1- مفهوم الحنيفية

الحنيفية تعني المَيلُ عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق ، والإخلاص لله وحده في العبودية ، والحنيفيّة تنسب إلى أبينا إبراهيم عليه السلام، جاءته من اعتزل أصنام قومه وآلهتَهم، والتجأ إلى عبادة الله وحده.

قال الله تعالى:

( فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )

آل عمران: 95

والحنيفية ليس دينا مستقلا موجودا في ايام محمد , بل الحنيف هو صفة للدين ,او صفة لدين ابراهيم .وكل الايات تحمل لفظة ( حنيفا ) كنعت لا كاسم .

قال اللهُ تعالى:

( ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا )

النحل: 123

ثم أوحينا إليك -أيها الرسول- أن اتبع دين الإسلام كما اتبعه إبراهيم، وأن استقم عليه، ولا تَحِدْ عنه، فإن إبراهيم لم يكن من المشركين مع الله غيره.

2- معتقدات الحنيفيّة

أنّ الحنيفية صفةٌ لملّة إبراهيم عليه السلام، و هي..

أ- الحنيفية هي صفة لمن اتخذ الله واحدا لاشريك له

قال اللهُ تعالى:

( حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ )

الحج: 31

 ( فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )

آل عمران: 95

ب – الحنيفية هي صفة لمن عبد الله باخلاص , واقام الصلاة , واتى الزكاة , واسلم وجهه لله , وعمل الاحسان.

قال اللهُ تعالى:

( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ )

البينة: 5

ت – الحنيفية هي صفة لمن ابتعد عن الخلافات القائمة في كل دين وفي كل مذهب

قال اللهُ تعالى:

( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )

آل عمران: 67

ث – الحنيفية هي صفة لمن هجر الرذائل والموبقات

قال اللهُ تعالى:

﴿ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ.‌ حُنَفَاءَ لِلَّـهِ ﴾

الحج : 30 -31

ج – الحنيفية هي صفة لمن فطر على الإيمان البسيط والصدق والامانة .

قال اللهُ تعالى:

 ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا )

الروم: 30

ح – الحنيفية هي أقرب الملل والديانات إلى الإسلام

قال اللهُ تعالى:

 ( وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا )

النساء: 125

3- الأمر بتباع ملة إبراهيم ﴿الحنيفية﴾

ولقد أمرنا اللهُ تعالى بتباع ملة إبراهيم

قال اللهُ تعالى:

( وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا )

النساء: 125

لا أحد أحسن دينًا ممن انقاد بقلبه وسائر جوارحه لله تعالى وحده، وهو محسن، واتبع دين إبراهيم وشرعه، مائلا عن العقائد الفاسدة والشرائع الباطلة.

قال اللهُ تعالى:

( فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا )

آل عمران: 95

فإن كنتم صادقين في محبتكم وانتسابكم لخليل الله إبراهيم عليه السلام فاتبعوا ملَّته التي شرعها الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فإنها الحق الذي لا شك فيه. وما كان إبراهيم عليه السلام من المشركين بالله في توحيده وعبادته أحدًا.

قال اللهُ تعالى:

( ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا )

النَّحل: 123

ثم أوحينا إليك -أيها الرسول- أن اتبع دين الإسلام كما اتبعه إبراهيم، وأن استقم عليه، ولا تَحِدْ عنه، فإن إبراهيم لم يكن من المشركين مع الله غيره.

قال اللهُ تعالى:

 ( وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ )

البقرة: 130

ولا أحد يُعرض عن ملة إبراهيم إلا سفيه جاهل .

4- صفات الشخص الحنيف

نحاولُ فيما يلي تسليطَ الضَّوء على الصفات الأساسيَّة للشخص الحنيف وذلك بتتبع صفات أبينا إبراهيم عليه السلام .

1- القلبُ السَّليمُ

قال اللهُ تعالى:

( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ . إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ )

الصّافّات: 83- 84

وإنَّ من أشياع نوح على منهاجه وملَّته نبيَّ الله إبراهيم، حين جاء ربه بقلب بريء من كل اعتقاد باطل وخُلُق ذميم .

– التوكل على الله في كلِّ أمرٍ

قال اللهُ تعالى:

﴿  قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ . أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ . فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ . الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ . وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ . وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ . وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ . وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ )

الشعراء 75-82

قال إبراهيم: أفأبصرتم بتدبر ما كنتم تعبدون من الأصنام التي لا تسمع ولا تنفع ولا تضر، أنتم وآباؤكم الأقدمون من قبلكم؟ فإن ما تعبدونهم من دون الله أعداء لي، لكن رب العالمين ومالك أمرهم هو وحده الذي أعبده. هو الذي خلقني في أحسن صورة فهو يرشدني إلى مصالح الدنيا والآخرة، وهو الذي ينعم عليَّ بالطعام والشراب، وإذا أصابني مرض فهو الذي يَشْفيني ويعافيني منه، وهو الذي يميتني في الدينا بقبض روحي، ثم يحييني يوم القيامة، لا يقدر على ذلك أحد سواه، والذي أطمع أن يتجاوز عن ذنبي يوم الجزاء.

3- طًاعةَ الله في كلِّ أمرٍ

ليس هناك طًاعةَ أكثر من حرصَ إبراهيم على تنفيذ ما ظنَّه أمراً من الله دفعاه إلى تصديق الرؤيا كما هي دون تأويل،أي أنَّ عليه أن يذبحَ ابنَه الوحيد آنذاك .

قال اللهُ تعالى:

 ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ  سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ . فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ . وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ. وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ  ﴾

الصّافّات 102- 107

فلما كَبِر إسماعيل ومشى مع أبيه قال له أبوه: إني أرى في المنام أني أذبحك، فما رأيك؟ (ورؤيا الأنبياء حق) فقال إسماعيل مُرْضيًا ربه، بارًّا بوالده، معينًا له على طاعة الله: أمض ما أمرك الله به مِن ذبحي، ستجدني -إن شاء الله- صابرًا طائعًا محتسبًا. فلما استسلما لأمر الله وانقادا له، وألقى إبراهيم ابنه على جبينه -وهو جانب الجبهة- على الأرض؛ ليذبحه. ونادينا إبراهيم في تلك الحالة العصيبة: أن يا إبراهيم، قد فعلتَ ما أُمرت به وصَدَّقْتَ رؤياك، إنا كما جزيناك على تصديقك نجزي الذين أحسنوا مثلك، فنخلِّصهم من الشدائد في الدنيا والآخرة. إن الأمر بذبح ابنك هو الابتلاء الشاق الذي أبان عن صدق إيمانك. واستنقذنا إسماعيل، فجعلنا بديلا عنه كبشًا عظيمًا.

4- الدّعاءُ إلى الله

قال اللهُ تعالى:

( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ  مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ )

البقرة: 126

واذكر -أيها النبي- حين قال إبراهيم داعيًا: ربِّ اجعل “مكة” بلدًا آمنًا من الخوف، وارزق أهله من أنواع الثمرات، وخُصَّ بهذا الرزق مَن آمن منهم بالله واليوم الآخر.

قال اللهُ تعالى:

( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ )

إبراهيم: 35

واذكر -أيها الرسول- حين قال إبراهيم داعيًا ربه – بعد أن أسكن ابنه إسماعيل وأمه “هاجَر” وادي “مكة” -: رب اجعل “مكة” بلدَ أمنٍ يأمن كل مَن فيها، وأبعِدني وأبنائي عن عبادة الأصنام.

قال اللهُ تعالى:

 ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء،. رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ )

إبراهيم:  40-41

رب اجعلني مداومًا على أداء الصلاة على أتم وجوهها، واجعل من ذريتي مَن يحافظ عليها، ربنا واستجب دعائي وتقبَّل عبادتي. ربنا اغفر لي ما وقع مني مما لا يسلم منه البشر واغفر لوالديَّ (وهذا قبل أن يتبيَّن له أن والده عدو لله) ، واغفر للمؤمنين جميعًا يوم يقوم الناس للحساب والجزاء.

5- قدوة جامعا لخصال الخير

قال اللهُ تعالى:

﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ .شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

النحل : 120- 121

إن إبراهيم كان إمامًا في الخير، وكان طائعا خاضعًا لله، لا يميل عن دين الإسلام موحِّدًا لله غير مشرك به، وكان شاكرًا لنعم الله عليه، اختاره الله لرسالته، وأرشده إلى الطريق المستقيم، وهو الإسلام

 

Share This