ..

قَال الله تعالى:

( فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ )

البقرة : 194

فمن اعتدى عليكم بالقتال أو غيره فأنزلوا به عقوبة مماثلة لجنايته، ولا حرج عليكم في ذلك؛ لأنهم هم البادئون بالعدوان، وخافوا الله فلا تتجاوزوا المماثلة في العقوبة .

قَال الله تعالى:

( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )

البقرة : 190

عدم الابتداء بالقتال أوتجاوز الحدود بقَتْلِ من لا يحل قتله من النساء والصبيان والشيوخ، ، ومن في حكمهم . إن الله لا يحب الذين يجاوزون حدوده، فيستحلون ما حرَّم الله .

3- أسرى الحروب

والمصدر الثالث للاسترقاق ـ وهو مصدر خطير ـ أسْرَى الحروب

قَال الله تعالى:

( فإذا لَقِيتُمُ الذينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حتَّى إذَا أثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بعدُ وإمَّا فِداءً حتَّى تَضَعَ الحَرْبُ أوْزَارَها )

محمد : 4

فإذا لقيتم- أيها المؤمنون- الذين كفروا في ساحات الحرب فاصدقوهم القتال، واضربوا منهم الأعناق، حتى إذا أضعفتموهم بكثرة القتل، وكسرتم شوكتهم، فأحكموا قيد الأسرى: فإما أن تَمُنُّوا عليهم بفك أسرهم بغير عوض، وإما أن يفادوا أنفسهم بالمال أو غيره ، واستمِرُّوا على ذلك حتى تنتهي الحرب.

المَنُّ أو الفداء! ليس هناك تصريحٌ في الآية باسترقاق أحدٍ، لم يَعُدِ الأسرُ مَنْبَعًا دائمًا لأسواق الرقيق كما كان ذلك مَعهودًا في القرون الأولى.

وألحق الأسرى فى الإحسان إليهم بالوالدين وبذوى القربى واليتامى والمساكين والجار وابن السبيل.

قَال الله تعالى:

﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾

الإنسان : 8

فوصف المؤمنين بأنهم الذين يطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا.

ثانيا – توسيع المنافذ التي

تؤدي إلى العتق

إن الإسلام لم يوجد الرق ولم يشرعه؛ لأنه جاء والرقُ منتشرٌ بين الناس، وعند الأمم كلها، ولم يوجد في القرآن نصٌّ يبيح الرق، وإنما جاء فيه الدعوة إلى تحرير العبيد، واتخذ وسائلَ شتى لإنقاذ العبيد من العبودية؛ من هذه الوسائل ما يأتي  ..

1- الزّكاة

قال تعالى:

( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )

التوبة :60

إنما تعطى الصدقات الواجبة للمحتاجين الذين لا يملكون شيئًا، وللمساكين الذين لا يملكون كفايتهم، وللسعاة الذين يجمعونها، وللذين تؤلِّفون قلوبهم بها ممن يُرْجَى إسلامه أو قوة إيمانه أو نفعه للمسلمين، أو تدفعون بها شرَّ أحد عن المسلمين، وتعطى في عتق رقاب الأرقاء والمكاتبين، وتعطى للغارمين لإصلاح ذات البين، ولمن أثقلَتْهم الديون في غير فساد ولا تبذير فأعسروا، وللغزاة في سبيل الله، وللمسافر الذي انقطعت به النفقة، هذه القسمة فريضة فرضها الله وقدَّرها. والله عليم بمصالح عباده، حكيم في تدبيره وشرعه.

2- الكفارة

أدخل الإسلام العتق فى أبواب الكفارات للتطهر من الذنوب والمعاصى، فاتخذ العتق وسيلة من وسائلها فى القتل الخطأ، وفى الحنث باليمين والنذر، وفى الظهار الذى كان مقابلا للطلاق فى الجاهلية. وعتق الرقاب كان كفارة لما يأتي:

أ- القتل الخطأ

قال اللّهِ تعالى:

( مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ )

النساء: 92

ب – الظِّهار

قال اللّهِ تعالى:

 ( الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا )

المجادلة : 3

والذين يحرِّمون نساءهم على أنفسهم بالمظاهَرة منهن، ثم يرجعون عن قولهم ويعزمون على وطء نسائهم، فعلى الزوج المظاهِر- والحالة هذه – كفارة التحريم، وهي عتق رقبة مؤمنة عبد أو أمة قبل أن يطأ زوجته التي ظاهر منها .

ج – الحِنث في اليمين

قال اللّهِ تعالى:

 ( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ )

المائدة :89

لا يعاقبكم الله – أيها المسلمون- فيما لا تقصدون عَقْدَه من الأيمان، مثل قول بعضكم: لا والله، وبلى والله، ولكن يعاقبكم فيما قصدتم عقده بقلوبكم، فإذا لم تَفُوا باليمين فإثم ذلك يمحوه الله بما تقدِّمونه مما شرعه الله لكم كفارة من إطعام عشرة مساكين من أوسط طعام أهل البلد، أو كسوتهم، لكل مسكين ما يكفي في الكسوة عُرفًا، أو إعتاق مملوك من الرق .

3- الزّواج من الرّقيق

قال اللّهِ تعالى:

( وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ )

النساء: 25

ومن لا قدرة له على مهور الحرائر المؤمنات، فله أن ينكح غيرهن، من فتياتكم المؤمنات المملوكات. والله تعالى هو العليم بحقيقة إيمانكم، بعضكم من بعض، فتزوجوهن بموافقة أهلهن، وأعطوهن مهورهن على ما تراضيتم به عن طيب نفس منكم،

4- المُكاتبة

من وسائل عتق الرقاب، حيث أجاز الإسلام للعبد أن يشتري نفسه من مالكه والدولة تساعده بتسديد هذا المبلغ كله أو شيء من أدائه .

قال اللّهِ تعالى:

 ( وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ )

النور: 33

والذين يريدون أن يتحرروا من العبيد والإماء بمكاتبة أسيادهم على بعض المال يؤدونه إليهم، فعلى مالكيهم أن يكاتبوهم على ذلك إن علموا فيهم خيرًا: مِن رشد وقدرة على الكسب وصلاح في الدين، وعليهم أن يعطوهم شيئًا من المال أو أن يحطوا عنهم مما كُوتبوا عليه.

5- جعله طريقً إلى رحمة الله

وجعل الإسلام عتقَ السيدِ عبدَه طريقًا إلى رحمة الله وجنته .

قال اللّهِ تعالى:

﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ . فَكُّ رَقَبَةٍ . أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ﴾

البلد : 11 – 14

فهلا تجاوز مشقة الآخرة بإنفاق ماله، فيأمن. وأيُّ شيء أعلمك: ما مشقة الآخرة، وما يعين على تجاوزها؟ . إنه عتق رقبة مؤمنة من أسر الرِّق.

6- جعله من أعمال الخير

وتحرير الرقيق والاحسان اليه هو ضمن المسارعة فى الخير هو أهم بنود التعاون على البر والتقوى .

قال اللّهِ تعالى:

 ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ )

البقرة: 177

 

 

 

 

 

Share This