1- مفهوم الرؤية

الرؤية هي الإدراك بالبصر للأشياء الظاهرة والمحسوسة، أو بالبصيرة للحقائق والمعقولات، والأمور المعنوية، فالإدراك المرئي يكون بالأتى:

1- بالحاسة

قال الله تعالى:

﴿ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ .  ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ﴾

التكاثر:٦-٧

2- بالوهم والتخيل

قال الله تعالى:

﴿ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾

الأنفال:٥٠

3- بالتفكر

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾

الأنفال:٤٨

4- بالعقل

قال الله تعالى:

﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ﴾

النجم:١١

2- كلمة الرؤية

   في

القرآن الكريم

وردت كلمة الرؤية وصيغها في القرآن الكريم  (٣١٦) مرة. والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

ورد 93 مرة

قال الله تعالى:

﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي  فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ﴾

الأنعام:٧٦

– الفعل المضارع

ورد 220 مرة

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾

الروم:٢٤

– صفة مشبهة

ورد مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا ﴾

مريم :٧٤

– مصدر سماعي

ورد  مرتين

قال الله تعالى:

﴿ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾

آل عمران :١٣

وجاءت الرؤية في القرآن على ثلاثة أوجه:

1- النظر والمشاهدة

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾

المنافقون:٤

يعني: نظرت إليهم.

2- العلم

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ  ﴾

النساء:١٠٥

يعني: بما أعلمك الله.

3- الاعتبار

قال الله تعالى:

﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ﴾

الملك:١٩

يعني: أولم يعتبروا بها.

3- الكلمات ذات الصلة

    بكلمة الرؤية

– النظر

هو تقليب البصر والبصيرة لإدراك الشيء ورؤيته .

قال الله تعالى:

﴿ يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ﴾

النبأ 40

– البصر

الإدراك بالعين التي هي حاسة الرؤية

قال الله تعالى:

﴿ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا ﴾

الأعراف 195

– التأمل

تدبر الشيء وإعادة النظر فيه مرة بعد أخرى ليتحققه .

– الرؤيا

ما يراه النائم في المنام

قال الله تعالى:

﴿ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ﴾

الفتح:٢٧

4- رؤية الله تعالى

تحدث القرآن الكريم عن رؤية الله تعالى لعباده وذلك

أ – في الدنيا

إن رؤية الله تعالى لعباده تكون لأعمالهم في الحياة الدنيا

– عن المنافقين

قال الله تعالى :

﴿ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

التوبة:٩٤

وسيرى الله عملكم ورسوله، إن كنتم تتوبون من نفاقكم، أو تقيمون عليه، وسيُظهر للناس أعمالكم في الدنيا، ثم ترجعون بعد مماتكم إلى الذي لا تخفى عليه بواطن أموركم وظواهرها، فيخبركم بأعمالكم كلها، ويجازيكم عليها.

– وقال تعالى في المتخلفين عن الجهاد من المؤمنين

قال الله تعالى :

﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾  

التوبة:١٠٥

وقل – أيها النبي- لهؤلاء المتخلِّفين عن الجهاد: اعملوا لله بما يرضيه من طاعته، وأداء فرائضه، واجتناب المعاصي، فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، وسيتبين أمركم، وسترجعون يوم القيامة إلى مَن يعلم سركم وجهركم، فيخبركم بما كنتم تعملون. وفي هذا تهديد ووعيد لمن استمر على باطله وطغيانه.

ب – في الآخرة

ورؤية الله تعالى لأعمال العباد كما تكون في الدنيا تكون كذلك في الآخرة.

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ . وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ  ﴾

النجم: 39- ٤٠

أنه لا تؤخذ نفس بمأثم غيرها، ووزرها لا يحمله عنها أحد، وأنه لا يحصل للإنسان من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه بسعيه..وأن سعيه سوف يراه الله يوم القيامة ، فيجازيه عليه الجزاء الأوفى من خير أو شر، وهو المجازي جميع عباده بأعمالهم صالحهم وطالحهم.

5- مجالات الرؤية

    في

  القرآن الكريم

1- رؤية النعم

لقد منَ الله عز وجل على بني آدم بنعم كثيرة، لا تعد ولا تحصى، يرونها في جميع تفاصيل حياتهم، لا يختلف في ذلك غنيهم عن فقيرهم، فالكل منعم عليه.

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ﴾

لقمان:٢٠

ألم تروا- أيها الناس- أن الله ذلَّل لكم ما في السموات من الشمس والقمر والسحاب وغير ذلك، وما في الأرض من الدوابِّ والشجر والماء، وغير ذلك مما لا يحصى، وعمَّكم بنعمه الظاهرة على الأبدان والجوارح، والباطنة في العقول والقلوب، وما ادَّخره لكم مما لا تعلمونه؟ ومن الناس مَن يجادل في توحيد الله وإخلاص العبادة له بغير حجة ولا بيان، ولا كتاب مبين يبيِّن حقيقة دعواه.

2- معجزات الرسل

لقد ذكر القرآن الكريم معجزات لرسل الله عليهم السلام في كثير من الآيات ، منها..

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ  سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ . وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَىٰ . لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى ﴾ 

طه:٢٢

قال الله لموسى: خذ الحية، ولا تَخَفْ منها، سوف نعيدها عصًا كما كانت في حالتها الأولى. واضمم يدك إلى جنبك تحت العَضُد تخرج بيضاء كالثلج من غير برص؛ لتكون لك علامة أخرى. فعلنا ذلك؛ لكي نريك – يا موسى – من أدلتنا الكبرى ما يدلُّ على قدرتنا، وعظيم سلطاننا، وصحة رسالتك.

3- أيات الله تعالى في الكون

أمر الله تعالى بالنظر في السموات والأرض لرؤية الأدلة علي عظيم قدرته .

قال الله تعالى:

﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ . وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ . وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا  وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ . وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ  كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ  ﴾

الأنبياء:٣٠-٣3

أولم يعلم هؤلاء الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا ملتصقتين لا فاصل بينهما، فلا مطر من السماء ولا نبات من الأرض، ففصلناهما بقدرتنا، وأنزلنا المطر من السماء، وأخرجنا النبات من الأرض، وجعلنا من الماء كل شيء حي، أفلا يؤمن هؤلاء الجاحدون فيصدقوا بما يشاهدونه، ويخصُّوا الله بالعبادة؟ وخلقنا في الأرض جبالا تثبتها حتى لا تضطرب، وجعلنا فيها طرقًا واسعة؛ رجاء اهتداء الخلق إلى معايشهم، وتوحيد خالقهم. وجعلنا السماء سقفًا للأرض لا يرفعها عماد، وهي محفوظة لا تسقط، ولا تخترقها الشياطين، والكفار عن الاعتبار بآيات السماء (الشمس والقمر والنجوم)، غافلون لاهون عن التفكير فيها. والله تعالى هو الذي خلق الليل؛ ليسكن الناس فيه، والنهار؛ ليطلبوا فيه المعايش، وخلق الشمس آية للنهار، والقمر آية للَّيل، ولكل منهما مدار يجري فيه وَيَسْبَح لا يحيد عنه.

قال الله تعالى:

﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا ﴾

الإسراء:٩٩

أَغَفَل هؤلاء المشركون، فلم يتبصروا ويعلموا أن الله الذي خلق السموات والأرض وما فيهن من المخلوقات على غير مثال سابق، قادر على أن يخلق أمثالهم بعد فنائهم؟ وقد جعل الله لهؤلاء المشركين وقتًا محددًا لموتهم وعذابهم، لا شك أنه آتيهم، ومع وضوح الحق ودلائله أبى الكافرون إلا جحودًا لدين الله عزَّ وجلَّ.

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ ﴾

غافر:١٣

هو الذي يريكم أيها الناس حججه وأدلته على وحدانيته وربوبيته، وينزل لكم من أرزاقكم من السماء بإدرار الغيث الذي يخرج به أقواتكم من الأرض، وغذاء أنعامكم عليكم، وما يتذكر حجج الله التي جعلها أدلة على وحدانيته، فيعتبر بها ويتعظ ويعلم حقيقة ما تدل عليه، إلا من يرجع إلى توحيده، ويقبل على طاعته.

قال الله تعالى:

﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾

فصلت :٥٣

سَنُري هؤلاء المكذبين آياتنا في أقطار السماوات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والنبات والأشجار والأنهار والبحار والأمطار ، وما يحدثه الله فيهما من الحوادث العظيمة، وفي أنفسهم وما اشتملت عليه من بديع آيات الله وعجائب صنعه، حتى يتبين لهم من تلك الآيات بيان لا يقبل الشك أن القرآن الكريم هو الحق الموحَى به من رب العالمين.

4- رؤية ثواب الأعمال

في الآخرة يعرف العباد مصيرهم، ويرون ثواب أعمالهم، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.

قال الله تعالى:

﴿ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ﴾

الزلزلة :٦

ورؤية ثواب الأعمال الصالحة، وثواب الأعمال السيئة يكون بعد رؤية ما كسبه الإنسان في الدنيا.

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ . وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ . ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ ﴾

النجم:٣٩-٤١

أولًا: رؤية ثواب الأعمال الصالحة

بين الله تعالى رؤية ثواب الأعمال الصالحة

قال الله تعالى:

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴾

الزلزلة :٧

فمن عمل في الدنيا وزن ذرة من خير، يرى ثوابه هنالك . والخير اسم جامع لكل ما يقرب إلى الله من الأعمال الصالحة صغيرها وكبيرها .

قال الله تعالى:

﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا ﴾

آل عمران:٣٠

يعني: تجد ثوابه حاضرًا، ولا ينقص من ثواب عمله شيء

ثانيًا: رؤية جزاء الأعمال السيئة

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾

الزلزلة :٧

ومن يعمل مثقال ذرة شرا ير عقابه في الآخرة.

قال الله تعالى:

﴿ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَىٰ ﴾

النازعات:٣٦

﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ . لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ . ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ﴾

التكاثر:٥-٧

إن ثواب الأعمال السيئة هي الجحيم، وقد أخبر سبحانه أنها تبرز لمن يرى.

5- رؤية النعيم والعذاب

يترتب على السعي في الحياة الدنيا رؤية العمل وثوابه، كما يترتب على ذلك رؤية النعيم، ورؤية العذاب، وبيان ذلك في النقاط الآتية:

أ – رؤية النعيم

قال الله تعالى:

﴿ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا . وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا . عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ﴾

الإنسان: ١٩-٢١

ب – رؤية العذاب

أخبر الله تعالى أن الظالمين يرون العذاب يوم القيامة في آيات من كتابه الكريم،

قال الله تعالى:

﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ . إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ﴾

البقرة: ١٦٥-١٦٦

﴿  وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾

يونس:٥٤

﴿ إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾

الفرقان:٤٢

﴿ وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ ﴾

القصص:٦٤

﴿ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَىٰ مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ ﴾

الشورى:٤٤

أي: وترى الكافرين بالله حين يعاينون العذاب يوم القيامة يتمنون الرجعة إلى الدنيا ويقولون: هل من رجعة لنا إليها؟

قال الله تعالى:

﴿ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾

الأنعام:٢٧-٢٨

والمراد: أنهم يطلبون الرجوع إلى الدنيا لعظم ما يشاهدون من العذاب،

6- هلاك الأمم السابقة

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ﴾

الأنعام :٦

ألم يعلم هؤلاء الذين يجحدون وحدانية الله تعالى واستحقاقه وحده العبادة، ويكذبون رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم ما حلَّ بالأمم المكذبة قبلهم من هلاك وتدمير، وقد مكنَّاهم في الأرض ما لم نمكن لكم أيها الكافرون، وأنعمنا عليهم بإنزال الأمطار وجريان الأنهار من تحت مساكنهم؛ استدراجًا وإملاءً لهم، فكفروا بنعم الله وكذبوا الرسل، فأهلكناهم بسبب ذنونهم، وأنشأنا من بعدهم أممًا أخرى خلفوهم في عمارة الأرض؟

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ . وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴾

يس:٣١-٣٢

ألم ير هؤلاء المستهزئون ويعتبروا بمن قبلهم من القرون التي أهلكناها أنهم لا يرجعون إلى هذه الدينا؟ وما كل هذه القرون التي أهلكناها وغيرهم، إلا محضرون جميعًا عندنا يوم القيامة للحساب والجزاء.

6- أثر الرؤية على النفس

في القرآن الكريم آثار للرؤية كثيرة على النفس، أهمها ما يأتي:

1- الإيمان والتقوى

وهذا الأثر ناتج عن النظر فيما يقدم الإنسان لليوم الآخر.

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾

الحشر:١٨

يا أيها الذين آمنوا ، خافوا الله، واحذروا عقابه بفعل ما أمركم به وترك ما نهاكم عنه، ولتتدبر كل نفس ما قدمت من الأعمال ليوم القيامة، وخافوا الله في كل ما تأتون وما تَذَرون، إن الله سبحانه خبير بما تعملون، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، وهو مجازيكم عليها.

2- العمل لليوم الآخر

وهذا الأثر يأتي من خلال معرفة أن يوم القيامة هو اليوم الحق الذي ينظر المرء ما قدم له،

قال الله تعالى:

﴿ ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآبًا . إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ﴾

النبأ: ٣٩-٤٠

ذلك اليوم الحق الذي لا ريب في وقوعه، فمن شاء النجاة مِن أهواله فليتخذ إلى ربه مرجعًا بالعمل الصالح. إنَّا حذَّرناكم عذاب يوم الآخرة القريب الذي يرى فيه كل امرئ ما عمل من خير أو اكتسب من إثم، ويقول الكافر من هول الحساب: يا ليتني كنت ترابًا فلم أُبعث.

3- العظة والعبرة

وهذا الأثر يحصل لصاحب النفس الذي يسير في الأرض فينظر كيف عاقب الله تعالى المكذبين.

قال الله تعالى:

﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ  وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾

يوسف:١٠٩

﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾

آل عمران:١٣٧

فإن معرفة هلاك الأمم السابقة تدفع المؤمن للعمل بما يخالف أعمال أمم الذين من قبلهم من المكذبين بالرسل والآيات، أو من من المشغوفين بالدنيا المتهالكين عليها، فيقلعوا عن حبها، ويعملوا للحياة الآخرة .

4- الإحسان والإخلاص في القول والعمل

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ . وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ . ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ ﴾

النجم 39- 41

إن علم العبد باطلاع الله سبحانه وتعالى عليه ومراقبتة له في جميع أحواله ذلك يدفع العبد إلي الإحسان والإخلاص في القول والعمل ، وعدم التقصير فيهما .

5 – طاعة الله وإخلاص العبادة له

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ ﴾

غافر:١٣

هو الذي يُظْهِر لكم- أيها الناس- قدرته بما تشاهدونه من الآيات العظيمة الدالة على كمال خالقها ومبدعها، ويُنَزِّل لكم من السماء مطرًا تُرزَقون به، وما يتذكر بهذه الآيات إلا مَن يرجع إلى طاعة الله، ويخلص له العبادة.

7- العالم غير المرئي

بين القرآن الكريم أن في الوجود أشياء لا تدركها أبصارنا، ولا نستطيع أن نراها بأعيننا،

قال الله تعالى:

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ . وَمَا لَا تُبْصِرُونَ ﴾

الحاقة 38- 39

ومن ذلك .

1- الملائكة

إن الملائكة أجسام لطيفة نورانية تقدر على التشكل بأشكال مختلفة مسكنها السموات، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون. والقوة البشرية لا تقوى على رؤية الملك في صورته .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ ﴾

الأنعام :٩

أي: لو أرسلنا إليهم ملكًا لم نرسله إلا في صورة إنسان؛ لأن الملك فيما قيل لو نظر إليه ناظر على هيئته لصعق، وكانت الملائكة تأتي الأنبياء في صورة الإنس .

أن الملائكة أتت إبراهيم في صورة الضيفان

قال الله تعالى:

﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ . إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا  قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ ﴾

الذاريات: ٢٤-٢٥

ولم تر الملائكة على حقيقتها التي خلقها الله عليها إلا جبريل عليه السلام، فقد رآه النبي عليه السلام على حقيقته.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ . عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَىٰ ﴾

النجم:١٣-١٤

يعني: رأى جبريل في صورته التي خلق عليه نازلًا من السماء نزلة أخرى، وذلك أنه رآه في صورته مرتين، مرة في الأرض، ومرة في السماء .

أما في الآخرة فإن المؤمنين يرون الملائكة،

قال الله تعالى :

﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ . سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾

الرعد :٢٣-٢٤

﴿ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾

الأنبياء:١٠٣

وأما عن رؤية المجرمين للملائكة

قال الله تعالى :

﴿ يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا ﴾

الفرقان :٢٢

وأعلم الله عز وجل أن الوقت الذي يرون فيه الملائكة هو يوم القيامة، وأن الله قد حرمهم البشرى في ذلك الوقت

2- الجن

الجن مخلوقات نارية لا ترى، أصل خلقهم من النار، من شأنها التشكل بأشكال مختلفة. وقد بين الله تعالى أن الجن لا ترى .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾

الأعراف: ٢٧

فإن الشيطان يراكم هو وذريته وجنسه وأنتم لا ترونهم فاحذروهم ، إنَّا جعلنا الشياطين أولياء للكفار الذين لا يوحدون الله، ولا يصدقون رسله، ولا يعملون بهديه.

 

 

Share This