1- مفهوم الحساب

الحساب هو المؤاخذة والمجازاة على الفعل بما يناسبه

2- كلمة الحساب

        في

القرآن الكريم

وردت كلمة الحساب وصيغها في القرآن الكريم (٤٧) مرة. والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

ورد مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا ﴾

الطلاق:٨

– الفعل المضارع

ورد مرتين

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ﴾

البقرة:٢٨٤

– المصدر

ورد٤٢ مرة

قال الله تعالى:

﴿ هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

ص:٣٩

– اسم الفاعل

ورد مرتين

قال الله تعالى:

﴿ فَعَسَىٰ رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ ﴾

الكهف:٤٠

وجاء الحساب في القرآن الكريم على عدة أوجه:

1- العدد

قال الله تعالى:

﴿ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ﴾

الإسراء:١٢

أي: عدد أوقات السنين، والشهور، والأيام، والساعات.

2- الكثرة

قال الله تعالى:

﴿ جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ﴾

النبأ:٣٦

عطاء كثيراً، فجزاهم بالعمل اليسير الخير الجسيم، الذي لا انقطاع له

3- المحاسبة والعرض يوم القيامة

قال الله تعالى:

﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ﴾

إبراهيم 41

يوم يقوم الناس للعرض والحساب والجزاء.

4- التقتيروالمِنَّة

قال الله تعالى:

﴿ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

غافر:٤٠

﴿ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

آل عمران:27

أي: أنه سبحانه يعطي من يشاء من خلقه، فيجود عليه، بغير محاسبة منه، ولا مِنَّة

5- الثواب والجزاء

قال الله تعالى:

﴿ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ ﴾

الشعراء: ١١٣

أي: أجرهم

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا ﴾

النبأ:27

أي: لم يكونوا يعتقدون، أن ثمة داراً يجازون فيها، ويحاسبون.

6- العذاب

قال الله تعالى:

﴿ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا ﴾

الكهف:٤٠

أي: عذابًا من السماء.

7- الكفاية والشهادة

قال الله تعالى:

﴿ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾

النساء :6

وكفى بالله محاسباً وشهيداً ورقيباً.

قال الله تعالى:

﴿ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾

الإسراء: 14

حسبك اليوم نفسك عليك حاسباً، يحسب عليك أعمالك، فيحصيها عليك، لا نبتغي عليك شاهداً غيرها.

9-  الظن

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ﴾

آل عمران:169

أي: ولا تظنن

قال الله تعالى:

﴿ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ﴾

البقرة: 273

أي: يظنهم

10- حساب منازل الأفلاك

قال الله تعالى:

﴿ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ﴾

الرحمن:5

﴿ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ﴾

الأنعام:96

جعل الشمس والقمر يجريان بحساب وعددٍ لبلوغ أمرهما، ونهاية آجالهما، ويدوران لمصالح الخلق التي جُعِلا لها.

3- الكلمات ذات الصلة

    بكلمة الحساب

– الجزاء

المكافأة على الشيء ، إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر

قال الله تعالى:

﴿ ذَٰلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ ﴾

فصلت: 28

– الثواب

هو الجزاء كيف ما كان من الخير والشر، إلا أن استعماله في الخير أكثر.

قال الله تعالى:

﴿ فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ ﴾

آل عمران : 148

4- الأدلة على الحساب

        في

   القرآن الكريم

الحساب ثابتٌ في القرآن الكريم ، والإيمان به أصلٌ من أصول الدين

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ . ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾

الغاشية: 25- 26

﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ  . فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾

الانشقاق: 7- 8

5- الحساب في حق

  الله سبحانه وتعالى

يظهر الحساب في حق الله تعالى من خلال الفقرات الآتية:

أولًا: اسم الله الحسيب

يوصف الله عزّ وجلّ بأنه الحسيب ، والحسيب بمعنى الرقيب المحاسب لعباده المتولي جزاءهم بالعدل، وبالفضل.

قال الله تعالى :

﴿ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾

النساء:٦

﴿ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾

الأحزاب:٣٩

وكفى بالله محاسبًا عباده على جميع أعمالهم ومراقبًا لها. والحسيب هو الذي يحفظ أعمال عباده من خير، وشر، ويحاسبهم إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر.

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ﴾

النساء:٨٦

أي: هو محاسبكم على أعمالكم وكافٍ في إيصال جزاء أعمالكم إليكم

ثانيًا: شمول الحساب للسر والعلن

ذكر القرآن الكريم شمول الحساب للسر والعلن.

قال الله تعالى :

﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ﴾

البقرة:٢٨٤

وما تظهروه مما في أنفسكم أو تخفوه فإن الله يعلمه، وسيحاسبكم به، فيعفو عمن يشاء، ويؤاخذ من يشاء.

قال الله تعالى :

﴿ قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ﴾

آل عمران:٢٩

إن تكتموا ما استقر في قلوبكم أم تظهروا ذلك لا يَخْفَ على الله منه شيء

قال الله تعالى :

﴿ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾

طه:٧

ثالثًا: الله أسرع الحاسبين

ذكر القرآن الكريم أن الله تعالى أسرع الحاسبين.

قال الله تعالى:

﴿ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾

الأنعام:٦٢

﴿ الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾

غافر:١٧

بينت الآيات أن الله تعالى يحاسب عباده يوم القيامة ويسألهم عن أعمالهم، وهل يحاسب العباد إلا الذي خلقهم وأحصى أعمالهم وحفظها عليهم حتى يسألهم عنها، فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وهو العلي القدير، وسرعة حسابه أنه يحاسب العباد كلهم في أسرع زمن وأقصره، لا يشغله حساب أحد عن حساب غيره، ولا يشغله شأن عن شأن.

رابعًا: الله هو المحاسب لعباده

ذكر القرآن الكريم أن الله تعالى هو الذي يحاسب عباده.

قال الله تعالى:

﴿ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾

النساء:٦

﴿ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾

الأحزاب:٣٩

وكفى به تعالى محاسبًا لكم، فلا تخالفوا ما أمرتم به ولا تجاوزوا ما حدّ لكم.

6 – أنواع الحساب

ذكر القرآن الكريم أنواع الحساب في الدنيا والآخرة ونوضح ذلك في المطلبين الآتيين:

أولًا: الحساب في الدنيا

أخبر القرآن الكريم عن الحساب في الدنيا.

قال الله تعالى:

﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا . فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا ﴾

الطلاق:٨-٩

بينت الآية أن كثيرًا من القرى عصى أهلها أمر ربهم ، وكذبوا الرسل الذين أرسلوا إليهم وتمادَوا في طغيانهم وكفرهم، فحاسبناهم على أعمالهم في الدنيا حسابًا شديدًا، وعذَّبناهم عذابًا عظيمًا منكرًا، فتجرَّعوا سوء عاقبة عتوهم وكفرهم، وكان عاقبة كفرهم هلاكًا وخسرانًا لا خسران بعده.

– وقد جاء تفصيل هذا العذاب

قال الله تعالى:

﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾

العنكبوت:٤٠

ثانيًا: الحساب في الآخرة

أخبر القرآن الكريم عن الحساب في الآخرة.

قال الله تعالى:

﴿ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَىٰ  وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَٰئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾

الرعد :18

للمؤمنين الذين أطاعوا الله ورسوله الجنة، والذين لم يطيعوا وكفروا به لهم النار، ولو كانوا يملكون كل ما في الأرض وضِعْفه معه لبذلوه فداء لأنفسهم من عذاب الله يوم القيامة، ولن يُتَقبل منهم، أولئك يحاسَبون على كل ما أسلفوه من عمل سيِّئ، ومسكنهم ومقامهم جهنم تكون لهم فراشًا، وبئس الفراش الذي مهدوه لأنفسهم.

– وقد جاء تفصيل هذا العذاب

قال الله تعالى:

﴿ هَٰذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ . جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ . هَٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ . وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ﴾

ص:55-٥٨

وأما المتجاوزون الحدَّ في الكفر والمعاصي، فلهم شر مرجع ومصير، وهو النار يُعذَّبون فيها، تغمرهم من جميع جوانبهم، فبئس الفراش فراشهم. هذا العذاب ماء شديد الحرارة، وصديد سائل من أجساد أهل النار فليشربوه، ولهم عذاب آخر من هذا القبيل أصناف وألوان.

وقد بينت الآيات أن الله عز وجل يحاسب عباده يوم القيامة ويسألهم عن أعمالهم.

قال الله تعالى:

﴿ يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾

المائدة:١٠٩

﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ﴾

الأعراف:٦

﴿ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ ﴾

الشعراء:١١٣

7- أوصاف الحساب

تظهر أوصاف الحساب من خلال ما يلي:

أولًا: الحساب السريع

ذكر القرآن الكريم أن الله تعالى سريع الحساب.

قال الله تعالى:

﴿ أُولَٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾

البقرة:٢٠٢

﴿ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾

الأنعام:٦٢

﴿ الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾

غافر:١٧

بينت الآيات أن الملك والحكم يوم القيامة لله وحده وأنّ كل نفس تجزى ما كسبت وأن الله تعالى لا يظلم؛ لأن الله ليس بظلام للعبيد، وأن الحساب لا يبطئ، وأن الله سريع الحساب؛ لأن الله لا يشغله حساب عن حساب، فيحاسب الخلق كله في وقت واحد وهو أسرع الحاسبين .

ثانيًا: الحساب اليسير

يخبر القرآن الكريم أن من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا.

قال الله تعالى:

﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ . فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا . وَيَنْقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا ﴾

الانشقاق:٧- 9

بينت الآية أن الله تعالى سوف يحاسب أصحاب اليمين حسابًا يسيرًا، والحساب اليسير هو أن تعرض عليه أعماله، فيعرف بالطاعة، والمعصية ثم يثاب على الطاعة، ويتجاوز له عن المعصية، فهذا هو الحساب اليسير؛ لأنه لا شدة فيه على صاحبه، ولا مناقشة، ولا يقال له: لم فعلت هذا ولا يطالب بالعذر فيه، ولا الحجة عليه فإنه متى طولب بذلك لم يجد عذرًا، ولا حجة فيفتضح .

ثالثًا: الحساب العسير

بعد أن ذكر الله تعالى أن المؤمن يحاسب يوم القيامة حسابًا يسيرًا أعقبه بذكر أن الكافر يحاسب حسابًا عسيرًا.

قال الله تعالى :

﴿ فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ . فَذَٰلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ . عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ ﴾

المدثر:٨-١٠

فإذا نُفخ نفخة البعث والنشور، فذلك الوقت يومئذ شديد على الكافرين، غير سهل أن يخلصوا مما هم فيه من مناقشة الحساب وغيره من الأهوال.

قال الله تعالى :

﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ . فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا . وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا. إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا . إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ. بَلَىٰ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا ﴾

الانشقاق:١٠-١٥

وأمَّا مَن أُعطي صحيفة أعماله من وراء ظهره، وهو الكافر بالله، فسوف يدعو بالهلاك والثبور، ويدخل النار مقاسيًا حرها. إنه كان في أهله في الدنيا مسرورًا مغرورًا، لا يفكر في العواقب، إنه ظنَّ أن لن يرجع إلى خالقه حيا للحساب. بلى سيعيده الله كما بدأه ويجازيه على أعماله، إن ربه كان به بصيرًا عليمًا بحاله من يوم خلقه إلى أن بعثه.

8 – المحاسب عليه

يظهر ما يحاسب عليه العبد وما لا يحاسب عليه من خلال ما يأتي:

أولًا: ما يحاسب عليه العبد

ذكر القرآن الكريم أن مما يحاسب عليه العبد يوم القيامة ، الأتى

1- الكفر

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾

المؤمنون:١١٧

﴿ إِلَّا مَنْ تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ . فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ . إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ . ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾

الغاشية:٢٦

2- الشرك

يبين القرآن الكريم أن الحساب الواقع بعد البعث ينال الذين دعوا مع الله آلهة دعوى لا عذر لهم فيها .

قال الله تعالى:

 ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾

القصص:٥٠

فإن لم يستجيبوا لك ، فاعلم أنما يتبعون أهواءهم، ولا أحد أكثر ضلالا ممن اتبع هواه بغير هدى من الله.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾

المؤمنون:١١٧

ومن يعبد مع الله الواحد إلهًا آخر، لا حجة له على استحقاقه العبادة، فإنما جزاؤه على عمله السيِّئ عند ربه في الآخرة.

3- الأعمال

بينت الآيات أن الله تعالى يحاسب العباد يوم القيامة على أعمالهم، وأنهم يحاسبون بكل صغيرة وكبيرة، وقليل وكثير.

قال الله تعالى:

﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾

الكهف:٤٩

ووُضِع كتاب أعمال كل واحد في يمينه أو في شماله، فتبصر العصاة خائفين مما فيه بسبب ما قدموه من جرائمهم، ويقولون حين يعاينونه: يا هلاكنا! ما لهذا الكتاب لم يترك صغيرة مِن أفعالنا ولا كبيرة إلا أثبتها؟! ووجدوا كل ما عملوه في الدنيا حاضرًا مثبتًا. ولا يظلم ربك أحدًا مثقال ذرة، فلا يُنقَص طائع من ثوابه، ولا يُزاد عاص في عقابه.

قال الله تعالى:

﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾

الأنعام:١٦٠

من لقي ربه يوم القيامة بحسنة من الأعمال الصالحة فله عشر حسنات أمثالها، ومن لقي ربه بسيئة فلا يعاقب إلا بمثلها، وهم لا يظلمون مثقال ذرة.

قال الله تعالى:

﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ ﴾

الأنبياء:٤٧

ويضع الله تعالى الميزان العادل للحساب في يوم القيامة، ولا يظلم هؤلاء ولا غيرهم شيئًا، وإن كان هذا العمل قدْرَ ذرة مِن خير أو شر اعتبرت في حساب صاحبها. وكفى بالله محصيًا أعمال عباده، ومجازيًا لهم عليها.

ثانيًا: ما لا يحاسب عليه العبد

ذكر القرآن الكريم أن العبد إنما يحاسب على عمله وأنه لا يحاسب على عمل غيره.

قال الله تعالى:

﴿ مَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ﴾

الإسراء: 15

من اهتدى فاتبع طريق الحق فإنما يعود ثواب ذلك عليه وحده، ومن حاد واتبع طريق الباطل فإنما يعود عقاب ذلك عليه وحده، ولا تحمل نفس مذنبة إثم نفس مذنبة أخرى.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾

الأنعام:٥٢

ولا تُبْعد – أيها النبي- عن مجالستك ضعفاء المسلمين الذين يعبدون ربهم أول النهار وآخره، يريدون بأعمالهم الصالحة وجه الله، ما عليك من حساب هؤلاء الفقراء من شيء، إنما حسابهم على الله، وليس عليهم شيء من حسابك، فإن أبعدتهم فإنك تكون من المتجاوزين حدود الله، الذين يضعون الشيء في غير موضعه.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾

الأنعام:١٦٤

ولا يعمل أي إنسان عملا سيئا إلا كان إثمه عليه، ولا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى، ثم إلى ربكم معادكم يوم القيامة، فيخبركم بما كنتم تختلفون فيه من أمر الدين.

9- الإيمان بيوم الحساب وأثره

يظهر الإيمان بيوم الحساب، وأثره الطيب على الفرد والمجتمع من خلال ما يأتي:

أولًا: الإيمان بيوم الحساب

الإيمان بيوم الحساب والجزاء ركن من أركان الإيمان، يحاسب العبد على عمله، ويجازى عليه .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ . ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾

الغاشية:٢٥-٢٦

﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾

الأنعام:١٦٠

﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ ﴾

الأنبياء:٤٧

وقد ذكر القرآن الكريم الحساب والجزاء على الأعمال، فلو لم يكن حساب، ولا جزاء لكان هذا من العبث الذي ينزه الرب الحكيم عنه.

قال الله تعالى:

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾

المؤمنون : 115

﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴾

الأنبياء : 16

ثانيًا: أثر الإيمان بيوم الحساب

من آثار الإيمان بيوم الحساب ما يأتي

1- سبب لمراقبة المؤمن لأخلاقه، ومحاسبته لنفسه

أن الإيمان بيوم الحساب ينمي الضمير الداخلي الذي يراقب الإنسان مراقبة يقظة قبل صدور أي عمل نفسي أو سلوكي، ويحاسبه محاسبة دقيقة بعد صدور أي عمل منه، فالمؤمن بالله وبيوم الحساب وما فيه من ثواب وعقاب يدفعه إيمانه إلى مراقبة الله في جميع أعماله مراقبة دقيقة تجعله دائم الحذر من الوقوع فيما يغضب الله جل جلاله، فيستوجب عقابه، وتحمله دومًا على اتباع مرضاة الله سبحانه عله ينال ثوابه.

قال الله تعالى:

﴿ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾

النساء:٦

٢- سبب للبعد عن عمل السيئات

أن الإيمان بيوم الحساب ظاهرة في سلامة كتاب المؤمن من السيئات، وسبب سعادته.

قال الله تعالى:

﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنْكُمْ خَافِيَةٌ . فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ . إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ . فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ. فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ . قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ . كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾

الحاقة:١8- 24

3- سبب لتحقيق التقوى

أن الإيمان باليوم الآخر هو المنطلق لكل خير والمانع لكل شر، والإيمان بالبعث هو منطلق جميع الأعمال الصالحة؛ لأنه يؤمن أن هناك يومًا آخر يجازى فيه الإنسان المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.

قال الله تعالى:

﴿ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا . وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا. إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ﴾

الإنسان:٧-١١

﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا ﴾

الكهف:١١٠

4- سبب لزيادة الإقبال على فعل الخير

والإيمان باليوم الآخر من ثماره أنه يغرس في النفوس الوفاء بالعهد والميثاق، وصلة الأرحام والجيران والفقراء، ومحبة الخير، والحرص على إسداء المعروف وينفرها من اقتراف الشرور وارتكاب الآثام، فالحلم والأناة، والتضحية، والصبر على الشدائد، والسمو بالنفس عن الدناءات، كل ذلك يتجلى به المؤمن؛ لأنه ينتظر جزاءه عند الله، لا عند المجتمع ولا عند الناس، ويوم الجزاء آت لا ريب فيه، في موعده الذي قدره الله له، لا يتزحزح، لذلك فإن أخلاق المؤمن ثابتة لا يزعزعها شيء من أعراض الحياة الزائلة.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ . الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ . وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ . وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ﴾

الرعد:١٩-٢٢

5- الحرص على الاستعداد لليوم الآخر

حرص العبد على الزيادة من الأعمال الصالحة، وتجنّب الأعمال المُنكرة، وزيادة استعداده لهذا اليوم العظيم .

قال الله تعالى :

( فَأَمَّا مَن طَغَى . وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيَا . فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى . وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى )

النازعات: 37-41

والاستعداد لمواقف اليوم الآخر؛ من الوقوف للحساب أمام الله، وعبور الصراط، وتطاير الصحف، وغيرها، والتأثّر والخشية عند ذكر الآخرة، والرجوع والتوبة إلى الله تعالى .

 

Share This