1- مفهوم الرأفة

الرّأفة هي المودّة و اللين  و الشفـَقة و العطّـف.

قال الله تعالى:

( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ )

التوبة:  128

لقد جاءكم أيها المؤمنون رسول من قومكم، يشق عليه ما تلقون من المكروه والعنت، حريص على إيمانكم وصلاح شأنكم، وهو بالمؤمنين كثير الرأفة والرحمة.

2- كلمة الرأفة

        في

  القرآن الكريم

وردت كلمة الرأفة وصيغها في القرآن الكريم (13) مرة. والصيغ التي وردت هي:

1- رأفة

ورد مرتين

قال الله تعالى:

( وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ )

النور: 2

2- الرؤوف

ورد 11 مرة

قال الله تعالى:

(وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ )

الحديد :9

وجاءت كلمة الرأفة في القرآن الكريم بمعني أعلى معاني الرحمة و هي عامة لجميع الخلق في الدنيا و لبعضهم في الآخرة.

3- الموصفين بالرّأفة

        في

  القرآن الكريم

1- وصف لله تعالى

قال الله تعالى:

(  وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ )

البقرة :207

2- وصف للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم

قال اللّهِ تعالى:

( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ )

التوبة  128

3- من صفات أوليائه المتقين وعباده الصالحين

عن أتباع المسيح ابن مريم -عليه السلام

قال اللّهِ تعالى:

 ( ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً )

الحديد :27

4- الرأفة في حقِّ

    الله تعالى

الرأفة من صفات الله تعالى ، فهو الرَّؤوف بعباده في الدُّنيا و لبعضهم في الآخرة .

قال اللّهِ تعالى:

( إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ )

البقرة :143

 ( وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ )

البقرة :207

 ( إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )

التوبة :117

 ( إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ )

النحل :7

( وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ )

الحديد :9

هو الرّءوف لأنّه المتناهي في الرّحمة بعباده لا راحم أرحم منه ولا غاية وراء رحمته .

5- مظاهر رأفة

الله تعالى بعباده

هناك مظاهر كثيرة في الكون تدلُّ على رأفة الله عزَّ وجلَّ بعباده، و من رزقه الله البصيرة و التَّفكر و التَّأمل يفهم هذه المظاهر.

1- أنَّه لا يبطل عمل عباده

قال اللّهِ تعالى:

 ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ  إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ )

البقرة : 143

و من كمال رأفته ورحمته بِالنَّاسِ أنَّ الله سيحفظ عليهم إيمانهم ، فلا يضيعه بل يحفظه من الضَياع و البُطلان، و يتمِّمه لهم، و يوفقه لما يزداد به إيمانهم، و يتم به يقينهم، رأفةً منه بهم ورحمةً ، ومنَّاً عليهم و تفضلاً .

2- إنزالُ القرآن لهدايةً النَّاسِ

قال اللّهِ تعالى:

(هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ )

الحديد : 9

هو الذي ينزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم آيات مفصلات واضحات من القرآن؛ ليخرجكم بذلك من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان، إن الله بكم في إخراجكم من الظلمات إلى النور لِيَرْحمكم رحمة واسعة في عاجلكم وآجلكم، فيجازيكم أحسن الجزاء.

3- سخَّر للنَّاسِ كل ما يحتاجون إليه

قال اللّهِ تعالى:

( أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ )

الحج : 65

ألم تر أن الله تعالى ذلَّل لكم ما في الأرض من الدواب والبهائم والزروع والثمار والجماد لركوبكم وطعامكم وكل منافعكم، كما ذلَّل لكم السفن تجري في البحر بقدرته وأمره فتحملكم مع أمتعتكم إلى حيث تشاؤون من البلاد والأماكن، وهو الذي يمسك السماء فيحفظها؛ حتى لا تقع على الأرض فيهلك مَن عليها إلا بإذنه سبحانه بذلك؟ إن الله بالناس لرؤوف رحيم فيما سخر لهم من هذه الأشياء وغيرها؛ تفضلا منه عليهم.

قال اللّهِ تعالى:

( وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ . وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ . وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ )

النحل: 5 – 7

وتحمل هذه الأنعام ما ثَقُل من أمتعتكم إلى بلد بعيد، لم تكونوا مستطيعين الوصول إليه إلا بجهد شديد من أنفسكم ومشقة عظيمة، إن ربكم لَرؤوف رحيم بكم، حيث سخَّر لكم ما تحتاجون إليه، فله الحمد وله الشكر.

4- قبول التوبة من عباده

قال اللّهِ تعالى:

( ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )

التوبة: 117

ومن رحمته بهم أنْ مَنَّ عليهم بالتوبة، وقَبِلَها منهم، وثبَّتهم عليها.

6- النهي عن الرأفة في

    إقامة حدود الله

جاء النهى في القرآن الكريم عن الرأفة في إقامة حدود الله، أو الشفقة بمن وجب عليه حكماً من أحكام الله .

قال اللّهِ تعالى:

 (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)

النور :2

أي: لا ترأفوا بهما فترفعوا الجلد عنهما

7 – بين الرحمة والرأفة

قدّم الله ذكر الرّأفة على الرّحمة في جميع مواطن اجتماعهما.

قال الله تعالى :

( إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ )

البقرة :143

إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ وعلى هذا الرأفة أعم من الرحمة، فمتى أراد الله بعبد رحمة أنعم عليه بها، إلا أنها قد تكون بعد بلاء، وقد لا تكون، والرأفة بخلاف ذلك .

لتوضيح الفرق من كتاب الله عز وجل في تنفيذ حد الجلد للزاني .

قال الله تعالى :

( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )

النور 2

وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ ولم يقل لا تأخذكم بهما رحمة ، لماذا؟

لأن الرحمة حاصلة فعلاً فإن الجلد تطهير للزاني وقد ينتهي بها في نهاية الأمر إلى جنات النعيم فرغم أنه في ظاهره عذاب فإنه في باطنه رحمة. و لكن نهى الله تعالى عن الرأفة فإن الرأفة خير في أولها وأخرها ولو حصلت الرأفة لا يمكن تنفيذ حد الجلد.فالرأفة عبارة عن إيصال النعم صافية عن الالم. والرحمة: إيصال النعم مطلقا.وقد يكون مع الكراهة والالم للمصلحة  .

الرّأفة هي رحمة مخصوصة لا تقع فيها مكروه أوضرّ أما الرّحمة قد تقع فيها مكروه أوضرّ للمصلحة . ولذلك يقال لمن أصابه بلاء في الدنيا: لعل الله أراد أن يرحمه بهذا البلاء، ولا شك أن البلاء يكرهه الإنسان، ولكن عاقبته خير لمن صبر واحتسب.

 

Share This