مفهوم الحياة في القرآن الكريم

1- مفهوم الحياة

مفهوم الحياة يختلف حسب المقصود بها ، فهناك

أ- الحياة الدنيا

وهي الفترة القصيرة التي تمثل عمر الفرد في الدنيا ، وهي خلاف الموت

قال الله تعالى:

﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

الكهف: 46

ب – الحياة الأخرويّة الأبديّة

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾

الأنفال:٢٤

﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾

الفجر:٢٤

يعني بها: الحياة الأخرويّة الدّائمة

ج – الحياة التي يوصف بها الباري

قال الله تعالى:

﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ﴾

الفرقان : 58

وتوكل على الله الذي له جميع معاني الحياة الكاملة كما يليق بجلاله الذي لا يموت .

2- كلمة الحياة

     في

القرآن الكريم

وردت كلمة الحياة وصيغها في القرآن الكريم ١٧٥ مرة. والصيغ التي جاءت هي:

– الفعل الماضي

وردت ١٧ مرة

قال الله تعالى:

﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾

المائدة:٣٢

– الفعل المضارع

وردت ٤٦ مرة

قال الله تعالى:

﴿ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾

البقرة:٢٥٨

– فعل الأمر

وردت  مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ ﴾

غافر:٢٥

– المصدر

وردت ٧٩ مرة

قال الله تعالى:

﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ﴾

البقرة:٨٦

– اسم الفاعل

وردت  مرتين

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

الروم:٥٠

– الاسم

وردت ٣٠ مرة

قال الله تعالى:

﴿ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾

البقرة :٢٥٥

وجاءت (الحياة) في القرآن الكريم على ثلاثة أوجه:

1- الخلق الأول ونفخ الروح

قال الله تعالى:

﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ﴾

البقرة :٢٨

يعني: كنتم نطفًا فخلقكم وجعل فيكم الأرواح.

2- الإيمان والهدى

قال الله تعالى:

﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ﴾

الأنعام :١٢٢

يعني: فهديناه للإيمان.

3- الإبقاء على قيد الحياة

قال الله تعالى:

﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾

المائدة  :٣٢

يعني: ومن أبقاها فكأنما أبقى الناس جميعًا.

3- الكلمات ذات الصلة

   بكلمة الحياة

– النماء

هوزيادةٍ الشّيء حالًا بعد حال من نفسه، لا بإضافة إليه .

– العيش

العيش هو الحياة المختصة بالأجسام، ويشتق منه المعيشة، وهو كل ما يتعيش منه ويقيم الأود، ويلبي رغبات الجسم، من مأكل ومشرب ومسكن وغير ذلك مما تكون به الحياة.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾

الأعراف: 10

– الروح

الروح هو ما يتحد مع البدن فيجعله إنسان حي .

قال الله تعالى:

﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾

الحجر: 29

4 – أنواع الحياة

     في

القرآن الكريم

الحياة ابتداءً نوعان :

أولا – حياة الخالق

وحياة الخالق هي حياة أزلية بلا بداية، وأبدية بلا نهاية، وذاتية ليست ممنوحةً من أحد، وهي تصح الاتصاف بغيرها من باقي الصفات كالقدرة والإرادة والعلم. إلخ، فلولا الحياة ما كان قادرًا أو مريدًا أو عالماً أو سميعًا أو بصيرًا أو متكلماً..

قال الله تعالى:

﴿ اللهُ لَا إلٰهَ إلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّوْم ﴾

البقرة : 255

﴿ هُوَ الحَيُّ لَا إلٰهَ إلَّا هُوَ فَادْعُوْه مُخْلِصِيْنَ لَه الدِّيْنَ الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيْن ﴾

غافر: 65

﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ﴾

الفرقان: 58

﴿ هُوَ الأوَّلُ وَالاٰخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾

الحديد: 3

تدلنا هذه الآيات الكريمات – وأمثالها في القرآن الكريم – على أن الله تعالى حي في ذاته, وأنه واهب الحياة لغيره, فهو سبحانه الحي المحيي وهو المميت.

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾

غافر: 68

( إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ )

الأنعام:95

﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ ﴾

الحجر: 23

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾

التوبة: 116

ثانيا – حياة المخلوق

وحياة المخلوق هي حياة ممنوحة من الله الواحد الأحد، وهي تنقسم إلى مرحلتين:

1 – الحياة الدنيا

الحياة الدنيا هي عمر هذا الكون والكائنات التي تعيش داخله، وهذه الحياة الدنيا تشمل السماء والأرض والنجوم والكواكب والجبال والشجر والدواب، وما نبصر وما لا نبصر. وبدأت الحياة الدنيا بهذا المعنى منذ نشأة الكون وتستمر إلى نهايته التي تسمى شرعًا القيامة، حيث تتبدل الأرض غير الأرض والسموات..

قال الله تعالى:

﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾

إبراهيم : 48

2 – الحياة الآخرة

والحياة الآخرة هي التي تبدأ من قيام الساعة وخروج الناس من قبورهم للحساب والجزاء، وتستمر بلا انقطاع في النعيم أو الجحيم أبد الآبدين ودهر الداهرين، وتلك هي إرادة الله تعالى للفريقين .

قال الله تعالى:

﴿ يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِه فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ . فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ . خٰلِدِيْنَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمٰوَاتُ وَالأرْضُ إِلا مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ . وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمٰوَاتُ وَالأرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾

هود : 105- 108

وقد وصف الله تعالى هاتين الحياتين المخلوقتين بأوصاف تليق بهما وضرب لهم الأمثال، من هذه الأوصاف

قال الله تعالى:

 ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَوٰةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الاٰخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾

العنكبوت: آية 64

وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب، تلهو بها القلوب وتلعب بها الأبدان؛ بسبب ما فيها من الزينة والشهوات، ثم تزول سريعًا، وإن الدار الآخرة لهي الحياة الحقيقية الدائمة التي لا موت فيها، لو كان الناس يعلمون ذلك لما آثروا دار الفناء على دار البقاء. فالحياة الدنيا استمتاع مؤقت يشغل العاقل عما ينبغي، وهذا المتاع هو

قال الله تعالى:

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَآءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَوٰةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَاٰبِ ﴾

آل عمران: 14

والذم في هذه الشهوات مقصور على الجانب البهيمي منها الذي يشبه انتفاع الحيوان الأعجم ويقف عنده؛ لكن إذا تجاوز ذلك إلى شكر المنعم والوفاء بحقه فذلك من أمور الآخرة وكنوزها.

قال الله تعالى:

 ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيوٰةِ الدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنٰهُ مِنَ السَّمَآءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيٰحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا . الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيوٰةِ الدُّنْيَا وَالْبٰقِيٰتُ الصّٰلِحٰتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً ﴾

الكهف: 45- 46

فالحياة الدنيا مرحلة تمر ولا تبقى، وتسر ولا تستمر، فهي كدورة النبات يبدو جميلاً ثم لا يلبث أن يصبح هشيماً يتناثر مع الرياح. أما الحياة الآخرة فهي الحيوان أي الحياة الكاملة فكل ما فيها دائم لا ينقطع، فالخلود الأبدي هو أخص صفاتها.

ومن أراد الجمال الدائم والسعادة التي لاتزول والنعيم الذي لاينفد فعليه التزام منهج الله في الدنيا ليرث الجنة في الآخرة .

قال الله تعالى:

﴿ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ﴾

مريم: 63

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾

الأنفال : 24

والحياة الدنيا تضم ألواناً من الحياة هي:

1 – حياة النبات

تتميز بالنمو والتكاثر

قال الله تعالى:

﴿ أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾

الحديد : 17

﴿ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾

البقرة: 164

﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ﴾

يس: 33

 ﴿ وَمِنْ اٰيٰتِهِٓ أَنَّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِيٓ أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتٰى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

فصلت: 39

2 – حياة الحيوان

تتميز بالحركة والإحساس والنمو والتكاثر

قال الله تعالى:

﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ  يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

النور: 45

﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾

هود: 6

﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾

الأنعام: 38

3 – حياة العقلاء

وهي أسمى أنواع الحياة الدنيا، وهي تتميز بالفكر والوعي والبيان.

والعقلاء من خلق الله ثلاثة:

أ – الملائكة

وهم مفطورون على الطاعة

قال الله تعالى:

﴿ لَايَعْصُوْنَ اللهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفْعَلُوْنَ مَا يُؤْمَرُوْن ﴾

التحريم: 6

﴿ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ  ﴾

النحل: 50

وهؤلاء الملائكة لا يتزاوجون ولا يتناسلون، من وصفهم بالذكورة فسق ومن وصفهم بالأنوثة كفر لمخالفته صريح القرآن .

قال الله تعالى:

﴿ وَجَعَلُوا الْمَلٰٓئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمٰنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ﴾

الزخرف: 19

ب – الجن

وهو عالم غير منظور، يعيش حولنا، ومكلف مثلنا، ومنه المؤمن والكافر.

قال الله تعالى:

 ﴿ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولٓئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا . وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا ﴾

الجن : 14- 15

والجن يتناكحون ويتناسلون.. ففي حق إبليس اللعين

قال الله تعالى:

﴿ أَفَتَتَّخِذُونَه وَذُرِّيَّتَه أَوْلِيَآءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظّٰلِمِينَ بَدَلاً ﴾

الكهف: 50

ج – الإنسان

وهو الخليفة في أرض الله

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾

البقرة :30

يعمرها ويتعرف على نواميس الكون ويبنى المجتمع والحضارة باسم الله وعلى منهج الله .

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ﴾

هود: 61

وحياة الإنسان هذه تمر بمجموعة من الحياة، لكل واحدة منها ناموس خاص، وهي٥ أنـواع من الحياة .

1- حياة الرحم

ويمر فيها الإنسان بالنطفة والعلقة والمضغة والعظام والعظام المكسوة باللحم ثم نفخ الروح إلى أن يتكامل نموه في هذا القرار المكين وفي الظلمات الثلاث ..

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلٰلَةٍ مِنْ طِينٍ . ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ . ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظٰمَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنٰهُ خَلْقًا اٰخَرَ فَتَبٰرَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾

المؤمنون: 12 – 14

2- حياة الأرض

وهي مرحلة الأجل المسمى الذي حدده الله تعالى للإنسان على ظهر هذه الأرض .

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّىٰ مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾

غافر: 67

﴿ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَّمَتَاعٌ إِلىٰ حِينٍ  ﴾

البقرة : آية 36

﴿ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ﴾

المنافقون: 11

– وهي مرحلة الابتلاء بالتكليف

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا . إِنَّا هَدَيْنٰهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾

الإنسان : 2- 3

﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾

الأنبياء:٣٥

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾

الملك:٢

﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾

الكهف :٧

اقتضت سنة الله في الحياة الدنيا أن تكون دار ابتلاء واختبار، يتقلب فيه العباد بين السراء والضراء، والشدة والرخاء، واليسر والعسر. وهو إبتلاء لإظهار المكنون في علم الله من سلوك الأناسي على الأرض، واستحقاقهم للجزاء على العمل .

– ثم تنتهي حياة الأرض بالموت

قال الله تعالى:

﴿ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ . مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ . ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ . ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ﴾

عبس: 18 – 21

خلقه الله من ماء قليل- وهو المَنِيُّ- فقدَّره أطوارا، ثم بين له طريق الخير والشر، ثم أماته فجعل له مكانًا يُقبر فيه .

3- حياة البرزخ

البرزخ بمعنى العالم الفاصل بين الموت ويوم القيامة

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾

المؤمنون :100

وحياة البرزخ على حسب حياة الإنسان في الدنيا: فالمؤمن ينعم في البرزخ وروحه في الجنة. والكافر روحه تعرض على النار، ويناله نصيب من العذاب .

– عن آل فرعون

قال الله تعالى:

( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )

غافر:46

4- حياة البعث

وهي مرحلة القيامة عقب النفخ في الصور

قال الله تعالى:

﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ﴾

المؤمنون: 16

﴿ وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾

الأنعام: 36

فيخرج الناس من قبورهم تغشاهم الأهوال من كل جانب، وتنتابهم المخاوف من فوقهم ومن تحت أرجلهم وتسوقهم الملائكة إلى موقف الحساب والعرض.

قال الله تعالى:

﴿ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ . خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذٰلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾

المعارج: 43- 44

5- حياة الخلود

وتلك هي آخر أنواع الحياة التي يمر بها الإنسان، وهي حياة مهيأة بقدرة الله للخلود الأبدي الذي لاينقطع في النعيم أو الجحيم. فالمؤمنون خالدون أبدًا في جنات النعيم لا يعتريهم موت ولا ينالهم نصب ولا يغيب عنهم شيء مما لذوطاب.

قال الله تعالى:

 ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ . فِي جَنّٰتٍ وَعُيُونٍ . يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقٰبِلِيْنَ . كَذَلِكَ وَزَوَّجْنٰهُمْ بِحُورٍ عِينٍ . يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ اٰمِنِينَ. لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأولَى وَوَقٰهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ . فَضْلا مِنْ رَبِّكَ ذٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾

الدخان: 51- 57

والكافرون خالدون أبدًا في نار جهنم تتوارد عليهم ألوان العذاب وتحيط بهم الحسرة بكل أشكالها.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خٰلِدُونَ . لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ . وَمَا ظَلَمْنٰهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظّٰلِمِينَ . وَنَادَوْا يٰمٰلِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾

الزخرف: 74 – 77

5- الأختلاف في أشكال الحياة

و التعدد في أشكال الحياة يؤكد أن ليس للحياة ناموس واحد أو نظام خاص، بل الحياة نواميس وقوانين ونظم شتى، وما به الحياة في مرحلة لا يصلح مقياساً للحياة في مرحلة سابقة أو لاحقة. فالجنين في رحم أمه حي وله من الظروف والملابسات مالا يصلح للإنسان على ظهر هذه الأرض، كذلك فإن حياة البرزخ لها من الاختلاف والتباين مالا يخضع لحياة الإنسان المشاهدة فهي نوع حياة لا نحسه نحن ولا ندركه .

ومما يؤكد هذا التباين في نظم الحياة ونواميسها إن العواطف التي تربطنا بأحبتنا خلقت في حياة الأرض فقط.

قال الله تعالى:

﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾

الروم: 21

وستتلاشى العواطف في حياة البعث..

قال الله تعالى:

﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾

المؤمنون: 101

بل يحدث لها تغيير عجيب وعكسي في حياة الخلود

قال الله تعالى:

﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ . وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ . وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ . لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾

عبس: 34- 37

﴿ وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا ﴾

المعارج: 10

لا يعرفهم ولا يكترث بهم.. لأن كل واحدٍ منهما مشغول بنفسه.. بل الاكثـر من ذلك .

قال الله تعالى:

(  يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ . وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ . وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ )

المعارج: 11- 13

وحياة الخلود في النعيم بأشكال من الحياة لم تخطر على قلب بشر..

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَىٰ ﴾

النجم: 47

وأن على ربك إعادة خلقهم بعد مماتهم، وهي النشأة الأخرى يوم القيامة ، التي تتنا سب مع حياة الخلود .

قال الله تعالى:

﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ  تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا  تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ ﴾

الرعد: 35

فالفاكهة كثيرة وكبيرة لا تنقطع بالفصول والأوقات

قال الله تعالى:

﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ﴾

محمد: 15

صفة الجنة التي وعدها الله المتقين: فيها أنهارٌ عظيمة من ماء غير متغيِّر، وأنهار من لبن لم يتغيَّر طعمه، وأنهار من خمر يتلذذ به الشاربون، وأنهار من عسل قد صُفِّي من القذى، ولهؤلاء المتقين في هذه الجنة جميع الثمرات من مختلف الفواكه وغيرها، وأعظم من ذلك السَّتر والتجاوزُ عن ذنوبهم، هل مَن هو في هذه الجنة كمَن هو ماكث في النار لا يخرج منها، وسُقوا ماء تناهى في شدة حره فقطَّع أمعاءهم؟

وهكذا .. فإن الحياة متنوعة النواميس متعددة الأشكال.. فسبحان الخلاق العليم

قال الله تعالى:

﴿ الّذِيْ أعْطٰى كُلَّ شَيْءٍ خَلقَه ثُمَّ هَدٰى ﴾

طه: 50

﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ﴾

السجدة: 7

﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾

البقرة : 28

6 – صفات الحياة

        في

  القرآن  الكريم

لكل نوع من انوع الحياة في القرآن  الكريم صفات خاصة بها ،نستعرضها في ما يلي :

أولًا – وصف الحياة الدنيا

عرضت الآيات القرآنية صفات الحياة الدنيا بما يجلي حقيقتها، ويكشف عن قيمتها في ميزان الله عز وجل حتى لا ينخدع الناس بها أو يغفلون بسببها عن الحياة الحقيقية في الآخرة. وفيما يلي نعرض بعض أوصاف الحياة الدنيا كما جاءت في القرآن .

1- متاع

لفظ المتاع لم يضف إلا للدنيا وغرورها، ولم يوصف نعيم الآخرة بأنه متاع؛ لأنه نعيم كامل باق لا يفنى ولا يزول. و المتاع هو كل ما أوتي الإنسان في الحياة الدنيا من نساء وبنين ومساكن وأموال .

قال الله تعالى:

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾

آل عمران:١٤

وقد جعل هذا المتاع فتنة وإمتحانًا.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ  وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ﴾

طه: ١٣١

ونقطة الابتلاء في حياة الإنسان هي هذا المتاع الذي وهبه ربه، هل يتناول منه القدر الذي أباحه الله وأحله، أم ينتهب ما حرم الله ولا يلتزم بطاعته؟

أن هذا المتاع قليل وزائل لزوال الحياة الدنيا نفسها وانقضائها

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾

القصص:٦٠

كما أنه متاع يخدع الغافلين ويغر المغرورين

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾

آل عمران:١٨٥

وما الحياة الدنيا التي نعيشها ونستمتع بها باللذات الجسدية من طعام وشراب والمعنوية من جاه ومنصب وسمو إلا كالمتاع المشترى بخداع وتغرير، ثم يتبين فساده ورداءته؛ لأن صاحبها دائمًا مغرور مخدوع بها، أو لأنها حقيرة متروكة فانية زائلة

قال الله تعالى:

﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ﴾

الأعلى:١٦-١٧

فهل ينخدع العاقل بهذا المتاع ويضحي من أجله بنعيم خالد وسعادة سرمدية ؟، ألا إنها الحماقة التي لا يرتكبها إنسان يسمع ويرى!

2- لعب ولهو

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾

الأنعام: ٣٢

﴿ وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾

العنكبوت:٦٤

﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾

الحديد:٢٠

فما أشد بؤس المرء الذي تخلو حياته من الجد والعمل، وتقتصر على اللهو واللعب، فلا غرس عملًا صالحًا ولا حصّل خلقًا فاضلًا، والاستغراق في ممارسة اللهو واللعب يؤدي إلى الإنزلاق في مستنقع الغفلة، فينطلق المرء نحو زينة الحياة الدنيا في سعار محموم لا يتوقف ولا ينتهي، فينسى الآخرة، ويتشاغل عنها حتى إذا جاء وقت الحصاد في الآخرة لم يحصد إلا الخيبة والندم، ولم يجن سوى الهوان والخسران، فالجزاء من جنس العمل!

3- زينة

الزينة هي في الأصل اسم جامع لكل ما يتزين به، والتزيين هو تحسين المظهر وتجميله حتى تميل إليه الحواس، وترتاح إليه النفوس، ولا يشترط فيما هو حسن المظهر أن يكون في حقيقته جوهرًا نافعًا، وذا قيمة حقيقية باقية، بل ربما يكون ضارًّا وجالبًا لشر وعذاب .وصفت الحياة الدنيا بالزينة في القرآن الكريم  .

قال الله تعالى:

﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ﴾

الحديد :٢٠

وقد أبان الله عز وجل أنه جعل ما على الأرض زينة لها ليبلوا الناس أيهم أحسن عملًا

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾

الكهف: ٧

فكلّ ما عليها من قصور وأنهار، ومدائن وديار، وزروع وثمار، وبحيرات وغابات، وكنوز وثروات، وضيعاتٍ وروضات، ومراكب فارهة، وأسواقٍ عامرة، ومراتب عالية، كلّ ذلك من أعراض زينتها الفانية؛ امتحانٌ لأهلها

قال الله تعالى:

﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾

الكهف:٤٦

وفي الآية دليل على أن المال والبنين زينة وليسا قيمة، فلا يجوز وزن الناس بهما، قيمة الناس بالباقيات الصالحات لا بالفانيات الزائلات، وسبيل النجاة من فتنة الأموال والأولاد إنزالهما سلوكًا وعملًا في منزلهما الذي وضعهما الله فيه، فهما زينة لا قيمة .

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ﴾

الأعراف:٣٢

والإسلام لم يحرم الزينة ما دامت في حدود ما أحل الله

4- تفاخر وتكاثر في الأموال والأولاد

قال الله تعالى:

﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ﴾

الحديد:٢٠

في الأية إشارة إلى ما يجرى بين الناس من تنافس فى الاستكثار من متاع الحياة الدنيا، وزينتها من أموال وأولاد، لا لسدّ الحاجة، وإنما لإشباع رغبة التعالي والتفاخر، تلك الرغبة التي كلما ألقى إليها ما تشتهيه، اشتد جوعها، وازداد نهمها، فلا تشبع أبدًا، إن من شأن التعالى والتفاخر أن يجور على حياة الإنسان نفسه، كما أن من شأن هذا أن يحمله على الجور على حقوق الناس، ابتغاء الوصول إلى الغاية التي يبلغ فيها حدّ التعالى الذي يملؤه فخرًا وتيهًا .

5- عرض

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ﴾

النساء :٩٤

﴿ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

النور: ٣٣

وفي تسمية متاع الدنيا عرضًا ما يدل على كونه سريع الفناء، قريب الانقضاء، فهو عارض زائل غير باق.

6- زهرة

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ  وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ﴾

طه:١٣١

وزهرة الحياة الدنيا أي:حسنها ونضارتها، وفي ذلك إشارة إلى أن الحياة الدنيا قصيرة وسريعة الزوال، كالزهرة تذبل بمرور الوقت.

ثانيًا – وصف الحياة الآخرة

وصفت الحياة الآخرة بعدة أوصاف منها:

1- الحيوان

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾

العنكبوت:٦٤

وإن الدار الآخرة لفيها الحياة الدائمة التي لا زوال لها ولا انقطاع ولا موت معها . ، إشارة إلى أن الحياة الآخرة هي أصل الحياة، وما سواها من حيوات، ظل لها، أو فرع منها.

2- دار القرار

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ﴾

غافر:٣٩

هي الدار التي لا زوال لها، ولا انتقال منها ولا ظعن عنها إلى غيرها، بل إما نعيم وإما جحيم .

3- دار الخلد

لقد وصف الله عز وجل الحياة الآخرة بالخلود

– في حق أهل الجنة

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ أَذَٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا ﴾

الفرقان:١٥

– في حق أهل النار

قال الله تعالى:

﴿ ذَٰلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾

فصلت: ٢٨

أي: لهم الخلود الدائم، الذي لا يفتر عنهم العذاب ساعة، فشدة العذاب وعظمه، مستمر عليهم في جميع الآنات واللحظات.

4- دار الجزاء

من صفات الحياة الآخرة التي لابد أن نؤمن بها أنها دار الجزاء، وهذا الجزاء هو الجزاء الحقيقي، لأنه جاء من الملك الحق الذي لا يملك أحد معه في الحياة الآخرة حكمًا كملكهم في الدنيا.

قال الله تعالى:

﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾

النور:٢٥

﴿ الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾

غافر:١٧

5- دار الحق

قال الله تعالى:

﴿ ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآبًا ﴾

النبأ:٣٩

إنه اليوم الحق الذي يتقرر فيه الحق من حساب وجزاء وجنة ونار، يتقرر فيه ما وعد الله به وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين، إنه اليوم الحق الذي يتلاشى مع وقوعه كل تعلق بباطل، ولايقول الناس جميعًا إلا الحق ولا يرون إلا الحق، إنه الحق الذي لا لبس فيه ولا شك .

7- ضرب الأمثال للحياة الدنيا

مثلت الحياة الدنيا في القرآن الكريم بثلاثة أمثال ، وهي أن الحياة ، أو متعها شبهت  لسرعة زوالها، وفنائها بماءٍ أنبت نباتًا، أو بنباتٍ كسا الأرض بهجة ونضارة، ثم ما لبث أن ذبل وجف وتهشم، وتبدد هباءً منثورًا، فعادت الأرض وكأنها لم تكن قد اكتست به في يوم من الأيام.

– المثل الأول

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

يونس:٢٤

– المثل الثاني

قال الله تعالى:

﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ﴾

الكهف:٤٥

– المثل الثالث

قال الله تعالى:

﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾

الحديد:٢٠

وهكذا فالمتدبر في هذه الأمثال الثلاثة يجد أن القرآن الكريم لم ينتقص من الحياة ذاتها، وإنما انتقص من انشغال الإنسان فيها بما لا يعود عليه بآجل الثواب، واغفاله مالا ينبغي أن يغفل عنه، فهذه الأمثال تدفع المرء للنظر إلى الحياة الدنيا من موقع الفكر والتأمل لا من موقع الانبهار والالتذاذ.

8 – نظرة الناس للحياة

تختلف نظرة الناس للحياة وفقًا لاختلاف عقائدهم وأفكارهم وتصوراتهم التي تنبع من المنهج الذي يستقون منه معرفتهم

أولًا – نظرة المؤمنين

المؤمنون يجعلون القرآن الكريم منهج حياتهم يعلمون أنها دار زائلة فانية يتزودون فيها بما ينفعهم للفوز والنجاة في الآخرة؛ لذا يترفعون عن الشهوات والملذات إلا بالقدر الذي يحقق لهم الحياة ويعينهم على أداء وظيفة العبودية. وهذه النظرة المتوازنة للحياة الدنيا يستقيها المؤمن من كتاب ربه عز وجل .

قال الله تعالى:

﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾

القصص:٧٧

الحياة الدنيا في حس المؤمن دار ممر إلى الحياة الحقيقية في الآخرة، عندها لاينخدع بزينتها وزخارفها، بل يجعلها وسيلة لعمارة هذه الأرض وفق المنهج الرباني، ويصبح شاغله الشاغل فيها هو استعمال ما وهبه الله فيها من نعم وقدرات فيما يقربه من مولاه، وفيما ينفعه في الآخرة، فكل ما يغرسه من أعمال صالحة في الدنيا يجد ثمراته في الآخرة، الحياة الحقيقية اللائقة بهذا المخلوق المكرم.

ثانيًا – نظرة الكافرين

أما غير المؤمنين وقد اتبعوا مناهج أرضية مختلفة وأعرضوا عن منهج القرآن فقد أضحت الدنيا أكبر همهم ومبلغ علمهم ومنتهى آمالهم، فكل سعيهم وجهدهم وتحركاتهم وعلاقاتهم من أجل نيل متاعها الزائل والافتخار بزخارفها الخادعة . أما الآخرة فلا تخطر على بالهم ولا تشغل همهم، فعشق الدنيا أعمى أبصارهم وطبع على قلوبهم، تمامًا كما وصفهم الله عز وجل في كتابه الكريم .

قال الله تعالى:

﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾

الروم:٧

فعندما يتصور الإنسان أن هذه الحياة الدنيا هي نهاية المطاف وأنه لا حياة خالدة بعدها، عندها يندفع كالوحش المفترس نحو شهوات الدنيا وزينتها يغترف منها بلا ضابط أو رادع، ويتقاتل من أجل متاعها ويتصارع في سبيل الاستئثار بملذاتها، حتى أنه يرتكب في سبيل تحصيل لذاتها ومشتهياتها أبشع الجرائم وأخس الأفعال، ولم لا يفعل ذلك، وهي في حسه الفرصة الوحيدة المتاحة لإرواء شهواته وإشباع نهمه، وعندها تختفي كل معاني الإنسانية وتغيب القيم العليا والعواطف النبيلة لتتحول الأرض إلى غابة يفترس فيها القوي الضعيف، ويبغى الغني على الفقير، وهذا الأمر ظاهر للعيان -خاصة- في العالم الغربي الذي لايؤمن إلا بهذه الحياة الدنيوية. لذا توعد الله عزوجل أولئك الذين يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ . أُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

يونس:٧-٨

مما سبق يتضح لنا الفرق بين نظرة المؤمنين ونظرة الكافرين إلى الحياة الدنيا، فشتان شتان بين نظرة تقود صاحبها إلى الحياة الطيبة والسكينة النفسية في الحياة الدنيا، والنعيم الخالد في الآخرة، وبين نظرة تلقي صاحبها في أتون الهم والشقاء، والقلق والحيرة والاضطراب في الحياة الدنيا، والعذاب والخسران والهوان في الآخرة..

فشتان بين مصير المؤمنين ومصير غير المؤمنين في الدنيا والآخرة

– واصفًا أحوال المؤمنين

قال الله تعالى:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

النحل:٩٧

واصفًا أحوال غير المؤمنين

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ﴾

طه:١٢٤

فما أبعد الشقة بين الفريقين!

9- الحياة الآخرة

      في

 القرآن الكريم

جاء وصف القرآن الكريم للحياة الآخرة ليبين للناس حقيقتها، فلا تغيب عن أذهانهم صورتها وهم يعيشون في هذه الحياة الدنيا، ينشغلون بمعاشها وزخارفها، فتكون حافزًا لهم على النهوض للطاعات والعبادات، ومجاهدة النفس على إقامة الأوامر واجتناب المحظورات من أجل الفوز والنجاة في الآخرة.

أولًا – المقابلة بين متاع الدنيا ونعيم الآخرة

تنوعت النصوص القرآنية التي تقارن بين متاع الدنيا الزائل وبين نعيم الآخرة الدائم، منها

قال الله تعالى:

﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾

الحديد:٢٠

في هذه الآية مقابلة بين ما في الحياة الدنيا من متع وشهوات ورغبات لا ثبات لها ولا استقرار، وبين ما في الآخرة من العذاب الشديد، أو المغفرة والرضوان، فليختر العاقل لنفسه ما يشاء.

قال الله تعالى:

﴿ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾

التوبة:٣٨

في هذه الآية عاتب الله عز وجل الذين رضوا بلذات الدنيا الناقصة الزائلة بدلًا من نعيم الحياة الآخرة الكامل الباقي،  فما مقدار عمر الإنسان القصير جدًّا من الدنيا حتى يجعله الغاية التي لا غاية وراءها، فيجعل سعيه وكده وهمه وإرادته لا يتعدى حياته الدنيا القصيرة المملوءة بالأكدار، المشحونة بالأخطار. والآيات التي تقارن بين متاع الدنيا ونعيم الآخرة كثيرة منها:

قال الله تعالى:

﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾

الشورى:٣٦

﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾

النساء:٧٧

﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾

الأنعام:٣٢

مما سبق يتضح أن كل ما يناله الإنسان في هذه الحياة الدنيا من مال أو جاه أو سلطان هو متاع، أي زاد لا يلبث أن ينفد، أو ثوب لا بد أن يبلى، فكل ما فى الحياة الدنيا إلى نفاد، وزوال، وإن كثر وعظم، وما عند اللّه من الثواب والنعيم خير من زهرة الدنيا، لأنه باق سرمديّ، وما فيها زائل فان.

ثانيًا – المقابلة في قصد العباد لكل منهما

قال الله تعالى:

﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا . وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا . كُلًّا نُمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا . انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴾

الإسراء :١٨-٢١

في هذه الآيات مقابلة بين من قصر نظره على الدنيا، وعمل لها، وجعلها غايته، ومرمى همته، ومطرح نظره، ولم يكن له همٌّ سواها، ولم يلتفت إلى الآخرة، وبين من أراد الآخرة فاختار طريق الإيمان والعمل الصالح، والاستقامة على الصراط المستقيم.

قال الله تعالى:

﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ﴾

الشورى:٢٠

فيا لبعد الشقة بين من يريد الهدى والإيمان، ويعمل للآخرة، ويغرس فى مغارس الإحسان، فيزيد له اللّه سبحانه وتعالى فيما غرس، ويبارك عليه، ويضاعف له الجزاء أضعافًا مضاعفة، وبين من أعرض عن الآخرة، وعمل للدنيا، وغرس فى مغارسها، فأخذ ثمر ما غرس فى دنياه، واستوفى نصيبه منه، حتى إذا جاء إلى الآخرة، جاءها ولا نصيب له فى خيرها.

قال الله تعالى:

﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ . أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

هود :١٥-١٦

فما أشقى الذين يصرفون رغبتهم وسعيهم وعملهم في متع الحياة وشهواتها، غير ملتفتين إلى ما وراء هذه الدنيا، ولا منتظرين حسابًا ولا جزاء، فإذا كان يوم القيامة، وبعثوا من القبور، وسيقوا إلى الحساب والجزاء، فهنالك يرون سوء مصيرهم، وأنهم قد جاءوا إلى هذا اليوم مفلسين، لأنهم لم يعملوا له عملًا .

 

 

Share This