1- مفهوم الرحمة

الرحمة تعني التعامل مع جميع المخلوقات بالحسنى والرفق واللين والرأفة والتسامح .

وتنقسم الرحمة إلي

أ- رحمة الله لعباده هي التي بها أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وبها هداهم، وبها أسكنهم دار ثوابه، وبها رزقهم وعافاهم، وبها أنعم عليهم.

ب – الرحمة عند العباد هي رقة يجدها المخلوق في قلبه تحمله على العطف والإحسان إلى سواه ومواساته، وتخفيف آلامه.

2- كلمة الرحمة

       في

القرآن الكريم

وردت كلمة (رحم) وصيغها في القرآن الكريم ٣٣٩ مرة. والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

ورد ٨ مرات

قال الله تعالى :

( قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ )

هود: ٤٣

– الفعل المضارع

ورد ١٥ مرة

قال الله تعالى :

﴿ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ ﴾

العنكبوت: ٢١

– المصدر

ورد ١١٦ مرة

قال الله تعالى :

﴿ وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ﴾

آل عمران: ٨

– اسم الفاعل

ورد  ٦مرات

قال الله تعالى :

﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾

يوسف: ٦٤

– صيغة المبالغة

ورد  ١٧٢مرة

قال الله تعالى :

﴿ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ﴾

الفاتحة: ٣

– اسم التفضيل

ورد  ٤مرات

قال الله تعالى :

﴿ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾

يوسف: ٩٢

– الاسم

ورد   ١٣مرة

قال الله تعالى :

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ﴾

النساء: ١

وأطلقت الرحمة في القرآن الكريم على عدة أمور:

1- الإسلام والإيمان

قال الله تعالى :

﴿ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾

الإنسان: ٣١

أي: في دينه الإسلام.

قال الله تعالى :

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴾

هود: ٢٨

أي: الإيمان.

2- الجنة

قال الله تعالى :

﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

آل عمران: ١٠٧

أي: في جنته.

3- المطر

قال الله تعالى :

﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَٰلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾

الأعراف: ٥٧

أي: المطر.

4- النبوة

قال الله تعالى :

﴿ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ ﴾

ص: ٩

أي: مفاتيح النبوة.

5- القرآن

قال الله تعالى :

﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾

يونس: ٥٨

أي: القرآن.

6- الرزق

قال الله تعالى :

﴿ قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا ﴾

الإسراء: ١٠٠

أي: رزق ربي.

7- النصر والفتح

قال الله تعالى :

﴿ قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾

الأحزاب: ١٧

أي: النصر والفتح.

8- العافية

قال الله تعالى :

﴿ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ﴾

الزمر: ٣٨

أي: عافية.

9- المودة

قال الله تعالى :

﴿ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ﴾

الحديد: ٢٧

أي: مودة.

10- التوفيق

قال الله تعالى :

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾

النساء: ٨٣

أي: توفيقه.

11- العصمة

قال الله تعالى :

﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ﴾

يوسف: ٥٣

3- الألفاظ ذات الصلة

– الرأفة

الرّأفة هي أعلى معاني الرحمة، فهي رفع المكروه وإزالة الضرّ

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾

البقرة 143

– القسوة

القسوة هي الصّلابة في كلّ شيءٍ، والقسوة في القلب تعني ذهاب اللّين والرّحمة والخشوع منه ، فالقسوة ضد الرحمة .

قال الله تعالى :

﴿ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾

الزمر 22

4- الرحمة

    في

حق الله سبحانه وتعالى

الرحمة صفة من صفات الله سبحانه وتعالى ، وتُعتبر هذه الصفة من أكثر الصفات ذكراً في القرآن الكريم.

1- الرحمة صفه من صفات الله تعالى

الرحمة المضافة إلى الله تعالى نوعان

1- رحمة ذاتية

موصوف بها سبحانه على الوجه اللائق به، وإضافتها إليه من إضافة الصفة إلى الموصوف .

قال الله تعالى:

 ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾

الأعراف: ١٥٦

﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾

الكهف: ٥٨

2- رحمة مخلوقة

وهي من أثر صفة الرحمة الذاتية، وإضافتها إليه سبحانه من إضافة المخلوق إلى خالقه

قال الله تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ﴾

الأعراف: ٥٧

٢- الرحمة مما كتبه الله سبحانه على نفسه

مما أخبر الله به سبحانه عن نفسه أنه كتب على نفسه الرحمة، أي أوجبها على نفسه الكريمة تفضلًا منه وإحسانًا؛ وهذه الكتابة كونية قدرية لم يوجبها عليه أحد.

قال الله تعالى:

﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾

الأنعام: ٥٤

﴿ قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾

الأنعام: ١٢

-3 – سبق رحمة الله غضبه

بسط الله سبحانه على عباده رحمته وإحسانه، وتغمدهم برحمته وامتنانه، وكتب على نفسه كتابًا أن رحمته تغلب غضبه، وأن العطاء أحب إليه من المنع، وأن الله قد فتح لجميع العباد أبواب الرحمة.

قال الله تعالى:

﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا ﴾

الكهف: ٥٨

﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَٰكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾

النحل: ٦١

﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَٰكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ﴾

فاطر: ٤٥

الله واسع المغفرة، يغفر الذنوب، ويتوب على من يتوب، فيتغمده برحمته، ويشمله بإحسانه، وأنه لو آخذ العباد على ما قدمت أيديهم من الذنوب، لعجل لهم العذاب، ولكنه تعالى حليم لا يعجل بالعقوبة، بل يمهل ولا يهمل، والذنوب لا بد من وقوع آثارها، وإن تأخرت عنها مدة طويلة.

-4 – سعة رحمة الله

الله سبحانه واسع الرحمة ، فرحمته سبحانه وسعت العالم العلوي والسفلي، وشملت الدنيا والآخرة ، والبر والفاجر، والمؤمن والكافر، فلا مخلوق إلا وقد وصلت إليه رحمة الله، وغمره فضله وإحسانه .

قال الله تعالى:

﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ ﴾

الأنعام: ١٤٧

و عن قول حملة العرش ومن حوله

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً ﴾

غافر: ٧

وسعتها عموم تعلقها بكل شيء

قال الله تعالى:

﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾

الأعراف: ١٥٦

5- قرب رحمة الله من المحسنين

فالرحمة مرصدة للمحسنين، الذين يتبعون أوامر الله ويتركون نواهيه ، نواهيه

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾

الأعراف: ٥٦

وأوضح في موضع آخر صفات عبيده الذين سيكتبها لهم

قال الله تعالى:

﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾

الأعراف: ١٥٦

5- اسم الله تعالى الرحمن

ورد اسما الله تعالى الرحمن في مواضع من كتاب الله ، منها

قال الله تعالى:

﴿ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَٰنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ﴾

الرعد: ٣٠

﴿ الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ﴾

طه: ٥

فذكر الاستواء باسمه الرحمن ليعم جميع خلقه برحمته .

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا

الأحزاب: ٤٣

أن الرحمن أشد مبالغة في الرحمة لعمومها في الدارين لجميع خلقه، والرحيم خاصة بالمؤمنين .

6- ورود أسم الله الرحمن والرحيم

مقترنين في القرآن الكريم

ورد هذان الاسمان مقترنين في أكثر من موضع من كتاب الله ومنها

قال الله تعالى:

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ﴾

الفاتحة: 2- 3

أي ذو الرحمة الشاملة التي وسعت الخلق في أرزاقهم وأسباب معايشهم ومصالحهم، وعمت الجميع المؤمن والكافر، وأما الرحيم فخاص للمؤمنين

-7 الأسماء المضافة

ومن الأسماء المضافة ولها تعلق بالرحمة: أرحم الراحمين، وخير الراحمين.

– أما أرحم الراحمين

فقد ورد في دعاء أنبياء الله عليهم السلام.

– عن موسى عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾

الأعراف: ١٥١

– عن يوسف عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾

يوسف: ٦٤

﴿ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾

يوسف: ٩٢

– عن أيوب عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾

الأنبياء: ٨٣

وأرحم الراحمين، أي: الأشد رحمة من كل راحم ، ومن يرحم غاية الرحمة.

– أما خير الراحمين

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾

المؤمنون: ١٠٩

﴿ وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾

المؤمنون: ١١٨

وخير الراحمين، أي أفضل وخير من رحم.

8 – اقتران الفضل بالرحمة

اقترن الفضل والرحمة في مواضع من كتاب الله ، والفضل هو العطاء الزائد .

قال الله تعالى:

﴿ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾

البقرة: ٦٤

﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ ﴾

النساء: ١٧٥

فأمَّا الذين صدَّقوا بالله اعتقادًا وقولا وعملا واستمسكوا بالنور الذي أُنزل إليهم، فسيدخلهم الجنة رحمة منه وفضلا .

5- من وصف بالرحمة في القرآن

الله أرحم الراحمين، جعل الرحمة صفةً له سبحانه، ووصف بها من شاء في كتابه،  ومنهم

أولًا: الكتب السماوية

نعمة إنزال الكتب من أجل النعم التي أنعم الله بها عباده.

– عن التوراة

قال الله تعالى:

﴿ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ﴾

الأنعام: ١٥٤

﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَىٰ بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾

القصص: ٤٣

﴿ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ﴾

الأعراف: ١٥٤

﴿ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ﴾

هود: ١٧

– عن القرآن العظيم

قال الله تعالى:

﴿ وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾

الأنعام: ١٥٥

﴿هَٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾

الجاثية: ٢٠

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾

يونس: ٥٧

وقد ورد وصف كلا الكتابين بالرحمة ، كما اقترن وصف الرحمة في كليهما بأوصاف أخرى، كوصفهما بالهدى والبصائر.

ثانيًا: الرسل

الرحمة صفة الأنبياء والمرسلين، وقد جاء ذلك مصرحًا به في القرآن الكريم؛

– عن نبيه يحيـى عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا ﴾

مريم: ١٣

والحنان هو الرحمة، والعطف والشفقة ؛ وقد أعطاه الله هذه الصفة لا بتربية ولا تعليم، فهو مهدي حنون شفيق بمقتضى تكوينه الفطري

– عن نبيه عيسى عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ﴾

مريم: ٢١

ورحمة من الله به حيث جعله نبيًا يدعو إلى عبادة الله تعالى وتوحيده في مهده وكهولته .

– عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

آل عمران: ١٥٩

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾

الأنبياء: ١٠٧

﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾

التوبة: ١٢٨

اشتملت هذه الآيات على مدح الرسول عليه الصلاة والسلام، ومدح مرسله تعالى، ومدح رسالته؛ بأن كانت مظهر رحمة الله تعالى للناس كافة، وبأنها رحمة الله تعالى بخلقه.

ثالثًا: المؤمنون

وصف الله عباده المؤمنين بالرحمة في عدة آيات من كتابه مدحًا وثناءً عليهم بهذه الصفة، ومنها

– عن صحابة نبيه صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى:

﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾

الفتح: ٢٩

﴿ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ﴾

البلد: ١٧

التواصي بالصبر على الشدائد والطاعات، وعن المعاصي والسيئات، والتواصي بالتراحم .

– عن الحواريين

قال الله تعالى:

﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ﴾

الحديد: ٢٧

ثناء من الله على أتباع عيسى عليه السلام، وهم الحواريين، الذين اتبعوا عيسى على منهاجه وشريعته

رابعًا: الغيث

المطر رحمة من الله يرحم بها عباده في الدنيا فيكونون في جدب وفي فقر، ومواشيهم على وشك الهلاك، فيغيثهم الله بالمطر، فتنبت زروعهم وثمارهم وتنعم مواشيهم. فهذا من غرائب آياته، وعظائم نعمه، فهذا هو أصل النعم الدنيوية على الخلق ؛ ولذا سماه الله رحمة في أكثر من موضع من كتابه

قال الله تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا . لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا ﴾

الفرقان: ٤٨-٤٩

﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾

الشورى: ٢٨

6- الأسباب التي تؤدي

     رحمة الله

من الأسباب التي تؤدي إلى رحمة الله تعالى الأتي ..

1- الأيمان والعمل الصالح

قال الله تعالى:

 ( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ  ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ )

الجاثية30

2- طاعة الله -تعالى- ورسوله عليه الصلاة والسلام

قال الله تعالى:

 ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )

آل عمران132

3- التقوى

قال الله تعالى:

( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )

يس45

4- الاستماع والإنصات للقرآن الكريم

قال الله تعالى:

( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )

الأعراف204

5- الاستغفار

قال الله تعالى:

( قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ  لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )

النمل46

6- التوبة

قال الله تعالى:

( أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )

الأنعام 54

7- الصبر

قال الله تعالى:

( وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ  وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )

البقرة155  -157

-8 الموت في سبيل الله

الموت في سبيل الله، وسيلة إلى نيل رحمة الله وعفوه ورضوانه، وذلك خير من البقاء في الدنيا وجمع حطامها الفاني

قال الله تعالى :

﴿ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾

آل عمران: ١٥٧

9-  الاعتصام بالله

وعد الله المؤمنين المعتصمين به بالرحمة والفضل والهداية

قال الله تعالى:

﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾

النساء: ١٧٥

7- أسباب اليأس و

القنوط من رحمة الله

عرض القرآن الكريم لعدد من أسباب اليأس والقنوط من رحمة الله؛ ومن هذه الأسباب:

١ – الجهل بالله تعالى وسعة رحمته

من أنعم الله عليه بالهداية والعلم العظيم، فلا سبيل إلى القنوط إليه لأنه يعرف من كثرة الأسباب والوسائل والطرق لرحمة الله شيئًا كثيرًا. وإنما يقنط من رحمة الله القوم الذين أخطؤوا سبيل الصواب، وتركوا قصد السبيل في تركهم رجاء الله؛ لأنهم لا علم لهم بربهم، وكمال اقتداره فضلّوا بذلك عن دين الله.

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾

الحجر: ٥٦

لقد كان القانط من رحمة الله ضالًا؛ لأن من علم أن الله على كل شيء قدير لم يستبعد شيئًا على قدرة الله، ومن علم أن الله رحيم لا يستبعد أن يرحمه الله سبحانه.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾

يوسف: ٨٧

اليأس من رحمة الله وتفريجه من صفة الكافرين

٢ – إسراف العبد على نفسه في المعاصي والإفراط فيها

فيصر عليها ويصمم على الإقامة على المعصية، ويقطع طمعه من رحمة الله؛ لأجل أنه مقيم على الأسباب التي تمنع الرحمة

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾

الزمر: ٥٣

٣ – عدم الصبرعند حصول المحن، والشكر عند حصول المنن

الصبر خير كله، وهو أول صفات المؤمنين، ومن الصبر ألا يكفر عند النعمة، وألا ييأس عند النقمة

قال الله تعالى:

﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ . وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ . إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾

هود: ٩- 11

أن عدم الصبر عند حلول المصايب، والشكر عند حلول النعم من أسباب اليأس والقنوط من رحمة الله

8 – صورمن رّحمة الله تعالى

من هذه الصّور ما يأتي …

1- دخول الجنّة

قال اللَّهِ تعالى:

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ )

البقرة218

فالرحمة تعني هنا أنّ المؤمنين يبتغون نيل رحمة الله، وهي دخول الجنّة يوم القيامة.

2- هداية النّاس

من خلال بعث الرّسل إليهم ليرشدوهم إلى طريق الحقّ، ويحذّرونهم من طريق الضّلال والانحراف.

قال اللَّهِ تعالى:

 ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )

الأنبياء 107

 (وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ)

البقرة105

والله يختص برحمته مَن يشاء مِن عباده بالنبوة والرسالة

3- إنزال الكتب

التي فيها رّحمة للناس.

قال اللَّهِ تعالى:

 ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ )

الإسراء 82

( وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً )

هود 17

4- نعمة على عباده

قال اللَّهِ تعالى:

 (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ )

فاطر2

ما يفتح الله للناس من رزق ومطر وصحة وعلم وغير ذلك من النعم، فلا أحد يقدر أن يمسك هذه الرحمة، وما يمسك منها فلا أحد يستطيع أن يرسلها بعده سبحانه وتعالى

5-غفران الذنوب

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

الأنعام: ٥٤

يتجلى هنا معنى الرحمة بمغفرة الله لذنوب عباده، وعفوه عمّا سلف، وقبوله لتوبتهم، واستغفارهم، وعودتهم إليه.

6- التوادّ بين النّاس

وهذا ظاهرٌ في

قال اللَّهِ تعالى:

( وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً )

الحديد27

( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً )

الروم 21

7- إجابة الدّعاء

قال اللَّهِ تعالى:

( ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا )

مريم2

حيث استجاب الله -تعالى- دعوة نبيّه زكريا برحمته وكرمه، فرزقه الولد الصّالح.

ومن ذلك أيضًا الرحمة التي رحم الله بها عبده أيوب عليه السلام .

قال الله تعالى:

﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ ﴾

الأنبياء: ٨٣-٨٤

8-  إرسال الرياح اللينة بالغيث

إرسال الرياح المبشرات بالغيث، التي تثيره بإذن الله من الأرض، فيستبشر الخلق برحمة الله، ومن عظائم نعمه على خلقه

قال الله تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَٰلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾

الأعراف: ٥٧

9-  إنجاء المؤمنين

نجاة المؤمنين تكون برحمة من رب العالمين

عن هود عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا ﴾

هود: ٥٨

عن النبي صالح عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا ﴾

هود: ٦٦

عن النبي شعيب عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا ﴾

هود: ٩٤

10 –  حفظ الصالحين وأولادهم

العبد المؤمن الصالح يتولاه الله حتى بعد مماته رحمة منه، وخاصة ما ترك من الذرية .

قال الله تعالى:

﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾

الكهف: ٨٢

11-  الوقاية من عداوة الشيطان ووسوسته

الإنسان بطبعه ظالم جاهل، فلا تأمره نفسه إلا بالشر؛ فإذا لجأ إلى ربه واعتصم به واجتهد في ذلك، لطف به ربه ووفقه لكل خير، وعصمه من الشيطان الرجيم

قال الله تعالى:

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾

النساء: ٨٣

١2 – إمساك الطير حال الطيران

من رحمانيته تعالى لطفه بالطير وإمساكه إياها صافات وقابضات في جو السماء ،

قال الله تعالى:

﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ﴾

الملك: ١٩

فالذي يحفظ الطير من السقوط بما أودع فيها من خاصية الطيران بالقبض والبسط هو الرحمن، وخص ذكره دون لفظ الجلالة (الله)؛ للدلالة على أن هذا الحفظ من رحمته بهذه المخلوقات.

9- موقف الخلق من رحمة الله

رحمة الله مبذولة لكل أحد

قال الله تعالى:

﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾

الأعراف: ١٥٦

وقد انقسم الناس تجاه هذه الرحمة إلى الآ تى

1- الآيسون القانطون من رحمة الله

و الآيسون من رحمة الله هما

أ – الكفار

بتركهم الأسباب التي تقربهم منها

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَٰئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾

العنكبوت: ٢٣

﴿ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾

يوسف: ٨٧

ب-  العصاة

فيقوى خوف العبد بما جنت يداه من الجرائم، ويضعف علمه بما لله من واسع الرحمة والمغفرة، ويظن بجهله أن الله لا يغفر له ولا يرحمه ولو تاب وأناب، وتضعف إرادته، فييأس من الرحمة

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾

الزمر: ٥٣

2- الذي يتكلون على عفو الله ومغفرته ورحمته

الاتكال على رحمة الله يسبب مفسدةً عظيمةً هي الأمن من مكر الله ؛ فيسترسل في المعاصي ويتكل على رحمة الله من غير عمل

قال الله تعالى:

﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾

الأعراف: ٩٩

3- الذين جمعوا بين الخوف من عذاب الله،

وبين الرجاء لرحمة الله

إن ترقب المرء المنفعة من غير أسبابها فذلك الترقب يسمى غرورًا. وقد مدح الله أهل الخوف والرجاء

قال الله تعالى:

﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴾

الإسراء: ٥٧

فابتغاء الوسيلة إليه هو التقرب بحبه وطاعته، ثم ذكر الرجاء والخوف ؛ وذكر خوف العذاب بعد رجاء الرحمة للإشارة إلى أنهم في موقف الأدب مع ربهم؛ فلا يزيدهم القرب من رضاه إلا إجلالًا له وخوفًا من غضبه .

 

 

Share This