1- مفهوم الخير

الخير هو كل ما فيه الصلاح والنفع . و هو أيضًا كل ما يتقرّب به العبد إلى الله تعالى من فعل الطاعات، والبعد عن المعاصي والسيئات، فهو إتيان ما يوجب الثواب الجزيل، ويجنب العقاب الأليم. والخير أيضا هو ضد الشر.

2- كلمة الخير

    في

القرآن الكريم

وردت كلمة خير وصيغها في القرآن الكريم ١٨٨ مرة. والصيغ التي وردت هي:

– المصدر

ورد ١٧٦ مرة

قال الله تعالى:

﴿ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

آل عمران:٢٦

-الأسماء

ورد ١٢ مرة

قال الله تعالى:

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾

البقرة:١٤٨

وأطلق الخير في القرآن الكريم على أربعة أوجه:

1- كل ما هو طيب وممدوح ومرغوب فيه

ويشمل العافية والسعة والنفع والأجر وغير ذلك

قال الله تعالى:

﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ﴾

الحج:٣٦

أي: لكم في البدن منافع كثيرة في الدنيا، والأجر في الآخرة إذا تقربتم إلى الله بذبحها.

2- الإسلام أو القرآن

قال الله تعالى:

﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾

البقرة: ١٠٥

3- المال

قال الله تعالى:

﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ﴾

البقرة:١٨٠

أي: إن ترك مالًا

4- الأفضل

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾

الأعراف:١٢

أي: أنا أفضل منه.

3- أقسام الخير

       فى

  القرآن الكريم

الخير ينقسم إلى الأ نواع  الأ تية

أولا- الخير المطلق

وهو أن يكون مرغوباً فيه بكل حال، وقد جاء كثيرا فى القرآن الكريم ، بمعنى

1ـ العمل الصالح

قال الله تعالى:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ  )

الحج ٧٧

( وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )

البقرة ١١٠

 ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّـهِۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّـهَ شَاكِرٌ عَلِي )

البقرة ١٥٨

 ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ )

البقرة ١٨٠

 ( أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ )

البقرة ١٨٤

 ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّـهُ )

البقرة ١٩٧

 ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ )

البقرة ٢١٥

2ـ فضل الله

قال الله تعالى:

( مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ )

البقرة ١٠٥

3- نقيض الضرر

قال الله تعالى:

( وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّـهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )

يونس ١٠٧

 ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ  ﴾

الزلزلة 7-8

ثانيا – الخير النسبيٌّ

ويكون فى المقارنة  بين شيئين غير متناقضين ، أى بين أشياء تشترك مع بعضها وليست نقيضا لبعضها ، كالمال يكون خيراً للبعض، ويكون شراً لآخرين.

قال الله تعالى:

 ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ )

البقرة ٦١

وهنا تكون المقارنة بين طعام هو خير من طعام . المشترك هو الطعام .

قال الله تعالى:

( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا )

البقرة ١٠٦

فإن ( خير ) هنا تأتى فى المقارنة  ( بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ) المشترك هو الآية .

قال الله تعالى:

( وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ )

البقرة  ١٨٤

إمّا أن تصوم وإمّا أن تستعمل الرخصة . والصوم خير من إستعمال الرخصة. المشترك هو الصيام أو تقديم بديل عنه .

قال الله تعالى:

( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ )

البقرة ١٩٧

هناك من يتزود للآخرة بالعصيان ، وهناك من يتزود لها بالتقوى . زاد التقوى خير من زاد العصيان. المشترك هو الزاد.

قال الله تعالى:

( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌۖ )

البقرة ٢٢٠

الإصلاح لليتامى خير من أكل حقوقهم والاهمال فى رعايتهم . المشترك هو اليتيم .

قال الله تعالى:

( قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى )

البقرة ٢٦٣

هناك من يتصدق ويمُنُّ على من يتصدق عليه. قول المعروف خير من هذا.

قال الله تعالى:

( وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ )

البقرة  ٢٨٠

الفقير المدين غير القادر على السداد يمكن إنتظار مقدرته على السداد. خير من ذلك إسقاط الديون عنه صدقة لوجه الله جل وعلا. المشترك هو الفقير المدين العاجز عن السداد.

قال الله تعالى:

( وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ )

الاعلى ١٧

( وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ )

الضحى ٤

لنا حظُّ فى هذا الدنيا وكل منا يسعى لهذا الحظ. ولكن الآخرة خير من حظوظ الدنيا. المشترك هو المتاع. متاع الدنيا أو متاع الآخرة.

قال الله تعالى:

﴿  قُلْ مَا عِندَ اللَّـهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّـهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ )

الجمعة ١١

ما عند الله جل وعلا من ثواب خير من اللهو والتجارة. المشترك هو التجارة

قال الله تعالى:

 ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ).

القدر3

هى ليلة واحدة فى العام ولكنها خير من ألف شهر . الزمن هو المشترك هنا .

قال الله تعالى:

( وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ )

البقرة ٢١٦

نحن نخطىء فى حساباتنا وفيما نحب وفيما نكره ، عسى أن يكون ما نحسبه خيرا يكون شرا والعكس. المشترك هنا هو المشاعر والحسابات

ثالثا –  الخير فيما يتعلق بالله تعالى

يأتى  الخير  هنا بدون مقارنة وبدون مشترك ، لأنه لا شريك له جل وعلا فى صفاته ولا فى قدرته

ـ الله تعالى وحده هو خير وأبقى

قال الله تعالى:

 ( وَاللَّـهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ﴾   

طه ٧٣

( بَلِ اللَّـهُ مَوْلَاكُمْۖ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ )

آل عمران ١٥٠

الله تعالى وحده هو خير الناصرين

4 – الخيرفي حق

    الله تعالى

من الحقائق الثابتة التي لا مراء فيها أن الله تعالى خالق كل شيء، وهو خالق الخير يهدي إليه من يشاء من خلقه، ولا يعلم حقيقة الخير إلا الله.

1- الله تعالى هو

مصدر الخير

مصدر الخير هو الله سبحانه وتعالى فهو الذي خلقه ويسّره لأهله،

قال الله تعالى:

( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا )

الفرقان: ٢

فالخير بيد الله تعالى هو خالقه وملهمه،

قال الله تعالى:

( بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )

آل عمران: ٢٦

2- الخير في أسماء الله وصفاته

اقترن الخير في مواضع من القرآن الكريم بأسماء الله تعالى وصفاته، وبيان ذلك كما يأتي:

– خير الناصرين

قال الله تعالى:

 ( بَلِ اللَّـهُ مَوْلَاكُمْۖ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ )

آل عمران ١٥٠

الله تعالى خير النّاصرين؛ لأنّه تعالى هو القادر على نصرتك في كلّ ما تريد، والعالم الّذي لا يخفى عليه دعاؤك وتضرّعك، والكريم الّذي لا يبخل في جوده .

– خير الرازقين

قال الله تعالى:

 ( وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ )

المائدة ١١٤

( وَإِنَّ اللَّـهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ )

الحج ٥٨

واللّه تعالى خير الرّازقين؛ لأنه يرزق من يؤمن به ويعبده، ومن يكفر به ويجحده، فهو يعطي من سأل ويبتدئ من لا يسأل، وغيره إنما يرزق من يرجو منفعته، ويقبل على خدمته .

– خير الفاصلين

قال الله تعالى:

 ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّـهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ )

الانعام ٥٧

الله تعالى هو خير مَن يفصل بين الحق والباطل بقضائه وحكمه.

– خير الحاكمين

قال الله تعالى:

( فَاصْبِرُوا حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّـهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ )

الاعراف ٨٧

 ( وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّـهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ )

يونس ١٠٩

ومعناه في حق الله تعالى أنه سبحانه أفضل من يحكم بين الناس ؛ لأنه لا يقع في حكمه ميلٌ إلى أحد ولا محاباة لأحد .

– خير الفاتحين

قال الله تعالى:

( رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ )

الاعراف ٨٩

ربنا احكم بيننا وبين قومنا بالحق، وأنت خير القاضين.

– خير الغافرين

قال الله تعالى:

 ( أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ )

الاعراف ١٥٥

أي: أنت خير من صفح عن جرم، وستر على ذنب ، فتغفر ذنوب عبادك لا لطلب عوضٍ وغرضٍ، بل لمحض الفضل والكرم، فوجب القطع بكونك خير الغافرين

– خير الماكرين

قال الله تعالى:

﴿ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾

آل عمران: ٥٤

﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾

الأنفال: ٣٠

و المراد من مكره سبحانه هو ردَّ الله مكرهم عليهم جزاء لهم.

– خيرٌ حافظًا

قال الله تعالى:

 ( فَاللَّـهُ خَيْرٌ حَافِظًا  )

يوسف ٦٤

أي:  من حفظه اللّه سلم، وإن لم يحفظه لم يسلم .

– خير الوارثين

قال الله تعالى:

 ( وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ )

الانبياء ٨٩

أي: يبقى بعد فناء الكل ويفنى من سواه؛ فيرجع ما كان ملك العباد إليه وحده لا شريك له .

– خير المنزلين

الإنزال في الأمكنة قد يقع من غير اللّه، كما يقع من اللّه تعالى وإن كان هو سبحانه خير من أنزل؛ لأنّه يحفظ من أنزله في سائر أحواله، ويدفع عنه المكاره بحسب ما يقتضيه الحكم والحكمة .

قال الله تعالى:

( وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ).

المؤمنون: ٢٩

وفي هذه الآية توجيه من الله تعالى لنبيه نوح عليه السلام أن يطلب من الله تعالى أن يتفضّل عليه بإنزاله منزلًا مباركًا، بأن يكون ذات ماء وشجر، أو غير ذلك ممّا يمهّد الحياة.

– خير الراحمين

قال الله تعالى:

 ( رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ )

المؤمنون ١٠٩

( قُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ )

المؤمنون  ١١٨

أي: أنت يا ربّ خير من رحم ذا ذنب، فقبل توبته، ولم يعاقبه على ذنبه.

3- حقيقة الخير لا يعلمها إلا الله

إن الخير بيد الله تعالى فهو سبحانه خالقه وملهمه ولا يعلم حقيقته إلا هو، فقد يقع للإنسان شيء من الأقدار المؤلمة والمصائب الموجعة التي تكرهها نفسه، فربما جزع أو أصابه الحزن وظنّ أن ذلك المقدور هو الضربة القاضية والفاجعة المهلكة لآماله وحياته، فإذا بذلك المقدور منحة من الله في ثوب محنة، وعطية منه تعالى في رداء بليّة، وكم أتى نفع الإنسان من حيث لا يحتسب، والعكس صحيح، فكم من إنسان سعى إلى شيءٍ ظاهره الخير، واستمات في سبيل الحصول عليه، وبذل الغالي والنفيس من أجل الوصول إليه، فإذا بالأمر يأتي على خلاف ما يريد.

قال الله تعالى:

( وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ  وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

البقرة: ٢١٦

( فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾

النساء: ١٩

فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله في ذلك الشيء الذي تكرهونه خيرًا كثيرًا، وفي القرآن الكريم شواهد كثيرة تدل على ذلك ، منها

– قصة الغلام الذي قتله الخضر عليه السلام بأمر من الله تعالى

قال الله تعالى:

( وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا . فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴾

الكهف: ٨٠-٨١

وأما الغلام الذي قتلته فكان في علم الله كافرًا، وكان أبوه وأمه مؤمِنَيْن، فخشينا لو بقي الغلام حيًا لَحمل والديه على الكفر والطغيان؛ لأجل محبتهما إياه أو للحاجة إليه. فأردنا أن يُبْدِل الله أبويه بمن هو خير منه صلاحًا ودينًا وبرًا بهما.

– قصة أم موسى عندما ألقته في اليمِّ بأمر من الله تعالى

قال الله تعالى  :

﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾

القصص: ٧

وألْهمنا أم موسى حين ولدته وخشيت عليه أن يذبحه فرعون كما يذبح أبناء بني إسرائيل: أن أرضعيه مطمئنة، فإذا خشيت أن يُعرف أمره فضعيه في صندوق وألقيه في النيل، دون خوف من فرعون وقومه أن يقتلوه، ودون حزن على فراقه، إنا رادُّو ولدك إليك وباعثوه رسولا. فوضعته في صندوق وألقته في النيل، فعثر عليه أعوان فرعون وأخذوه، فكانت عاقبةُ ذلك أن جعله الله لهم عدوًّا وحزنًا، فكان إهلاكُهم على يده. إن فرعون وهامان وأعوانهما كانوا آثمين مشركين.

5- الحث على فعل الخير

       في

  القرآن الكريم

تعددت طرق القرآن الكريم في الدعوة إلى الخير، والاستزادة منه، والحث عليه؛ فتارةً يأمر بفعله، وتارةً يثني على أهله، وأخرى يعد على فعله الثواب الجزيل.

1- الأمر بفعل الخير

ورد في بعض آيات القرآن الكريم الأمر بفعل الخير أمرًا مباشرًا،

قال الله تعالى:

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾

البقرة: ١٤٨

ولكل أمة من الأمم قبلة يتوجَّه إليها كل واحد منها في صلاته، فبادروا – أيها المؤمنون- متسابقين إلى فِعْل الأعمال الصالحة التي شرعها الله لكم في دين الإسلام.

قال الله تعالى:

﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ﴾

آل عمران: ١٠٤

لتكن منكم جماعة تدعو للقيام بأمر الله في الدعوة إلى الخير

قال الله تعالى:

﴿ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

الحج: ٧٧

وافعلوا الخير كصلة الرحم ومكارم الأخلاق لعلكم تفوزون بالبقاء في الجنة.

قال الله تعالى:

﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ﴾

الأنبياء: ٧٣

أي: ألهمنا نفوسهم وقلوبهم فعل الخيرات، وهديناهم إليها، بما أوحينا به لرسلهم الذين جاءوا رسولًا بعد رسول .

2- الثناء على أهله

من طرق القرآن أيضًا في الدعوة إلى الخير، الثناء من الله تعالى على أهله الذين يوصفون بأنهم أهل الخير.

قال الله تعالى:

﴿ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾

آل عمران: ١١٤

أي: ويبتدرون فعل الخيرات؛ خشية أن يفوتهم ذلك قبل معاجلتهم مناياهم، ثم أخبر الله تعالى أن هؤلاء من عداد الصالحين .

قال الله تعالى:

﴿ أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾

المؤمنون: ٦١

أولئك المجتهدون في الطاعة، دأبهم المسارعة إلى كل عمل صالح، وهم إلى الخيرات سابقون.

ولا شك أن العبد إذا عرف أن الله تعالى يثني على فاعلي الخير فإنه يحب أن يكون ممن أثنى الله تعالى عليهم، ويجتهد في أن يصل إلى هذه المنزلة.

3- الوعد بالثواب الجزيل

وعد الله تعالى كل من يفعل الخير بالثواب الجزيل، وهذا أيضًا من باب الدعوة إلى فعل الخير والحث عليه.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ ﴾

آل عمران: ١١٥

أي وما تفعل هذه الأمة من خير وتعمل من عملٍ لله فيه رضًى، فلن يبطل الله ثواب عملهم ذلك، ولا يدعهم بغير جزاء منه لهم عليه، ولكنه يجزل لهم الثواب عليه، ويسني لهم الكرامة والجزاء.

قال الله تعالى:

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴾

الزلزلة: ٧

وفعل الخير أيضًا مهما قلّ فثوابه لن يضيع عند الله تعالى.فمن عمل في الدنيا وزن ذرة من خير فإنه يرى ثوابه هنالك، وهذا حث لأهل الدنيا على العمل بطاعة الله، والزجر عن معاصيه.

6- الابتلاء بالخير

الابتلاء كما يكون بما تكرهه النفس، وهو الشر، كذلك يكون بما تحبه النفس، وهو الخير.

قال الله تعالى:

﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾

الأنبياء: ٣٥

أي: نختبركم بما يجب فيه الصبر من البلايا، وبما يجب فيه الشكر من النعم، وإلينا مرجعكم فنجازيكم على حسب ما يوجد منكم من الصبر أو الشكر .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾

آل عمران: ١٨٠

ولا يظنن الذين يبخلون بما أنعم الله به عليهم تفضلا منه أن هذا البخل خير لهم، بل هو شرٌّ لهم؛ لأن هذا المال الذي جمعوه سيكون طوقًا من نار يوضع في أعناقهم يوم القيامة. والله سبحانه وتعالى هو مالك الملك، وهو الباقي بعد فناء جميع خلقه، وهو خبير بأعمالكم جميعها، وسيجازي كلا على قدر استحقاقه.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا . إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا . وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴾

المعارج: ٢١

إن الإنسان جُبِلَ على الجزع وشدة الحرص، إذا أصابه المكروه والعسر فهو كثير الجزع والأسى، وإذا كثر ماله، ونال الغنى فهو منوع لما في يده، بخيل به، لا ينفقه في طاعة الله، ولا يؤدّي حق الله منه .

7- جزاء عمل الخير

امتلأ القرآن الكريم بالآيات التي تحثّ على فعل الخير، وتقديم النفع للآخرين، وما يترتّب على ذلك من الأجر العظيم .

قال الله تعالى:

( وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ )

البقرة 197

وما تفعلوا من خير يعلمه الله، فيجازي كلا على عمله

قال الله تعالى:

( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ )

الزلزلة 7

فمن يعمل وزن ذرة خيرًا، ير ثوابه في الآخرة

قال الله تعالى:

( وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )

البقرة 110

( وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا )

المزمل 20

واعلموا أنَّ كل خير تقدمونه لأنفسكم تجدون ثوابه عند الله في الآخرة

قال الله تعالى:

( وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ )

الأعلى17

والدار الآخرة بما فيها من النعيم المقيم، خير من الدنيا وأبقى.

  8- مجالات الخير

        في

    القرآن الكريم

للخير مجالات كثيرة، دل عليها القرآن الكريم، وأرشد المسلمين إليها وأمرهم بها؛ ليحصل لهم بسببها الفوز والفلاح، والسعادة في الدنيا والآخرة ، مثل الأتي

1- الإيمان

الإيمان من أعظم ميادين الخير التي أرشد إليها القرآن الكريم.

قال الله تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ ﴾

النساء: ١٧٠

يا أيها الناس قد جاءكم رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بالإسلام دين الحق من ربكم، فَصَدِّقوه واتبعوه، فإن الإيمان به خيرلكم في الدنيا ؛ وخير في الآخرة؛ لأنه أول وأهم سبب من أسباب دخول الجنة.

قال الله تعالى:

﴿ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ﴾

الأنعام: ١٥٨

ولا بد أن يكون الإيمان مقرونًا بالعمل؛ لينفع صاحبه عند الله.

– التقوى

التقوى هي الائتمار بما أمر، والانتهاء عما نهى عنه .

قال اللّه تعالى:

﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾

البقرة: ١٠٣

ولو أنّهم  -أي اليهود- آمنوا باللّه ورسله واتّقوا المحارم، لكان مثوبة اللّه على ذلك خيرًا لهم ممّا استخاروا لأنفسهم ورضوا به .

وقد أمر الله تعالى بالتزود منها

قال الله تعالى:

﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾

البقرة: ١٩٧

فإن خير الزاد تقوى الله، وخافوني يا أصحاب العقول السليمة.

قال الله تعالى:

﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

العنكبوت: ١٦

أن أخلصوا العبادة لله وحده، واتقوا سخطه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، ذلكم خير لكم، إن كنتم تعلمون ما هو خير لكم مما هو شر لكم.

– التوحيد

قال الله تعالى:

﴿ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾

يوسف 39

أعبادةُ آلهةٍ مخلوقة شتى خير أم عبادة الله الواحد القهار؟

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ ﴾

النساء 171

ولا تجعلوا عيسى وأمه مع الله شريكين. انتهوا عن هذه المقالة خيرًا لكم مما أنتم عليه، إنما الله إله واحد سبحانه.

–  التوبة والرجوع إلى الله

قال الله تعالى:

﴿ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ﴾

التوبة: ٣

﴿ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾

التوبة: ٧٤

فالتوبة كلها خير بالنسبة لمن يتوب من كفره وشركه ونفاقه؛ لأنه يعود إلى طريق الحق والإيمان، وخير لمن يتوب من ذنبه؛ لأنه يعود إلى رشده وصوابه، والعمل بطاعة ربه

– إقام الصلاة

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ  ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

الجمعة: ٩

وهنا يرشد الله عباده إلى أن يمضوا إلى الصلاة عندما يسمعوا النداء ويتركوا البيع وكل ما يشغلهم عنها، وأن ذلك فيه الخير لهم وهو الثواب في الآخرة التي هي خير وأبقى.

– الصيام

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

البقرة: ١٨٤

وصيامكم خير لكم – مع تحمُّل المشقة – من إعطاء الفدية، إن كنتم تعلمون الفضل العظيم للصوم عند الله تعالى.

– الحج والعمرة

قال الله تعالى:

﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾

البقرة: ١٩٧

وقت الحج أشهر معلومات، وهي: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة. فمن أوجب الحج على نفسه فيهن بالإحرام، فيحرم عليه الجماع ومقدماته القولية والفعلية، ويحرم عليه الخروج عن طاعة الله تعالى بفعل المعاصي، والجدال في الحج الذي يؤدي إلى الغضب والكراهية. وما تفعلوا من خير يعلمه الله، فيجازي كلا على عمله. وخذوا لأنفسكم زادًا من الطعام والشراب لسفر الحج، وزادًا من صالح الأعمال للدار الآخرة، فإن خير الزاد تقوى الله، وخافوني يا أصحاب العقول السليمة.

– الصدقة

والمراد بها ما ينفق في سبيل الله.

قال الله تعالى:

﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾

البقرة: ٢١٥

يسألك أصحابك -أيها النبي- أي شيء ينفقون من أصناف أموالهم تقربًا إلى الله تعالى، وعلى مَن ينفقون؟ قل لهم: أنفقوا أيَّ خير يتيسر لكم من أصناف المال الحلال الطيب، واجعلوا نفقتكم للوالدين، والأقربين من أهلكم وذوي أرحامكم، واليتامى، والفقراء، والمسافر المحتاج الذي بَعُدَ عن أهله وماله. وما تفعلوا من خير فإن الله تعالى به عليم

– الإحسان إلي اليتيم

قال الله تعالى:

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ﴾

البقرة: ٢٢٠

ويسألونك -أيها النبي- عن اليتامى كيف يتصرفون معهم في معاشهم وأموالهم؟ قل لهم: إصلاحكم لهم خير، فافعلوا الأنفع لهم دائمًا .

– القتال في سبيل الله

قال الله تعالى:

﴿ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾

آل عمران: ١٥٧

ولئن قُتِلتم -أيها المؤمنون- وأنتم تجاهدون في سبيل الله أو متم في أثناء القتال، ليغفرن الله لكم ذنوبكم، وليرحمنكم رحمة من عنده، فتفوزون بجنات النعيم، وذلك خير من الدنيا وما يجمعه أهلها.

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

الصف: ١٠ -١١

كما أن الجهاد تجارة تنجي صاحبها من العذاب الأليم .

– تعظيم حرمات الله

قال الله تعالى:

﴿ ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾

الحج: ٣٠

ومن يعظم حرمات الله، أي يجتنب معاصيه ومحارمه، ويكون ارتكابها عظيمًا في نفسه، فهو خيرٌ له عند ربّه ، فله على ذلك خيرٌ كثيرٌ وثوابٌ جزيلٌ، فكما على فعل الطّاعات ثوابٌ جزيلٌ وأجرٌ كبيرٌ، فكذلك على ترك المحرّمات واجتناب المحظورات .

– الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

قال الله تعالى:

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾

آل عمران: ١١٠

أنتم – يا أمة محمد – خير الأمم وأنفع الناس للناس، تأمرون بالمعروف، وهو ما عُرف حسنه شرعًا وعقلا وتنهون عن المنكر، وهو ما عُرف قبحه شرعًا وعقلا

– الصبر

الصبر هو الرضا بقضاء الله تعالى ، ولاشك أن عاقبة الصبر كلها خير،

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾

النساء: ٢٥

في العفو عن معاقبة المعتدي

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾

النحل: ١٢٦

وإن أردتم -أيها المؤمنون- القصاص ممن اعتدوا عليكم، فلا تزيدوا عما فعلوه بكم، ولئن صبرتم لهو خير لكم في الدنيا بالنصر، وفي الآخرة بالأجر العظيم.

– السمع والطاعة

قال الله تعالى:

﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ ﴾

النساء: ٤٦

ولو أن هؤلاء اليهود الذين وصف الله صفتهم، قالوا لنبي الله: سمعنا يا محمد قولك ، وأطعنا أمرك، وقبلنا ما جئتنا به من عند الله ، وانتظرنا نفهم عنك ما تقول لنا لكان ذلك خيرًا لهم عند الله ، وأعدل وأصوب في القول .

و في شأن المشركين

قال الله تعالى:

﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ﴾

الأنفال: ٢٣

ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم مواعظ القرآن وعبره؛ حتى يعقلوا عن الله عز وجل حججه منه، ولكنه قد علم أنه لا خير فيهم وأنهم ممن كتب لهم الشقاء فهم لا يؤمنون

– الإصلاح بين الناس

قال الله تعالى:

﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾

النساء: ١١٤

لا نفع في كثير من كلام الناس سرّاً فيما بينهم، إلا إذا كان حديثًا داعيًا إلى بذل المعروف من الصدقة، أو الكلمة الطيبة، أو التوفيق بين الناس، ومن يفعل تلك الأمور طلبًا لرضا الله تعالى راجيًا ثوابه، فسوف نؤتيه ثوابًا جزيلا واسعًا.

في شأن تخاصم الأزواج

قال الله تعالى :

﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾

النساء: ١٢٨

وإن علمت امرأة من زوجها ترفعًا عنها، وتعاليًا عليها أو انصرافًا عنها فلا إثم عليهما أن يتصالحا على ما تطيب به نفوسهما من القسمة أو النفقة، والصلح أولى وأفضل.

– العفّة

قال الله تعالى:

﴿ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾

النور: ٦٠

والعجائز من النساء اللاتي قعدن عن الاستمتاع والشهوة لكبرهن، فلا يطمعن في الرجال للزواج، ولا يطمع فيهن الرجال كذلك، فهؤلاء لا حرج عليهن أن يضعن بعض ثيابهن كالرداء الذي يكون فوق الثياب غير مظهرات ولا متعرضات للزينة، ولُبْسهن هذه الثياب – سترًا وتعففًا- أحسن لهن. والله سميع لأقوالكم، عليم بنياتكم وأعمالكم.

– الصدق

قال الله تعالى:

﴿ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾

محمد: ٢١

فلو صدقوا الله في الإيمان والعمل لكان خيرًا لهم من المعصية والمخالفة.

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾

المائدة: ١١٩

هذه الآية بيان لما يحصل للصادقين من الخير؛ جزاءًا لصدقهم وانتفاعهم به، وهو دخولهم الجنة ورضوان الله عليهم .

– عدم السخرية

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ﴾

الحجرات: ١١

يا أيها الذين آمنوا لا يهزأ قوم مؤمنون من قوم مؤمنين؛ عسى أن يكون المهزوء به منهم خيرًا من الهازئين، ولا يهزأ نساء مؤمنات من نساء مؤمنات؛ عسى أن يكون المهزوء به منهنَّ خيرًا من الهازئات، ولا يَعِبْ بعضكم بعضًا، ولا يَدْعُ بعضكم بعضًا بما يكره من الألقاب .

– الإنفاق في سبيل الله

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

التغابن: ١٦

وأنفقوا مما رزقكم الله يكن خيرًا لكم. ومن سَلِم من البخل ومَنْعِ الفضل من المال، فأولئك هم الظافرون بكل خير، الفائزون بكل مطلب.

– العدل في الكيل والوزن

لا شك أن تحقيق العدل في الكيل والوزن فيه المصلحة للناس جميعًا، وهي قضية أمانة وعدالة جاءت الشريعة بإقرارها، ودعت الناس إليها.

قال الله تعالى:

﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾

الإسراء: ٣٥

وأتموا الكيل، ولا تنقصوه إذا كِلْتم لغيركم، وزِنوا بالميزان السوي، إن العدل في الكيل والوزن خير لكم في الدنيا، وأحسن عاقبة عند الله في الآخرة. قال تعالى في قصة شعيب مع قومه

– عدم الإفساد في الأرض

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

الأعراف: ٨٥

ولا تفسدوا في الأرض – بالكفر والظلم- بعد إصلاحها بشرائع الأنبياء السابقين عليهم السلام. ذلك الذي دعوتكم إليه خير لكم في دنياكم وأخراكم، إن كنتم مصدقيَّ فيما دعوتكم إليه، عاملين بشرع الله.

– الاستئذان في الدخول على البيوت

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾

النور: ٢٧

يا أيها الذين آمنوا ، لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأذنوا أهلها في الدخول وتسلموا عليهم ذلكم الاستئذان خير لكم؛ لعلكم تتذكروا بفعلكم ذلك أوامر الله عليكم واللازم لكم من طاعته، فتطيعوه.

 

Share This