مفهوم الربا في القرآن الكريم

1- مفهوم الربا

الربا هو الزيادة على أصل المال التي يأخذها الدائن من المدين نظير التأجيل.

2- كلمة الربا

     في

القرآن الكريم

وردت كلمة الربا في القرآن الكريم (١٨) مرة. والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

ورد  مرتين

قال الله تعالى:

﴿ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾

الحج :٥

– الفعل المضارع

ورد 3  مرات

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ ﴾

الروم :٣٩

– اسم فاعل

ورد  مرتين

قال الله تعالى:

﴿ فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا

الرعد :١٧

– مصدر

ورد 8  مرات

قال الله تعالى:

﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا

البقرة :٢٧٥

– أفعل التفضيل

ورد مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ ﴾

النحل:٩٢

– اسم مكان

ورد   مرتين

قال الله تعالى:

﴿ وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ﴾

المؤمنون:٥٠

وجاء الربا في القرآن على ثلاثة أوجه:

1- الزيادة والكثرة

قال الله تعالى:

﴿ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ ﴾

النحل: ٩٢

يعني: أغنى وأكثر عددًا.

2- المكان المرتفع

قال الله تعالى:

﴿ وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ﴾

المؤمنون: ٥٠

يعني: موضع مشرف ومكان مرتفع.

3- الشدة

قال الله تعالى:

﴿ فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً ﴾

الحاقة:١٠

يعني: شديدة.

3- الكلمات ذات الصلة

   بكلمة الربا

– الزكاة

ما يخرجه الإنسان من ماله إلى الفقراء والمستحقين زكاة لما فيه من معاني النمو والبركة والتزكية للنفس وللمال.

قال الله تعالى:

﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ ﴾

البقرة : 110

– البركة

هي ثبوت الخير الإلهي في الشيء.

قال الله تعالى:

﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ﴾

فصلت: 10

– المحق

المحق هوالنقصان وذهاب البركة .

قال الله تعالى:

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾

البقرة: 276

4- حكم الربا

     في

القرآن الكريم

أن الله تعالى لا يأمر بشيءٍ إلا بما يحقق مصلحة عباده، ولا ينهاهم إلا عما يفسد حياتهم.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾

النحل: ٩٠

فلم يبق عدلٌ ولا إحسانٌ ولا صلةٌ إلا أمر به في هذه الآية الكريمة، ولا منكرٌ متعلقٌ بحقوق الله ولا بغي على الخلق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم إلا نهى عنه، ووعظ عباده أن يتذكروا ما في هذه النواهي من الشر والضرر، فيجتنبوه، وقـد نهى الله تعالى عن المعاصي جميعها، وتوعد من خالف أمره بالعقاب.

أولًا – تحريم الربا في الإسلام

لقد حرم الله الربا وجعله من أكبر الكبائر، كما بين أنه سببٌ لعقوباتٍ عديدةٍ في الدنيا والآخرة .

قال الله تعالى:

 ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾

البقرة: ٢٧٨-٢٧٩

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً  وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

آل عمران: ١٣٠

ولذلك فإن كل التزامٍ بالربا يجب التنازل عنه، فمن لديه مالٌ من ربًا، فليتخلص منه، ولكن له أن يبقي رأس ماله، لا يلحقه ظلمٌ، ولا أن يظلم أحدًا.

ثانيًا- التدرج في تحريم الربا

لقد سلك القرآن الكريم أسلوب الرفق والتدرج، في نقل المخاطبين من حياة الجاهلية، إلى سماحة الإسلام ويسره، وتجلى ذلك في شرائع الإسلام، لقد كان الربـا بأنواعه وأشكاله المختلفة عصب الاقتصاد في المجتمع العربي الجاهلي، ومن ثم كانت الحكمة تقتضي أن يتدرج التشريع القرآني في تحريمه، حتى لايحدث ما يؤدي إلى التفكك والانهيار الاجتماعي والاقتصادي، فكان التدرج.

وسبب هذا التدرج في تحريم بعض الأحكام الفرعية، إنما هو رسوخ، وتعلق المخاطبين بهذه العادات والأفعال، حتى أنه كان من الصعب عليهم الامتثال، للإقلاع عنها دفعةً واحدةً، فكان التدرج.

ومن ثم نجد هذا التدرج في تحريم الربا في أربع آياتٍ قرآنيةٍ، تتعلق بتحريم الربا، واحدةٌ منها نزلت بمكة، وثلاثٌ في المدينة، ويمكن ترتيب هذا التدرج، على عدة مراحل.

المرحلة الأولى: هي ما جاء في سورة الروم، وهي مكية نزلت قبل الهجرة ببضع سنين، حيث جاء الأمر مقرونًا بذم الربا، ومدح الزكاة، وذلك قبل فرض الزكاة.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴾

الروم: ٣٩

جاءت هذه الآية لتوجه الأنظار، وتهيء النفوس؛ لتقبل فكرة التحريم، ومن ثم ترى أن التدرج أول الأمر حيث أوضح الله أن الربا لا نماء فيه، ولا بركة، وقارن بينه وبين الزكاة مبينًا أن الزكاة مما يضاعف الله ثوابها، ويبارك فيها.

المرحلة الثانية: وهي في سورة النساء، وهي سورةٌ مدنيةٌ.

قال الله تعالى:

﴿ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا . وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ  وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾

النساء: ١٦٠-١٦١

تبين الآيات أن الله تعالى قد نهى اليهود عن الربا، فتناولوه وأخذوه، واحتالوا عليه بأنواعٍ من الحيل وصنوفٍ من الشبه ، إذ يخبر الله تعالى، أنه بسبب ظلم اليهود بما ارتكبوه من الذنوب العظيمة حرم عليهم طيبات كان أحلها لهم. ومن ثم فهو بذلك تمهيدٌ، وإيماءٌ إلى إمكان تحريم الربا على المسلمين، كما هو محرمٌ على بني إسرائيل، وفي الآية إيماءٌ آخر، أنه إذا حرم عليكم الربا، فلا تكونوا مثل اليهود، ولا تفعلوا مثل فعلهم، فتلقوا من العذاب الأليم مثل ما لقوا؛ لأن هذا سلوك الكافرين، فكانت هذه الآية بيانًا من الله بعدم قبول الربا، ومقدمة للمنع.

المرحلة الثالثة: هي ما جاء في سورة آل عمران بشأن النهي عن أكل الربا.

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾

آل عمران: ١٣٠-١٣١

يا أيها الذين آمنوا احذروا الربا بجميع أنواعه، ولا تأخذوا في القرض زيادة على رؤوس أموالكم وإن قلَّت، فكيف إذا كانت هذه الزيادة تتضاعف كلما حان موعد سداد الدين؟ واتقوا الله بالتزام شرعه؛ لتفوزوا في الدنيا والآخرة. اجعلوا لأنفسكم وقاية بينكم وبين النار التي هُيِّئت للكافرين.

المرحلة الرابعة: هي المرحلة التي جاءت الآيات الكريمة فيها بالحكم الشرعي، فقد جاء التشريع بالتحريم للربا بجميع أنواعه، مصحوبًا بالتهديد الشديد، وإعلان الحرب على المرابين، ولم يكن ذلك إلا حين استقر في نفوس المسلمين أن الربا لا فائدة فيه، ولا طائل منه، وأن الله لا يرضى عن التعامل به.

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ  ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ . إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾

البقرة: ٢٧٥-٢٧٩

وهذه الآيات آخر ما نزل من القرآن الكريم، ويستمر تحريم الربا إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، ومن ثم، نرى أن الربا من أكبر الكبائر، إن لم يكن أكبرها مطلقًا، وقد آذن الله المرابين بحربٍ منه، إن لم يتركوا ما بقي من الربا، كما أمرهم وأعلمهم بأنهم في حربٍ من الله ورسوله، وهذه الحرب معروفة المصير، مقررة العاقبة، لا هوادة فيها، إنها حربٌ على الأعصاب والقلوب وحربٌ على البركة والرخاء، وحربٌ على السعادة والطمأنينة.

ثالثًا: تحريم الربا عند الأمم الأخرى

لا يوجد تشريعًا من عند الله يحل الربا، أو يبيح التعامل به؛ لأن أخذ الربا ظلمٌ، وما كان الله ليشرع للناس إلا ما فيه خيرهم. وبالنظر في حكم الربا في الشرائع السابقة، كاليهودية والمسيحية، لم نر في شريعتهم ما يحل الربا، فالربا لم يحل في شريعةٍ قط . لقد خلق الله الناس جميعًا أمةٌ واحدةٌ، وربهم واحدٌ لا شريك له.

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ إِنَّمَا يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ﴾

الأنبياء: ١٠٨

1- تحريم الربا في التشريع اليهودي

قال الله تعالى:

﴿ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا . وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾

النساء: ١٦٠-١٦١

لقد حرم الله الربا في التوراة على اليهود، ولكنهم خالفوا أمره، واحتالوا، وحرفوا، وبدلوا كلام الله واعتبروا أن التحريم إنما يكون بين اليهود فقط، أما مع غيرهم فلا يكون محرمًا في زعمهم الباطل؛ ولذلك ذمهم الله في هذه الآيات كما بيناه.

أما ما جاء في تحريم الربا عند اليهود، فقد ذكر الربا في مواضع متعددةٍ من التوراة

– في سفر الخروج

﴿ إن أقرضت فضة لشعبي الفقير الذي عندك، فلا تكن له كالمرابي، لا تضعوا عليه ربًا ﴾

سفر الخروج  22- 25

2- تحريم الربا في التشريع المسيحي

الشريعة المسيحية تحرم الربا، وتنهى عنه، وقد حث السيد المسيح عليه السلام الناس دائمًا على أن يحب الناس بعضهم بعضًا، وأن يساعد بعضهم بعضًا، وجاء النهي عن الربا في شريعتهم.

– في إنجيل لوقا

( إذا أقرضتم الذين ترجون منهم المكافأة، فأي فضلٍ يعرف لكم، لكن افعلوا الخيرات، وأقرضوا غير منتظرين عائدتها، وإذًا يكون ثوابكم جزيلًا )

إنجيل لوقا 6، 34-35

وقد أجمع رجال الكنيسة ورؤساؤها، وقد اتفقت مجامعها على تحريم الربا تحريمًا قاطعًا.

5- التوبة من الربا

من المعلوم يقينًا أن رحمة الله واسعةٌ، وأنه يغفر الذنوب جميعًا، لا يتعاظم ذنبٌ عن عفوه ومغفرته، فما جعل الله التوبة إلا للخطاة، وما أرسل الأنبياء إلا للضالين من الناس، وما جعل المغفرة إلا للمذنبين، وما سمى نفسه الغفار التواب العفو الكريم، إلا من أجل أننا نخطئ فيغفر لنا .

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ  ﴾

الزمر: ٥٣

ولكن للتوبة الصادقة من الربا شروط:

– الرجوع إلى الله، والندم على اقتراف الذنب، والعزم على عدم العودة إلى المعصية والذنب مرةً أخرى.

– التخلص من المال الربوي برده لأصحابه إن أمكن، وإلا فيصرفه في وجوه البر والإحسان ، فلا بد لآكل الربا أن يرد المال الذي أخذه زيادةً، والاكتفاء برأس المال .

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾

البقرة: ٢٧٩

ولكن إذا طالت المدة، ولم يعرف الرجل الذي أخذ منه الربا، فعلى آكل الربا التائب أن يتحرى ويجد في ذلك، فإن عجز عن معرفته، فله أن يتصدق بهذا المال عنه.

6 – عقوبة آكل الربا

إن من فضائل الله تعالى علينا أنه سبحانه وتعالى يحاسبنا على أعمالنا حسابًا عادلًا؛ فمن أحسن حسنةً، يضاعفها له، ومن أساء سيئة جزاه سيئة، ولايظلم ربك أحدًا .

قال الله تعالى:

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾

الزلزلة: ٧-٨

فالجزاء من جنس العمل؛ لذلك كان الجزاء مماثلًا للعمل من جنسه في الخير والشر.

قال الله تعالى:

﴿ إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ﴾

التغابن: ١٧

ومظاهر عدل الله سبحانه وتعالى كثيرةٌ، فمن ستر مسلمًا ستره الله، ومن يسر على معسرٍ، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن تجاوز تجاوز الله عنه، فهذا شرع الله وقدره، وثوابه وعقابه، كله قائمٌ بهذا الأصل، وهو إلحاق المثل بالمثل، فمن رحمته وفضله سبحانه وتعالى أن جعل الجزاء من جنس العمل. وجزاء آكل الربا ما يلي

1- أن آكلَ الرِّبا مُحاربٌ لله تعالى

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾

البقرة: 278 – 279

والحرب التي يتعرض لها المرابون، هي ما نراه في أناسٍ لا ينالون استقرارًا، ولا طمأنينةً ولا راحةً، فالناس مع ما هم فيه من الرقي والتقدم والرخاء المادي قــلقون خائفــون مضطربـون، قــد فشت فيهم الأمراض العصبية، والنفسية؛ لخواء أرواحهم من صدق الإيمان، هذا الإيمان الذي يسبب الهدوء والسكينة والراحة والطمأنينة للنفس.

2-  أن آكلَ الرِّبا يُبعثُ يوم القيامة مجنوناً

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾

البقرة : 275

الذين يتعاملون بالربا -وهو الزيادة على رأس المال- لا يقومون في الآخرة من قبورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من الجنون؛ ذلك لأنهم قالوا: إنما البيع مثل الربا، في أن كلا منهما حلال، ويؤدي إلى زيادة المال، فأكذبهم الله، وبيَّن أنه أحل البيع وحرَّم الربا؛ لما في البيع والشراء من نفع للأفراد والجماعات، ولما في الربا من استغلال وضياع وهلاك.

3- أن مالَ آكلِ الرِّبا ممحوقٌ

قال الله تعالى:

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾

البقرة: 276

يذهب الله الربا كله أو يحرم صاحبه بركة ماله، فلا ينتفع به، وينمي الصدقات ويكثرها، ويضاعف الأجر للمتصدقين، ويبارك لهم في أموالهم. والله لا يحب كل مُصِرٍّ على كفره، مُسْتَحِلٍّ أكل الربا، متمادٍ في الإثم والحرام ومعاصي الله.

4-  أن آكلِ الرِّبا لا يفلح

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

آل عمران: 130

يا أيها الذين آمنوا احذروا الربا بجميع أنواعه، ولا تأخذوا في القرض زيادة على رؤوس أموالكم وإن قلَّت، فكيف إذا كانت هذه الزيادة تتضاعف كلما حان موعد سداد الدين؟ واتقوا الله بالتزام شرعه؛ لتفوزوا في الدنيا والآخرة.

5- وتوعدهم بالعذاب الشديد

قال الله تعالى:

﴿ وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً  ﴾

النساء:161

 

 

Share This