مفهوم الدعوة في القرآن الكريم 

1- مفهوم الدعوة

هي الدعوة إلى الإيمان بالله تعالى واتباع كتابه وبما جاءت به رسله وذلك بتصديقهم فيما أخبروا به وطاعتهم فيما أمروا.

2- كلمة الدعوة

       في   

   القرآن الكريم

وردت كلمة الدعوة وصيغها في القرآن الكريم 178 مرة. والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

ورد 3 مرات

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾

فصلت:٣٣

– الفعل المضارع

ورد  106 مرة

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴾

الطور:٢٨

– فعل الأمر

ورد  32مرة

قال الله تعالى:

﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾

النحل:١٢٥

– اسم فاعل

ورد 7 مرات

قال الله تعالى:

﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ﴾

طه:١٠٨

– اسم

ورد 20مرة

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ ﴾

الرعد:١٤

– مصدر

ورد 10 مرات

قال الله تعالى:

﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ﴾

الرعد:١٤

وجاءت الدعوة في القرآن الكريم بمعني نادى وطلب، ودعا إلى الأمر وحثَّ عليه.

3- الكلمات ذات الصلة

    بكلمة الدعوة

أ- الهداية

هي سلوك طريق يوصل إلى المطلوب. والدعوة هي طريق للهداية، فالهداية غاية، والدعوة وسيلة.

ب – الموعظة

هو التذكير بالخير وما يرقق القلب. والموعظة إحدى وسائل الدعوة، وأكثرها استعمالًا، تجعل المدعو سريع الاستجابة.

قال الله تعالى:

﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾

النحل: 125

4 – إسناد الدعوة إلى الله تعالى

من عظيم رحمة الله تعالى أنه يدعو عباده بنفسه، وهذا إن دلّ فإنما يدل على عظيم كرمه، وجزيل إحسانه، وبيان ذلك كما يأتي:

أ – دعوة الله تعالى لعباده إلى المغفرة

قال الله تعالى:

﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾

البقرة: ٢٢١

 ﴿ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ﴾

إبراهيم: ١٠

ففي الآيات دلالة صريحة أن الله الكريم يدعو عباده بنفسه، إلى مغفرته التي لا يملكها إلا هو

قال الله تعالى:

﴿ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾

آل عمران: ١٣٣

﴿ سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾

الحديد: ٢١

أي: سارعوا إلى ما يوجب المغفرة وهي الطاعة

ب – دعوة الله تعالى لعباده إلى الجنة

جاء في القرآن الكريم دعوة الله تعالى لعبادة إلى جنته مباشرةً

قال الله تعالى:

﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ﴾

البقرة: ٢٢١

فهو يدعوكم إلى العمل بما يدخلكم الجنة، ويوجب لكم النجاة إن عملتم به من النار.

قال الله تعالى:

﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

يونس: ٢٥

والله يدعوكم إلى جناته-  دار السلام – التي أعدها لأوليائه، ويهدي مَن يشاء مِن خَلْقه، فيوفقه لإصابة الطريق المستقيم، وهو الإسلام.

5 – أهداف الدعوة

        في

   القرآن الكريم

للدعوة الإسلامية أهداف مهمة ذكرت في ثنايا آيات الدعوة التي وردت في القرآن الكريم، ومنها:

1- تحقيق التوحيد

فمن المقاصد العظيمة التي تبدو في ثنايا الآيات التي تتحدث عن الدعوة تحقيق توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة. والتوحيد هو أصل دعوة الرسل وإليه دعوا أقوامهم .

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

الأنبياء: ٢٥

2- الهداية والإصلاح

ومن مقاصد الدعوة في القرآن الكريم: الهداية والإصلاح، وهما أمران متلازمان.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ  فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾

البقرة: ١٨٦

وإذا سألك – أيها النبي- عبادي عني فقل لهم: إني قريب منهم، أُجيب دعوة الداعي إذا دعاني، فليطيعوني فيما أمرتهم به ونهيتهم عنه، وليؤمنوا بي، لعلهم يهتدون إلى مصالح دينهم ودنياهم.

قال الله تعالى:

﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ  وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

آل عمران: ١٠٤

ولتكن منكم أمة منتصبة للقيام بأمر الله في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأولئك هم المفلحون ، وهذا غاية في بيان هداية القائمين بالدعوة ودعوة غيرهم للاهتداء بها.

3- إقامة الحجة

ومن المقاصد التي تلحظ في آيات الدعوة إقامة الحجة على المعرضين عن الهداية

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا ﴾

الإسراء: ٦٧

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴾

الحج: ٧٣

﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ . إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

فاطر: ١٣-١٤

﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا ﴾

فاطر: ٤٠

أن آيات الدعوة اشتملت على إقامة الحجة البالغة في الدعوة إلى عبودية الله تعالى. دعت الآيات الكريمة إلى البراءة من ما يعبد من دون الله، وبينت عجزهم وضعفهم ، وإنفراد الله تعالى بالخلق والتدبير، ودعوة المشركين لأن يعبدوه وحده، إذ قد قامت الحجة عليهم؛ لأنهم علموا ذلك وأقروا به.

6 – قواعد الدعوة

بالبحث في آيات الدعوة ، نلاحظ أن هناك قواعد مهمة للدعوة، ذكرت في ثنايا الآيات، والتي منها ما يأتي:

أ – الإخلاص

إخلاص الدعوة لله تعالى أمر واجب ، ومن الآيات الواردة في الأمر بالإخلاص لمن سلك سبيل الدعوة .

قال الله تعالى:

﴿ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾

غافر: ١٤

﴿ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾

الأعراف: ٢٩

﴿ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾

غافر: ٦٥

فادعوا الله وحده مخلصين له العبادة التي أمركم بها ، مخلصين له الطاعة، مفردين له الألوهية، لا تشركوا في عبادته شيئًا

ب – العلم

والعلم مفتاح كل شيء، ولا بد أن يكون الداعية عالمًا بشرع الله ليدعوا إلى الله على بصيرة. ومن الآيات الواردة معنا في أهمية العلم في مجال الدعوة

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾

يوسف: ١٠٨

أي: على علم ودليل واضح وبرهان قاطع لا يترك في الحق لبسًا .

ت – الرفق

الرفق من الأمور المهمة التي ينبغي أن يتحلى بها جميع الدعاة؛ حتى تقبل دعوتهم. ومن الآيات الواردة في بيان ذلك

قال الله تعالى:

﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ   إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾

النحل: ١٢٥

وإنما أمر سبحانه بالمجادلة الحسنة لكون الداعي محقًّا وغرضه صحيحًا ولما حث سبحانه على الدعوة بالطرق المذكورة بيّن أن الرشد والهداية ليس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ذلك إليه تعالى، وإنما شرع الدعوة وأمر بها قطعًا للمعذرة، وتتميمًا للحجة، وإزاحةً للشبهة، وليس على الداعية غير ذلك .

وقد أثنى الله على النبي في أمر الدعوة

قال الله تعالى:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

آل عمران:159

ولما بعث الله موسى وهارون لفرعون ماذا قال لهما

قال الله تعالى:

﴿ فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾

طه:44

ث – مراعاة حال المدعوين

يختلف حال المدعوّين من شخص لآخر ومن قبيلة لأخرى؛ لذا جاء في آيات الدعوة ما يبيّن كيفية التعامل معهم، ويوضح الطريق الذي ينبغي أن يسير عليه الداعية في دعوته مع الناس .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

الأنعام: ١٠٨

فقد كان المؤمنون يسبون الأصنام بأنها أجرام لا تنفع ولا تضر ولا تسمع ولا تبصر، فأنزل الله نهيهم عن ذلك لئلا يتذرع به المشركون فينتقمون منهم فيسبون ربهم ، فمثل هؤلاء لا يصلح ذم آلهتهم وسبّهم؛ لأنهم سيزدادون سفهًا.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾

فصلت: ٣٣-٣٤

أي: ادفع يا محمد بحلمك جهل من جهل عليك، وبعفوك عمن أساء إليك إساءة المسيء، وبصبرك عليهم مكروه ما تجد منهم، ويلقاك من قبلهم؛ لأن مقابلة إساءته بالإحسان تخجله وتقضي على عداوته حتى يضطر إلى أن يرجع صديقًا . وهذا في حال من له عقل وخلق.

ج – الصبر

يعتبر الصبر من القواعد الأساسية للدعاة، خاصةً وأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وصفوا بذلك في كثير من مواطن القرآن، بل أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم بذلك .

قال الله تعالى:

﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ﴾

الأحقاف: ٣٥

فاصبر – أيها الرسول- على ما أصابك مِن أذى قومك المكذبين لك، كما صبر أولو العزم من الرسل من قبلك ، ولا تستعجل لقومك العذاب .

قال الله تعالى:

﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾

السجدة: ٢٤

وجعلنا من بني إسرائيل هداة ودعاة إلى الخير، يأتمُّ بهم الناس، ويدعونهم إلى التوحيد وعبادة الله وحده وطاعته، وإنما نالوا هذه الدرجة العالية حين صبروا على أوامر الله، وترك زواجره، والدعوة إليه، وتحمُّل الأذى في سبيله، وكانوا بآيات الله وحججه يوقنون.

7- الأمور التي يدعى إليها

أشار القرآن الكريم إلى مجموعة من الأمور التي يدعى إليها المدعوون، ومن تلك الأمور:

أ – الإيمان

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾

النساء: ١٣٦

يا أيها الذين  آمنوا داوموا على ما أنتم عليه من التصديق الجازم بالله تعالى وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ومن طاعتهما، وبالقرآن الذي نزله عليه، وبجميع الكتب التي أنزلها الله على الرسل. ومن يكفر بالله تعالى، وملائكته المكرمين، وكتبه التي أنزلها لهداية خلقه، ورسله الذين اصطفاهم لتبليغ رسالته، واليوم الآخر الذي يقوم الناس فيه بعد موتهم للعرض والحساب، فقد خرج من الدين، وبَعُدَ بعدًا كبيرًا عن طريق الحق.

ب – التقوى

التقوى هي امتثال أمر الله وأمر رسوله، واجتناب نهيهما وتصديق خبرهما،

قال الله تعالى:

 ﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ﴾

الزمر: ١٠

قل – أيها النبي – لعبادي المؤمنين بالله ورسوله: اتقوا ربكم بطاعته واجتناب معصيته.

ت – العبادة

العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه: من الأقوال، والأعمال الباطنة والظاهرة.

قال الله تعالى:

﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾

يوسف 40

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

الذاريات 56

والدعاء من أعظم العبادات إذا كان مخلصًا فيه لله؛ ولذا أمر الله خلقه به

قال الله تعالى:

﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً  ﴾

الأعراف: ٥٥

عن دعاء إبراهيم عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ﴾

مريم: ٤٨

وأفارقكم وآلهتكم التي تعبدونها من دون الله، وأدعو ربي مخلصًا، عسى أن لا أشقى بدعاء ربي، فلا يعطيني ما أسأله.

ث – ا لأخلاق

يلاحظ أن الآيات التي تحدثت عن الأخلاق، تضمنت الدعوة لفعلها والتحلي بها

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

فصلت 33

﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

آل عمران 104

8 – أساليب الدعوة

للدعوة أساليب تتّخذ للوصول إلى الهدف المطلوب من أقرب طريق وأخصره، وبالنظر في الآيات الواردة في الحديث عن الدعوة يمكن القول أن أساليب الدعوة كما يأتي:

أ- أساليب عقلية

من أعظم الحجج التي تقام برهانًا للشيء ونفيه الحجج العقلية التي تلزم الخصم بالتسليم، وهذا الأسلوب يستخدم مع المعارضين الجاحدين ، لتفنيد شبههم ومحاولة إقناعهم،ومن الآيات التي تتحدث عن هذا المقام ما يأتي:

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ ﴾

الأعراف: ١٩٤-١٩٥

﴿ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ . أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ . إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ﴾

النحل: ٢٠-٢١

﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ . إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

فاطر: ١٣-١٤

﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾

الزمر: ٣٨

من يدعى من دون الله تعالى لم يخلق نفسه أصلًا، فضلًا أن يكون مشاركًا لله في خلق السموات والأرض، ولا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا، فضلًا عن أن يَهَبَهَا لغيره.

ب – أساليب عاطفية

ويظهر أن هذا الأسلوب قد يجمع بين أسلوبي الحكمة والموعظة، فأسلوب الحكمة لأصحاب العقول النيرة والفطر المستقيمة، وأسلوب الموعظة أسلوب يسهل فيه الوضوح البساطة وعدم التعقيد.

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ  ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴾

الحج: ٧٣

﴿ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

الأحقاف: ٣١-٣٢

ت – أساليب حسية

من الأساليب التي سلكتها الآيات في بيان طريق الدعوة ووجوب الاعتصام بها الأساليب الحسية، فما من نبي يدعو الناس إلى عبادة الله تعالى إلا أجرى الله له من المعجزات الحسية ما يؤكد صدق دعوته، ومن الأساليب الحسية الواردة في آيات الدعوة ما

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾

آل عمران: ٢٣

يقول تعالى منكرا على اليهود والنصارى المتمسكين فيما يزعمون بكتابيهم اللذين بأيديهم، وهما: التوراة والإنجيل، وإذا دعوا إلى التحاكم إلى ما فيهما من طاعة الله فيما أمرهم به فيهما من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، تولوا وهم معرضون عنهما، وهذا في غاية ما يكون من ذمهم والتنويه بذكرهم بالمخالفة والعناد.

فهذان أمران حسيان كتاب الله الذي كان بأيديهم، ورسول الله محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن الذي جاء به.

قال الله تعالى :

﴿ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ﴾

الأنعام: ٤١

ففي هذه الآية الكريمة عاب الله على الكفار سخافة عقولهم، وأنهم إذا نزلت بهم شدة من العظائم الشداد -كمشاهدة العذاب أمام أعينهم وإحساسهم به، أو لو رأوا الساعة عيانًا وأحسوا بها- أخلصوا في ذلك الوقت الدعاء إلى الله، وتركوا دعاء غير الله؛ لعلمهم بأنه لا ينفع ولا يضر وهذا ذم من الله للكفار.

قال الله تعالى :

﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا ﴾

الإسراء: ٦٧

والسياق يعرض هذا المشهد، مشهد الفلك في البحر، نموذجًا للحظات الشدة والحرج؛ لأن الشعور بيد الله في الخضم أقوى وأشد حساسية، ونقطة من الخشب أو المعدن تائهة في الخضم، تتقاذفها الأمواج والتيارات والناس متشبثون بهذه النقطة على كف الرحمن، إنه مشهد يحس به من كابده، ويحس بالقلوب الخافقة الواجفة المتعلقة بكل هزة وكل رجفة في الفلك صغيرًا كان أو كبيرًا، فهو أسلوب حسي قويم في الدعوة إلى توحيد الله.

قال الله تعالى :

﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾

الأحقاف: ٤

أي: ائتوني بكتاب من قبل هذا الكتاب يعني القرآن فإنه ناطق بالتوحيد، أو أثارة من علم أو بقية من علم بقيت عليكم من علوم الأولين عل فيها ما يدل على استحقاقهم للعبادة أو الأمر به ، فلا بد من إقامة الدليل الحسي من كتاب قديم أو علم يدل دلالةً واضحةً على جواز دعواهم لغير الله تعالى، ولما لم يكن لهم دليل على ذلك؛ ظهر بطلان ما يدعونه وقامت الحجة عليهم، مما يوجب عليهم الرجوع من الدعوى الباطلة، إلى لزوم دعوة الحق والاعتصام بها.

9- موقف المدعوين من الدعوة

تعتبر الدعوة أمرًا موجّهًا إلى جميع الثقلين استنادًا لأصل الإيجاد؛

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

الذاريات: ٥٦

وقد كانت الرسل ترسل إلى أممها، فمنهم من يستجيب لهم، ومنهم من يعرض عنهم، ومنهم من يصدهم عن دعوتهم وتبليغ رسالتهم، وبيان ذلك كما يأتي:

أ- المستجيبون للدعوة

الضعفاء هم أكثر أتباع الرسل، عن ما جرى بين نوح وقومه

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ. أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ . فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ﴾

هود: ٢٥-٢٧

ومن الآيات الواردة في بيان المستجيبين للدعوة

قال الله تعالى:

﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ﴾

آل عمران: ١٩٣

فهي قلوب مفتوحة ما إن تتلقى حتى تستجيب، وحتى تستيقظ فيها الحساسية الشديدة، فتبحث أول ما تبحث عن تقصيرها وذنوبها ومعصيتها، فتتجه إلى ربها تطلب مغفرة الذنوب وتكفير السيئات، والوفاة مع الأبرار.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾

الأنعام: ٣٦

فالذين يستجيبون لدعوة الأنبياء هم الذين استخدموا عقولهم وسمعهم وأبصارهم الاستخدام الحقيقي.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ﴾

المائدة: ١١١

واذكر نعمتي عليك، إذ ألهمتُ، وألقيتُ في قلوب جماعة من خلصائك أن يصدقوا بوحدانية الله تعالى ونبوتك، فقالوا: صدَّقنا يا ربنا، واشهد بأننا خاضعون لك منقادون لأمرك.

ب – المعرضون عن الدعوة

والأصل في المعرض أنه لم يقبل الدعوة أصلًا،

قال الله تعالى:

﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴾

الرعد: ١٤

لله سبحانه وتعالى وحده دعوة التوحيد ، فلا يُعبد ولا يُدعى إلا هو، والآلهة التي يعبدونها من دون الله لا تجيب دعاء مَن دعاها، وحالهم معها كحال عطشان يمد يده إلى الماء من بعيد؛ ليصل إلى فمه فلا يصل إليه، وما سؤال الكافرين لها إلا غاية في البعد عن الصواب لإشراكهم بالله غيره. فالذي يترك الدعوة الحق فهو معرض عنها لا محالة.

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ  وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾

إبراهيم: ٢٢

وقال الشيطان -بعد أن قضى الله الأمر وحاسب خَلْقه، ودخل أهلُ الجنة الجنةَ وأهلُ النارِ النارَ-: إن الله وعدكم وعدًا حقًا بالبعث والجزاء، ووعدتكم وعدًا باطلا أنه لا بَعْثَ ولا جزاء، فأخلفتكم وعدي، وما كان لي عليكم من قوة أقهركم بها على اتباعي، ولا كانت معي حجة، ولكن دعوتكم إلى الكفر والضلال فاتبعتموني، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم، فالذنب ذنبكم، ما أنا بمغيثكم ولا أنتم بمغيثيَّ من عذاب الله، إني تبرَّأت مِن جَعْلِكم لي شريكًا مع الله في طاعته في الدنيا. إن الظالمين -في إعراضهم عن الحق واتباعهم الباطل- لهم عذاب مؤلم موجع.

ج – الصادون عن الدعوة

وأكثر الصادين عن الدعوة هم الكبراء والمنافقون .

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ ﴾

الأعراف: ٤٥

هؤلاء الكافرون هم الذين كانوا يُعْرِضون عن طريق الله المستقيم، ويمنعون الناس من سلوكه، ويطلبون أن تكون السبيل معوجة حتى لا يتبينها أحد، وهم بالآخرة – وما فيها- جاحدون.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

الأنفال: ٣٤

وكيف لا يستحقُّون عذاب الله، وهم يصدون أولياءه المؤمنين عن الطواف بالكعبة والصلاة في المسجد الحرام؟ وما كانوا أولياء الله، إنْ أولياء الله إلا الذين يتقونه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، ولكن أكثر الكفار لا يعلمون؛ فلذلك ادَّعوا لأنفسهم أمرًا، غيرهم أولى به.

10 – ثمرات الدعوة

تعتبر الدعوة عملًا مهمًّا من الأعمال التي أكدت عليها الشريعة، ولا بد لكل عمل من جهد يبذل فيه، ولكل جهد ثمرات، وللدعوة ثمرات يانعة، تظهر معنا من خلال الآيات ومن أهمها ما يأتي:

1- الإيمان بالله تعالى والوصول

إلى مرضاته وعفوه ومغفرته

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ  وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾

البقرة: ٢٢١

﴿ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴾

إبراهيم: ١٠

﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ  وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾

الحديد: ٨-٩

وأيُّ عذر لكم في أن لا تصدقوا بوحدانية الله وتعملوا بشرعه، والرسول يدعوكم إلى ذلك، وقد أخذ الله ميثاقكم على ذلك، إن كنتم مؤمنين بالله خالقكم؟هو الذي ينزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم آيات مفصلات واضحات من القرآن؛ ليخرجكم بذلك من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان، إن الله بكم في إخراجكم من الظلمات إلى النور لِيَرْحمكم رحمة واسعة في عاجلكم وآجلكم، فيجازيكم أحسن الجزاء.

2- استجابة الله تعالى للمخلصين في دعوته ومحبته لهم

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾

البقرة: ١٨٦

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾

الكهف: ٢٨

﴿ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾

غافر: ١٤

﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾

غافر: ٦٠

3- حصول الخيرية للأمة ونجاتها من الهلاك

قال الله تعالى:

﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ  وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

آل عمران: ١٠٤

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾

آل عمران: ١١٠

4 – التمييز بين الحق والباطل

قال الله تعالى:

﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴾

الرعد: ١٤

﴿ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ . أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾

النحل: ٢٠-٢١

﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾

الحج: ٦٢

﴿ وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾

الزخرف: ٨٦

5- علو مكانة الدعاة وبيان عظيم فضلهم وسلامة دعوتهم

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾

يوسف: ١٠٨

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

فصلت: ٣٣

﴿ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا  فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ . قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ . يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

الأحقاف: ٢٩-٣٢

6- القيام بالدعوة إلى الله من أسباب الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة

قال الله تعالى:

﴿ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾

هود: ١١٦

﴿  وَالْعَصْرِ . إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ  ﴾

العصر: ١-٣

11 – نماذج من الدعاة

        في

   القرآن الكريم

في قصص السابقين من أمم الأرض وما جرى عليهم وما جرى لأنبيائهم معهم عبرة وموعظة لأصحاب العقول السليمة، وهداية ورحمة للمؤمنين بالله ورسوله؛ فهم الذين يعتبرون بما قصة الله عن الماضين ويتعظون به؛ لأن الإيمان قد فتح قلوبهم للحق وأرهف حسهم لمواضع العبرة ومعاني الموعظة ، و من تلك القصص

أولًا- قصص الرسل

مع أقوامهم

تعتبر قصص القرآن الكريم من القضايا التي تكررت كثيرًا خاصةً فيما جرى بين الأنبياء وبين أقوامهم . و دعوة الرسل عمومًا هي الدعوة إلى توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة وحده دون سواه.

قال الله تعالى :

﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾

الأعراف: ٥٩

﴿ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾

الأعراف: ٦٥

﴿ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ  وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾

الأعراف: ٧٣

﴿ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

الأعراف: ٨٥

– أمر الله تعالى خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى :

﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾

الأنعام: ١٩

والقاعدة العامة في كل ذلك

قال الله تعالى :

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

الأنبياء: ٢٥

فعلم من هذا أن دعوة الرسل جميعًا هي: الدعوة إلى توحيد الله تعالى وحده لا شريك له

ثانيًا – قصص المصلحون و أتباع الرسل

لما دعا الأنبياء إلى الله تعالى آمن بهم بعض الناس، ومن هؤلاء المؤمنين من سار على درب رسله، وعلم أنه لا بد أن يدعو إلى المنهج الذي جاءت به الرسل. ومن تلك النماذج:

أ- صاحب الجنتين

قال الله تعالى :

﴿ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا . لَٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا . وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا . فَعَسَىٰ رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا . أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا . وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا ﴾

الكهف: ٣٧-٤٢

ب – صاحب ياسين

قال الله تعالى :

﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ. اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ . وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ . إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ . قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ . بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴾

يس: ٢٠-٢٧

فهذا مؤمن واحد آمن وصدق برسالة رسله، ثم دعا إلى اتبّاعهم وتحمّل البلاء في ذلك، ومات من أجل دعوته الصحيحة التي ترشد إلى عبودية الله تعالى وحده دون سواه.

ج – مؤمن آل فرعون

قال الله تعالى :

﴿ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ . يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ . مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا  وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ . وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ . تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ . لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ. فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ . فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ . النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾

غافر: ٣٨-٤٦

فإنه كان مؤمنًا كما وصفه الله، ولا يشك المؤمن وذكّرهم ما هم فيه من الملك؛ ليشكروا الله ولا يتمادوا في كفرهم، ثم كرر ذلك الرجل المؤمن تذكيرهم، وحذّرهم أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم، وكرر ذلك الرجل المؤمن دعاءهم إلى الله وصرح بإيمانه، ولم يسلك المسالك المتقدمة من إيهامه لهم أنه منهم، وأنه إنما تصدى للتذكير كراهة أن يصيبهم بعض ما توعدهم به موسى، كما يقوله الرجل المحب لقومه من التحذير عن الوقوع فيما يخاف عليهم الوقوع فيه.

ثالثا – قصة دعاة الجن

قال الله تعالى :

﴿ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا  فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ . قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ . يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

الأحقاف: ٢٩-٣٢

فكان الغرض في هذه السورة هو بيان الأمر الذي جعل الجنّ يقبلون الدعوة ويعلمون صدقها، وبطلان ما كانوا عليه؛ وأن يكونوا نصحة لأقوامهم، داعين لهم إلى صراط الله المستقيم.

Share This